لم تمنع الموسيقى إعماراً وبناءً على طول التّاريخ!!

من يُريد الإعمار والبناء وتوفير أبسط سُبل العيش لمواطنيه وأبناء جلدته لا اعتقد أنّ الغناء والموسيقى والحفلات الرّاقصة هنا أو هناك ستمنعه من ذلك، ومن يُريد أن يمنع الغناء والموسيقى والحفلات الرّاقصة هنا أو هناك فلا حاجة لتذرّعه بالإعمار والبناء؛ فهاتان مقولتان منفصلتان مستقلّتان، الجمع بينهما ممكن وبسلاسة، وتركهما أو التمسّك بأحدهما ممكن وبسلاسة أيضاً.

وبالتّالي: فعلينا أن نقول وجهات نظرنا بصراحة ووضوح تامّ من دون مكاتمة أو مواربة، إمّا أن نعزّز ثقافة “موسى بدينه وعيسى بدينه” مع عدم التّعدّي على حقوق الآخرين الأخلاقيّة المتّفق عليها بين عقلاء اليوم، ونقدّم للنّاس ـ كمسؤولين تنفيذيّين ـ خدمات العيش والرّفاهة بمعزل عن قناعتهم الفكريّة والدّينيّة، وإمّا أن نضع السّيف على رقابهم ونقايضهم بين الخدمات المفترضة وقبول الإسلام بالقوّة كما فرضه الرّسول وأصحابه وأهل بيته أو لا شيء من ذلك غير مرّ العلقم، ولكلّ من الخيارين نتائجه وردود أفعاله، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.

https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fjamkirann%2Fposts%2F4445391292249827&show_text=true&width=500

الدّيموقراطيّة الحقيقيّة وفهم الإسلاميّين المغلوط لها!!

لنفترض أنّ شخصاً كتب كتاباً وانتقد فيه الإسلام ورسوله وإلهه وقرآنه ومذاهبه وفرقه نقداً علميّاً محضاً، فهو بهذا العمل يمارس حريّة التّعبير المكفولة ديموقراطيّاً حسب الاصطلاح المتعارف عليه بين البلدان المتنوّرة، وينبغي على أيّ دولة تدّعي مثل هذا الحكم حمايته وتوفير الأمن الّلازم له، بمعزل عن حقّانيّة نقده وتماميّة آرائه، وكذا لو انتقد اليهوديّة والنّصرانيّة أو أيّ دين آخر، وهذا ما قامت عليه سيرة البلدان الدّيموقراطيّة المتقدّمة وقوانينها وأعرافها.

نعم؛ متى ما خرج هذا الشّخص إلى الشّارع ونصب سيطرات لمنع المسلمين من ممارسة شعائرهم أو طقوسهم فيحقّ للدّولة حينذاك أن تُصدر مذكّرة اعتقال بحقّه انسياقاً مع القانون المتّفق عليه والسّائد في هذا البلد الدّيموقراطيّ، كما أنّ محبّي هذا الشّخص لو خرجوا إلى الشّارع ومارسوا ذلك فينبغي منعهم أيضاً، والكاتب نفسه لا يتحمّل مسؤوليّة التّحريض على ذلك طالما كان يميّز بين المقامين، والقانون لا يحمي المغفّلين والمندفعين.

المؤسف: إنّ الإسلاميّين ـ بعرضهم العريض ـ في بلداننا يدّعون الدّيموقراطيّة الّليبراليّة الحقيقيّة على مستوى الأفكار والنّظريّات وحريّة التّعبير، لكنّهم يُطبّقون نوعاً قمعيّاً منها منبثقاً ممّا يُسمّى بثوابتهم الدّينيّة والمذهبيّة والمجتمعيّة؛ فهم يُريدون أن يجعلوا من دينهم ومذهبهم ورموزه خطوطاً حُمراً لا يحقّ للشّخص حتّى التّفكير في نقدها فضلاً عن ممارسة ذلك، وفي الوقت نفسه يدّعون أنّهم من دُعاة الدّيموقراطيّة الحقيقيّة ويتشدّقون بذلك، وأنّهم من دعاة الرّأي والرّأي الآخر أيضاً!!

مع أنّ هذه الممارسة خلاف العمليّة الدّيموقراطيّة اللّيبراليّة تماماً؛ إذ ما عليهم أن يفهموه هو: لا حقّ لهم في منع الشّخص من ممارسة نقده طالما لم يمسك عصا بيده ويخرج إلى الشّارع ليمنع النّاس من ممارسة طقوسها، لا أن يكمّموا أفواه بعض فئات النّاس بعناوين مبتدعة تحت طائلة حماية الدّستور ومقولاته؛ إذ يجب أن نميّز جيّداً بين نقد ما يُسمّى بالثّوابت الدّينيّة والمذهبيّة والدّستوريّة علميّاً، وبين انعكاس هذا النّقد على الواقع الخارجي وتحوّله إلى مصدّات وسيطرات تمنع النّاس من ممارسة طقوسها؛ فالأوّل: حقّ ديموقراطيّ مكفول للجميع، والثّاني: مخالف للقوانين المتّفق عليها، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.

https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fjamkirann%2Fposts%2F4189459601176332&show_text=true&width=500

حريّة النّقد مشروطة بمراعاة الأدب في بيانها!!

للإنسان الحقّ في هذا المكان أن يكتب ملاحظاته العلميّة النّقديّة على أيّ وجود أو مفروض الوجود في هذا الوجود دون تقيّد ولا تحفّظ ولا تهيّب، ولكن بشرط أن يكتب ذلك بعلم وأدب وحسن بيان، من غير ذلك فهو يكتب انفعالاته ليس إلّا، ويُسهم في إعطاء المهرّجين ذريعةً لتهريجاتهم، كما ويُبعد النّفوس الطيّبة الّتي يهمّها العلم والمعرفة من المشاركة والتّفاعل والإفادة والاستفادة في هذا المكان الّذي بنيناه للعلم والمعرفة فقط.

نتمنّى من الجميع مراعاة ذلك، وتدوين ملاحظاتهم بما يُراعي الأدب والأخلاق والحياء العامّ، ومن غير ذلك فنحن مضطرّون لحذفها وإن طال الوقت، ويجب على المتابعين الجادّين والحريصين أن يتفهّموا أنّ هذا الحساب لشخص واحد فقط، وبالنّهاية فإنّ قدرته على متابعة التّعليقات جميعاً وفي كلّ الأوقات هي محدودة بطبيعة الحال، لذا وجب التفهّم والتّنويه، لكنّ سياسته العامّة في منع وحجب أيّ تعليق لا يلتزم بما ذكرناه آنفاً لا تعديل ولا تغيّر فيها، كما لا نتحمّل مسؤوليّة أيّ كتابة وتعليق غير ما نكتبه باسمنا، مهما حاول المهرّجون ادّعاء وجود حسابات أخرى لنا؛ لأنّهم لا يستوعبون الحقيقة.

شكراً للجميع على تفهّم ذلك، والله من وراء القصد.

https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fjamkirann%2Fposts%2F3908953705893591&show_text=true&width=500

الحركة الإسلاميّة في العراق: المحاولة والخطأ!!

أصدر أحد الدّعاة ورموز الحركة الإسلاميّة الكبار كتاباً في ستّينيّات القرن المنصرم جاء فيه: إنّ الطّفل الّذي لا يتذوّق طعماً لحنان الأمومة وعطف الأبوّة ينشأ نشأة غير سويّة، وينطوي على عقد نفسيّة مستعصية، وأنّ هذا الفراغ الحاصل في نفس الطّفل لا يسدّه شيء من عواطف النّاس الغرباء أصلاً؛ لتعذّر أن تسدّ أيّ عاطفة ذلك الفراغ الّذي يملأه عطف الأب وحنان الأمّ، كما أنّ نضوب العاطفة لديهم تدفع بهم إلى ممارسة الأعمال الإجراميّة بقسوة ووحشيّة!!

أقول: إذا كان الأمر كذلك فلماذا بادرتم يا شيخنا الكريم إلى توريط آلاف الآباء بالانتماء للحركة الإسلاميّة، الأمر الّذي سبّب صعودهم إلى أعواد المشانق وبالتّالي: ترمّل آلاف النّساء وتيتّم عشرات الآلاف من الأطفال، وهي أعمال لم تؤثّر في زحزحة النّظام القمعي الدّكتاتوري عن مكانه قيد أنملة، فهل كان هدفكم توفير بيئة حاضنة لإخراج مجرمين ووحشيّين ـ حسب افتراضكم ـ وأنتم غير مؤهّلين لرعايتهم والاهتمام بهم في خارج العراق فضلاً عن داخله؟!

