شعور رجل الدّين وهو يعلّم النّاس غير الحقيقة!!

واحدة من أهمّ آثار وثمار ما نعمد على طرحه من إثارات وبحوث هي: أنّها جعلت بعض السّادة والمشايخ [الّذين يتعاطون إلقاء البحوث الدّينيّة والمذهبيّة على مخاطبيهم أو التّصنيف فيها بغية تعميق إيمان هؤلاء وتلقينهم حقّانيّة المقولات العقديّة والفقهيّة الّتي ولدوا عليها] يشعرون بحالة من الحرج والتّناقض الشّديد ولو في بواطنهم ووجداناتهم: بين ما يطرحونه لسواد مخاطبيهم ومن يصغون إليهم ويتأثّرون بهم [والّذين يسمّونهم عوام النّاس وحتّى بعض من يُسمّى بخواصّهم أيضاً]، وما بين الحقيقة المطروحة في هذا المكان ومن أصحّ الكتب المعتبرة، حيث الفاصلة الكبيرة الّتي تصل لحدّ التّقاطع التّام بين طروحاتهم وبين الحقائق العلميّة والأخلاقيّة.

ولا شكّ في أنّ هذه الهوّة ستزداد يوماً بعد يوم كلّما اكتشفوا الحقيقة أو اقتربوا منها، وكلّما عادوا لوجداناتهم الأخلاقيّة وضمائرهم الإنسانيّة، لا سيّما إذا واجهوا سيلاً من الأسئلة البريئة المحرجة من محيطهم ومقرّبيهم ولات حين مناص.

واعلم أنّ هذه الغنيمة لوحدها كافية في تحقيق المُراد؛ حيث سيشعرون عاجلاً أم آجلاً أنّهم يُظهرون غير ما يُبطنون، ويحسّنون القبيح ويُقبّحون الحسن، مهما برّروا لأنفسهم شرعيّة وحليّة واستحباب بل ووجوب ذلك؛ فالنّفاق مهما جمّلناه ووضعنا على مفرق رأسه أكاليل من الزّهور سيبقى نفاقاً، والقبيح مهما زوّقناه بمختلف الحيل والعناوين الثّانويّة سيبقى قبيحاً، ورعاية المصالح الشّخصيّة أمر مشروع لكن ضمن الطّرق المعتبرة أخلاقيّاً وليس على أساس تزييف الأخلاق وسحقها بمسميّات دينيّة ومذهبيّة، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.

https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fjamkirann%2Fposts%2F4484313078357648&show_text=true&width=500

سيرة الرّسول بنظّارة الحياد لا العاطفة!!

قبل أن تقرأ سيرة الرّسول، وتفهم حقيقتها وجوهرها وواقعها بحياد تامّ، وتفرح لفرحها، وتبكي لحزنها، عليك في بداية الأمر أن تحدّد موقفك العلمي الاجتهاديّ من مجموعة أشياء أهمّها:

أوّلاً: هل هناك مُثل أخلاقيّة عُليا يُدرك عقلك الأوّليّ حسنها وقبحها بمعنى انبغاء وعدم انبغاء فعلها، أو يتّفق عقلاء المعمورة عموماً بما هم عقلاء على ذلك، بمعزل عن وجود الرّسول وعدم وجوده، وبمعزل عن اتّفاق الرّسول مع هذه المُثل المُدركة أو المتواضع عليها أم مخالفته إيّاها ولو في بعض الأحيان.

ثانياً: تحديد الطّريقة المنهجيّة السّليمة والبرهانيّة لإثبات ارتباط الشّخص الحقيقيّ بالغيب والسّماء، وأنّ هذا الارتباط هل يُمكن إثباته بصرف ادّعاء الشّخص أم لا، وكيفيّة علاج مشكلة الدّور الواضحة بين القرآن وإثبات سماويّة قناته الحصريّة.

ثالثاً: بيان الموقف من حقيقة الأصوات القرآنيّة الّتي رافقت مسيرة الحياة التّبليغيّة لقناتها، وكيفيّة انبثاقها من فم الرّسول، والأسباب البشريّة الّتي تدعو لذلك، والمحاولة والخطأ الّتي تكتنف جملة منها.

رابعاً: إثبات أنّ نسخة القرآن الواصلة هي محطّ عناية السّماء وأنّها هي من أرادت جعلها ـ بهذه الصّيغة ـ دستوراً دينيّاً دائميّاً لعموم العباد والبلاد حتّى نهاية الدّنيا، وتقديم براهين تنصّ على قيام شخص الرّسول بكتابتها ـ بهذه الصّيغة ـ بيده أو إشرافه الكتابي عليها بنفسه.

خامساً: مصادرك المعتبرة في استقاء هذه السّيرة والآليّات السّليمة للتحقّق من وقوعها، وأن لا طريق لاكتشاف تلك المرحلة غير الاعتماد على مصادر المسلمين المعتبرة والمتّفق عليها قرآناً وسنّة، والمدعّمة بواقع تحرّكات الرّسول وصحابته والأئمّة من ولده والمسلمين عموماً على الأرض.

ومن دون تحقيق الحال المنهجي الحياديّ السّليم في هذه الأمور وأضرابها فلا يُمكن أن يُقال بحقّك إنّك قد وقفت على سيرته بطريقة علميّة موضوعيّة اجتهاديّة تحقيقيّة محايدة، وإنّما أنت في حقيقة الأمر مجرّد عاطفيّ تأثّرت بفلم الرّسالة وزغردات طلع البدر علينا حتّى لو كانت أمامك أو خلفك عشرات الألقاب، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.

https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fjamkirann%2Fposts%2F4218016851653940&show_text=true&width=500

جثمان الرّسول ولوازم البشريّة!!

يُعدّ وكيع بن الجرّاح الكوفيّ المتوفّى سنة: “197هـ” من أبرز أعلام تلك المرحلة ممّن له إحاطة واسعة بعلوم الحديث والرّجال، وتلقّى العلم من أمثال أبي حنيفة وسفيان الثّوري وشعبة بن الحجّاج وأضرابهم، وحدّث عنه رهط كثير كأحمد بن حنبل الّذي قال في حقّه: بأنّه لم ير أحداً أوعى للعلم وأحفظ منه، ولهذا نقل عنه الكبار في صحاحهم ومصنّفاتهم رغم اتّهامه بالرّفض لكونه يقدّم عليّاً على عثمان.

وذات يوم وفد وكيع إلى مكّة حاجّاً فحّدث بها بحديث سمعه من بعض شيوخه يقرّر بأنّ الرّسول قد تأخّر أصحابه في دفنه حتّى ربا بطنه وأنتنّت خنصراه، فجنّ جنون قريش هناك ورفع أمره إلى هارون الرّشيد الّذي كان في وقتها هناك كما هي إحدى الرّوايات لهذه الحادثة، فاستفتى في مصيره بعض مفتي زمانه، فأفتى عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روّاد ـ والّذي كان ممّن حدّث عن وكيع ـ بضرورة قتله؛ وأخبرهم بأنّه لم يرو هذا الحديث إلّا وفي قلبه غشّ للرّسول، لكنّ سفيان بن عيينة ورغم التّباعد الحاصل بينه وبين وكيع لم يقبل بذلك، وأبلغ الرّشيد بعدم انبغاء قتله؛ لأنّه سمع حديثاً ورواه فلا ذنب له، وكانت المدينة شديدة الحرّ وتوفّي الرّسول يوم الاثنين وتُرك حتّى الأربعاء لانشغال القوم في صلاح الأمّة واختلفت قريش مع الأنصار، ومن الطّبيعي أن يتغيّر جثمانه… ورويت تفاصيل القصّة بطريقة أخرى.

أقول: لا شكّ في أنّ هذا الّلون من القمع لنقل الحقائق المرتبطة ببشريّة الرّسول أدّى إلى ضياع حقائق كثيرة، وأضحى المحدّثون مضطرّين إلى عدم التّحديث بما عنونوه بالمُنكرات والّتي هي ليست بمُنكرات أصلاً، بل وتجدهم يبادرون إلى التّشكيك بوثاقة الرّاوي وإلصاق التّهم به لإسقاط روايته إثر ذلك، ولهذا حنق بعض المتأخّرين على وكيع بسبب الممارسة أعلاه؛ فهذا الذّهبي يرى أنّها زلّة عالم، وهاجم وكيعاً بشدّة على روايته لها، واصفاً إيّاه بقلّة العقل والورع حينها، مذّكراً إيّاه بحديث عليّ بن أبي طالب الدّاعي لإخفاء الحقائق الدّينيّة الموجبة لتكذيب الله والرّسول عن النّاس!! مع أنّ الأصل البشريّ الحاكم منسجم تمام الانسجام مع ما حدّث به وكيع، ومن يُريد الخروج عن مثل هذا الأصل فلا يمكنه الرّكون إلى أقوال الشّخص نفسه في حياته، فتدبّر كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.

https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fjamkirann%2Fposts%2F4163806000408359&show_text=true&width=500

نهج البلاغة يموّه بحذف اسم الحسن وتحفّظاته على أبيه!!

