آليّة الصّادق للتّمييز بين دم الحيض والقروح!!

#لا تحتاج حكاية العصمة العلميّة للأئمّة المؤسّسين فضلاً عن غيرهم إلى بيان زائد في نفيها ولا إلى دراسات طويلة عريضة لردّها؛ فهي من القضايا الّتي تكون قياساتها معها كما يقولون، ويكفي الباحث المحايد أن يقرأ نصوصهم الرّوائيّة المتّفق على صحّة انتسابها إليهم، بمعزل عن القبليّات الكلاميّة والأصوليّة الفاسدة، وسيعرف ذلك بوضوح تامّ.
#سأضرب مثالاً بسيطاً وظريفاً على ذلك؛ نعمّق فيه أصل المدّعى بوضوح، ونوضّح أيضاً كيف ألغى الفقهاء الاثنا عشريّة “قدّس الله أسرار الماضين منهم وحفظ الباقين” عقولهم وهم يقاتلون في سبيل توجيه هذه الكوارث الرّوائيّة.
#اختلف الفقهاء الاثنا عشريّة في طبيعة الآليّة الّتي يمنحونها للمرأة لتميّز الدّم الخارج منها، بين ما إذا كان دم حيض أو دم قروح وجروح، فذهب بعضهم إلى أنّ الدّم إذا خرج من الجانب الأيمن من مهبلها فهو قرحة، وإذا خرج من الجانب الأيسر فهو حيض، وذهب آخرون إلى عكس ذلك، فقالوا: إذا خرج الدم من الجانب الأيسر فهو قرحة، وإذا خرج من الجانب الأيمن فهو حيض!!
#وقد تسأل مستغرباً: تُرى كيف توصّل الفقهاء إلى مثل هذه الاكتشافات العبقريّة المضحكة، ولماذا اختلفوا هذه الاختلافات المهولة؟!
#وإجابة سؤالك ستكون واضحة إذا ما عرفت أنّ مرجع هذه الاختلافات يعود إلى رواية وردت في كتب المشايخ الثّلاثة الكليني المتوفّى سنة: “329هـ” والصّدوق المتوفّى سنة: “381هـ” والطّوسي المتوفّى سنة: “460هـ”، وعملوا بمضمونها، وأفتوا على أساسها، والاختلاف المتقدّم ما بين الجانب الأيسر والجانب الأيمن إنّما يعود إلى اختلاف روايتهم لها، وإليك نصّ الرّواية كما جاءت في الكتب المتقدّمة، وطبيعة الاختلاف الحاصل في نقولاتهم:
#روى الكليني عن محمّد بن يحيى العطّار، مرفوعاً عن أبان بن تغلب إنّه قال: «قلت لأبي عبد الله “ع”: فتاة منّا بها قرحة في فرجها، والدّم سائل، لا تدري من دم الحيض، أو من دم القرحة، فقال: مرها فلتستلق على ظهرها، ثمّ ترفع رجليها، ثمّ تستدخل إصبعها الوسطى؛ فإن خرج الدّم من الجانب الأيمن فهو: من الحيض، وإن خرج من الجانب الأيسر، فهو: من القرحة».
#وجاء في الفقيه والتّهذيب: «فإن خرج الدم من الجانب الأيمن، فهو من القرحة، وإن خرج من الجانب الأيسر، فهو: من الحيض». [من لا يحضره الفقيه: ج1، ص97؛ تهذيب الأحكام: ج‏1، ص385ـ386، ط الخرسان؛ ج1، ص409، ط الغفّاري].
#ولهذا قال المحدّث الكاشاني المتوفّى سنة: “1091هـ” بعد أن عرض الرّواية بصيغتها الواردة في الكافي: «‏كذا وجد هذا الخبر في نسخ الكافي كافّة، وفي كلام صاحب الفقيه وبعض نسخ التّهذيب عكس الأيمن والأيسر، ونقل عن ابن طاووس “رحمه الله” أنّه قطع بأنّ الغلط وقع من النّساخ في النّسخ الجديدة من التّهذيب، وكأنّه غفل عن نسخ الفقيه، وعلى هذا يُشكل العمل بهذا الحكم، وإن كان الاعتماد على الكافي أكثر». [الوافي: ج‏6، ص450].
#وقد وقع الفقهاء في حيص بيص شديد في ترجيح أيّ منهما، وأفتى بعضهم وفق الصّيغة الأولى، وبعضهم وفق الصّيغة الثّانية كما نوّهنا، وسعى بعض المتأخّرين والمعاصرين إلى طرحها، وناقش غيرهم في ذلك، وتفصيله في محلّه من المدوّنات الفقهيّة المعروفة، فراجع.
#وهنا نسأل: ما هو تقييم الطبّ الحديث لمثل هذه الآليّة الّتي طرحها الصّادق وفقاً لهذه النّصوص؟!
#لا شكّ بأنّ الأطبّاء المحايدين سيضحكون كثيراً، بل ستضحك النّساء أنفسهنّ أيضاً، وبتعبير الملّا مهدي النّراقي المتوفّى سنة: “1209هـ”: «كلّ امرأة رأيناها وسألناها اعترفت بعدم إدراك الجانب للخروج»، ولا أدري كيف سمح الرّواة الّلاحقون للصّادق بتداول مثل هذه الآليّة المضحكة جدّاً، لكن المشكلة الّتي كان يعاني منها الأئمّة المؤسّسون هي: إنّهم يعيشيون ويتسيّدون في مجتمعات تعاني من شحّة كبيرة في العلوم الطبيّة والصّحيّة، ولهذا كانت إجاباتهم تنطلق من المحاولة والخطأ لا غير، ولا تنطلق من مصالح ومفاسد واقعيّة نفس أمريّة في أنواع أو أشخاص متعلّقاتها كما يدّعي الأصوليّون الاثنا عشريّة المعاصرون.
#أجل؛ الّذي ألجأ الأَعلام الاثني عشريّة إلى مثل هذا الافتراض هو إيمانهم الكلامي القبلي بوجود خصوصيّة لأصحاب هذه النّصوص، ليس على مستوى تلقّي المعلومة فقط، بل على مستوى طرحها ونشرها، لكنّ هذا المدّعى تكذّبه نصوصهم نفسها بما لا مزيد عليه، وبدل أن يجعل هؤلاء الأعلام هذا الأمر خير منبّه على خطأ مقولاتهم الكلاميّة، يضطرّون إلى الدّخول في عمليّات ماراثونيّة طويلة عريضة في سبيل علاج التّعارضات الرّهيبة الحاصلة في نصوصهم؛ لأنّهم يرون أنّ هذه التّعارضات تنطلق من رؤية قبليّة، وعلى الفقيه أن يسعى جهد إمكانه لرفعها، واستخلاص الموقف الشّرعي السّليم من خلالها، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
لا يتوفر وصف للصورة.
 
 https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3297594397029528