الظّاهر أنّ المشكلة الكبرى لدى مؤسّسي الحركات الإسلاميّة في العراق هو حماسهم واندفاعهم غير المدروس والمنسجم مع طبيعة الشّخصيّة العراقيّة، لا سيّما مع تصاعد موضة الإسلام هو الحلّ إقليميّاً والّتي تطلّبت تغيير جميع الدّنيا من أجل انسجامها مع أحكامه، ولا زلنا إلى اليوم ندفع ثمنها، فتأمّل كثيراً كثيراً لكي لا تكرّر التّجارب الماضية وتعيش حالة الاندفاع والحماس الّلا مدروس، والله من وراء القصد.

https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3703794356409528

طرائف وإيضاحات!!

#حملت هذه الصّفحة مئات المقالات من النّقد (العلمي) لكثير من الفقهاء والمراجع الإثني عشريّة الأحياء والأموات فضلاً عن نقد أهمّ الأساسات الكلاميّة والفقهيّة، المذهبيّة والدّينيّة، وجميعها موجودة في أرشيفها ومدرجة في موقعها الشّخصي أيضاً، لكنّ ما أن بدأت بالنّقد العلمي الجادّ وغير المجامل كعادتها لتراث الرّاحل الشّهيد محمّد الصّدر حتّى ظهر العاطفيّون من أتباعه وعشّاقه بدفع من المستأكلين باسمه وعنوانه فقالوا: “عود ليش” بدأت بالمولى المقدّس دون غيره؟! فأنت عميل ومأجور وابن حرام… إلخ من سمفونيّات معروفة!!
#والأكثر ظرافة وطرافة: أنّهم روّجوا بأنّي من أتباع شخص أعدّه أحد أبرز تطبيقات الظّواهر السّلبيّة القاتلة الّتي مهّد المرحوم الشّهيد أساساتها _ ولو من دون قصد _ عن طريق تمرير فكرة إثبات المدّعيات العلميّة بصرف الادّعاءات وطلب المناظرات، أو أنّهم أشاعوا بأنّي أمثّل توجّهات شخص استبرأت منه منذ ما يقرب من عشر سنوات!! وهم لا يعلمون بأنّي لا أمثّل غير نفسي فقط وفقط، ولا بشرط من بعض المرجعيّات وبشرط لا من بعضها الآخر، ولله في خلقه شؤون وشؤون.
#ميثاق_العسر

زيارة الحسين “ع” وقيام ذكور الرّجال على الخشب!!

#مئات السّنين والملالي والوعاظ بمختلف صنوفهم من أبناء جلدتي المذهبيّة يحثّون جماهيرهم على زيارة قبر الحسين بن عليّ “ع” في يوم الخامس عشر من شعبان بالخصوص، ويروون عن الصّادق “ع” نصوصاً كثيرة حولها بالخصوص حتّى رووا عنه قوله في فضلها بإسنادهم الصّحيح أو المعتبر عندهم: «لو أخبرت النّاس بما فيها لمن زار الحسين “ع” لقامت ذكور الرّجال على الخشب» [كامل الزّيارات:ص181]، فحار محدّثو الإثني عشريّة في تفسير معنى “الذّكور” الواضح هنا حتّى وصل الأمر بتأويلاتهم إلى إلغاء العقول!!
#وبعد ظهور وباء كورونا المدمّر تغيّرت المعادلة، وأُغلقت كربلاء، وأخذت الأجهزة الأمنيّة تعتقل من يُريد الزّيارة بعد اتّفاق مع من بيده القرار الحوزويّ ولو على مستوى الإقرار، وتحوّل معظم رجال الدّين من حاثّ على الزّيارة في أحلك الظّروف والمناسبات ومستقتل في سبيلها، إلى مبرّر ومستميت ولو بطريق غير مباشر في عدم انبغائها، ولست أدري: فهل كان فضلها الّذي ستنتصب ذكور الرّجال على الخشب بلا وعي من أجله قد قُيّد بما هو دون زمان الأمراض المعدية والسّارية والّتي ينبغي البقاء فيها حلس البيوت، أمّ أنّ فضلها يتجاوز كلّ هذه الأمراض بل بزيارته وتربته الشّفاء من كلّ داء ووباء حتّى لحظة ظهور كورونا؟!
#بلى؛ رغم أنّنا نحثّ الجميع على ضرورة الالتزام بالإرشادات الصحيّة والإلزامات الطبيّة في هذا الخصوص ونشدّ على أياديهم في ترك التجمّعات الدينيّة والمذهبيّة وغيرها أيضاً، لكنّا لا نتفهّم انسياق الجهات المعنيّة بالقرار الإثني عشريّ وملاليهم ووعاظهم معها، ونعدّ هذا الّلون من الانسياق إجراءً تكتيكيّاً مؤقّتاً يحفظ لهم تغريراتهم السّابقة فقط، وما لم يراجعوا ذلك التّراث المذهبيّ الموبوء والخاطئ فلا يمكن أن نحسن الظّن بهم، ولا يمكننا المطابقة بين ظاهرهم وباطنهم؛ لأنّهم سيرجعون إلى تلك النّصوص وتوظيفاتها ومفرداتها بمجرّد أن يكتشف المعنيّون علاجاً أو تطعيماً لهذا الوباء، وسيقولون لجماهيرهم حينها: كلّ هذا ببركة زيارة العتبات وبقيّة الله الأعظم في الأرض، وسترجع حليمة إلى عادتها القديمة وزيادة أيضاً، لذا نتمنّى أن يتحذّر الواعون من هذه الممارسات، وأن يدكّوا العروش المذهبيّة ما استطاعوا في هذه الفترة بالنّقد والتّمحيص الموضوعيّ المبرهن؛ لأنّ ما وفّرته كورونا في هذا الخصوص لم تستطع جهود مئات السّنين توفيره، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

الطّاعون طريقة تأديب سماويّة!!

#في آخر كتاب النّكاح من كتاب جواهر الكلام للفقيه الإثني عشريّ محمّد حسن بن الشّيخ باقر المتوفّى سنة: “1266هـ”، وهو الجدّ الأعلى لأسرة الجواهري والّذي لُقّبوا به بسببه، أقول: في آخر كتاب النّكاح نصّ قائلاً وهو يسجّل تاريخ تصنيفه له: «وقد كان ذلك عند العصر تقريباً في يوم الأربعاء: رابع عشر من ربيع الثّاني، من سنة السابعة والأربعين بعد الألف والمأتين، وهي: السّنة الّتي أدّب الله في شوال سابقتها ـ أيّ السادسة والأربعين ـ أهل بغداد، وفي ذي القعدة منها أهل الحلّة وأهل النّجف وأهل كربلاء وغيرهم بالطّاعون العظيم، الّذي قد منّ علينا وعلى عيالنا وأطفالنا وبعض متعلّقينا بالنّجاة منه، وكم له من نعمة؛ فإنّه المنّان الكريم الرّحمن الرّحيم». [جواهر الكلام: ج31، ص389].
#كما عزّز هذا المضمون في رسالته العمليّة وفي مقدّمة باب الإرث والّتي كشفت بحقٍ عن حجم المأساة الّتي خلّفها الطّاعون أيضاً فقال: «أمّا بعد فيقول العبد العاثر، المقصّر القاصر، محمّد حسن بن المرحوم المبرور الشّيخ باقر: إنّه لما أدّب اللّه ـ تعالى شأنه ـ عباده في زماننا بقارعة الطّاعون العظيم، وابتلاهم بطارقة خطبه الجسيم، وصار ذلك سبباً لاختلاط المواريث واشتباه الحال فيها، سألني بعض من لا يسعنى مخالفته ولا يمكننى مماطلته: كتابة رسالة وجيزة في أحكامها، واستخرت الله تعالى شأنه واجبته إلى ذلك…». [نجاة العباد: ص188، حجري].
#وهنا نسأل المنغمسين بالولائيّات والّذين يمانعون من الإغلاق المؤقّت لهذه العتبات والمراقد حفاظاً على سلامتهم وسلامة الآخرين، بذريعة أنّها محميّة من السّماء ولا تصل إليها الأوبئة والأمراض: إذا كان الأمر كذلك فكيف يحدّثنا صاحب الجواهر بخلاف ذلك وينصّ على أنّ هذا تأديب إلهيّ للنّاس من سكنة هذه المناطق أيضاً؟!
#وقد يزيد هذا النّمط من المذهبيّين من عنادهم كما هو المتوقّع، ويفترضون: أنّ هذه الأوبئة والأمراض المتفشيّة لم تكن تمنع علماء الحوزة ومراجعها من الزّيارة وممارسة يوميّاتهم بعرضها العريض، وبالتّالي: فلا معنى لأن ننساق مع دعاوى إغلاق العتبات والمراقد والّتي هي الأكسير الأعظم والكبريت الأحمر لكلّ داء ووباء!!
#وهنا سأجنح بغية رفع هذا العناد لنقل نصّ كتبه محقّقو الطّبعة الجديدة لجواهر الكلام والّذي أخذوه من مصادر عديدة ووافرة تحدّثت عن تلك المرحلة، حيث قالوا وهم يتحدّثون عن البرهة الزّمنيّة الّتي مرّ بها صاحب الجواهر وأزماتها العميقة: «وكان المستوى الصحّي منخفضاً إلى حدّ لا يوصف ويقتصر على المعالجات بالطبّ‌ القديم المتوارث، وقد شهدت تلك الفترة الزمنيّة أيضا انتشار الأوبئة الخطرة كالطاعون بنحو فجيع ذهب ضحيّته عشرات الآلاف، وخاصّة في مناطق العتبات المقدّسة كالنّجف وكربلاء وسامراء، ممّا أدّى إلى هروب كثير من السكّان، وطلاّب العلوم الدينيّة من مدن الحوزات العلميّة في أيام الوباء، فتتعطّل الدّروس والمكاسب والحياة العامّة».
#أجل؛ مشكلة الجيل الولائيّ الجديد ـ وخصوصاً من نشأ وترعرع في ظلّ المنتجات المذهبيّة العميقة الّتي ولّدتها العقود الأربعة الأخيرة ـ إنّه يفكّر في التّعاطي مع هذه الأمور بطريقة عاطفيّة محضة لا يستطيع مراجعتها والتّأمّل فيها ولو بمقدار يسير، ولهذا تسقط الضّحايا بالأمس بسبب اندفاعات مذهبيّةٍ وقبور وهميّةٍ، واليوم بسبب عنادٍ وتحشيدٍ عشائريٍّ مذهبيٍّ نحو المراقد متحدّين الأمراض والأوبئة الفتّاكة، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