روى شيخ الطّائفة الاثني عشريّة الطّوسي المتوفّى سنة: “460هـ” أصل التحفّظات الشّديدة والبالغة للحسن بن عليّ على سياسة والده وتحرّكاته وكذا جواب عليّ عليها أيضاً، عن أستاذه المفيد المتوفّى سنة: “413هـ” بإسناده عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب رغم وجود إضافات مذهبيّة عميقة لا نراها في الرّواية بالإسناد نفسه في المصادر المتقدّمة، وقد نصّ عليّ في إجابة آخر اعتراض سجّله الحسن عليه قائلاً:

وأمّا قولك اعتزل العراق ودع طلحة والزّبير، فو الله ما كنت لأكون كالضّبع تنتظر حتّى يدخل عليها طالبها، فيضع الحبل في رجلها؛ حتّى يقطع عرقوبها، ثمّ يخرجها فيمزّقها إرباً إرباً، ولكن أباك يا بني يضرب بالمقبل إلى الحقّ المدبر عنه، وبالسّامع المطيع العاصي المخالف أبداً، حتّى يأتي عليّ يومي، فو الله ما زال أبوك مدفوعاً عن حقّه، مستأثراً عليه، منذ قبض الله نبيه “ص” حتّى يوم النّاس هذا. فكان طارق بن شهاب أيّ وقت حدّث بهذا الحديث بكى». [بحار الأنوار نقلاً عن الأمالي: ج32، ص103؛ أمالي الطّوسي: ص52ـ53، ط البعثة].

لكنّا حينما نقلّب نهج البلاغة لتلميذ المفيد، أعني الشّريف الرّضي المتوفّى سنة: “406هـ”، نلاحظ انتقائيّة مخلّة جدّاً في مقام التّمويه على القارئ في هذا المكان؛ وذلك بعدم ذكره تصريحاً أو تلميحاً صاحب هذه الإشارة وهو الحسن بن عليّ كما قرّرت ذلك صحاح الأخبار، بل عمد إلى بتر الجزء الأخير من جواب عليّ له، ووضعه تحت عنوان عام، واقتصر في نقله على الإضافات المذهبيّة والبلاغيّة قائلاً: «ومن كلام له “ع” لمّا أشير عليه بألّا يتبع طلحة والزّبير، ولا يرصد لهما القتال: “والله لا أكون كالضّبع تنام على طول الّلدم…إلخ» [ص41، ط دار المعرفة]؛ مع أنّ المفترض به أن يقول حفظاً للأمانة العلميّة: ومن كلام له لمّا أشار عليه الحسن…إلخ، لا سيّما وهي المنقولة عن أستاذه المفيد فضلاً عن إجماع بقيّة المصادر المتقدّمة الّتي نقلتها.

ومن الواضح: أنّ اقتصار صاحب نهج البلاغة على هذا النّقل وبهذه الألفاظ بالخصوص يؤكّد إيمانه بأصل الحادثة الّتي رويت بأسانيد صحيحة في كلمات المتقدّمين عليه، والمرتبطة ـ كما نوّهنا ـ بالتحفّظات العميقة للحسن على سياسة والده والّتي أنتجت خوض ثلاث حروب طاحنة بين المسلمين أنفسهم، وبهذه الطّريقة الذكيّة مذهبيّاً جعل ما بين القارئ العاطفي والحقيقة سدّاً منيعاً لا يستطيع من خلاله: لا معرفة الأسباب الحقيقيّة الّتي دعت لصدور مثل هذا الكلام، ولا التّصديق بها حينما يُرشده أحد إليها، لا سيّما بعد دوام الطّرق المذهبي الطّائفيّ العميق على رؤوس الجماهير الشّيعيّة الاثني عشريّة منذ قرون عدّة، فتدبّر كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.

https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3757707004351596

الاختلاف البشري بين عليّ ونجله الحسن!!

لا يمكن أن نفهم الأسباب الحقيقيّة لمهادنة الحسن بن عليّ مع معاوية بن أبي سفيان ما لم نفهم أساس التّحفّظات العميقة والبالغة الّتي سجّلها الحسن على أداء والده عليّ بن أبي طالب من أيّام محاصرة واغتيال الخليفة عثمان بن عفّان المقتول سنة: “35هـ”، مروراً ببيعته على الخلافة، وحتّى مسيره إلى البصرة ومن ثمّ معركة الجمل المعروفة؛ فهذه التّحفّظات تكشف لنا بوضوح اختلاف الرّؤية والمنهج بين الاثنين، بعيداً عن حكاية الإمامة الإلهيّة والعصمة وتفرّعاتهما، أو وهم تنوّع الأدوار ووحدة الهدف المنبثق منهما.

إذ روى نقلة الأخبار صحيحاً ومعتبراً وفق موازين صنعة الحديث عند علماء الإسلام أنّ عليّاً كان قد خرج إلى الرّبذة بعد مقتل عثمان تمهيداً لمواجهة طلحة والزّبير، جاءه الحسن نجله الّذي نيّف على الثّلاثين حينها فبكى بين يديه، فقال له: ما بالك؟! قال: أبكي لقتلك غداً بمضيعة ولا ناصر لك؛ فقد أمرتك فعصيتني، ثمّ أمرتك فعصيتني، فقال عليّ: لا تزال تخنّ خنين الجارية، ما الّذي أمرتني به فعصيتك؟! فقال: أمرتك حين أحاط النّاس بعثمان أن تعتزل؛ فإنّ النّاس إذا قتلوه طلبوك أينما كنت حتّى يبايعوك، فلم تفعل، ثمّ أمرتك لمّا قُتل عثمان ألّا توافقهم على البيعة حتّى يجتمع النّاس ويأتيك وفود العرب فلم تفعل، ثمّ خالفك هؤلاء القوم فأمرتك ألّا تخرج من المدينة وأن تدعهم وشأنهم فإن اجتمعت عليك الأمة فذاك و إلّا رضيت بقضاء الله…».

وبمعزل عن الإضافات المذهبيّة الّتي حصلت في إجابة عليّ لنجله الحسن لأصل هذه الاعتراضات، وبغضّ الطّرف أيضاً عن توظيف مفردة “أمرتك” والّتي نقلها أو لطّفها مشايخ الطّائفة بمفردة “سألتك”، إلّا أنّ أصل هذه الحادثة قد أخرجها واعتمدها كثيرون بنحو لا يسمح للباحث المحايد التّشكيك في أصل وقوعها إلّا على أساس أوهام العصمة وأضرابها، ولعلّ ما حصل من هدنة ومصالحة ومبايعة لمعاوية بعد مقتل عليّ أوضح شاهدٍ ومنبّهٍ على سياسة الحسن المختلفة تماماً عن سياسة أبيه بل وحتّى عن شقيقه الحسين مهما تمحّل المتمحّلون، سياسة تقديم طلب العافية للنّفس والأمّة على زّجها في معارك قد لا تخلّف غير أنهار من الدّماء مهما كانت منطلقة من أهداف سامية عند دُعاتها، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.

https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3755047944617502

إنباءات الرّسول لا حجيّة لها ما لم يثبت حجيّة نفسه!!

ربّما يصل العارف والمرتاض والنبيّ إلى حقائق كونيّة لا يستطيع الإنسان العادي الوصول إليها، لكنّه حينما يُريد أن يبرهن للآخرين على وجودها وحقيقتها فلا طريق له غير سلوك آليّات العلم الحصوليّ المتعارفة، وما لم يوفّر ذلك فلا حجيّة لكشفه وشهوده إلّا على نفسه.

كما أنّ معروفيّة الإنسان بالصّدق وحسن السّيرة والسّلوك وإيمان الجميع بذلك لا تبرّر تصديقه بكلّ شيء يدّعيه؛ وإنّما ينبغي تقدير الأمور بقدرها؛ فالإنسان قد يكون صادقاً في حياته ولا يقول الكذب ولو على قطع أوداجه، لكنّ هذا لا يمنع من وقوعه في أخطاء واشتباهات في فهم بعض الحقائق وتقديرها، لا سيّما في الميادين الما ورائيّة الغيبيّة الّتي لا سبيل لليد البشريّة إليها، والّتي تتطرّق الأوهام والتخيّلات إليها كثيراً، وبالتّالي: فالمرجع في جميعها هو الدّليل.

وفي ضوء هذا البيان تعرف: أنّ أيّ معلومة قرآنيّة تتحدّث عن وجود وتفاصيل عوالم أخرى لا سبيل للعقل البشريّ ـ بأدواته المتعارفة ـ للوصول إليها لا يمكن إلزام أحدٍ من بني البشر بها ما لم نُثبت في رتبة سابقة حجيّة قناتها الرّسميّة الموصلة أو المصدِّرة وهي: الرّسول، فكيف إذا كانت حجيّة أقوال الرّسول متوقّفة على حجيّة القرآن نفسه؟!

فتلخّص ممّا تقدّم: إنّ البحث العلميّ الجادّ يؤكّد على أن لا حجيّة لإنباءات الرّسول _ أيّ رسول كان ونحن في مقام التّنظير العلمي _ ما لم يثبت بدليل معتبر حجيّة نفسه، وما قيل بأنّ حجيّة أقوال الرّسول محمّد مأخوذة من القرآن مشكل جدّاً؛ وذلك لأنّ الإيمان بالقرآن متوقّف على الإيمان بنبوّة الرّسول، ونبوّة الرّسول متوقّفة على الإيمان بحجيّة القرآن، وهو من أوضح مصاديق الدّور المصرّح إلّا إذا قلنا بحجيّة القرآن الذّاتيّة، وهو كما ترى، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.

https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3738716126250684

بين الرّسول الحقيقي ورسول التّمنيّات

روى البخاري المتوفّى سنة: “256هـ”، بإسناده الصّحيح عنده وعندهم، عن عائشة أنّها قالت: «دخل رهط من اليهود على رسول الله “ص” فقالوا: السّام عليك، ففهِمتها فقلت: عليكم السّام [الموت] والّلعنة، فقال رسول الله “ص”: “مهلاً يا عائشة؛ فإنّ الله يحب الرّفق في الأمر كلّه، فقلت: يا رسول الله، أولم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله “ص”: “فقد قلت: وعليكم”». [صحيح البخاري: ج8، ص158، ط دار التّأصيل].

وهذا معناه أنّ الرّسول تعامل بالمثل معهم، وردّها بالطّريقة نفسها عليهم، وهذا ما علّم به أصحابه أيضاً في ردّ سلام اليهود ومن يضاهيهم من أهل الكتاب لاحتقارهم وازدرائهم، وهذا الإجراء لا يقتصر على حالة سلامهم بهذه الطّريقة المعيبة فحسب، وإنّما يشمل حالة ما لو سلّموا بصيغة السّلام العاديّة أيضاً؛ فإنّ الردّ عليهم ينبغي أن يقتصر على مفردة: “عليكم” لا غير، بل طلب الرّسول من أصحابه عدم ابتداء معتنقي باقي الأديان بالسّلام أصلاً، وعلى ضوء هذه التّعليمات والإرشادات النّبويّة أفتى جمهور المذاهب الإسلاميّة على اختلاف أطيافهم وفرقهم ومذاهبهم. [راجع على سبيل المثال: صحيح مسلم: ج5، ص531ـ 533، ط دار التّأصيل؛ فتح الباري: ج19، ص88، تحقيق: الأرنؤوط].

والّذي يبرهن على ردّ الرّسول عليهم بالمثل هو الرّواية بصيغتها الّتي رواها الكلينيّ المتوفّى سنة: “329هـ” بإسناده الصّحيح عنده وعندهم، عن زرارة بن أعين، عن الباقر، حيث جاء فيها بعد اعتراض الرّسول على عائشة قولها: «يا رسول الله، أ ما سمعت إلى قولهم: السّام عليكم؟! فقال: بلى، أ ما سمعتِ ما رددت عليهم، قلت: “عليكم”، فإذا سلّم عليكم مسلم فقولوا: سلام عليكم، وإذا سلّم عليكم كافر فقولوا: عليك» [ج2، ص648]، وهذه الرّواية بمعزل عن الإضافات والزّيادات الّتي أوردت فيها نصّ في المقام لا يقبل التّأويل.

نعم؛ الّذي ألجأ الرّسول إلى التّعامل بهذه الطّريقة مع عائشة ودعوتها إلى ترك توظيف المفردات الفاحشة في ردّها إنّما هو رغبته في عدم تعوّد لسان زوجته على الفحش، أو أنكر عليها الإفراط في السبّ، ولا يعود إلى تساميه عن الردّ بالمثل كما يفهم الورديّون والمثاليّون. [لإيضاحات أكثر راجع: فتح الباري، مصدر سابق: ص90].

ورغم كلّ هذه الحقائق الواضحة لكنّا نجدّ: أنّ بعض المنابر حينما تُريد تسويق هذه الواقعة انسياقاً مع ما في ذهنها وذهن سواد النّاس من صورة نمطيّة ورديّة غارقة في المثاليّة عن الرّسول، تبادر لتقديمها وكأنّها نوع من الترفّع الأخلاقي، فتقتصر في عرضها على ردّ الرّسول لعائشة بهذه الطّريقة، ومخاطبتها بضرورة الابتعاد عن الفحش، فتتعالى الأصوات بعد ذلك صادحة بالصّلوات، ويعقبها تذكير بالآية المعروفة: وإنّك لعلى خلق عظيم!! من غير أن تعلم ـ هي وجماهيرها أيضاً ـ أنّ في الرّواية ذيلاً مهمّاً جدّاً، وهو يقع في سياق التّوجيهات النّبويّة الصّارمة للتّعامل مع معتنقي باقي الأديان باحتقار وازدراء، وقد رتّب معظم صحابة الرّسول والأئمّة سيرتهم ونصوصهم على وفقها، وقامت فتاوى جمهور علماء الإسلام بمختلف أطيافهم عليها.

اعتقد أنّ الأزمة الكبيرة للمتديّنين المعاصرين هي هذا الّلون من التّعاطي المخلّ علميّاً، والّذي لا يربّي سوى نسخاً بشريّة جوفاء لا تصدّق سوى ما ينسجم مع الصّورة المثاليّة والورديّة الّتي رسمتها في ذهنها عن الدّين والمذهب والرّسول والإمام وتمنّياتها ورغباتها حول ذلك، مع أنّ من يبحث عن الحقيقة عليه أن يذهب صوبها كما هي لا كما يريد ويتمنّى ويرغب؛ وبالتّالي: عليه أن ينقل الحادثة وما رافقها من توصيات وأحكام فقهيّة ملزمة، وعلى النّاس أن تميّز حينذاك، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.

ميثاق_العسر

https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3548649165257382

الرّسول وحكم استعباد ونكاح النّساء العربيّات وبيعهنّ!!

#أغار الرّسول على بني المصطلق [خزاعة] وهم غارّون غافلون، وأنعامهم تُسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى نساءهم، وحينما طالت العزبة على أصحابه اشتهوا نساء خزاعة المسبيّات وهنّ من كرائم العرب ونفائسها ـ على حدّ وصفهم ـ فوقعوا في حيرة؛ وذلك لأنّهم كانوا يفكّرون تفكيراً تجاريّاً محضاً؛ حيث رأوا: أنّ الاقتراب الجنسي من هؤلاء النّسوة سيفضي إلى الحَبل؛ إذ سيصبحن أمّهات أولاد ويصعب بطبيعة الحال بيعهنّ، فذهبوا للرّسول يستفتونه حول جواز وعدم جواز العزل، فأجاب بجواب لافت حيث قال ما معناه: «ما عليكم ضرر في ترك العزل؛ لأنّ كلّ نفسٍ قدَّر الله تعالى خلقها لا بد أن يخلقها، سواء عزلتم أم لا، وما لم يقدّر خلقها لا يقع، سواء عزلتم أم لا، فلا فائدة في عزلكم؛ إن كان الله تعالى قدر خلقها: سبقكم الماء، فلا ينفع حرصكم في منع الخلق». [شرح النّووي على مسلم: ج10، ص15، ط قرطبة].
#وهذا الجواب المرويّ عن الرّسول بصيغ مختلفة يتنافى تمام التّنافي مع الواقع العلميّ المسلّم؛ لأنّ العزل إذا تحقّق بشروطه ـ بمعنى إلقاء تمام الحيامن خارج الفرج ـ فسوف يمنع من الحمل جزماً وحتماً؛ لأنّها الطّريق الحصريّ لتلقيح بويضة المرأة، وبالتّالي: فربط الأمور بالمشيئة والقدر وادّعاء أن العزل وعدمه سواء من حيث تحقّق الحمل أمر مشكل جدّاً، الّلهم إلّا إذا أردنا تأويل هذا الكلام كما سعى بعضهم، وقلنا: إنّ مقصوده عدم تحقّق العزل حقيقة؛ لأنّ العازل يحسب نفسه لم يتمّ وهو قد ألقى جزءاً من مائه في الفرج. [فتح الباري: ج15، ص612، تحقيق: الأرنؤوط].
#والتّأويل الأخير كما ترى؛ لأنّ الرّسول أفاد عدم الفرق بين العزل وعدمه من حيث التّأثير على الحبل أصلاً؛ وربط الأمر بالمشيئة الإلهيّة، مع أنّ الغزاة أنفسهم والّذين قدّموا الاستفتاء إليه كانوا يؤمنون بنجاعة العزل وجدوائيّته في منع الحبل ولو بنسبة مئويّة عالية، لكنّهم أرادوا الاستفتاء عن الموقف الفقهي لذلك لا الموقف العلميّ؛ لأنّ اليهود المعاصرين لهم والسّاكنين معهم أو بقربهم كانوا يُسمّون العزل “الموءودة الصّغرى”، فربط الأمر بالقضاء الإلهي لا معنى له في المقام؛ لأنّ الاستفتاء غير ناظر لهذه الجهة أصلاً.
#وفي الحقيقة: إنّ هذا الّلون من الممارسات والفتاوى الصّادرة من الرّسول تضع الباحث المسلم أمام خيارات صعبة للغاية؛ فهو من جانب يؤمن بأنّ الواقع بجميع أنواعه وبعرضه العريض منكشف للرّسول مهما اخترنا من بيانات كلاميّة أو فلسفيّة أو عرفانيّة أو قرآنيّة أو روائيّة لذلك، وبالتّالي فما ينطق عن الهوى بمختلف متعلّقاته ومرتكزاته، ومن جانب آخر يرى أنّ جملة من ممارساته وفتاواه تصطدم مع الواقع الأخلاقي والعلمي المتّفق عليه، لكنّه بدل أن يُعيد النّظر في قبليّاته الدّينيّة والمذهبيّة بعناية فائقة، يضطرّ إلى ممارسة التّرقيع تلو التّرقيع في سبيل الحفاظ على قبليّاته، وكلّما كان أكثر ترقيعاً كان أكثر إيماناً وورعاً وديناً، فتفطّن كثيراً كثيراً كي لا تكون ضحيّة المرقّعين، والله من وراء القصد.
https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3538706592918306