زيارة عاشوراء تعمل في سامراء الطّائفيّة فقط!!

#قبل سنوات قليلة وفي سياق رصّ الصفّ والتّحشيد الحزبي والمرجعي: بادر بعض المعاصرين لنقل الاسطورة الشّائعة الّتي تقول: إنّ الطّاعون أو الوباء كان قد أزيل عن الشّيعة الإثني عشريّة في سامراء دون غيرهم من أهل السُنّة والجماعة ببركة مواظبتهم على قراءة زيارة عاشوراء بعد حكم أصدره مرجع تقليدهم، ورتّب على هذه الحكاية ـ والّتي أخطأ خطأً فاحشاً حتّى في نقل اسم أحد من تُنسب إليه كما سنوثّق في محلّه ـ نتائج سياسيّة ومرجعيّة عديدة.
#وبعد سنوات من هذا التّحشيد غزا العالم والعراق وباء كورونا والّذي عجز الطبّ حتّى الّلحظة عن إيجاد تحصين أو علاج له، بادر هذا المرجع ـ كما نسبت إليه بعض وسائل الإعلام ـ إلى الإفتاء بضرورة تعليق إقامة صلاة الجمعة الّتي يرى وجوبها؛ لأنّها تجمّع يُسهم في نقل الوباء!!
#وهنا أسأل: أ لم يكن الأنسب بهذا المعاصر أن يطلب من مقلّديه المواظبة على قراءة زيارة عاشوراء قبل الإفتاء بهذا التّعليق؛ ليس لإبعاد هذا الوباء عن النّاس في عموم المواطن والمسارح كي يُقال إنّ فيهم من لا يؤمن بهذه الزّيارة أو جدوائيّتها؛ وإنّما لإبعاده عن مقلّديه الملتزمين بها حصراً، وبهذا يثبت مثل هذه الكرامة ولو من باب أداء التّكليف؟! لكنّ مشكلة هؤلاء مشكلة عميقة وراسخة جدّاً؛ لأنّهم حينما يرتقون منابر الوعظ والتّحشيد الحزبي والمرجعي لا يتوقّعون إنّ يأتي يوم تكشف الأوبئة والأمراض والعلم بطلان مقولاتهم الوعظيّة الّتي رسّخوها في عقول النّاشئة، ولهذا يتفشّى الجهل وتزداد الأميّة المذهبيّة، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

الحثّ على الإضراب والحكم بحرمته!!

#بعد أن حثّ المرحوم الخمينيّ المتوفّى سنة: “1409هـ” الشّعب الإيرانيّ على الإضراب العامّ في جميع مفاصل الدّولة وبارك لهم في هذا العمل وعدّه من أفضل الوسائل الّتي تحقّق أهداف الثّورة، عاد وبعد استلامه السّلطة ليفتي بتحريمه؛ حيث سُئل ذات يوم ما ترجمته: «هل يجوز أن يُضرب موظّفو وعمّال دوائر الدّولة ـ في ساعات الدّوام والعمل المخصّصة ـ عن العمل ويتحصّنون هناك بغية متابعة مطالبهم؟!»، فأجاب قائلاً ما نصّه: «لا يجوز، وعليهم العمل وفقاً لقوانين الدّولة الإسلاميّة». [الاستفتاءات الفارسيّة المطبوعة: ج3، ص498].
#وبغضّ الطّرف عن سبب صدور هذه الفتوى وعن شأنها الإيرانيّ الّذي لا يعنينا، إلّا أنّها من زاوية المحايد الفاحص تُعدّ طبيعيّة جدّاً؛ وذلك لأنّها ترتهن بطبيعة النّظرة الّتي يحملها المناهض للسّلطة والثّائر عليها؛ فحينما يراها ظالمة يعتبر الإضراب عملاً سليماً وجائزاً وناجحاً ويصبّ في صالح المناهضين بحقّ لها، وحينما يكون رأس السّلطة فيها أو أحد أركانها فمن الطّبيعي أن يعتبر هذا العمل محرّماً ولا ينبغي أن يكون بغضّ الطّرف عن مطلبيّة وحقّانيّة الدّاعين له، وهذا هو منطق السّلطة ومنطق المعارضة، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

بناء الأوطان وبناء المذهب ضرّتان!!

#قبيل سقوط النّظام العراقيّ البعثي السّابق، وعلى مأدبة غداء في مدينة قم الإيرانيّة تحديداً، جمعتنا الصّدفة مع أحد قيادات الأحزاب العراقيّة المعروفة، فحدّثنا وهو نادم جدّاً على مستوى وعيه حينها فقال: حينما كنت في شمال العراق أوائل تسعينيّات القرن المنصرم كنت أنظر إلى الشّاحنات المحمّلة بأنواع الحديد والصّلب وغيره وهي تنقلها من العراق إلى إيران، أنظر إليها وأنا فرحٌ مبتهجٌ جدّاً اتنفّس الصّعداء؛ لأنّها غنائم تُسهم في انتصار الإسلام والمسلمين!!
#وفي الحقيقة: إنّ هذا الّلون من التّفكير المذهبي المؤسف يُعدّ خطأ جسيماً وفادحاً دفع العراق والعراقيّون ولا زالوا أثماناً باهظة في سبيله، ونُهبت مقدّراتهم وإمكانيّاتهم ومواردهم تحت عناوين فقهيّة مذهبيّة بائسة؛ فرغم تقديرنا البالغ للأخوة الإيرانيّين، واحترامنا الجليل لبلدهم وحرصهم على تطوير تجربته المذهبيّة، لكنّ ما نتمنّى على جميع الفصائل والأحزاب السّياسيّة أن تعيه هو: أنّ الأوطان لا تُبنى بهذه الطّريقة البتّة، وما لم نعزل طريقة بناء الأوطان عن طريقة بناء المذاهب فلن نجني غير مزيد من الدّماء والخراب والفساد والأحقاد، هذه حقيقة يجب أن نفهمها ولو بعد مرور ستّ عشرة سنة من سقوط النّظام، وهي مسلّمة وطنيّة عميقة لا يعيها إلّا الوطنيّون، فليُتأمّل فيها كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

السّيستاني يتحمّل مسؤوليّة فساد مقلِّديه!!