المشهد الإسلامي قبل مقتل حمزة!!

#غنم عليّ بن أبي طالب ناقة مسنّة من معركة بدر، ومنحه الرّسول ناقة مثلها من الغنائم تحت عنوان الخمس، وحينما أراد البناء بفاطمة اتّفق مع صائغ من بني قينقاع أن يتّجرا معاً ويجلبا من مكان ما حشيشاً يستخدم لسقوف المنازل يُسمّى أذخر، فيبيعه على الصوّاغين، وبذلك يوفّر أموالاً لوليمة زفافه.
#وبينما هو يرتّب ويجهّز متاعاً لنوقه لتسهيل نقل الحشيش عليها وكان قد ربطهما بجنب حجرة رجل من الأنصار، وإذا به يتفاجئ بمنظر كارثيّ اغرورقت عيناه بالدّموع بسببه؛ حيث رأى بطنيهما قد استئصلتا، وخواصرهما قد بقرتا، وأُخذت الأكباد منهما، فسأل عن مسبّب ذلك، فأخبروه بأنّ قام بذلك عمّه حمزة؛ حيث هو في الحجرة ثملاً مع أصحابه جياعاً والمغنيّة تصدح وتحفّزه وتقول:
لا يا حمز للشّرف النّواء، وهنّ معقلات بالفناء
ضع السّكين في اللبات منها، وضرّجهن حمزة بالدماء
وعجِّل من شرائحها كباباً، مُلهْوجة على وهج الصِّلاء
وأصلح من أطايبها طبيخاً، لشربك من قديد أو شواء
فأنت أبا عمارة والمرجّى، لكشف الضّرّ عنّا والبلاء.
فهزّت أريحيّة الشّراب والسّماع حمزة، فوثب إلى السّيف، وفعل فعلته.
#فذهب عليّ إلى الرّسول يشكو حمزة وصنيعته، ويُظهر شدّة القهر الّذي حصل له؛ إذ لا يملك غير هاتين النّاقتين لعرسه، فخرج الرّسول معه إلى بيت الأنصاري، وأخذ يلوم حمزة على ذلك، لكنّ الأخير لم يكترث بلومه، وأخذ بعيونه الحُمر ينظر إلى أعلى الرّسول وأسفله وأوسطه، وبعد تكرار هذه العمليّة حدّق في وجهه وقال: هل أنتم إلّا عبيد لأبي؟!
#وحينما عرف الرّسول سكره نكص على عقبيه القهقرى، وخرج عليّ معه، والظّاهر أنّهم خشيا أن يتحوّل حمزة الثّمل من القول إلى الفعل، ويصدر منه ما لا يستطيعان ردّه.
#بلى؛ قد تقاتل في التّشكيك بمثل هذه الحوادث القطعيّة المرويّة بأصحّ الأسانيد عن عليّ في تراث المسلمين المعتبر، لكنّ مقاتلتك لا جدوى منها، وهي ناشئة من صورة نمطيّة مذهبيّة غارقة في المثاليّة عن شخوص تلك المرحلة ورموزها لا غير، وعليك أن تعرف أنّ المشهد الإسلاميّ لم يكن سيبقى على ما هو عليه دون شكّ وريب لو قدّرت الحياة لحمزة بن عبد المطلّب بعد هذه الحادثة كثيراً، وأنّ التّدريج والمرحليّة في الإبلاغ والبيان في المشهد الإسلاميّ إنّما هو فكرة تصحيحيّة تبريريّة ولدت لاحقاً، وأنّ جملة من الأحكام إنّما بدأت وتطوّرت على أساس المحاولة والخطأ، وهذا يؤكّد: أنّ تحويل ذلك المشهد الجزئي ورموزه واختلاف أمزجتهم وألوانهم إلى شريعة دينيّة دائميّة لعموم العباد والبلاد على اختلاف لغاتهم لم ولن يكن جزءاً من اهتمام السّماء بالمُطلق، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3516296075159358

أزمة المصادر عند المحاور الاثني عشريّ في بحث فدك!!

#المؤسف: أنّ عموم الفقهاء الشّيعة ـ بما في ذلك من حسبناهم مهتمّين بالتّراث ومصادره أيضاً ـ يعتمدون في قراءتهم لمشهد الحوار بين فاطمة وأبي بكر ومحاججتهم وجدالهم مع الطّرف الآخر على مصادر يعتبرونها سُنيّة، مع أنّ محقّقي أهل السُنّة يضحكون كثيراً حينما يسمعون بهذا الكلام، ومن حقّهم أن يصفوا مدّعيه بالجاهل الّذي ما ذاق طعم العلم، من قبيل نقلهم عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، أو كتاب السّقيفة للجوهري، وأضرابها من عناوين لا قيمة لها في سوق الحديث وصناعته.
#وهذه مشكلة سيّالة وعميقة جدّاً في الحوارات السنيّة الاثني عشريّة في بحث فدك وغيره أيضاً، وقد رُبّيت ذائقة الجماهير الاثني عشريّة منبريّاً عليها منذ عقود طويلة، وتربّت أجيالٌ من طلّاب الحوزة بمختلف مستوياتهم وطبقاتهم وفقها، ولعلّ مؤسّس المدّ الطّائفي في القرن الأخير المرحوم الأميني المتوفّى سنة: “1390هـ” في كتابه الغدير هو من يتحمّل مسؤوليّة تعميقها وتجذيرها وتطويرها في العقود الأخيرة، فتراه يمتهن لغة تكثير العناوين وأرقام الأجزاء والصّفحات لكتب مغمورة لا يعترف أهل السُنّة بها ولا بمصّنفيها أيضاً، ويحاول جهد إمكانه أن يميّع ويسذّج الحقائق، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نص‏‏
 
 https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3441422825980017

رواية إهداء الرّسول فدك لفاطمة في ميزان العلم!!

#حاولت بعض المسارات المذهبيّة الشّيعيّة الكوفيّة أن تقفز بمضامين الحوار ما بين فاطمة وأبي بكر إلى درجة أعلى وأوسع من حقيقته المرويّة في صحاح المسلمين، فادّعت أنّ الرّسول كان قد ملّك بستان فدك لفاطمة بأمر سماويّ؛ وذلك حينما نزلت الآية السّادسة والعشرون من سورة الإسراء القائلة: “وآت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السّبيل ولا تبذّر تبذيراً”، فـ «دعا النبيّ “ص” فاطمة وأعطاها فدك».
#وأصل هذا النصّ أخرجه البزّار المتوفّى سنة: “292هـ” كما حُكي عنه، وأبو يعلى الموصلى المتوفّى سنة: “307هـ”، وابن عديّ المتوفّى سنة: “365هـ”، والحاكم النّيسابوريّ المتوفّى سنة: “406هـ”… بأسانيدهم عن فضيل بن مرزوق، عن عطيّة العوفي، عن أبي سعيد. كما ادّعى جلال الدّين السّيوطي المتوفّى سنة: “930هـ” رواية ابن مردويه له عن ابن عبّاس أيضاً. [راجع: كشف الأستار عن زوائد البزّار: ج3، ص55، ط الرّسالة؛ مسند أبي يعلى الموصلي: ج2، ص334، ط دار المأمون؛ الكامل في ضعفاء الرّجال: ج5، ص190، تحقيق: زكّار؛ الدرّ المنثور: ج9، ص321، تحقيق: التّركي].
#كما جاءت في أحد نصّي الحاكم في فضائل فاطمة زيادات لافتة أوردها بطريق آخر عن عطيّة العوفي، عن أبي سعيد الخدري إنّه قال: «أعطاها فدكاً والعوالي، وقال “ص”: هذا قسم قسمه الله لك، ولعقبك من السّماء، والويل لمن حال دونه». [فضائل فاطمة: ص53، ط دار الفرقان].
#أقول: ما الّذي يدعو الرّسول لإهداء بنته بستاناً بهذا الحجم والوارد المالي في تلك الفترة انسياقاً مع هذه الآية، وفي الوقت نفسه: لا يُحكم أمره وحجّته ويُشهد على هذا الإهداء كبار صحابته على أقلّ تقدير، ويقتصر على إبلاغ شابّ لا يتجاوز العشرين سنة حسب الفرض؟! والأغرب من هذا كلّه أن يصمت هذا الصّحابي ولا يحدّث أحداً بهذا الحديث غير عطيّة العوفي الكوفيّ الشّيعيّ المدلّس الّذي ضُعّف من قبل معظم علماء الجرح والتّعديل، بل هو مهمل حتّى عند علماء الاثني عشريّة، ولم يوظّف إلّا في فرية حضوره مع جابر الأنصاري في زيارة الأربعين.
#في ضوء ما تقدّم يحسن بنا تسجيل بعض الإيضاحات والملاحظات:
#الأولى: نحتمل جدّاً أن يكون المقصود من أبي سعيد الوارد في بعض نصوص هذا الحديث هو: النسّابة محمّد بن سائب الكلبي الّذي أجمع علماء الجرح والتّعديل السنّة على تضعيفه وتركه، لكنّ عطيّة دلّس بذكر لقبه في بعض نقولاته للإيهام بأنّه الخدري الصّحابي، الأمر الّذي أوجب مثل هذا التلقّي لدى بعض الحفّاظ، سيّما وإنّ معظم نصوص هذا الخبر في كتبهم خالية من لقب الخدري.
#الثّانية: شاهد ما تقدّم هو: ما نقله عبد الله عن أبيه أحمد بن حنبل حيث قال: «سمعت أبي ذكر عطية العوفي، فقال: هو ضعيف الحديث، قال أبي: بلغني: أنّ عطيّة كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التّفسير، وكان يكنّيه بأبي سعيد، فيقول: قال أبو سعيد»، وروى أبوه أيضاً عن سفيان الثّوري إنّه قال: «سمعت الكلبي قال: كناني عطية أبا سعيد». [العلل والسّؤالات الحديثيّة: ج1، ص548ـ549، ط دار الخاني].
#الثّالثة: حتّى لو ذهبنا إلى فرضيّة أنّ أبا سعيد هو الخدري انسياقاً مع تنصيصه بالتّحديث عنه في بعض النّصوص، فإنّ جميع محقّقي أهل السُنّة اتّفقوا على منحوليّة الحديث ووضعه، والمتّهم الأساس فيه هو عطيّة العوفي والّذي ضعّفه معظم رجاليّي أهل السُنّة، وهو مهمل الحال في الموازين الاثني عشريّة، فضلاً عن بقيّة الضّعاف والمتّهمين في إسناده.
#الرّابعة: أفاد ابن أبي حاتم المتوفّى سنة: “327هـ” أنّه سأل أباه وأبا زرعة عن هذا الحديث، فقالوا له: الصّحيح هو روايته عن عطيّة، ولا يوجد فيه ذكر لأبي سعيد، ولهذا حكم أبوه بصحّة رواية أبي نعيم لها عن عطيّة مرسلاً، لا عن أبي سعيد، وهذا يعزّز ما ذكرناه في الملاحظات السّابقة من تدليس عطيّة. [راجع: علل الحديث: ج4، ص377؛ 583، تحقيق: مجموعة من الباحثين، ط 1].
#الخامسة: قرّر الذّهبي المتوفّى سنة: “748هـ” وهو يتحدّث عن أحد رواة هذا الخبر: «هذا باطل، ولو كان وقع ذلك لما جاءت فاطمة تطلب شيئاً هو في حوزها وملكها. وفيه غير عليّ [يقصد عليّ بن عابس أحد رواة الخبر] من الضّعفاء» . [ميزان الاعتدال: ج3، ص147، ط دار الرّسالة العالميّة].
#السّادسة: نصّ ابن كثير المتوفّى سنة: “774هـ” في التّعليق على هذا الحديث قائلاً: «وهذا الحديث مشكل لو صحّ إسناده؛ لأنّ الآية مكيّة، وفدك إنمّا فُتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة، فكيف يلتئم هذا مع هذا؟! فهو إذن حديث منكر، والأشبه أنّه من وضع الرّافضة». [تفسير ابن كثير: ج5، ص63، ط دار الكتب العلميّة].
#السّابعة: حاول السيّد السّيستاني ـ المرجع الاثنا عشريّ الأعلى المعاصر ـ أن يناقش فرضيّة مكيّة هذه الآية من خلال ادّعاء أنّ سورة الإسراء بجميع آياتها مكيّة سوى هذه الآية، وادّعى أنّ ظاهر رواة هذا الحديث ـ أي الّذين ذكروه في تفسير الآية محلّ البحث ـ إيمانهم بذلك، وأنّ المصاحف الموجودة قد ذكر أوّلها أنّها سورة مكيّة إلّا هذه الآية!! [قاعدة اليد، تقريراً لأبحاث السيّد السّيستاني: ص345، المطبوعة ضمن مجموعة تقريراته: ج7].
#الثّامنة: ومّما تقدّم من بيانات يتّضح خطأ ما قرّره السّيستاني في بياناته؛ فإنّ الإيمان بمدنيّة هذه الآيات إنّما يرتكز على هذا الخبر وقد عرفت حاله، كما أنّ إيمان عطيّة العوفي أو السّائب الكلبي أو بقيّة الرّواة الشّيعة بهذا الخبر لا يحوّلها إلى مدنيّة، ولا نعرف أيضاً: أيّ المصاحف الّتي رجع إليها سماحته لتحرّي مثل هذا الادّعاء المذهبي، كما أنّ ما جاء في تفسير الجلالين من مدنيّة هذه الآية إنّما هو من إضافات محقّقي الكتاب وطابعيه لا غير. [راجع للمقارنة: تفسير الجلالين: ص282، تحقيق: قباوة، تفسير الجلالين: ص364، ط دار المعرفة بيروت].
#التّاسعة: حُكي عن الحافظ أبي موسى المديني المتوفّى سنة: “581هـ” الحكم بإبطال هذا الحديث من وجوه متعدّدة، منها: إنّ عطيّة للشّيعة مطيّة، وأنه تلقّى التّفسير عن الكلبي، وحال الأخير في الرّفض مشهور، ومنها: أنّ ابن عباس وغيره من المفسرين اتّفقوا على أنّ سورة الإسراء مكيّة، وفدك إنّما أفيء على الرّسول بها في المدينة أواخر عهده، ومنها: أنّ فاطمة وعلياً والعبّاس قد كذّبوا هذا الحديث حينما طالبوا نصيبهم من ميراث فدك، ولو كان الرّسول قد وهبها إيّاها لطلبت الكلّ ولما طلب العبّاس منه شيئاً. [جامع الآثار في السّير ومولد المختار، ابن ناصر الدّين الدّمشقي: ج7، 357، ط الإدارة العامّة للأوقاف القطريّة].
#العاشرة: رواية ابن عبّاس لهذا الخبر غير سليمة ولا يوجد ما يُثبتها سوى ادّعاء الدرّ المنثور، والمرويّ عن ابن عبّاس خلاف ذلك، كما جاء أصل مضمون هذا الخبر في محاورات الرّضا في بلاط المأمون الواردة في عيون الأخبار والأمالي، أو ما جاء في تفسير القمّي والعّياشي وفرات، وهي بالإضافة إلى ضعف الإسناد والإرسال إلى أصحابها وإلى الرّسول نحتمل جدّاً تأثّر أصحابها بخبر عطيّة محلّ البحث، وبالتّالي: فلا حاجة للاكتراث بها.
#وبكلمة واحدة: إنّ هذا الخبر ساقط عن الاعتبار، ولا قيمة لمتابعاته وشواهده الواردة في التّراث السنّي أيضاً، وبالتّالي: فدعوى نحلة الرّسول فدك لفاطمة استناداً لهذا الخبر اليتيم فاسدة جدّاً، بل الدّليل على خلافها أدلّ، فتنبّه كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نص‏‏
 https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3439156149540018

الأسباب المذهبيّة وراء زيادة أيّام الفاطميّات!!