#لا شكّ في أنّ لدى السّيد السّيستاني “حفظه الله” مقلّدين عراقيّين كُثر في خارج العراق وداخله، وهم متديّنون ويلتزمون بفتاواه ولا يخالفونها أيضاً، لكنّهم حينما يستفتون سماحته عن جواز أخذ راتب من الحكومة العراقيّة بعنوان الخدمة الجهاديّة بأنواعها المعروفة، فإنّه إذا أراد أن يُجيب ـ والشّرطيّة صادقة حتّى مع كذب طرفيها كما يقولون ـ فسيكون جوابه الكليشة المعروفة: “يجوز ذلك إذا كان موافقاً للقانون”، ولهذا يستغلّ هؤلاء المتديّنون من مقلّديه هذا الصّمت وهذه الإجابات شرّ استخدام، ويستلمون ما يُريدون من الحكومات العراقيّة المتعاقبة ما بعد “2003م” بعنوان رواتب وامتيازات تلحقهم من عناوين الخدمة الجهاديّة وغيرها من العناوين المشابهة؛ طالما أنّ الحكومة العراقيّة قد أقرّتها، وقنّنتها، ولا مشكلة فيها من هذا الحيث!!
#لكنّ المشكلة العميقة في أمثال هذه القوانين والّتي لا يُريد السّيستاني وأضرابه أن ينبس ببنت شفة حولها هي: إنّ هذه القوانين نخرت الدّولة العراقيّة، وأحدثت فوارق طبقيّة اجتماعيّة هائلة، وهي إحدى الأسباب الأساسيّة الّتي ساهمت في انفجار الوضع وأفضت إلى وصول الأمور إلى مستوى الإنهيار؛ فالكلام كلّ الكلام ليس في كون هذه الرّواتب قانونيّة لكي يحلّ أخذها ويشرع استلامها وفقاً لقواعد الصّناعة الفقهيّة الّتي يمتهنها السّيستاني وغيره، وإنّما الكلام في قانونيّة وشرعيّة وأخلاقيّة مثل هذه القوانين بصيغتها المتداولة وعرضها العريض؛ إذ من الواضح: إنّ هذه القوانين نتاج توافقات سياسيّة بين الأحزاب الحاكمة على طريقة “مرّر لي وامرّر لك”، وتعويض هؤلاء المجاهدين والمهجّرين والمهاجرين والسّجناء والشّهداء…إلخ ينبغي أن يكون وفق منطق العدالة الاجتماعيّة الّتي لا تفضي إلى إحداث ارتدادات اجتماعيّة قويّة جدّاً تؤثّر حتّى على دين النّاس وتؤسّس لعداوات لا موجب لها.
#أتمنّى أن يعي بيت السيّد “حفظه الله”: إنّ بإمكانهم بكلّ بساطة أن يُوقفوا مثل هذه القوانين وما يضاهيها من القوانين الّتي مُرّرت بمعيّتها للأطراف السُنيّة والكرديّة ببساطة، لا بإلزام الحكومة ذلك لكي يقال كما قيل أيضاً: إنّ سماحة السيّد الوالد لا يتدخّل في الشّأن السّياسي وليس له منصب دستوري أصلاً، وإنّما من خلال تحريم استلامها بهذا النّحو ـ وهذا قيد مهمّ ـ على مقلّديه، وبهذه الطّريقة ستسقط هذه القوانين من رأس؛ لأنّ الحكومة العراقيّة بقضّها وقضيضها لا تجرؤ على مخالفة فتاوى سماحته الصّريحة والواضحة. أمّا طريقة تمييع الأمور، ومحاولة تسطيحها لأنّ المبنى الفقهيّ في مجهول المالك يسمح بذلك، وفي الوقت نفسه تقتصر بيانات منابر الجمعة على خطابات كليّة عامّة لا يفهمها حتّى المختصّون فلا نظنّ أنّ الأمور ستنتهي ولن تتفاقم مرّة أخرى، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

الفكر الثّوري والتّوقّعات الخاطئة!!

#بعد إخماد انتفاضة الرّابع عشر من شعبان والّتي حصلت في العراق سنة: “1991م”، عمد الرّئيس العراقيّ السّابق صدّام حسين إلى استقدام المرجع الأعلى السّابق للطّائفة الإثني عشريّة الخوئي المتوفّى سنة: “1413هـ” إلى بغداد؛ بغية تعزيز موقفه وفرض هيمنته واستصدار موقف سلبي منه تجاه الانتفاضة، وقد أُظهر المرحوم الخوئي ونجله المرحوم محمّد تقي بجنب صدّام، وقد أكّد الخوئي على عدم صحّة الممارسات الّتي قام بها من اسماهم الغوغاء، خصوصاً وقد كسّروا زجاج سيّارته أيضاً، ودعا في الوقت نفسه لصدّام بالحفظ والصّون… إلخ من بيانات مسجّلة بالصّوت والصّورة كنّا قد نشرناها في مشاركات سابقة.
#لكنّ الغريب في الأمر أنّ المحبّين للمرحوم الخوئي لم يصدّقوا بهذه الواقعة حينها على الإطلاق، وأكّدوا فبركتها، وعدم واقعيّتها، والأغرب من هذا كلّه: إنّ المرجع الدّيني الرّاحل المرحوم محمّد الشّيرازي المتوفّى سنة: “1422هـ” عمد إلى إصدار بيانيّة جاء فيها ما يلي:
#بسم الله الرّحمن الرّحيم، وقد مكر الّذين من قبلهم فلله المكر جميعاً، لن ينفع صدّام وزمرته تجميع الصّوت والصّورة لآية الله العظمى السيّد الخوئي “دام ظلّه”؛ فإنّ الثّورة قد قامت، والحكومة البعثيّة في طريق الزّوال القريب بإذن الله تعالى. إنّ هذه النّسبة إلى السّيّد الخوئي كذب محض على ما يقوله جماعة من الخبراء الّذين رأوا الصّورة وسمعوا الصّوت، ولا اعتبار بمثل هذه الأمور في الشّرع الإسلاميّ والقوانين العالميّة، وعلى فرض الصّحة فالقضيّة ممحّضة في الإرهاب والإكراه بأبشع درجاته. والّلازم على جميع المسلمين في العالم وكلّ من يحمل في داخله ضميراً حيّاً تجنيد كلّ الطّاقات لإسقاط حكومة البعث الجانية، والضّغط على كافّة الدّول لقطع علاقتها مع الحكومة العراقيّة الّتي لم تدع حرمة إلّا انتهكتها، ولا جريمة إلّا ارتكبتها، والمشتكى إلى الله، 4 رمضان: “1411هـ”، محمّد الحسيني الشّيرازي].
#لكنّ الحقيقة لم تكن كما توهّم المرحوم الشّيرازي؛ فقد كان الّلقاء صحيحاً ولا مرية فيه أيضاً، كما لم يكن هناك إكراه أيضاً بهذا المعنى الّذي افترضه؛ لأنّ المرحوم الخوئي لم يكن يعلم بجميع هذه الأحداث الحاصلة في الانتفاضة؛ نظراً لعمره المتقدّم جدّاً وصحّته المتدهورة، وما حصل من بيانات وتأييدات إنّما هي بسبب نجله المرحوم عبد المجيد الّذي فرّ فور إخماد الانتفاضة إلى خارج العراق أيضاً وقُتل في النّجف بعد ذلك سنة: “2003م”، وأخيراً: توفّي المرحوم محمّد الشّيرازي ولم يسقط صدّام أيضاً إلّا بعد تدخّل القوى الكبرى، فتأمّل في الأفق الحركي والتّوقّعات غير المدروسة؛ كي لا تُكرّر المشهد مرّة ثانية في أيّامنا، والله من وراء القصد.

مُغنية وموسى الصّدر مشكلة وطنيّة عميقة!!