#بعد أن استظهر صحّة رواية أنّ السيّدة فاطمة بنت محمّد قد توفّيت في اليوم الثّالث من جمادي الآخرة، نصّ المرحوم حسن الصّدر المتوفّى سنة: “1354هـ” على ما لفظه: «حدّثني ثقة الإسلام المولى حسين بن العلّامة التّقي النّوري: أنّ بعض علماء الحديث الأعاظم عزم على كتابة كتاب يعيّن فيه يوم الوفاة والقبر الشّريف ويرفع فيه هذه الاختلافات في ذلك، ببيانات وافية ودلائل شافية، فرأى أمير المؤمنين في المنام، كأنّه “ع” ورد عليه وهو جالس بين كتبه وبيده كرّاسة يكتب فيها شيئاً من ذلك، فقال له أمير المؤمنين: ماذا تصنع؟ قال: فقلت له بأبي أنت وأمّي أريد أن أكتب ما يرفع الاختلاف في تاريخ وفاة الصّديقة، ومكان قبرها الشّريف. فقال لي: لا تفعل ذلك؛ ابقه على إجماله مصلحة. فانتبهت من النّوم، وتركت ما عزمت عليه. انتهى ما حدّثني به المحدّث النّوري “قدّه”». [بعض كتبه المخطوطة عندنا].
#ورغم عدم تشكيكي بأصل نقولات المرحومين حسن الصّدر والمحدّث النّوري وطهارة بواطنهم، لكنّي اعتقد أنّ التّصديق بمثل هذه الأحلام النّاتجة من وساوس وهلوسات مذهبيّة لا معنى له في سوق العلم، وهي تُسهم في تكريس الخرافات والأساطير وإبقاء الجهل معشعشاً في داخل الأمّة، بل وكانت ولا زالت خير دكّان ينتفع من خلاله الملالي والوعّاظ لتكثير نفوذهم ومجالسهم وعطاياهم من خلال فاطميّات ثلاث، وتحويل عموم أيّام السنة إلى تعاسة وحزن دائم تحت كذبة يحزنون لحزننا، والمنتفع جيوبهم ومكانتهم لا غير.
#أمّا الوعّاظ والملالي وبمختلف طبقاتهم فسوف يفرحون كثيراً حينما يقرأون هذه السّطور؛ ليس لأنّهم سيعترفون بإسهامهم في تزييف وعي الأمّة وسيبادرون للتّصحيح، بل سيقولون: كنّا نذكر هذه الحكاية مرسلة ولا نعرف مصدرها، وها أنت ذكرتها مسندة، ولله في خلقه شؤون وشؤون.
https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3434607583328208

تطوّرات حوار فدك من البرهان إلى الجدل!!

#بعد أن عرفنا طبيعة الحوار الّذي دار بين فاطمة وأبي بكر في صحاح المسلمين المعتبرة، حوارٌ دارت طبيعته حول مطالبة فاطمة بتحويل ما تملّكه الرّسول من بستان فدك ـ بالآليّات الّتي تحدّثنا عنها فيما مضى ـ إلى الورثة، وبالتّالي منحها حصّتها من أرضها، لكنّ أبا بكر رفض ذلك، مدّعياً أنّ الرّسول ـ وفقاً لما سمعه منه ـ لا يورّث، وإنّ ما يتركه صدقة، وبالتّالي: أبقى وضع بستان فدك على ما هو عليه في زمن الرّسول، من توزيع منتوجه على آل محمّد، من دون تقسيم أرضه على الورثة، وهي نتيجة أغضبت فاطمة، فخرجت ولم تكلّم أبا بكر حتّى ماتت.
#حاول بعض الموروث الرّوائي السنّي والاثني عشريّ المرويّ عن بعض آل محمّد ـ رغم تقاطعهم فقهاً وعقيدةً وسلوكاً ـ أن يفترض فرضيّات أخرى في الحوار الّذي جرى بين فاطمة وأبي بكر، مدّعياً أنّ فاطمة لم تطالب ببستان فدك على أساس الإرث، وإنّما على أساس كونه نحلتها من الرّسول، وإنّ أباها كان قد ملّكه إيّاها في حياته.
#كما حاول خصوص الموروث الاثني عشريّ أن يمزج بين الاثنين، ويدّعي أنّ النّقاش أخذ بُعداً جدلّياً بينهما، فبعد إنكار التّوريث تحوّلت المطالبة إلى ادّعاء الملكيّة… إلخ من بيانات سنأتي على ذكرها وفحصها تباعاً.
#أمّا الأوّل: فقد روى ابن شبّة المتوفّى سنة: “262هـ”، بإسناده عن النّميريّ بن حسّان، إنّه قال: «قلت لزيد بن علي “رحمة الله عليه” وأنا أريد أن أهجّن أمر أبي بكر: إنّ أبا بكر “رض” انتزع من فاطمة “رض” فدك؟!
#فقال: إنّ أبا بكر “رض” كان رجلاً رحيماً، وكان يكره أن يغيّر شيئاً تركه رسول الله “ص”، فأتته فاطمة “رض” فقالت: إنّ رسول الله “ص” أعطاني فدك.
فقال لها [أبو بكر]: هل لك على هذا بينة؟
فجاءت بعلّيٍ “رض” فشهد لها، ثم جاءت بأمّ أيمن.
فقالت [أمّ أيمن لأبي بكر]: أليس تشهد أنّي من أهل الجنة؟
قال [أبو بكر]: بلى.
قالت [أمّ أيمن]: فأشهد أنّ النّبي “ص” أعطاها فدك.
فقال أبو بكر “رض” [لفاطمة]: فبرجلٍ وامرأةٍ تستحقينها أو تستحقين بها القضية؟!
قال زيد بن علي: وايم الله، لو رجع الأمر إليّ لقضيت فيها بقضاء أبي بكر “رض”». [تاريخ المدينة: ج1، ص199ـ200، تحقيق: شلتوت].
#ورغم مخالفة هذه الرّواية لما جاء في صحاح المسلمين من مطالبة فاطمة بفدك بعنوان الإرث، لكنّنا حتّى لو أغمضنا الطّرف عن ذلك، فإنّ الإيمان بصحّة إسناد هذه الرّواية إلى زيد ـ وهم يشكّكون في ذلك ـ لا يصحّح لنا إرسالها؛ إذ لا ندري ما هو الطّريق الّذي سلكه زيد في الوصول إلى هذه التّفاصيل؛ لأنّ الفاصلة ما بين ولادته وهذه الحادثة تتجاوز الستّين سنة.
بل ولو حكمنا بصدقها أيضاً، وعالجنا مشكلة الإرسال بنحو من الأنحاء، فإنّ ما قرّره زيد في وصف حكم أبي بكر بالصحّة والسّلامة كلام تامّ وعلى المباني أيضاً؛ لأنّ شهادة المرأة في أمثال هذه المواطن تُعدّ نصف شهادة الرّجل، هذا في حالة ما لو قبلنا شهادة الزّوج لزوجته في هذه المسارات، ومع عدم قبولها فالأمر أوضح وأشهر، وهذا يعني أنّ أبا بكر لم يضمر عداءً وضغينةً وحقداً في التّعامل مع فاطمة في هذا الملفّ وفقاً لهذه المعطيات، وإنّما انساق مع القواعد المعروفة في التّقاضي.
#إن قلت كما قيل أيضاً: إنّ من المعيب جدّاً أن توضع فاطمة في كفّة النّساء الأخرى، وأن تعامل ادّعاءاتها وشهاداتها كمعاملة أيّ امرأة أخرى؛ فهي المعصومة بنصّ القرآن، وكان أبو بكر وجميع الصّحابة يعلمون بذلك، فردّها ردّ للقرآن والرّسول!!
#أقول: هذا الكلام عاطفيّ لا قيمة له في سوق العلم، ولم يؤمن أحد بعصمة فاطمة في تلك الأيّام بما في ذلك عليّ زوجها أيضاً، وبالتّالي: فهي مشمولة بجميع الإطلاقات القرآنيّة والنبويّة الّتي تحدّثت عن المرأة وحدّدت أحكامها تكليفاً ووضعاً، ومن يُريد إخراجها عن هذه الإطلاقات في تلك الأزمنة فعليه أن يقدّم أدلّة ونصوصاً وقرائن منسجمة مع زمانها، لا أن يُخرجها بنصوص وبيانات ولدت بعد الّلحظة الزمنيّة لفاطمة وحوارها مع أبي بكر بعقود وقرون لاحقة.
#سنتابع تطوّرات هذه النّصوص، وكيف حاولوا إثبات تملّك فاطمة لفدك عن طريق بيانات أخرى، فتابع وتأمّل وترقّب، والله من وراء القصد.
https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3434183790037254

لا يوجد أحد في تلك الأزمنة يؤمن بعصمة فاطمة!!

#من المضحكات والمبكيات في الوقت نفسه: أن نجد عالماً بوزن المرحوم محمّد باقر الصّدر يجزم: بأنّ أبا بكر كان يعلم بعصمة فاطمة!! ويرتّب على أساس هذا الحسبان والتوهّم نتائج فظيعة، معتمداً على قصص وحكايات موضوعة ومنحولة، فإذا كان من هو بهذا الوزن يكتب بهذه الطّريقة المذهبيّة المؤسفة فماذا نرجو ممّن هو دونه بمراتب، بل وكيف نُقنع من يعشقه لاسمه وعنوانه فقط بخطأ وخطل هذه الأفكار، وأنّ لا أحد في تلك الّلحظة ـ بما في ذلك عليّ أيضاً ـ يؤمن بعصمة فاطمة، لكنّهم “رهموها” بهذه الطّريقة، ولله في خلقه شؤون وشؤون.
لا يتوفر وصف للصورة.
 https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3432184013570565
 

هل خرجت فدك من ملكيّة الرّسول في حياته إلى فاطمة؟!

#بعد أن عرفنا طبيعة الآليّة الّتي انتقل فيها بستان فدك إلى ملكيّة الرّسول، وعرفنا أيضاً كيف سيتحوّل مسار البحث حينما نفترض دخول هذا البستان إلى ملكيّة الرّسول بشخصيّته الحقيقيّة أو شخصيّته الحقوقيّة، ينبثق حينها سؤال هامّ آخر هو: هل خرجت ملكيّة بستان فدك من الرّسول إلى بنته فاطمة في حياته؟!
#وفي إجابة هذا السّؤال نقول: المتّفق عليه بين كلمات المحقّقين من أهل السنّة هو عدم تحقّق ذلك، وأنّ الرّسول لم يملّك بستان فدك لأحدّ في حياته قطّ، وأنّ رواية تمليكه إيّاها منحولة مكذوبة باطلة، وفاطمة لم تدّع في حوارها مع أبي بكر ملكيّتها، وإنّما طالبت بتوريثها إيّاها، كما أنّ المتّفق عليه بين علماء الإماميّة الاثني عشريّة أو قل المشهور فيهم أنّه قد ملّك فاطمة ذلك في حياته، وبعد ذلك حاروا في كيفيّة توجيه النّصوص الرّوائيّة الّتي جمعت بين مطالبتها لها بعنوان إرث وبين مطالبتها لها بعنوان ملك، واضطربوا اضطراباً عظيماً.
#وقبل أن نوضّح شواهد وبيانات كلّ فريق على مدّعاه علينا في بداية الأمر أن نعرض طبيعة المشكلة ومداها ومقدارها كما وردت في صحاح المسلمين، ونعطف الحديث بعد ذلك على ذكر الإضافات الأخرى المرويّة في المقام عند الفريقين.
#روى البخاري المتوفّى سنة: “256هـ”، ومسلم المتوفّى سنة: “261هـ”، بإسنادهم الصّحيح عندهم، عن عروة بن الزّبير، عن عائشة، والّلفظ للأوّل: «أنّ فاطمة “ع” بنت النّبي “ص” أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله “ص” ممّا أفاء الله عليه بالمدينة، وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إنّ رسول الله “ص” قال: “لا نوّرث، ما تركنا صدقة؛ إنّما يأكل آل محمّد “ص” في هذا المال”، وإنّي والله لا أغيّر شيئاً من صدقة رسول الله “ص” عن حالها الّتي كان عليها في عهد رسول الله “ص”، ولأعملنّ فيها بما عمل به رسول الله “ص”. فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوَجَدتْ فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيت، وعاشت بعد النّبي “ص” ستّة أشهر، فلما توفّيت دفنها زوجها عليّ ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلّى عليها». [صحيح البخاري: ج5، ص354ـ355، ط دار التّأصيل؛ صحيح مسلم: ج5، ص39ـ40، ط دار التّأصيل].
#وروي عن عائشة أيضاً: «أن فاطمة والعبّاس “ع”، أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله “ص”، وهما حينئذ يطلبان أرضيهما من فدك، وسهمهما من خيبر، فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول الله “ص”: “لا نوّرث، ما تركنا صدقة، إنّما يأكل آل محمد من هذا المال”، قال أبو بكر: والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله “ص” يصنعه فيه إلّا صنعته، قال: فهجرته فاطمة، فلم تكلّمه حتّى ماتت». [صحيح البخاري: ج8، ص412ـ413].
#وبعيداً عن تكرار النّصوص ذات المضمون الواحد في بقيّة صحيح البخاري أو مسلم وغيرهما، لكنّ الواضح منها: أنّ النّصوص الرّوائيّة أعلاه تتحدّث عن تلقّ حصل لفاطمة مفاده: أنّ ما دخل إلى ملكيّة الرّسول من موارد من هذا القبيل إنّما دخل إليها بشخصيّته الحقيقيّة، وبالتّالي: فينبغي أن تنتقل إلى الورثة بعد وفاته، ولهذا جاءت هي وعمّ أبيها إلى الخليفة الّذي بيده القرار ليقسّم أرض بستان فدك وسهام خيبر، باعتبار أنّ التّسوية الّتي حصلت مع أصحاب فدك الأصليّين إنّما كانت على أساس منح الرّسول نصف الأرض أو كلّها، لكنّ أبا بكر عارضها في هذا التوجّه، مدّعياً: أنّه سمع من الرّسول نصّاً لا يسمح له بمثل هذا التّقسيم، وإنّ هذه الأموال والأملاك إنّما هي صدقة جارية يأكل آل محمّد من ريعها وإنتاجها، وإنّه لن يقسّم أراضي فدك كما تطلب فاطمة، لكنّه سيبقي الأمور على ما هي عليه في زمن الرّسول، وسوف تأتي مواردها وتوزّع على فاطمة وغيرها من آل محمّد، إلّا أنّ هذا الكلام لم يرق للسيّدة فاطمة، فغضبت على أبي بكر وتاركته، ولم تكلّمه حتّى ماتت.
#ويزداد هذا الأمر وضوحاً إذا ما لحظنا موقف عليّ بعد ذلك، وأنّ طبيعة الغضب الّذي حصل لفاطمة من أبي بكر يرتبط بالأمور الماليّة لا غير، نلاحظ ذلك في بقيّة الرّواية الّتي نقلتها عائشة، وهي تتحدّث عن طبيعة المصالحة الّتي حصلت بين عليّ وأبي بكر لاحقاً وكيفيّة بيعته، حيث قال عليّ لأبي بكر: «”إنّا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيراً ساقه الله إليك، ولكنّك استبددت علينا بالأمر، وكنّا نرى لقرابتنا من رسول الله “ص” نصيباً»، فأجابه أبو بكر بعد أن فاضت عيناه من الدّموع حسب الرّواية: «والّذي نفسي بيده لقرابة رسول الله “ص” أحبّ إلي أن أصل من قرابتي، وأمّا الّذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فلم آل فيها عن الخير، ولم أترك أمراً رأيت رسول الله “ص” يصنعه فيها إلّا صنعته» [صحيح البخاري، مصدر سابق: ص245ـ255، صحيح مسلم، مصدر سابق: ص39ـ40].
#هذا كلّ ما في المشهد الحواري الّذي حصل بين فاطمة وأبي بكر في كتب المسلمين الصّحيحة والمعتمدة عندهم وهذا قيد مهمّ جدّاً، فلم تدّع فاطمة أنّ فدك نحلتها، ولم يطلب منها شاهداً على تملّكها إيّاها، ولا غير ذلك… سنتابع بقيّة المرويّات والمشاهد في كتب السنّة والاثني عشريّة؛ لنلاحظ كيف هو المشهد وتطوّراته، وهل حصل حقّاً تطوّر وتحوّل في طبيعة الحوار بين فاطمة وأبي بكر من برهانيّ إلى جدليّ أم لا، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نص‏‏
 https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3431646590290974

هل للآيات القرآنيّة حضور في حوار فاطمة مع أبي بكر؟!