#خطّ يراع المرحوم محمّد جواد مغنيّة المتوفّى سنة: “1400هـ” مقالاً هامّاً حمل عنوان: “الغزو من الدّاخل”، مقالاً يتحدّث عن ظاهرة خطيرة اجتاحت لبنان في زمانه، تتلخّص في: انتشار عمائم دخيلة على الوسط العلمي الحوزويّ يُهدف من خلالها إلى تدمير هذا الوسط والقضاء عليه وعلى تأثيره، والظّاهر ـ والله العالم ـ أنّ سبب صدور هذا المقال هو المرحوم موسى الصّدر والّذي كان للمرحوم مُغنيّة إشكاليّات عميقة على شخصه ومواقفه وتحرّكاته ومشاريعه ونواياه، وكانت التّقارير الأمنيّة الموثّقة قد أرسلت هذا المقال إلى مصادرها مقرّرة لهم: إنّ هذا المقال هو أحد فصول كتاب “تجارب محمّد جواد مغنيّة” الّذي ينوي الأخير طباعته قريباً، وكان قد أرسله ـ أعني المقال ـ إلى صحيفة الحياة لنشره، لكنّها تمنّعت عن ذلك بسبب علاقتها مع موسى الصّدر.
#وبغضّ الطّرف عن تقييمنا لأصل الخلاف بين مُغنيّة وموسى الصّدر وتفحّصنا لأسبابه ومبرّراته، لكنّ هذا المقال نعدّه جديراً بالتأمّل للغاية؛ لاحتوائه على حقائق ملموسة لا يمكن إنكارها، حقائق لا تختصّ بلبنان فقط، بل هي واقع ملموس جدّاً في واقعنا الإثني عشريّ خصوصاً في العراق، والّذي أصبح مرتعاً سهلاً لجميع القوى الدّوليّة والإقليميّة، على أنّ تقييم جهاز السّافاك الإيراني له يقرّر على أنّ المقال وإن كان يُعاني من عُقد نفسيّة حسب وصفه، لكنّه يحتوي على حقائق لا مرية فيها، لذا نجد من الّلازم استعراضه ومن ثمّ التّعليق المقتضب عليه، حيث قال:
#التحدّيات: تواجه اليوم الهيئات الدّينيّة ألواناً من التّحدّيات في كلّ مكان، ولكنّ علماء الشّيعة في لبنان يعانون هذه التّحدّيات بكلّ أنواعها وصنوفها، ويزيدون على سائر العلماء بنوعٍ جديد يهدف إلى تدميرهم والقضاء عليهم كعلماء لهم ما للعلماء من شأن، فبعد الفتنة الطّائفيّة والشّمعونيّة الكتابيّة، بين المسلمين والمسيحيّين بلبنان، انتشرت بين أبناء الشّيعة بالخصوص العمامة الكبرى المكوّرة المدوّرة انتشاراً سريعاً ومذهلاً!
#وكانت هذه العمامة إلى عهد قريب حجراً محجوراً إلّا على من قضى في دراسة العلوم الدّينيّة سنوات بالنّجف الأشرف. واليوم أصبحت العمامة المكوّرة مشاعاً لكلّ متطفّل ودخيل، ولكنّ الصّورة الأولى لهذه العمامة ما زالت هي المسيطرة على ذهنيّة السّواد الأعظم، وأنّ كلّ من لفّها وأدارها على رأسه فهو من علماء النّجف أو درس في النّجف على الأقل.
#الأصيل والدّخيل: شاء الله سبحانه وتعالى أن أعاصر جيلين من شيوخ العمائم، ولقد رأيت في الجّيل الأوّل من تشبّه بأهل العلم وليس منهم، ولكنّه نادر وقليل، ولا غرابة، فما من صنف إلّاوفيه أصيل ودخيل، حتّى النّقود المتداولة فيها الزّائف والسّليم، وإنّما الغرابة أن يكون الزّائف هو الأغلب والأكثر، كما هو الشّأن في الجيل الحالي الثّاني من شيوخ العمائم الّذين أدركوني، ورأيت فيهم التّدقّق والتّضخّم، وكيف تحوّل بهم الشّعار الدّينيّ إلى مهزلة.
#أدركت البقيّة الباقية من شيوخ الأوّلين،وكان فيهم أكثر من واحدٍ فقيهاً بلا اجتهاد، أو مجتهداً بلا فقه، كما أشرت، ولكن كان بينهم جميعاًعنصر مشترك، هو: الشّعور بالمسؤوليّة أمام الله والنّاس عمّا يحملون من شعار مقدّس، وأنّ هذا الشّعور يفرض على حامله حدوداً أو قيوداً يجب عليه مراعاتها والالتزام بها، وهذا العنصر المشترك بالذّات هو الّذي حفظ للسّلف كيانه واحترامه، وأبقى على هيبته وكرامته.
#أمّا الكثير من شيوخ الخلف فقد حملوا هذا الشّعار المقدّس دون أن يشعروا بأعبائه، ويلتزموا بواجبه، همّه الجهد والكسب من أيّ طريق، أمّا المتّقون فقليل ما هم، وكذلك أهل الاجتهاد والنّظر، ولقد لمست في بعض الطّلاب الّذين هجروا النّجف والدّرس مبكّرين، طاقة واستعداداً للاجتهاد المطلق، ولكنّهم ملّوا الطّريق فقطعوا السّير، وخلدوا إلى الكسل وراحة التّقصير، فحرموا أنفسهم من الفوز العظيم، ولله في خلقه شؤون.
#الأسباب والأهدف: فيما يلي نُشير إلى بعض الأسباب الموجبة، والأهداف المبتغاة لهذا التّضخّم العددي الكبير من شيوخ الجيل الجديد:
#أوّلاً: البطالة، والفشل في الحياة، يبحث بعض شباب الشّيعة الّلبنانيّين عن مصدر العيش فلا يجدونه، وإذا ضاقت بهم الحيل شدّوا الرّحال إلى النّجف، وكوّروا العمامة، وأطلقوا الّلحية على بابك يا كريم.
#ثانياً: الرّغبة في وظيفة قد ينالونها بواسطة زيّهم الدّينيّ، في سلك القضاء، الإفتاء أو التّدريس على الأقل.
#ثالثاً: ولعلّ الأهمّ والأخطر من السّببين الأوّلين، ضرب القطّاع الدّينيّ من داخله، ثمّ توجيهه حسب خطّة مدروسة الهدف، منها: تشويه مبادئ الإسلام، ومساعدة الإمبرياليّة الصّهيونيّة في ضرب حركات التّحرّر الوطني.
#والإسلوب المتّبع لذلك جديد قديم، ويتمّ بضخّ أكثر عدد من المعمّمين إلى سوق النّخاسة والعمالة؛ ليعملوا باسم الدّين، وإنّما في خدمة الأعداء والرّجعيّين.
#هذا هو الغزو من الدّاخل، وهو أحدث وأخبث أساليب الهدم والتّخريب، ويحقّق للغزاة أهدافهم بلا حرب حسام أو كلام، ويتمّ بالأقنعة والملابس التّنكريّة؛ فيختلط الحابل بالنّابل، والأصيل بالدّخيل، والوطنّي بالعميل، وتضيع القضيّة.
#لقد غُرّر ببعض البسطاء المؤمنين أن يلقوا ملابسهم التّقليديّة الّلائقة بهم وبأمثالهم، وأن يكوّروا العمامة الكبرى فوق رؤوسهم، ويظهروا بمظهر العلماء والفقهاء، فاستسلموا للإغراء وحبّ الظّهور، وغفلوا عن أنفسهم وعن قصد من غرّر بهم، ونعوذ بالله من عثرة الغفلة وسوء القصد.
#وعاتبت بعض هؤلاء على عمامته المزوّرة، فخجل واعتذر بأنّه قد حُمل عليها، وقلت له: لقد حملوك على الصّعب، وعرّضوك وكلّ معمّم لسخرية العابثين وضحك الهازئين، وفي نهج البلاغة: “هلك من ادّعى وخاب من افترى”، وعن الرّسول الأعظم: “من غشّ المسلمين فليس منهم”.
#كنت حاضراً أحد المجالس، وجرى حديث هذه العمائم والّلحى بين الحاضرين، فقال أحدهم: “أرادوا من هذه العمائم أن يرفعوا من شأن الطّائفة ويباهوا بها الأمم”، وقال آخر: “بل أرادوا بهذه العمائم أن يسترجعوا فلسطين، ويستردّوا حقوق الشّيعة المغتصبة، ويحصّنوا قرى الجنوب من غارات إسرائيل ويرووا الأرض بماء الّليطاني”، وقال أخبث الحاضرين: “بل أرادوا أن يُحيوا رجل الدّين وهو رميم”». [تجارب محمّد جواد مغنيّة: ص492].
#أقول: لا شكّ في أنّ الظّاهرة أعلاه والأقسام الّتي تحدّث المرحوم مغنيّة عنها لا تختصّ بلبنان الكريمة على الإطلاق، بل هي منتشرة في عموم بلداننا الشّيعيّة للأسف الشّديد وخصوصاً في العراق، وتعمد القوى الأقليميّة والدّوليّة لاستغلال الهشاشة الأمنيّة لبعض البلدان وحاجة أهلها الاقتصاديّة والثّقافيّة والدّينيّة فتزرع بعض العمائم أو تكبّرها بعد تزويدها بما يرفع العطش الظّاهري لمجتمعات هذه البلدان، وعن هذا الطّريق تؤسّس لحاضنة مجتمعيّة كبيرة لا يمكن زعزعتها ولو على المستوى البعيد، فتصبح هذه الدّول رهيناً لاستقرار وانتعاش تلك الدّول المؤثّرة فيها والحاكمة عليها، فتكون سلماً لسلمها، وحرباً لحربها، وغنى لغناها، وفقراً لفقرها، وهذه من أعظم البلاءات الّتي ابتليت بها الطّائفة في هذا العصر دون مراجعة وفحص وتنبيه لمخاطرها، فليُتفطّن كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

الشّباك المخابراتيّة طويلة الأمد!!

#تستغلّ الأنظمة المخابراتيّة العالميّة وغيرها أيّ فراغ سياسيّ أو دينيّ يحصل في بلد من البلدان لفرض نفوذها وسيطرتها وتمرير أجنداتها مهما كانت خيّرة أو شرّيرة، فيرحّب المعدمون والبسطاء والمنتفعون بأيّ نفوذ في هذا التّوقيت ما دام يحقّق لهم مطالبهم وطموحاتهم ويوفّر لهم احتياجاتهم، وبعد مرور فترة من الزّمن سيجدون أنفسهم في فخّ عظيم لا يستطيعون الخروج منه، حيث يرون أنّ ولاءاتهم قد اندمجت مع أصحاب النّفوذ بشكل كامل، ويرون أنّ الوطنيّة مجرّد شعار كاذب يهدف للقضاء على دينهم ومذهبهم وأخلاقهم!!
#بلى؛ فهؤلاء المساكين ضحيّة تخطيط طويل الأمد ومدروس وممنهج؛ خصوصاً إذا وظّف رجل دين لتمريريه ـ ولو من دون علمه ـ حتّى وإن كان لم يحصّل من العلم سوى ارتداء العمامة ما دام يحقّق احتياجاتهم وينفّذ طلباتهم وينسجم مع رغباتهم، وهكذا تتراكم هذه المحبّة والولاء العابر للحدود بعناوينه المختلفة من دون تمييز، وبعد ظهور المشاكل وانكشاف الثّغرات يحاولون ترقيعها دون جدوى؛ لأنّهم يجهلون: أنّ أساس مآسيهم الظّاهرة اليوم إنّما هو بسبب تلك الحسينيّة أو المسجد أو المبرّة أو المدرسة أو المؤسّسة أو الجامعة أو المجلس…إلخ الّتي بناها لهم فلان قبل عقود؛ لأنّها هي من مهّدت وسهّلت للنّفوذ الخارجي والاختراق دون شعور ومعرفة، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

موسى الصدر ومهمّته الإيرانيّة!!

#لكي يعرف المتابع الجادّ أحد أبرز ركائز الخلاف العميق بين العالم الّلبناني المرحوم محمّد جواد مغنيّة المتوفّى سنة: “1400هـ” والمرحوم موسى الصّدر فعليه أن يدقّق في النصّ التّالي الّذي قرّره المرحوم الخمينيّ المتوفّى سنة: “1409هـ” حينما قال في خطاب السّفير الصّومالي سنة: “1399هـ” ما يلي:
#وأمّا فيما يتعلّق بالسيد [موسى] الصّدر فقد تابعنا القضية أثناء وجودنا في النّجف، ولدى ذهابنا إلى باريس وعودتنا الى إيران؛ فالسيّد [موسى] الصّدر ولد في ايران، وهو إيرانيّ، وتربطني به علاقة قديمة، وقد ذهب إلى لبنان، ونحن مهتمون بالأمر؛ لأنّه إيرانيّ من جهة، وكان رئيساً للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان…». [المرحوم الخمينيّ: صحيفة نور: ج7، ص153].
#فإذا عرف ذلك سيعرف أيضاً: أنّ علماء لبنان الوطنيّين في ذلك الوقت كانوا يفكّرون في قيادة بلدهم وإدارة أزماته بأفكار وأدوات لبنانيّة الولادة والموطن والهوى، أمّا فرض واقع خارجي عليهم وبعناوين مذهبيّة وعاطفيّة معيّنة فالأمر لا يخلّف سوى زيادة الاحتقان الطّائفي ووصول الوضع إلى ما وصل إليه، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

الجيش العقائديّ خطّ أحمر!!

#حملت ديباجة الدّستور الإيراني فقرة تحت عنوان: “الجيش العقائديّ”، جاء فيها ما يلي: «عند تأسيس وتعبئة القوّات المسلّحة الحامية للبلاد يتركّز الاهتمام على جعل الإيمان والعقيدة أساساً وقاعدة لذلك، وهكذا يتمّ تأسيس جيش الجّمهوريّة الإسلاميّة وقوّات حرس الثّورة على أساس الهدف المذكور، ولا تلتزم هذه القوّات المسلّحة بمسؤوليّة الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أعباء رسالتها الإلهيّة، وهي: الجهاد في سبيل الله، والنّضال من أجل نشر أحكام الشّريعة الإلهيّة في العالم، “وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم وآخرين من دونهم”». [الدّستور الإيرانيّ، النّسخة المعرّبة].
#نلاحظ: رغم أنّ للشّعب الإيرانيّ الخيار في التّصويت على مثل هذه القناعة الثّوريّة في دستور بلادهم؛ فهذا أمر لا يعنينا ولا يهمّنا وهم من يتحمّل مسؤوليّته أيضاً، ولكنّ: ما نتمنّاه على عموم الفصائل العراقيّة الإثني عشريّة المسلّحة أن يتفّهموا أنّ الوطنيّين في العراق لا يؤمنون بمثل هذا الدّور الأخير للجيش العراقي وأصناف القوّات المسلّحة المنضوية تحته، ويحصرون دوره في حفظ الوطن وأمنه وحراسة حدوده، أمّا الجهاد في سبيل الله والنّضال من أجل نشر أحكام شريعته في العالم فهي مسؤوليّة مذهبيّة لا يمكن أن يكون لها أيّ مقبوليّة في عالم اليوم وطبيعة قوانينه وتوافقاته، وإصرار الفصائل العراقيّة المسلّحة على ذلك يعني جعل نفسها بالضدّ من مصالح العراق ومصالح شعبه، وبالتّالي: المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، وما لم تُحلّ هذه النّقطة في هذه المرحلة بالذّات ولو من خلال عدم استخدام السّلاح إلّا بإذن الدّولة والانضواء تحت العناوين الوطنيّة المسلّحة فلا يمكن العبور إلى مرحلة أخرى، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

المشكلة مع إيران أم مع نفوذها؟!