#لا يخفى عليك: أنّ هذه النّسخة من القرآن المجموعة والمرتّبة بهذه الشّكل والهيئة والتّرتيب والتّنظيم والتّبويب والسّياق لم يكن لها أيّ حضور بين الصّحابة حينما كان الرّسول حاضراً بينهم، بل وإلى فترة غير قليلة بعد وفاته أيضاً حتّى لحظة كتابة قرآن عثمان، وجملة منهم لم يكن يعرف بعض الآيات الواردة فيه أيضاً، وإذا كان عرفها فقد عرفها في سياق مختلف تماماً عمّا كُتبت فيه؛ لأنّ النّزول أو الصّدور النّجوميّ المتفرّق للقرآن لم يكن بمرأى ومسمع من جميع الصّحابة فضلاً عن الصّحابيّات ممّن كنّ بعيدات عن المشهد في معظم الأحيان.
#وفي ضوء هذه الحقيقة ينبغي أن نُبعد أيّ آية من نسخة القرآن البعدي من مشهد المحاورة الّتي دارت بين السيّدة فاطمة والخليفة أبي بكر حول عائديّة بستان فدك، وأنّ كلّ نصّ روائيّ يحاول أن يزجّ ما يُسمّى بـ: آيات الأنفال والفيء والميراث والتّطهير في وسط المحاورة فإنّما هو نصّ منحول يُريد ارتكاب إسقاطات مذهبيّة على المشهد بغية تحميله ما لا يَحتمِل سيّما إذا حمل صورة استدلال كلاميّة مذهبيّة لاحقة؛ وذلك لأنّ هذه الآيات ـ حتّى لو التزمنا بحضورها الفرضي آنذاك ـ لم تأخذ صورتها الدّلاليّة الدّينيّة والمذهبيّة بالنّحو الّذي نراه اليوم في حاضرنا الدّيني والمذهبي، وإنّما أخذت هذه الصّورة بعد تحويلها من مادّة صوتيّة مسموعة إلى مادّة مكتوبة مقروءة، ووضعها في سياق لفظيّ بعد حذف جميع قرائنها المتّصلة والمنفصلة وفقاً لآليّات بدائيّة جدّاً تمّت في مرحلة لاحقة على أصل هذا الحوار والخلاف، نعم؛ قد يحقّ لنا الاحتجاج بهذه الآيات على المذهبيّين في تقييم المواقف وفقاً لمتبنّياتهم، لكنّ هذا مطلب آخر لا يُثبت حضور هذه الآيات في أصل الحوار الّذي دار بينهما، فتفطّن لهذا الأصل الأصيل والسيّال جيّداً تفز وتغنم، والله من وراء القصد.
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نص‏‏
 https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3429704253818541
 

طرافة المفاهيم الكلاميّة والفلسفيّة في خطبة فدك!!

#يقولون ولا احتاج لأن أصف القائلين بغير البساطة: إنّ السيّدة فاطمة حينما منعها أبو بكر من فدك خطبت خطبة عصماء أمام المهاجرين والأنصار في مسجد أبيها، جاء في مطلعها وهي تصف الله عزّ وجلّ: «الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الأوهام الإحاطة به، ابتدع الأشياء لا من شي‏ء قبله، واحتذاها بلا مثال لغير فائدة زادته… إذ الخلائق بالغيوب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة…».
#ويبدو لي ـ وهذا افتراض تهكّمي بطبيعة الحال ـ أنّ المهاجرين والأنصار جميعاً أخذ كلّ واحد منهم ينظر إلى الآخر ويسأل ماذا تقول فاطمة؛ لأنّ مثل هذه المفاهيم لم يكن لها أيّ حضور في تلك الّلحظة، ولو كانت قد تكلّمت بها فرضاً فهو نقض لغرضها؛ وذلك لأنّهم لم يسمعوها من الرّسول قرآناً وسنّة، وإنّما هي نتاج مقدّمات وبحوث كلاميّة وفلسفيّة ظهرت في العصر العبّاسي بعد عصر التّرجمة، ولم يعتد المسلمون الأوائل إلّا على لغة: أ فلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت؛ أفرأيتم ما تمنون؛ ناقة الله وسقياها؛ أيّتها العير إنّكم لسارقون؛ حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط؛ والأنعام خلقها لكم؛ ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة؛ والّليل إذا عسعس، والعاديات ضبحاً…إلخ، فتفطّن كثيراً ولا تضع أحكام فاطمة المذهبيّة لفاطمة الحقيقيّة، والله من وراء القصد.
https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3429329157189384

مصادر البحث في فدك فاطمة!!

#ما ينبغي علينا إيضاحه ـ ونحن في مرحلة بيان المقدّمات ـ هو: طبيعة المصادر الّتي نلجأ إليها لاكتشاف حقيقة الخلاف الّذي دار بين السيّدة فاطمة والخليفة أبي بكر حول عائديّة بستان فدك، ومن ثمّ علينا التّذكير ببعض الحقائق المرتبطة بهذا المسار والّتي تقدّم الحديث عنها مفصّلاً في بحوث مستقلّة، وسنأخذها في المقام بعنوان أصول موضوعة، فنقول:
#أوّلاً: الخطبة المسمّاة بالفدكيّة ينبغي أن تكون خارج المعادلة تماماً؛ لأنّنا أثبتنا فيما سبق كونها من المنحولات الموضوعات مهما تكثّرت أسانيدها لاحقاً، وقد بيّنا أنّ من يتحمّل مسؤوليّة وضعها هو الجاحظ وأبو العيناء كما اعترف الأخير بذلك، ومضامينها صارخة في كونها مولودة بعد لحظة فاطمة الحقيقيّة بعقود عديدة، ولا يمكن أن نتفهّم صدور مثل هذا النصّ المملوء بالمضامين الكلاميّة والفلسفيّة والمذهبيّة المولودة لاحقاً منها.
#ثانياً: الرّسالة الّتي ادّعى صاحب نهج البلاغة أنّ عليّاً قد أرسلها إلى عثمان بن حنيف والّتي حملت بعض المثاليّة في التّعامل مع بستان فدك إنّما هي من تفرّدات الشّريف الرّضي، ولا أثر لصيغتها المنقولة في المصادر المتقدّمة عليه والمعاصرة له، ولهذا احتملنا جدّاً منحوليّتها، وكونها من أبرز نتاجات عليّ المذهبي المولود لاحقاً، ولهذا تسقط عن الاستدلال في المقام، ولا تصلح حتّى كشاهد على المدّعى، فضلاً عن إرسالها الواضح.
#في ضوء ما تقدّم تنحصر مصادر فدك في مآخذ معروفة بين علماء الإسلام بمختلف فرقهم وطوائفهم، وتبقى المناقشة في أسانيد الرّوايات المنقولة ومتونها مسألة طبيعيّة، والأمور تقدّر بمقدار الدّليل الّذي يدلّ عليها، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
لا يتوفر وصف للصورة.
 https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3428863087235991

هل كانت فدك ملكاً شخصيّاً أم ملكاً للعنوان؟!

#بعد أن عرفت الطّريقة الّتي دخل من خلالها بستان فدكٍ إلى ملكيّة الرّسول، وعرفت أيضاً: أنّ ذلك لم يكن عن طيب نفس بكلّ تأكيد، ينبثق سؤال جادّ آخر تُعتبر الإجابة عنه من أهمّ المقدّمات الأساسيّة لفهم طبيعة الخلاف بين السيّدة فاطمة والخليفة أبي بكر حول بستان فدك، وهو:
#هل دخل بستان فدك إلى ملكيّة الرّسول بشخصيّته الحقيقيّة الّتي تتلخّص في: محمّد بن عبد الله، أم بشخصيّته الحقوقيّة الّتي تعني كونه: رسولاً أو خليفة وملكاً وزعيماً؟!
#إذا كان الأوّل فهذا يعني دخولها في أملاكه الشخصيّة وانتقالها بعد موته إلى الورثة، وإذا كان الثّاني فهذا يعني: خروجها من أملاكه الشخصيّة وانتقالها بعد موته إلى من يتلبّس بعنوان الرّسالة من بعده، أو يعيّن أو يُنتخب كخليفة أو ملك أو زعيم لقيادة البلاد.
#وإذا أردنا أن نقرّب الفكرة الّتي حملها السّؤال أعلاه بمثال معاصر نقول: هل الأموال والأراضي والعقارات الدّاخلة في حسابات وملكيّة المرجع الدّيني وهو يمارس مهمّته الدّينيّة تدخل في حساباته الشّخصيّة ومن ثمّ تؤول إلى الورثة، أم هي داخلة في عنوانه الدّيني المتلبِّس به، ولا بدّ من مصيرها إلى المتلبِّس بهذا العنوان من بعده لا إلى الورثة؟!
#اعتقد أنّ الإجابة على هذا السّؤال ستُسهم بشكل كبير جدّاً في تفكيك جملة واسعة من العُقد المذهبيّة الّتي يُبتلى بها البحث في بستان فدك؛ لأنّ المطروح حاليّاً في الأوساط المذهبيّة يقتصر على ذكر فتاوى بحثيّة تعتمد على مصادرات هائلة تعاني من تناقض واضطراب في مضامينها وأدلّتها أيضاً، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3427590364029930