#القاعدة الجماهيريّة الشّعبيّة الّتي خلّفها المرحوم محمّد الصّدر المستشهد سنة: “1419هـ” كبيرة وواسعة جدّاً، وبغضّ الطّرف عن تقييمنا لطبيعتها وتوجّهاتها ومستوياتها لكنّها تعرّضت بعد سقوط النّظام إلى تشقّقات وتصدّعات كبيرة جدّاً؛ فولدت: الفضيلة، والعصائب…إلخ من أحزاب وحركات معروفة، وكان بإمكان السيّد كاظم الحائري “عافاه الله” أن يدخل إلى العراق فور سقوط النّظام السّابق ويحفظ القاعدة الصّدريّة الكبيرة الّتي تُركت له مجاناً من التشقّق والتّصدّع والانفراط ويقودها بالطّريقة التي يُريدها، لكنّه لم يرجع وفرّط بها لأسباب عديدة حتّى تمرّد الجميع عليه.
#ولّدت هذه التّشقّقات حسّاسيّات كبيرة بين القادة والفرقاء من داخل هذه القاعدة، وبقيت حزازتها في النّفوس تتفجّر بين الفينة والأخرى ويُصار إلى إخمادها المؤقّت، أقول مؤقّت: لأنّ الطّرف الأكبر في هذه القاعدة يتّهم إيران بكونها المسبّب الأساس وراء الانشقاقات العسكريّة منها وخروجها عمّا يُسمّى بجيش المهدي، والإيرانيّون لا يخفون دعمهم لجملة من الفصائل المسلّحة العراقيّة بشكل رسمي وصريح، بل يعدّونها جزءاً من مؤسّساتهم العسكريّة المذهبيّة خارج البلاد، والّتي دخلت معهم في معارك سوريا وقاتلوا واستبسلوا بشراسة فيها أيضاً.
#وهذا النّمط من التّفكير قد يكون حقّاً مشروعاً للإخوة الإيرانيّين بما هم إيرانيّون يفكّرون في فرض سيطرتهم ونفوذهم بالطّريقة الّتي يُريدونها، ولا أقل هو سياسة رسميّة متّبعة لدى جناح كبير يسيطر على مفاصل الدّولة الإيرانيّة وليس لنا علاقة به من هذا الجّانب، ولكنّه غير مقبول جزماً من قبل بعض الدّاخل العراقي، وفي محلّ حديثاً: من قبل أكبر قاعدة جماهيريّة صدريّة فيه وهي: التّيار الصّدري، فضلاً عن رفضه بالمُطلق من قبل المرجعيّة العليا أيضاً؛ لأسباب كثيرة منها: إنّ هذه الفصائل المسلّحة أصبحت جزءاً من الحكومة العراقيّة ودخلوا في البرلمان واستلموا وزارات ومناصب سياديّة في البلد ويشاركون في رسم سياسة البلاد الدّاخليّة والخارجيّة، ولا يمكن لهم الاستمرار بهذه المناصب وهم لا زلوا جزءاً من المنظومة العسكريّة المذهبيّة للأخوة في إيران مهما صرّحوا خلاف ذلك؛ لأنّ التّقاطعات بين مصالح العراق وشعبه ستحصل معهم مهما حاولوا أن يجعلوا البلدين والشّعبين في خندق واحد.
#في ضوء هذه السّطور القصيرة يتّضح: أنّ الصّراع بين فصائل هذه القاعدة الجماهيريّة الصدريّة الكبيرة لا يعود في عموم الأحيان إلى ثارات شخصيّة قديمة بين قادتها بقدر ما هو تقاطع في الرّؤية والمنهج مهما اختلفنا في تقييمها، ولهذا فحينما تحصل تظاهرات في العراق ضدّ الوضع المتردّي فيه بسبب العمليّة السّياسيّة ورجالاتها فسرعان ما نجد هذه الخلافات تطفو على السّطح ويعيد التّاريخ نفسه، وتُحرق البنايات والمراكز والحوزات التّابعة لهذه الفصائل والحركات المدعومة من قبل إيران في المحافظات الجنوبيّة والوسطى حصراً، والسّبب واضح.
#وفي نهاية هذه السّطور أقول: لا يمكن حلّ هذه الأزمات بإعادة العزف على الوتر المذهبي وتكرار موضوع المؤامرة وتدخّل الأطراف الخارجيّة…إلخ من مكرّرات، كما لا يمكن حلّها بإظهار لقاءات وصور للزّعماء المتخاصمين وتطييب الخواطر بجعل جميع القتلى شهداء والله يحبّ المحسنين، وإنّما من خلال الذّهاب إلى ما هو أعمق من ذلك وإعادة جميع الأطراف الدّاخليّة والخارجيّة النّظر بتجربتها في الدّاخل العراقي منذ سقوط النّظام وحتّى اليوم، والتّفريق بين ما هو وطني وما هو مذهبي؛ لأنّ العراق لا يمكن أن يكون ساحة للصّراعات المذهبيّة المنطلقة من اجتهادات ومسالك فقهيّة خاصّة، وعلينا أن نفكّر بطريقة مختلفة تحفظ لنا مصالحنا من دون تقاطعات، فليُتأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

السّيستاني إيراني لا يتّفق مع الإيرانيّين!!

#لا شكّ في أنّ المرجعيّة العليا تتحمّل المسؤوليّة الكبرى في تثبيت هذه الطّبقة السّياسيّة الجاثمة على سدّة الحكم في العراق منذ سقوط النّظام السّابق وحتّى اليوم؛ وذلك من خلال الحثّ على انتخاب القائمة: “169” وبعدها القائمة: “555” وتشكيل لجنة عليا برئاسة الشّيخ هادي آل راضي “حفظه الله” لوضع الاسماء وترتيبها في ذلك الوقت، فكان ما كان وحصل ما حصل.
#وبعد أن أكلت المرجعيّة العليا الطُعم واكتشفت حجم الخازوق السّياسي الكبير الّذي مرّره متديّنو هذه الطّبقة السّياسيّة وداعموها بها، أغلقت أبوابها أمامهم، وادّعت أنها متساوية النّسبة إلى الجميع، ونصّت في مجالسها الخاصّة المتواترة على أنّ هؤلاء طبقة سياسيّة فاسدة يجب أن تزول، لكنّها لم تستطع أن تُظهر ذلك إلى العلن؛ لأنّ ذلك سيؤدّي إلى زعزعة ثقة النّاس بها، وسيؤول لخروجها عن مسلكها الفقهي القاضي بعدم التدخّل بتفاصيل العمليّة السّياسيّة المُدّعى، إضافة إلى أنّ جملة من كبار الحوزة النّجفيّة وصغارها كانوا قد دخلوا في صفقات مختلفة مع هذه الحكومة وأحزابها، وهم أيضاً قد استفادوا كثيراً في تثبيت قواعد المرجعيّة العليا المستقبليّة وإرجاع النّجف إلى ماضيها المشرق كما يتصوّرون، فكان الوقف الشّيعي والعتبات والبعثات…إلخ من تفاصيل معروفة.
#وهكذا استمرّت في خطاباتها وبياناتها وإرشاداتها تتحدّث من بعيد في ظاهر الأمر، وهي من تحت العباءة توصي وتُلزم وتفرض في بعض الأحيان أيضاً، وهناك عرّابون يوصلون صوتها ومشورتها وإلزاماتها إلى المعنّيّين [إلزام حزب الدّعوة بتغيير رئيس الوزارء نموذجاً]، واستمرّ الوضع في شدّ وجذب، وكانت حريصة جهد الإمكان على أن يبقى العراق بعيداً عن الصّراعات الإقليميّة المذهبيّة؛ لأنّ دخوله في ذلك يعني إنّ عليه دفع فاتورة الأخطاء المذهبيّة الّتي يرتكبها غيره، وهذه الأخطاء قد تكون ناشئة من خلال مسالك فقهيّة خاطئة لا تؤمن بها ولا تعتقد بصحّتها أيضاً.
#لكنّ بعد دخول داعش إلى العراق ودعوتها العراقيّين إلى التطوّع لمقاتلتهم وإخراجهم، وقيّدت ذلك بأن يكون تحت إشراف الحكومة العراقيّة وأجهزتها حصراً، وجدت عناصر الفصائل المسلّحة الّتي كان لها أعمال متناثرة من هنا وهناك فرصتها الكبيرة للدّخول في العمل الجهادي بمسمّياتها الخاصّة وبشكل رسمي أيضاً، فشاركت وقدّمت تضحيات كثيرة في هذا المجال، وعلى أساس رصيدهم الجّهادي دخلوا الانتخابات، وأصبحوا جزءاً رسميّاً من العمليّة السّياسيّة العراقيّة، وكان قد دار الحديث في الأروقة على ضرورة تشكيل جيش شيعي رديف، هدفه الحفاظ على الأمن القومي الشّيعي في عموم المنطقة أيضاً، وهو أمر عدّته المرجعيّة خطّاً أحمر يحمّل العراق فواتير غيره، ويُدخله في صراع دولي كبير لا قدرة له على تجاوزه.
#لم تكن المرجعيّة العليا راغبة بنقل تجربة الفصائل المسلّحة في لبنان إلى العراق، ولهذا كانت رافضة لإنشاء جيوش رديفة أو فصائل مسلّحة في العراق بالمطلق، وكانت تصرّ في خطاباتها على أن يكون قرار العراق في جميع مفاصله قراراً وطنيّاً بعيداً عن التدخّلات الخارجيّة، لكنّها لم تكن تستطيع أن تفصح عن ذلك بشكل جازم وحازم؛ لأسباب كثيرة منها تعود إلى رعاية التّوازنات الّتي اعتادت عليها، ومنها أسباب سايكلوجيّة ترتبط بشخصيّتها.
#المظاهرات الأخيرة وما حصل فيها من قتل وترويع وقنص كانت مؤشّراً خطيراً ورسالة مُقلقة بُعثت إلى المرجعيّة العليا فأخرجتها عن صمتها المعروف، ورأت أنّ الأمور ذاهبة في مسار خطير لا يمكن السّيطرة عليه بالمُطلق، لكنّ حيث أنّها لا تستطيع الدّخول في المواجهة المباشرة مع من تخالفهم في هذا الموضوع لأسباب طويلة، أشعلت شرارة بطريقتها غير المفهومة، وتركت القرار بيد المتظاهرين ليقولوا كلمتهم، وكانت تتمنّى على رئيس الوزراء أن يمسك زمام المبادرة فيكشف عن الحقيقة ويحيّد بعض الأطراف ويبعث برسائل إلى غيرهم، فأخفق وهي تعلم بإخفاقه منذ البداية؛ لأنّها شريكة له في اختيار الإخفاق.
#لا شكّ في أنّ جملة من قادة الفصائل المسلّحة العراقيّة وجملة من عناصرها أيضاً متديّنون، ويعتقدون أنّ ما يقومون به يقع في خدمة الإسلام والمذهب، ونصرة لأهل البيت “ع” والمراجع الكرام، وتأتي ممارساتهم وتحركاتهم في سياق إيمانهم بفكرة المهدويّة الإثني عشريّة وضرورة التّمهيد لها، ولكنّ التديّن في أمثال هذه المواطن غير نافع في المقام؛ لأنّه لا يمنح رؤية سليمة في معالجة الأمور على الإطلاق، ويوجب عليك بعض الأحيان التّخلّي عن الوطنيّة والتّفكير بمصالح الغير من خلال توليد عناوين شرعيّة مذهبيّة أيضاً، وهذا الأمر لا يمكن اكتشافه إلّا بعد مرور فترة طويلة ومخاض تجارب عسيرة، لذا ينبغي مراجعة التّجربة وإعادة النّظر فيها، وخلق أجواء ملائمة من العلاقات مع الأطراف الأقليميّة أيضاً.
#نكرّر ما بدأنا به هذه السّطور؛ فإنّ المرجعيّة العليا ونجلها الأكبر بالخصوص تتحمّل المسؤوليّة الأولى والأخيرة لما حصل ويحصل من أوضاع في العراق، ولا تعني السّطور أعلاه تبرئتها بالمطلق، لكنّا أردنا من خلال ما تقدّم وضع القارئ الكريم في السّياق العامّ لطبيعة المسارات الّتي قد خفيت عليه ولم يلحظها؛ لكي يصل إلى قناعة تامّة في فشل الإسلام السّياسي، وفشل ما يُسمّى بالمرجعيّة العليا في إدارة وضع البلاد والعباد.
#نسأل الله أن يحفظ العراق وأهله من شرّ الأشراء وكيد الفجّار، وأن يسخّر له قيادة واعية وشريفة ومخلصة تقدّم مصلحة المواطنين على مصلحتها الشّخصيّة والمذهبيّة، إنّه وليّ حميم، وهو دائماً من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

أخطاء المغتربين في تقييم الوضع العراقي!!

#يقيس جملة واسعة من المغتربين والمهاجرين العراقيّين ـ خصوصاً المتديّنين منهم ـ مستوى استقرار العراق وانتعاشه الاقتصاديّ والخدمي من خلال ما يلحظونه من تنزّه بعض عوائله الكريمة في إيران أو تركيا أو حواليهما، أو وجود أكثر من راتب وظيفي وعسكري لدى بعض العوائل وانتعاش وضعها المالي قياساً بالزّمن السّابق، وهكذا على أساس ما يُضاهي هذه الأمور.
#وهذا القياس والمقياس خطأ جسيم؛ إذ علينا أن نسأل هؤلاء سؤالاً واضحاً: تُرى لماذا حينما تذهبون إلى العراق للزّيارة أو لترويج معاملة تودّون الهروب منه بعد إكمال زيارتكم أو معاملاتكم فوراً؟! ولماذا حينما تمرضون في داخل العراق تفرّون منه فراركم من الأسد إلى البلدان الّتي احتضنتكم ورعتكم؟! ألا تقولون: إنّ العراق بلد مستقرّ ويعيش حالة من الاستقرار والانتعاش الاقتصاديّ والخدمي الّذي لم يكن يحلم به أهله، فلماذا لا تنسجمون معه وتتشافون فيه أو أن تجلبوا عوائلكم للسّكن معكم فيه على أقلّ تقدير؟!
#إنّ الخطأ الّذي تقعون فيه هو: إنّكم تتصوّرون أنّ وجود بعض السّيولة الماليّة لدى بعض العوائل هو نهاية كلّ شيء، ولهذا لا تنظرون إلى العوائل المسحوقة الّتي لم تستخرج جواز سفر في حياتها أصلاً، ولا تشاهدون حجم الفساد والبيروقراطيّة في ترويج معاملات المواطن العاديّة فضلاً عن المعقدّة، ولا تلحظون الطّبقيّة الهائلة الّتي أوجدتها سياسة الحكومات والأحزاب المتعاقبة، ولا تأخذون وضع المستشفيات المزري في البلد ولا كهرباءه ونقصان أبسط الخدمات فيه بعين الاعتبار في تقييمكم، وتغضّون النّظر عامدين عن سلطة الأحزاب والمرجعيّات والمليشيات بأنواعها المقدّسة وغير المقدّسة الّتي لا تسمح للإنسان أن يقول كلمته النّاقدة لهم بحريّة وأمان ما دامت تخالف قناعاتهم وتوجّهاتهم وارتكازاتهم، وإذا كانت جميع هذه الأمور تُحلّ بالوقت فوفّروا للعراقيّين النّاقمين ما تتوفّرون عليه من خدمات في البلدان المستضيفة لكم وسيصبرون كما تريدون أيضاً وزيادة.
#بلى؛ مقياس استقرار العراق وانتعاشه الاقتصاديّ والأمني والخدمي لا يحدّده أنتم الّذين تعيشون في بلدان مستقرّة وتتقاضون مرتّبات بعناوين مختلفة من هنا وهناك وتزورون العراق متى ما أردتم وتغادرونه متى ما شئتم أيضاً، وإذا ما تحرّك المحرومون للمطالبة بحقوقهم تباكيتم على المذهب والدّين الّذي سيفسد ويذهب بعد تغيير حكوماتكم، وعليكم أن تقيسوا العراق بالبلدان الّتي تعيشون فيها أو البلدان المجاورة له على أقلّ تقدير؛ لذا كونوا واقعيّين وتفهّموا مطالب النّاس المحرومة بعيداً عن نظريّة المؤامرة، فتأمّلوا كثيراً إن كنتم من أهله، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

طريقة توبة الأحزاب المشاركة في المغانم!!

#روى الكلينيّ والطّوسي بأسانيدهما الصّحيحة عندهم عن جدّ ابن أبي الصّباح قوله: «قلت لأبي عبدالله “ع”: فتى صادقته جارية فدفعت إليه أربعة آلاف درهم، ثمّ قالت له: إذا فسد بيني وبينك رُدّ عليّ هذه الأربعة آلاف. فعمل بها الفتى وربح، ثمّ إنّ الفتى تزوّج [أو حرج] وأراد أن يتوب، كيف يصنع؟ قال: يردُّ عليها الأربعة آلاف درهم، والربح له». [الكافي: ج5، 306؛ تهذيب الأحكام: ج7، ص229].
#وبغضّ الطّرف عن هذه الرّواية وجاريتها الظّريفة وعن طبيعة الجواب الّذي قدّمه الصّادق “ع” فيها، لكنّ يبدو لي أنّ الأحزاب والتّيارات المشاركة في السّلطة السّياسية في العراق ـ والّتي حصلت بينها علاقات عميقة وواسعة أكثر من صداقة هذا الشّاب والجارية ـ إذا ما أرادت أن تتوب وتنضمّ إلى المتظاهرين المناهضين لهذه السّلطة فعليهم أن يُرجعوا رؤوس الأموال الّتي أخذوها والعناوين والامتيازات الّتي حصّلوا عليها وليدعوا الأرباح لهم على أقلّ تقدير، أمّا أن يُقدّموا قدماً مع المتظاهرين ويُبقوا أقداماً مع السّلطة فهذا الأمر يبعث برسائل خاطئة صارخة إلى المتظاهرين؛ إذ سيكون سؤالهم حينذاك واضحاً: علامَ نتظاهر إذن ومن نقصد يتظاهر معنا؟!
#لا أدري: فربّما يُريد هؤلاء الزّعماء والقادة أن يجعلوا الّلحظة الأخيرة هي ساعة الإفصاح عن توبتهم الصّريحة وردّ العنب وأخذ السلّة، ولكنّ تبقى هذه الخطوة ضروريّة جدّاً للابتعاد عن أيّ محاذير لا تُحمد عقباها، والتنصّل عن الإخفاق والإرباك الّذي وصلته الحكومة بسبب هذه الأحزاب الحاكمة أمر لا يمكن هضمه بحال من الأحوال، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر