النّظرة الفلسفيّة للإنسان هي من تحدّد طريقة حكمه!!

إذا أردنا الانسياق مع سياقات فلسفة السّياسة: فإنّ تحديد شكل الحكم المفترض لأيّ بلد وما يتبع ذلك من كتابة دستوره ووحدة قواه أو تعدّدها…إلخ إنّما يعود بالدّرجة الأساس إلى طبيعة النّظرة الفلسفيّة الّتي يختارها المعنيّون بهذا البلد للإنسان المُراد قيادته وإدارته، وطبيعة مصادرها المتّبعة.

وعليه: فإذا اعتمدوا النصّ القرآنيّ في تحديد وتشخيص طبيعة الإنسان فإنّ الصّيغة النّاجحة والمفترضة لإدارة بلادهم لن تكون غير صيغة النّظام الدّكتاتوري القمعي الاستبدادي الّذي لا يمتلك أيّ شكل من أشكال الأنظمة الدُيموقراطيّة المعاصرة؛ وذلك لأنّ الإنسان القرآني بطبيعته: جهول، جزوع، كفور، عجول، ظلوم، هلوع، كنود، خاسر، ضعيف، يئوس، قنوط، قتور، مجادل… ومثل هذا الإنسان المنفلت لا طريق لضبط عقاله غير الدّكتاتوريّة والاستبداد الدّيني والمذهبي المعروف، والّذي تتمظهر صيغه إمّا عن طريق التّعيين والنصّ المباشر أو عمّا يُسمّى بشورى أهل الحلّ والعقد، وهذه الرّؤية القرآنية في تقييم الطّبع الإنساني تتوافق مع بعض اتّجاهات االفلسفة الحديثة أيضاً.

أمّا إذا ذهبنا إلى غير ذلك، واخترنا أنّ النّوع الإنسان بطبعه الأوّلي ـ ولا أقل شريحة واسعة معتدّ بها منه ـ ليس جهولاً ولا جزوعاً ولا كفوراً ولا عجولاً ولا ظلوماً ولا هلوعاً ولا كنوداً ولا خاسراً ولا ضعيفاً ولا يئوساً ولا قنوطاً ولا قتوراً ولا مجادلاً…إلخ، فسيكون شكل الحكم الممكن لقيادته وإدارته مختلفًا تماماً بطبيعة الحال.

في ضوء هذا التّفريق المنهجي عليك أن تعرف: أنّ نجاح أيّ تجربة ديموقراطيّة أو دكتاتوريّة مستنسخة لإدارة بلدك مرهون بالدّرجة الأساس بمعرفة طبيعة الإنسان المراد حكمه وطبيعة المصادر الّتي تلجأ إليها في تكوين هذا الأساس؛ إذ من المحال: أن تنجح تجربة ديموقراطيّة حقيقيّة مستوردة في بلد يؤمن بالإسلام والقرآن والأئمّة ديناً ومعتقداً ومذهباً؛ لأنّ أساسات هذه التّجربة وصيغتها المفترضة مصمّمة بنحو لا ينسجم مع هذا الدّين والمذهب ومقولاتهما إلّا بنحو من التّحوير الّذي يفسد أوّلها وآخرها، إمّا بتحوير الصّيغة الدّيموقراطيّة نفسها، وإمّا بتحوير الإسلام والمذهب لمواءمتهما مع الصّيغة الدّيموقراطيّة، والجميع كما ترى، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.

https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3689765821145715

هل سيفتح المهدي طريق كربلاء؟!

#في سياق تنويعه لما سمّاه الأهداف والمقاصد العامّة للمهدي المنتظر في عصر ما يُصطلح عليه بـ: “الغيبة الكبرى”، جعل المرحوم محمّد الصّدر المُستشهد سنة: “1419هـ” النّوع الأوّل تحت عنوان: “إنقاذ الشعب المسلم من براثن الاشقياء والمعتدين، وعصابات الّلصوص المانعين عن الأعمال الإسلاميّة الخيّرة”، وفي سياق التّمثيل لهذا الهدف الكبير نصّ قائلاً: «فمن ذلك: العمل الكبير الذي قام به المهدي “ع” من فتح الطّريق إلى كربلاء المقدّسة، أمام زوار جدّه الإمام الحسين “ع” في النصف من شعبان». [تاريخ الغيبة الكبرى: ص117].
#أمّا كيف كان ذلك فأفاد قائلاً: «وكانت عشيرة “عنيزة” [عنزة] تترصّد لكلّ داخل إلى كربلاء وخارج منها، وتتعهّده بالسّلب والنّهب، فكان الطريق إليها موصداً يخافه النّاس، فلولا قيادة المهدي “ع” للزّائرين في الطّريق إلى كربلاء وتهديده لعشيرة عنيزة بالموت والدّمار إذا حاولت الاعتداء، لامتنع النّاس من الذّهاب إلى زيارة الإمام سيد شباب أهل الجنة “ع”، ولتعطّل هذا الشّعار الإسلامي الكبير، فمرحى للألطاف الكبرى التي يسبغها المهدي “ع”». [المصدر السّابق نفسه].
#ورغم أنّي اعتقد جازماً إنّ من فتح طريق كربلاء في تلك الفترة ـ لوصحّت هذه الحكاية الّتي رواها المرحوم النّوري مشافهة عن المرحوم مهدي القزويني ـ إنّما هو الخوف من الجيوش العثمانيّة، وما قيل من دخول فارس على فرس مطهّم رابع كريم وبيده رمح طويل وهو المهدي المولود حسب الفرض سنة: “255هـ” إنّما هو: صرف أوهام وتخيّلات مذهبيّة، أقول رغم اعتقادي الجازم بذلك، لكنّي أسأل: لماذا لا يهتمّ المهدي بمعالجة القضايا العالميّة الكبرى الّتي أزهقت بسببها أرواح مئات الآلاف من الأبرياء، ولم يحرّك ساكناً ولم يسكّن متحرّكاً البتّة، وهل سيبادر المهدي إلى فتح طريق كربلاء في زيارة النّصف من شعبان المخصوصة وفي أيّام وباء كورونا الّتي اتّفق جميع العقلاء فيها على عدم انبغاء الزّيارات والتّجمّعات حذراً من انتقاله وللحدّ من تفشّيه انسياقاً مع التّوجيهات الطبيّة؟! أم سيبادر عشّاق نوّابه المفترضين إلى كسر الحظر الأمني على كربلاء وزيارتها انسياقاً مع إيمانهم المذهبيّ العميق بمثل هذه الحكايات ومروّجيها أيضاً؟! أم سيجعلون ذلك ضمن دائرة الابتلاء والامتحان والتّمحيص الّتي لا خيار لهم غير الالتزام بمؤدّاها من غير أن تكون مثلها ومثيلاتها خير كاشف لهم على ضرورة مراجعة قبليّاتهم المذهبيّة وإعادة النّظر فيها؟!
#يبدو لي أنّ من لم تحرّك وعيه هذه الأزمات يصعب جدّاً على أزمات أخرى تحريكه؛ لأنّ واحدة من أهمّ مواصفات السّبات المذهبيّ هي تحويل التّشبّث بالأخطاء من جهالة إلى قوّة إيمان، وبالتّالي: منح الأخطاء والأوهام سمة سماويّة، لكنّ السّعيد من تخلّص من الأكاذيب والأوهام وعاش لحظته المعرفيّة الصّادقة ببناء إيمانه على العقلانيّة، فليُتأمّل كثيراً، كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#المهدويّة_الإثنا_عشريّة

الطّاعون بلاء وابتلاء، مذهبيّات عميقة!!

#مشكلة أصحابنا المذهبيّين وهم يشاهدون الأوبئة والأمراض المنتشرة في عموم العالم عميقة جدّاً؛ إذ سرعان ما يوظّفونها كانتقام وعذاب للآخرين، ورحمة وابتلاء لهم!! هذه مشكلة لا مخلص منها ما دامت المنطلقات مذهبيّة تضع الإنسانيّة في آخر اهتماماتها فضلاً عن العلم الصّحيح.
#وفي سياق البرهنة على هذا المدّعى يحسن بي استعراض النّصوص الّلافتة الّتي كتبها المحدّث الإثنا عشريّ نعمة الله الجزائريّ المتوفّى سنة: “1112هـ” وهو يتحدّث عن فلسفة الطّاعون الّذي حلّ ببلاد الشّام والعراق وجنوب إيران في وقته حيث قال:
#قد عرفت أنّ الطّاعون عذاب قوم وهم: الكفّار والفسّاق، ورحمة لآخرين وهم: المؤمنون، ولذلك أكثر ما يقع الطّاعون في الشّام وما والاها؛ لأنّ سببه: إن كان الهوى وتغيّره عن حاله، فالشّام أقرب إلى ذلك؛ للطافة هوائها، والهواء الّلطيف يسرع إليه التّعفّن والصّرف عن حاله، وإن قلنا: إنّه الفسوق والفجور، فالشّام أيضاً محلّ هذا، مع ما فيها من مقابر بني أميّة وعظامهم الخبيثة وترابهم النجس، وإنّ أهلها قديماً وحديثاً أعداء أهل البيت “ع”. وأمّا بغداد وكثرة الوباء والطّاعون فيها فلو لم يكن السّبب فيه سوى قبري أبي حنيفة وعبد القادر لكفى فيه…».
#وحينما وصل إلى كربلاء والنّجف صمت صمتاً عجيباً وكأنّ على رأسه الطّير ولم يفلسف لنا سبب حصول الطّاعون فيهما مع أنّ المفترض به أن يذكر أنّ ذلك رحمة لهم ويذكر شواهده على ذلك، لكنّه حينما وصل إلى محلّ ولادته ـ وهو ما يُسمّى قديماً بلاد الجزائر ـ حاول أن يطرح تعليلاً مذهبيّاً عميقاً أيضاً، فقال:
#ومن جملة ما أصابه الوباء والطّاعون هذه السّنة بلاد الجزائر وهي ما بين البصرة وبغداد، وتُسمّى في الأخبار الجزيرة؛ لأنّه يحيط بها دجلة والفرات… وهذه البلاد إلى الآن ما سمعنا وقوع الوباء والطّاعون بها، وهي: مولدي ومحلّ نشوئي، وما يسكنها إلّا شيعة عليّ بن أبي طالب “ع” مع تقلّب الدّول والسّلاطين عليها، والغالب على أهلها العبادة والزّهادة والطّهارة وأكل الحلال من مزارعهم وبساتينهم واجتناب الشّبهات، ومع ذلك فلهم حظّ وافر من الفتوّة والشّجاعة، ولهم وقائع متعدّدة مع عسكر السّلطان وجنود آل عثمان، والغلبة لهم في تلك الوقائع، مع قلّة عددهم بالنّسبة إلى جنود الرّوم، وانقيادهم لعلمائهم وسماع كلامهم ممّا لا يوصف».
#وبعد أن عرض الجزائري لهذا المديح لسكّان تلك المناطق نصّ قائلاً: «ووقوع الطّاعون في مثل هذه البلدان الّتي لم يعهد وقوعه فيها، من الملاحم الّتي وردت الأحاديث بأنّها من جملة علامات ظهور صاحب الأمر “ع”، نسأل الله أن يعجّل لنا ظهوره، وأن يُشرّفنا بحضور ذلك العصر، ويرزقنا الشّهادة فيه؛ إنّه على كلّ شيء قدير». [مسكّن الشّجون، نسخة خطيّة].
#وفي الحقيقة: إنّ هذا الّلون من التّعليلات المذهبيّة المضحكة سائد حتّى اليوم، بل هو ما قامت عليه سيرة المتشرّعة للأسف الشّديد ويحسبون ذلك دليل الإيمان، من غير أن يجعلوا من انتشار الأوبئة في كلّ مكان حتّى في داخل الأضرحة الدّينيّة الرّاسخة دليلاً على بطلان أصل المدّعيات الّتي ادّعوها وافترضوها في هذا الخصوص؛ فها قد مرّ أكثر من ثلاثة قرون على مدّعى الجزائري القائل: إنّ حصول وباء في منطقة الچبايش مثلاً يُعدّ علامة من علامات الظّهور كما يُسمّونها دون أن نشهد ظهوراً ولا غير ذلك، ومع هذا كلّه تبقى الزّعامات الدّينيّة تُلقّن أتباعها بهذه المكرّرات المذهبيّة يوماً بعد يوم، ويبقى العلم الحديث وأوبئة الطّبيعة المفجعة تلقّنهم دروساً أعمق أيضاً، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

الاستفتاءات وكاشفيّتها عن مستوى وعي أصحابها!!

#ثمّة مؤشّرات حقيقيّة وموضوعيّة يكتشف الإنسان من خلالها وعي المجتمعات والمناطق والبلدان أيضاً، ومن أهمّها: طبيعة الأسئلة والاستفتاءات المُقدّمة من قبلهم لمراجع تقليدها؛ فهي الّتي توضّح اهتماماتها وتبيّن حجم علمها وسعة وضيق أفقها أيضاً، وتكشف أيضاً: عن الأسباب الّتي تجعل ذوي المآرب الدّينيّة والسّياسيّة تستغل هذه المجتمعات وتستغفلها وتبتزّها.
#سأستعين باستفتاء خطّي يتوفّر لديّ، وسأحجب اسم المنطقة الّتي انبثق منها كي لا نثير الحسّاسيّات أوّلاً، ولكون طبيعة الاستفتاء لا تختصّ بمنطقة محدّدة دون أخرى، بل هي ظاهرة قد تحصل بشكل متكرّر في مجتمعاتنا العراقيّة وغيرها أيضاً.
#وصل للمرجع الأعلى للطّائفة الإثني عشريّة الأسبق أعني المرحوم محسن الحكيم المتوفّى سنة: “1390هـ” استفتاء من أحد وكلائه في بعض المناطق يتحدّث عن مسألة عاجلة وصلت له ويطلب إجابة سريعة منه، وجاء في الاستفتاء ما يلي:
#سيّدي آية الله الأعظم سماحة آية الله الحكيم “دام ظلّه”، بعد السّلام على حضرتك وتقبيل أياديكم الكريمة، مرافعة يُدّعى فيها المدّعي: بأنّ ابن جاره البالغ إثنا عشر سنة من العمر وطأ سخلة له، ويطلب من أب الطّفل غرامة البهيمة، وقد رأوا الطّفل جالساً من البهيمة مجلس الفاعل، ولكن لا كالميل في المكحلة، والطّفل المتّهم يُنكر ذلك، ويطلب أب المتّهم من المدّعي اليمين بالعبّاس “سلام الله عليه” ليدفع إليه الغرامة، فما التّكليف وقد أمرناهم فعلاً بترك النّسخة إلى أن يأتينا رأي حضرتكم هذا، ويُرجى دفع الجواب سريعاً لقطع النّزاع، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته… “1388هـ”».
#ورغم ظرافة الاستفتاء وكاشفيّته الحقيقيّة عمّا عنيناه في هذه السّطور، لكنّ المرحوم محسن الحكيم أجابه دون تردّد وقال: «إذا ثبت أنّ الطّفل قد فعل بالبهيمة ما فعل كانت الغرامة عليه لا على أبيه، فإن لم يكن له مال لم يجب على الأب دفع الغرامة عنه، وإذا لم يثبت فلا حقّ لمالك البهيمة عليه، وليس له أن يُحلّف أب الطّفل بالعبّاس “ع”، كما أنّه ليس لأب الطّفل أن يحلّف صاحب البهيمة به؛ فإنّ اليمين لا تكون إلّا بالله، فإن حلف أبو الطّفل على نفي الفعل برئ الطّفل، وإن ردّ اليمين على صاحب البهيمة فحلف لزم الطّفل الغرامة إن كان له مال، وإلّا ينتظر وقت التّمكّن، والله كان العالم العاصم، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته…».
#اعتقد أنّ هذه الحكايات وإن آلت للانقراض في مناطقنا لكنّها موجودة بعمق بنحو آخر دون شكّ وريب، ولأجل هذا ينبغي على النّخب الواعية بمختلف صنوفها أن تبادر لزرع الوعي ونشر الفكر في أمثال هذه المجتمعات بغية تطويرها وتوسيع آفاقها؛ كي لا تكون فريسة سائغة لذوي المآرب الدّينيّة والسّياسيّة وهم كُثر في أيّامنا وعراقنا، ولو كنت مكان المرحوم محسن الحكيم لأرسلت بمعيّة جواب الاستفتاء مبلغ السّخلة لصاحبها أيضاً؛ لأخجّله وأقرّعه أوّلاً وأزيد من وعيه ثانياً، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

شهادة الصّدرين أم حياتهما!!

#خلافاً لما هو سائد ومعروف بين أوساط عشّاقهم ومحبّيهم فإنّي اعتقد: إنّ شهادة المرحومين الصّدرين لم تحقّق أهدافاً عمليّة وواقعيّة نافعة قياساً بما لو فرضنا استمرار حياتهما، بمعنى: إنّهما “عليهم الرّحمة” لو قدّر لهما البقاء في هذه الدّنيا من دون استفزاز النّظام الدّكتاتوريّ السّابق بتحرّكات تثير غضبه، ومن ثمّ الّلجوء للتّقيّة بنحو من الأنحاء، لكان الانتفاع بهما سيتحقّق بشكل أكبر وأكثر ممّا حصل بشهادتهما وفقدانهما؛ فإنّ وجود المرحوم الشّهيد محمّد باقر الصّدر في داخل الحوزة العلميّة في فترة الثّمانينات والتّسعينات وما بعدها سيحقّق للحوزة وللمذهب منافع جمّة وكثيرة قياساً بمنافع فقده؛ كما إنّ استمرار حياة ابن عمّه المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر إلى أيّامنا سيغيّر المشهد السّياسي والدّيني في العراق نحو الأفضل بكلّ تأكيد، وسيقطع الطّريق أمام الطّموحات الشّخصيّة غير النّاضجة.
#ولعلّ جنوحهما “رحمهما الله” إلى الشّهادة ناتج من نفوسهما العرفانيّة الكريمة الّتي فضّلت الموت على الحياة من أجل الآخرين انسياقاً مع القراءة المشهورة في تفسير فلسفة كربلاء، لكنّ الحسين بن عليّ “روحي له الفداء” كان يفاوض حتّى آخر الّلحظات من أجل تجنّب وقوع قطرة دم واحدة، إلّا أنّ الأوغاد لم يسمحوا له بذلك ووضعوه في خيارات مرّة للغاية، بينما كان للمرحومين الشّهيدين خيارات كثيرة يمكن لهما أن يحفظا حياتهما من القتل والاستمرار بنحو من الأنحاء، وممارسة أدوارهما المتناسبة إلى أن يقدّر الله تعالى أمراً كما فعل بعض زملائهم وأساتذتهم.
#رحم الله الشّهيدين الصّدرين، وأسكنهما فسيح جنانه، وسلام عليهم يوم ولدوا، ويوم استشهدوا، ويوم يبعثون أحياءً إلى ربّهم، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

حريّة المعتقد وسلاح الكلاب الممطورة!!

#ربّما تذمّر بعضهم من طروحاتي الّتي تجعل التّقليد الفقهي بصيغته الحاليّة والمتداولة طوقاً حديديّاً يُغلق جميع آفاق التأمّل العقائدي على الإنسان الحرّ، وإنّ فتوى الفقهاء الإثني عشريّة بعدم جواز التّقليد في العقائد صوريّة لا واقع عمليّ لها بالمطلق؛ إذ ما دام الفقهاء والمراجع الإثنا عشريّة قد أدخلوا المكلّف في دهليز التّقليد الفقهي المعاصر منذ لحظة بلوغه فلا معنى حينئذ أن يُطلب منه التّحقيق في أصول عقائده المذهبيّة الّتي ترشّح منها دهليز التّقليد الفقهي نفسه؛ فهل يُعقل أن يزجّ الشّيعي الإثنا عشريّ في سجن وبعد دخوله يقال له يجب عليك أن تتعرّف على ركائزه واستحكامه وغايته للحفاظ على سلامتك مثلاً؟!
#نعم؛ ربّما تذمّر بعضهم من ذلك ولم يصدّق بكلامي لسبب ولآخر، لذا أجد نفسي اليوم مضطراً لتعميق هذه الفكرة من خلال وضع يدهم على نصّ مفصليّ صادم؛ أكشف لهم من خلال حجم الرّهاب الفكري والاجتماعي والنّفسي الّذي مارسه مؤسّسو المذهب الإثني عشري مع رفاق دربهم ونضالهم ممّن لم يجدوا دلائل على إمامة بعض الأئمّة “ع” أو إنّ ما سيق لهم من أدلّة لم يجدوه ناهضاً أو غير متسانخ مع أصل الإمامة وأصل ما عندهم من موروث مثلاً… أضع هذا النّص لكي يصدّق أمثال هؤلاء بأنّ فتوى عدم جواز التّقليد في العقائد مجرّد كذبة نظريّة لا واقع عملي لها؛ وما لم تتبع عقيدة المحيط الإثني عشريّ الّذي ولدتَ وتكوّنت فيه سيخرجوك من الملّة إذا كنت مُقلقاً لهم، وستبدأ التّنظيرات الفقهيّة تروّج لجواز بل وجوب تهجيرك وطردك ونفيك وتسفيرك من وطنك، ولو تمكّنوا لأسقطوا جنسيّتك أيضاً… قال المرحوم البهائي المتوفّى سنة: “1030هـ”:
#المُستفاد من تصفحّ كتب علمائنا، المؤلّفة في السّير والجرح والتّعديل: إنّ أصحابنا الإماميّة كان اجتنابهم لمن كان من الشّيعة على الحقّ أوّلاً، ثمّ أنكر أمامة بعض الأئمّة “ع”: في أقصى المراتب، بل كانوا يحترّزون عن مجالستهم، والتكلّم معهم، فضلاً عن أخذ الحديث عنهم. بل كان تظاهرهم بالعداوة لهم أشدّ من تظاهرهم بها للعامّة [أي أهل السُنّة]؛ فإنّهم كانوا يتاقون العامّة [أي يمارسون التّقيّة]، ويجالسونهم، وينقلون عنهم، ويُظهرون لهم أنّهم منهم، خوفاً من شوكتهم؛ لأنّ حكّام الضلال منهم. وأمّا هؤلاء المخذولون: فلم يكن لأصحابنا الإمامية ضرورة داعية إلى أن يسلكوا معهم على ذلك المنوال [!!]، وخصوصاً: الواقفة [أي الّذين كانوا يؤمنون بأنّ الكاظم “ع” هو القائم الموعود]؛ فإنّ الإمامية كانوا في غاية الاجتناب لهم، والتباعد عنهم، حتى أنّهم كانوا يسمونهم “الممطورة” أي الكلاب التي أصابها المطر. وأئمتنا “ع” كانوا ينهون شيعتهم عن مجالستهم، ومخالطتهم، ويأمرونهم بالدعاء عليهم في الصّلاة، ويقولون: إنّهم كفار، مشركون، زنادقة، وأنهم شرّ من النواصب وأنّ من خالطهم فهو منهم. وكتب أصحابنا مملوءة بذلك، كما يظهر لمن تصفح كتاب الكشّي وغيره» [مشرق الشّمسين وإكسير السّعادتين، البهائي: ص58].
والحمد لله ربّ العالمين.
#ميثاق_العسر.

عدم جواز التّقليد في العقائد وكذبة أبريل!!

#ثمّة خلل واضح يكتنف فتوى مشهور الفقهاء الإثني عشريّة النّاصّة على عدم جواز التّقليد في العقائد؛ وذلك لأنّ هؤلاء الفقهاء حينما طوّقوا عنق المكلّف المسكين بطوق التّقليد الفقهيّ [بصيغته المتداولة] في بداية تكليفه فهذا يعني إنّهم أغلقوا طريق الاجتهاد والتّحقيق العقائدي أمامه بالمطلق؛ #بداهة: إنّ إيمانه بالتّقليد الفقهي الشّيعي المعاصر يعني إيمانه بالإمامة والمهدويّة الإلهيّة الإثني عشريّة في رتبة سابقة؛ إذ لولا إيمانه القبليّ بفرضيّة إنّ هناك إثني عشر إماماً قد أوجب الله طاعتهم وامتثال أوامرهم ونواهيهم، وإنّ الثّاني عشر منهم ولد وغاب وسيظهر لاحقاً، فكيف يمكن له الإيمان بوجوب تقليد من جعله أو نصبه هؤلاء الأئمّة “ع” نائباً أو وكيلاً في تشخيص التّكليف الشّرعي الفقهيّ وفي استلام وتسليم الحقوق الماليّة ذات الصّلة؟! فإنّ ثبوت وجوب التّقليد لأشخاص هؤلاء النّواب أو الوكلاء فرع الإيمان السّابق بثبوت الإمامة والمهدويّة الإلهيّة الإثني عشريّة بنفس الصّيغة الّتي يؤمن هؤلاء النّواب أو الوكلاء بها، وهذا هو معنى التّفريغ العملي الواضح لهذه الفتوى في الواقع الشّيعي الإثني عشري؛ لأنّ الفقهاء حبكوها بأدواتهم الصّناعيّة وصياغاتهم الفقهيّة بطريقة بحيث لا يستطيع أن يفلت من طوق تقليدهم أحد؛ فتأمّل إن كنت من أهله.
#ميثاق_العسر

عليّ “ع” بين صورته الواقعيّة وصورته الإثني عشريّة!!

#في يوم ميلاد عليّ “ع” علينا أن نفكّر مليّاً في الأسباب الكامنة وراء إخفاء سيرة عليّ “ع” وأقواله وأفعاله منذ استقرار خلافة الخليفة الأوّل وحتّى أواخر خلافة الخليفة الثّالث؛ فهذه الفترة الطّويلة الّتي ناهزت الرّبع قرن أين كان عليّ “ع” يصلّي، وكيف كان يصلّي، ومن هو إمامه في الصّلاة، بل كيف كان يتوضّأ، وهل كان يجمع في صلاته أم يفرّق، وهل كان يتكتّف أم يسبل، وهل كان يقول آمين أم لا، وهل كان يقرأ الفاتحة في الثّالثة والرّابعة أم يسبّح؟!…وهكذا عشرات الأسئلة الفقهيّة الأخرى الّتي أصبحت فوارق جوهريّة عمليّة بين السُنّة والشّيعة الإثني عشريّة لاحقاً.
#أجل؛ لا يغرّك الجواب الهزيل والتّكراري الّذي لا يمتلك صنف كبير من رجال الدّين غيره وهو: “التّقيّة”؛ فمضافاً إلى عدم وجود أيّ مؤشّر عليه سوى مرويّات أيّام التأصيل المذهبي المتأخّرة ومنها ما ورد في نهج البلاغة أيضاً؛ فإنّنا لا يمكن أن نحاكم سيرة عليّ “ع” ومواقفه وفعاله في تلك المرحلة بعناوين فقهيّة وعقائديّة مستنبطة من نصوص لا زال البحث قائماً في صلاحيّتها وقدرتها على ادراج وتنميط سيرة عليّ “ع” ومواقفه وفعاله ضمن منظومتها المذهبيّة الإثني عشريّة؛ إذ إنّ مثل هذا الأمر يعزّ إثباته كما نوّهنا مراراً؛ وذلك لأنّ إثبات إمامة الإمام الإلهيّة الإثني عشريّة لا تثبت نظريّاً لا برواياته ولا بمرويّاته، كما ينبغي أن تكون سيرة عليّ ومواقفه وفعاله في تلك المرحلة خير دالّ ومؤشّر على تفسير طبيعة إمامته المترائية من نصوص النّبي “ص”، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

مستقبل المكانة الرّوحيّة للفقهاء المخلصين!!

#علينا أن نفكّر بشكل جادّ في الحفاظ على المكانة الرّوحيّة والمعنويّة للفقهاء والعلماء المخلصين بعد مرحلة التّشكيك في المهدويّة الإثني عشريّة وعرضها العريض؛ وإنّ من الخطأ بمكان أن نبقى مصرّين على الرّبط الحصريّ لهذه المكانة بهذه المقولة المذهبيّة وامتيازاتها وعناوينها العقائديّة والفقهيّة الكبيرة والكثيرة؛ وذلك لأنّ سقوط دليل هذه المقولة عن الاعتبار ليس أمراً عابراً ينبغي أن يُمرّ عليه مرور الكرام كما يتوهّم بعضٌّ من هنا أو هناك، بل يعني ذلك سقوط وانهيار المذهب الإثني عشريّ بصيغته العقائديّة الّتي أسّست لها روايات ومرويّات وجهود مدرسة قم الأشعريّة ومواليها في أواخر القرن الثّالث الهجري وما بعده.
#ومن هنا تعرف عمق ما قرّرناه فيما سلف من: إنّ الاستقتال في الدّفاع عن بعض المقولات الإثني عشريّة بصيغتها المتداولة يرجع في حقيقة الأمر إلى إنّ المعنّيّين يعرفون تماماً: إنّ هذه المقولات أشبه بقطع الدومينو؛ بمعنى: إنّ سقوط المتقدّمة منها سيُسقط لا محالة بقيّة القطع وما ترتّب ويترتّب عليها من نتائج عقائديّة وفقهيّة ومنبريّة وحوزويّة هائلة أيضاً… ما نتمنّاه عليهم أن يعوا تماماً: إنّ هذه المقولات مهما حكّموا الأسوار والأطواق عليها ومهما أعادوا تنميطها وصياغاتها بأدوات صناعتهم الفقهيّة… سيسقطها الوعيّ الشّيعي القادم لا محالة؛ لأنّها لا تتناغم مع القرآن الّذي يقرؤونه ببساطتهم ولا مع نبيّهم الدّاخليّ وهو العقل، لذا نتمنّى عليهم التّفكير الجدّي بهذه المكانة بمعزل عن رهنها بمقولات مهلهلة لا تمتلك دليلاً محكماً كما هي طبيعة المقولات الدّينيّة الملزمة، والله من وراء القصد.

ما أكثر المقلِّدة!!

#ربّما يحسب بعضهم إنّنا إذا قلنا: إنّ جملة من المقولات العقائديّة الإثني عشريّة ـ والّتي طرحها متقدّمو الأصحاب ونظّروا لها وثقّفوا عموم الشّيعة بها ـ هي في حقيقة الأمر خالية من الدّليل الصّحيح والمحكم، فهذا يعني إنّنا نريد أن نتّهم أولئك الأصحاب في دينهم وورعهم وتقواهم مثلاً لا قدّر الله، فيبدأ لسان هذا البعض بعزف أوتار وأنغام الّلفظ الفاحش والخشن دون وعي وتثبّت، لكنّ الحقيقة غير ذلك؛ وإنّ ما نريد قوله وبضرس قاطع أيضاً: إنّ جملة من هؤلاء وقعوا ضحيّة حيلة ماكرة لبعض القّصاصين والوضّاعين والطّامحين؛ وجرّاء تنسّكهم وورعهم وربّما بساطتهم لم يذهبوا صوب التّفتيش والتّحقيق والتّدقيق، فكان ما كان وحدث ما حدث.
#ولكي نضع لك دليلاً حسيّاً معاصراً على هذه الدّعوى: ننصحك أن ترجع إلى معظم الرّسائل العمليّة المعاصرة وستجد فيها فتوى تنصّ على: “إنّ الدّفن في النّجف مسقط لعذاب القبر وسؤال منكر ونكير”، مع إنّنا أثبتنا فيما تقدّم من دراسات عدم وجود ولا رواية واحدة ولو ضعيفة تشتمل على هذا المضمون #بالخصوص أصلاً، لكنّ معظم الفقهاء جرّاء تنسّكهم وتدّينهم وخوفهم ووجلهم من البحث في مثل هذه المضامين أرسلوا الفتوى إرسال المسلّمات تقليداً [فضلاً عمّن تلبّس بلباس المرجعيّة]، بل اضطروا إلى نحت أدلّة صناعيّة في سبيل تمريرها وتصحيحها وتركيزها؛ كلّ ذلك بسبب عبارة وردت في الجّزء الثّاني من كتاب إرشاد القلوب للدّيلمي والّذي قيل بأنّه من أبناء القرن الثّامن الهجري، وقد أوضحنا في دراسات سابقة عدم صحّة انتساب هذا الجزء إلى الدّيلمي بل ومجهوليّة مصنّفه أيضاً… #ورحم الله الخوئي حينما تحدّث صراحة عن الاشتباهات الّتي تحصل في ادّعاء وجود رواية في قضيّة ما رغم عدم وجود ذكر لها في كتب الرّواية، فقال: هذا ما «نشاهده من أنفسنا؛ حيث قد نطمئن بوجود رواية في مسألة، وليس منها عين ولا أثر» [التّنقيح في شرح العروة الوثقى، الطّهارة: ج1، ص48]، فتأمّل!!

آليّات حديثة لخنق الاتّجاه التّنويري الحوزويّ!!

#هناك آليّتان تحملان ظاهراً سلميّاً يمارسهما بعض من بيده سلطة القرار المرجعي في سبيل الحيلولة دون تمدّد بعض مسارات الاتّجاه التّنويري الحوزويّ المعاصرة:
#الآليّة الأولى: أن يعمدوا إلى إيصال رواتب أو هدايا ماليّة مستمرّة أو تسهيلات حوزويّة معروفة على مستوى التزكيات والبعثات وأضرابها لمن يجدوا فيه قابليّة الانضمام إلى هذا المسار الحوزويّ المتنوّر مهما كانت طبيعة هذا الانضمام ووظيفته.
#الآليّة الثّانية: أن يعمدوا إلى فتح مؤسّسات ومراكز دراسات دينيّة حوزويّة، ويجذبوا الشّخص الّذي يجدوا فيه قابليّة الانضمام ـ بغضّ الطّرف عن طبيعة هذه القابليّة ـ للعمل في هذه المؤسّسات والمراكز بعناوين دينيّة مذهبيّة جاذبة من قبيل خدمة المذهب والدّين وأضرابها.
#وقد أظهرت الآليّة الثّانية ـ في عقيدتي ـ نجاحاً باهراً في الفترة الأخيرة على بعض المستويات قياساً بالآليّة الأولى؛ لأسباب ترتبط بالضّيق المالي الكبير الّذي يعاني منه نوع الطّالب الحوزويّ، ونظراً إلى ابتعاد الآليّة الثّانية عن الاحراجات المباشرة وعدم النّظم في مساراتها الماليّة.
#وتعقيباً على هاتين الآليّتين بودّي أن أعلّق تعليقاً عابراً آملاً أن يفهمه المقصودون:
من حقّ أيّ أستاذ أو طالب حوزويّ أن يمارس الوظيفة الّتي يريدها أو أن يحدّد الآليّة المناسبة له في رسم مسارات ارتزاقه أو علاقاته أو طموحاته الحوزويّة أو غيرها؛ فهذا الشّيء يرتبط به وبالمبادئ الّتي ينطلق منها، ولا شكّ في إنّ ظروف الحياة ومرارتها وصعوبتها تجبر الإنسان على غير ما يطمح ويريد، #ولكن خيبتنا: أن يتحوّل إلى ماشة نار بيد غيره للتّهريج على بعض مسارات وشخوص الاتّجاه التّنويري؛ فهذا ما لا نأمله منه وندينه بشدّة أيضاً… لا ندعوه إلى ترك مكانته ووضعه الّذي تهيّأ له ربّما بشقّ الأنفس والانضمام إلى صعاليك الاتّجاه التّنويري، ولكن نتمنّى منه الصّمت الإيجابي إزاءهم فقط، وإلّا فقد يصمتوا عن استهدافه المباشر لهم مرّة أو مرّات، ولكنّ عليه أن يتيقّن بأنّ هذا الصّمت لن يستمر كثيراً وهو يصرّ على التّهريج ضدّهم كمهنة ووظيفة بالنّيابة عن غيره؛ وعليه أن يكون شمساً عندهم يستضيئون بنورها وهديها لا #منديلاً يكون مصيرها سلّة المهملات بعد انتهاء مهمّتها ووظيفتها، والله من وراء القصد.

زبانية الحوزة وقمع التّنوير!!

#كانت العلاقة بين المرجع الرّاحل المرحوم محمد رضا الكلبايكاني “1993م” ومؤلّف كتاب الشّهيد الخالد المرحوم صالحي النّجف آبادي “2006م” طيّبة جدّاً، وكان بينهما تزاور حتّى تصنيف الكتاب الآنف الذّكر؛ حيث أوصل صالحي الكتاب قبل طباعته إلى الكلبايكاني لقراءته وإبداء نظره لكنّ الأخير رفض استلامه، فبادر صالحي إلى الذّهاب بنفسه إلى بيت الكلبايكاني وإيصال الكتاب إليه للغرض نفسه، لكنّ ردّة فعل الكلبايكاني كانت غير متوقّعة بالنّسبة لصالحي؛ حيث نهره وعنّفه وطرده وكان ذلك بحضور صهره المرجع المعاصر لطف الله الصّافي والّذي كان له موقف سلبي شديد جدّاً من الكتاب أيضاً، وهكذا تفاقم الحال فساهم الزّبانية مهما اختلفت عناوينهم في رفع غيض الكلبايكاني من صالحي لينصّ بحضور مئتين من طلّاب الحوزة العلميّة في قم آنذاك: “أنا نادم لماذا لم أضرب صالحي على رأسه يوم سلّمني ذلك الكتاب!!”. [من مذكّرات المرحوم صالحي بالّلغة الفارسيّة].
#بلى؛ لا تستغرب من الكلام أعلاه؛ فأنا أقسم بالنّيابة عن المرحوم صالحي صحّة حديثه ونقله بل وزيادة على ذلك أيضاً؛ فالمؤسّسة الدّينيّة الشّيعيّة الرّسميّة تتعامل بما هو أشدّ من ذلك مع من يختلف معها في بضاعتها المتّفق على تسويقها بين أبناء صنفها، ولهذا يواجه الحوزويّ التّنويري فيها حرباً ضروساً تحرق أخضره ويابسه، ولكن علينا أن نميّز بين التّنويريّ المخلص الّذي يقدمّ أخلاقه وإنسانيّته على شهواته الحوزويّة وعنوانه، وبين من يتلبّس بهذا الّلباس وهو أسوأ من شرار التّقليديّين في باطنه، والله من وراء القصد.

محمد الصّدر الشّخصيّة الحوزويّة المقلقة!!

#لا شكّ ولا شبهة أيضاً بأن المرحوم الشّهيد محمد الصّدر شخصيّة مُقلقة حوزويّاً، وأعني من المقلقة وأنا هنا في مقام التّوصيف فقط وفقط: أيّ إنّ تكوينها السّايكلوجي وبناءها العلمي وتحرّكها الثّوري ليس أمراً مهضوماً عند شريحة كبيرة من المراجع وأساتذة الحوزة الكبار عُرباً وعجماً، وهذا الأمر ليس سرّاً ولا رجماً بالغيب؛ بل يصرّحون به في مجالسهم الخاصّة، ويمارسون التّقيّة المكثّفة في إظهار ما يناقضه تماماً؛ لأنّ إظهاره سيكلّفهم ثمناً باهظاً جدّاً، وما الرّائي كمن سمع… هذا في أيّام حياته ومرجعيّته وحركته.
#أمَا بعد شهادته “قدّس الله نفسه” فقد تغيّر موقف بعضهم من ناحية تفسير علاقته وتنسيقه مع النّظام العراقي السّابق، وترحّموا عليه ودعوا من الله أن يخصّه بشآبيب رحمته؛ إذ عدّوا شهادته خير شاهد على بطلان تمحّلاتهم وسوء ظنّهم الّذي تتحمّل تكوينه وتنقيحه جهات معروفة، لكن بقيت تحفّظاتهم السّايكلوجيّة والعلميّة على حالها حيث عاصروه وعايشوه في بداية تكوينه العلمي في النّجف الأشرف.
#وإذا عدنا إلى الوراء قليلاً ـ وأنا لا زلت في مقام التّوصيف ـ فإنّ صقور التّيار الصّدري وحمائمه شاهدوا بأمّ أعينهم التّسجيل المرئي للمرحوم محمد باقر الحكيم في مدرسة الإمام الكاظم “ع” في مدينة قم الإيرانيّة، والّذي تحدّث فيه قبل استشهاد السيّد محمد الصّدر بكلام فظيع يعفّ الّلسان عن ذكره انطلاقاً من قبليّاته غير الموضوعيّة، ومع هذا نجده حضر مجلس فاتحة المرحوم محمد الصّدر دون تحفّظ، فلاقى ما لاقى من الجماهير الغاضبة كما هو معروف وموثّق لمن عاصر تلك المرحلة وعايشها.
#وخلاصة ما أودّ قوله لمحبّي سماحته ومقلّديه: من حقّكم أن تغضبوا لقدوتكم ومطمح رؤاكم وآمالكم، ومن حقّكم أن تنزعجوا من الإساءة لشخصه وشخصيّته؛ فهذه أمور لا يمكن لأحد إنكارها عليكم، لكن عليكم أن تمنحوا المراقبين المحايدين صورة عقلانيّة رائعة عنكم؛ سواء في أفعالكم أو في ردودها أيضاً، صورة تستحضر أخلاقيّة المرحوم محمد الصّدر في كلّ أجزائها، وتتوشّح بإخلاصه وتفانيه، بل وعقلانيّته البحثيّة أيضاً، أمّا التّمسّك #بسحابة غيم جعلها قدرها للرّائي بصورة إنسان وتدّعون إنّها كرامة وردّ لمن يسيء للمرحوم فهذا ما يؤسف له حقيقة ولا أزيد؛ لأنّ إثبات هذا الأمر لا متعسّر فقط بل متعذّر أيضاً، وكم كنت أتمنّى عليكم أن تتعالوا عن مثل هذه الخرافات، والّتي هي أنسب بغيركم لا بكم يرحمكم الله… رحم الله الشّهيد برحمته، وقيّض الله له رجالاً يكملون مسيرته كما أراد، والله من وراء القصد.
#تنوير هامّ: لست في مقام الدّفاع عن أحد أو تبنّي وجهة نظر تقييميّة على الإطلاق، وإنّما أردت التّوصيف لما هو حاصل في الأروقة الحوزويّة؛ لذا وجب التّنويه.
#ميثاق_العسر

الأستاذ الثّبوتي والأستاذ الإثباتي!!

#في الحوزة نوعان من الأساتذة يحرص بعض الطلّاب ممّن يفكّر في مستقبله الحوزويّ على الجمع بينهما ويقتصر آخرون ـ غفلة أو عقيدة ـ على أحدهما، ويُصطلح على الأوّل بـ “الأستاذ الثّبوتي” وعلى الثّاني بـ “الأستاذ الإثباتي”، ويُعنى من الأوّل: الأستاذ الّذي يُسهم حضورك عنده بتطوير قابليّاتك ومهاراتك، وتعليمك أصول الصّنعة وقواعدها، والإصغاء إلى إشكالاتك واعتراضاتك على اختلاف في نسب هذه الأمور من أستاذ إلى آخر؛ ويُعنى من الثّاني: الأستاذ الّذي تحضر عنده لا لغرض تطوير قابليّاتك ومهاراتك، ولا لتعليمك أصول الصّنعة وقواعدها، كما لا يمنحك وقتاً واهتماماً خاصّاً للإصغاء إلى إشكالاتك واعتراضاتك، بل كلّ همّك من الحضور عنده هو أن يُدرج بعد ذلك ضمن قائمة أساتذتك؛ وذلك لأنّ درس هذا الأستاذ ـ نظراً لكبر سنّه ومرجعيّته وما شابه ذلك من عناوين ـ يمتلك رصيداً كبيراً في الوسط الحوزويّ والشّيعي الإثني عشري؛ وحينما يُكتب في سيرتك الذّاتيّة بأنّك حضرت درس فلان مرجع فإنّ هذا الأمر يعطي لك مكانة حوزويّة ومجتمعيّة كبيرة.
#والمؤسف: إنّ معظم حضّار دروس المراجع الشّيبة الكبار في النّجف وقم من الصّنف الثّاني، أي إنّهم يحضرون عندهم لغرض أن تُسجّل اسماء هؤلاء المراجع في قائمة أساتذته لزيادة الاعتبار والمكانة الحاضرة والمستقبليّة، وربّما يطمح بعضهم للحصول على اعتراف من هذه الشّيبة أو تلك… وعليه: فلا يغرّنك قراءتك السّير الذّاتيّة لبعضهم من حضوره درس فلان أو فلان من المراجع الكبار ما لم يعمّد ذلك بالقلم النّابه والتدريس العميق؛ فإنّ دروس البحث الخارج لهؤلاء المراجع أشبه بالمضيف العشائري شرعة لكلّ وارد دون حسيب أو رقيب، بل شاهدنا ورأينا كيف إنّ بعض من يجهل الّلغة الفارسيّة يحضر دروس بعض المراجع بالّلغة الفارسيّة انسياقاً مع هذه السُنّة الحوزويّة سيّئة الصّيت… #نعم؛ لا أنكر إنّ هناك تمرّداً على هذا الواقع المرّ المبنيّ على أساس طبقيّة حوزويّة مقيتة لم ينزل الله بها من سلطان؛ لكن هذا التّمرد يبقى في دائرة ضيّقة جدّاً وسباحة ضدّ التّيار… أسأل الله تعالى أن يوفّق الجّيل الحوزويّ الجّديد إلى تجاوز مثل هذه السُنن السيئة واحترام كلّ لحظة من لحظات أعمارهم الّتي لا تعوّض، وعدم التّفريط بها بحضور دروس لا ينتفعون منها سوى التّكرار والاجترار، والله من وراء القصد.

ابتذال الألقاب الحوزويّة ظاهرة تجهيل مخيفة!!

#حرص المرحوم محسن الأمين على تكرار الدّعوة إلى نقد كتابه في آخر كلّ جزء من أجزاء كتابه المعروف: “أعيان الشّيعة” تقريباً، ووعد ـ ونفّذ أيضاً ـ بنشر كلّ نقد له بل وتصحيح ما يدعو النقد إليه إذا كان موضوعيّاً؛ حيث قال مثلاً: «قلنا ولا زلنا نقول: إنّ كلّ انتقاد لكتابنا ندرجه لصاحبه مع الشّكر إن وجدناه صواباً وبالله التّوفيق» [أعيان الشّيعة: ج3، ص680]، وفي هذا السّياق كتب له النّسّابة المعاصر المرحوم المرعشي النّجفي رسالة اعتراض عن سبب إحجامه عن توصيف بعض الأعلام بكلمة تُشعر بتبجيله وتكريمه على أقل تقدير؟!
#فأجاب الأمين قائلاً: «أمّا عدم توصيفنا للأعلام بكلمات التّعظيم مثل العلّامة وحجّة الإسلام وأمثال ذلك ممّا اعتاده أهل الزّمان فلأنّا رأينا مثل هذه الكلمات قد ابتذلت وامتهنت واستعملها أهل العصر لكلّ أحد حتّى استعمل بعضهم في كتاب مطبوع كلمة العلّامة لمن هم من عوامّ النّاس وليسوا من أهل العلم، لذلك أمسكت عن وصف أحد بهذه الأوصاف المتعارفة، واقتصرت على وصف العظماء بما يُذكر في تراجمهم ممّا تحرّيت فيه الحقيقة بحسب الإمكان، وإن كان تحرّيها من جميع الوجوه خارجاً عن مقدور البشر».
#أقول: ما يشير إليه المرحوم الأمين مطلب في غاية الأهميّة وينبغي أخذه بعين الاعتبار والتّحلّي بالجرأة في ممارسته دون خوف سايكلوجيّ أو سوسيولوجي؛ فإنّ الابتذال المفرط في الألقاب الدّينيّة والعلميّة ظاهرة مهولة في واقعنا الحوزويّ بل الشّيعي عموماً لأسباب مرجعيّة ودعائيّة وسياسيّة أيضاً، حتّى وصل الحال ببعضنا إذا ما أراد أن يسخر ويهزأ بأحد فيصفه بوصف: “العلّامة” في بياناته أو تأبيناته، وهذا من الغرائب!!
#ولهذا أنصح جميع الأخوة الباحثين في حوزاتنا العلميّة والمثقّفين في عموم حواضرنا الشّيعيّة ـ وأنا أقلّهم علماً وفهماً ـ أن يتبعدوا عن لغة ومفردات: الأعلى؛ الكبير؛ المولى المقدّس؛ مجدّد الحوزة؛ الإمام، الولي…إلخ في بحوثهم العلميّة؛ فإنّ هذه الألقاب ـ رغم كونها خلاف قواعد كتابة البحوث والأطاريح العلميّة ـ تُغلق مسارات النّقد أمام الباحث الجاد وتؤسِّر ذهنه بأغلال وقيود كثيرة؛ وذلك لأنّا إذا وصفنا أحداً بوصف علميّ دينيّ كبير مقدّس قبل استعراض آرائه فكيف يمكن لنا أن نستوعب وجود ثغرات علميّة في كلامه بعد ذلك؟! على إنّ حذف الألقاب لا يعني عدم الاحترام أو الانتقاص منه لا سمح الله، بل لأجل الحفاظ على قيمة العلم والعقل وديمومتهما وسيادتهما، والله من وراء القصد.

شمّاعة تقديم البديل!!

#إذا علمت بالبرهان إنّ قدح الماء الّذي وضعه صاحب المطعم الفلاني على طاولة زبونه مسموم، فهل يجب عليك إخباره لكي يمتنع الزّبون عن شربه ويمتنع عن دخول هذا المطعم مرّة ثانية، أو لا يجب عليك ذلك ما لم تقدّم له قدح ماء آخر وترشده إلى مطعم غيره؟!
#المؤسف والمؤلم: إنّ يطالبني بعضهم بتقديم بديل للنّاس وبنفس المواصفات المذهبيّة الّتي تبقي لهم مكانتهم وسلطانهم ومرجعيّاتهم وامتيازاتهم وغلوّهم وتخريفاتهم وأساطيرهم وأوهامهم وافراطيّاتهم وأخماسهم وأثلاثهم… إلخ، وإلّا فعليّ الصّمت على طريقة إذا أردت الغزال فخذ الأرنب وإذا أردت الأرنب فخذ الأرنب… شماعة البديل شمّاعة فاشلة يلجأ إليها من يريد أن يقف أمام عقلك النّقدي من مواصله عقلانيّته، وعليك أن تعلم إنّ البديل راجع إليك أنت دون غيرك، ولا تخرج من أسارة لتدخل في أسارة أخرى… أخلع نظّارتك وتأمّل.

صلافة المصالح والتّوازنات!!

#بعد أن يموت المرجع الأعلى “أطال الله في عمره وأمدّه” سيخرج لك الأبطال الحوزويّون فيقدّموا نقداً وملاحظات على بعض مواقف وخطوات وتشكيلات وجهاز مرجعيّته تجعلك مستغرباً متأمّلاً من صلافتهم، تُرى أين اختفت كلّ هذه الأصوات في تلك الفترة؟!
#وسوف يجيبوك حينها بعد أن رتّبوا وضعهم مع المرجعيّة الجديدة ووقّعوا ووقّعت لهم بالعشرة: كنا نعرف ونعي هذه الملاحظات، ولكن مصلحة المذهب “والتي هي مصلحتهم في حقيقة الأمر” منعتنا من التحدّث بذلك!! #أجل عن طريق كذبة مصلحة المذهب عُملق أشخاص وقُزّم آخرون، ومرّرت واجبات ماليّة وأقصيت أخرى، وهكذا كانت بداية الحياة وهكذا تنتهي أيضاً، فتدبّر.

الاجتهاد في الحوزة النّجفيّة!!

#يُروى موثّقاً عندي إنّ الرّاحل الشّهيد محمد باقر الصّدر كان كلّما يُسأل عن تقييمه للمستوى العلمي لزميله السيّد السّيستاني “حفظه الله” يمتنع عن ذلك؛ وذلك لأنّ التّقييم عنده إمّا أن يحصل من خلال قراءة التّراث العلمي لمن يُراد تقييمه وإمّا من خلال الاحتكاك المباشر به من خلال سجال علميّ أو نقاش، ولم يكن للسيّد السّيستاني حينها شيء مطبوع يمكن الاطّلاع عليه كما لم تحصل للصّدر فرصة للتّواصل العلميّ المباشر معه خصوصاً وإنّ السّيستاني قليل الكلام… وذات يوم عقدت جلسة علميّة في برّاني أستاذهم الخوئي وبحضور الصّدر والسّيستاني ويبدو إنّ البحث والنّقاش فيها كان كافياً للتّقييم… وبعد أن عاد الصّدر أعاد عليه احد تلامذته المبرّزين سؤال التّقييم فأجاب:
“السيّد السّيستاني أشبه بالنّجار الّذي يعرف أدوات النّجارة جيّداً لكنّه غير قادر على نجارة شيء عن طريقها”.
#وبغضّ الطّرف عن تماميّة هذا التّقييم الصّدري في شخص السيّد السّيستاني وعدم تماميّته، لكنّه يكشف عن واقع حوزويّ نجفيّ متداول للأسف الشّديد؛ حيث تصرّ حوزة النّجف الكريمة ـ كما ألحظه وأتابعه من معظم دروسها سطحاً وخارجاً ـ على تلقين طالب الحوزة طريقة حفظ أدوات الصّناعة الفقهيّة المتداولة بطريقة حرفيّة دون أن تذهب به للعمق لمعرفة الأساسات الكلاميّة الّتي ركزت عليها هذه الأدوات؛ وذلك لأنّها تعلم إنّ الذّهاب نحو تلك الأساسات ونقاشها بتجرّد وموضوعيّة سوف يزعزع عموم هذه المقولات ثبوتاً ويفسد مقام صاحبها إثباتاً، والمؤسف: إنّ الاجتهاد والأعلميّة أصبحا يُقدّران بمقدار حفظ هذه الأدوات وإتقانها دون القدرة على مراجعة أساساتها ولا حتّى القدرة على توليد شيء منها، والله من وراء القصد.

تعدّد المرجعيّات ووهم التّكليف الشّرعي!!

#في الخامس والعشرين من حزيران عام: “1946م” سافر المرجع الشّيعي الأعلى في وقته المرحوم أبو الحسن الأصفهاني مع خمسة عشر من أفراد عائلته في رحلة وصفت بالعلاجيّة إلى مدينة بعلبك الّلبنانيّة عن طريق دمشق في حافلة تابعة لشركة نرن للنّقليّات المحدودة، وفي أيّام تواجده هناك قدّم له أحد أصدقاء البحّاثة المرحوم علي الخاقاني [صاحب كتاب شعراء الغري] استفتاءً حول إمكانيّة الزواج من مسيحيّة زواجاً دائماً، فأجاز له الأصفهاني ذلك، فتزوّج الرّجل وخلّف أولاداً ومرّت الحادثة دون التباس… #وذات يوم وبعد رحيل الأصفهاني إلى ربّه صدف أن التقى المرحوم الخاقاني بهذا الصّديق فوجده منفعلاً غاضباً مستاءً، فسأله عن السّبب فأخبره: إنّ أحد وكلاء المراجع قد شهّر بزوجته وأولاده وسعى إلى تقليص ظلّه في المجتمع!! فسأله الخاقاني عن سبب ذلك فأجابه هذا الصّديق بما نصّه: «كنت قد عوّدته على بعض العادات والمساعدات ونسيت هذا العام أن أقوم بما كنت قد عوّدته عليه؛ فإذا به يواجهني بلجهةٍ حادّةٍ ويقول: أ لم يرضك منّا أن سكتنا عن فعلتك الشّنعاء وسلوكك المضطرب حتّى صرت تستخفّ بنا؟!» فسأله هذا المسكين عن حقيقة هذه الفعلة الشّنعاء الّتي أرتكبها فأجابه الوكيل: «زواجك بنصرانيّة بالعقد الدّائم، وهذا الأمر حرام عندنا، وما لم تصحّح زواجك بها فستحرم عليك زوجتك وأولادك!!»، فأخبره: إنّه قد تزوّجها في بيروت حينما كان أبو الحسن الأصفهاني يقيم للاستشفاء في لبنان، وقد استفتاه في ذلك فأجاز، فبادره الوكيل قائلاً: «إنّا معاشر الأصوليّين لا نقرّ تقليد الموتى»، فقال له صاحب الفعلة الشّنعاء حسب تعبير الوكيل: إنّ الأصفهاني أجازني في حياته والحكم ماضٍ في وقته، نعم من أراد أن يتزوّج من قابل فعليه أن يأخذ الفتوى من الحيّ… لكنّ هذا الكلام لم يُقنع الحاضرين في تلك الجّلسة، «فطال الكلام وكثر التّشاجر، ولكن الأمر هيّن لو لم يكن الرّعيل الجّاهل يسمع من الرّجل ولا يقبل جدال الأفندي، فلم يشعر إلّا والنّفوس احتدمت والعيون جحظت، وخشي أن يتلقّى من بعضهم ما لا يتناسب مع كرامته»، فخرج مزعوجاً وصادف المرحوم الخاقاني وقصّ عليه القصّة.
#وفي الحال: قام الخاقاني بتلطيف مزاجه وتهدئة ثورته، وتطمينه بأنّه سيجلب له مجموعة من الفتاوى من مختلف مراجع النّجف لتصحيح عمله، وحفظ زوجته وإبقاء إطفاله؛ فاتّصل بستّة من الفقهاء والمراجع حينها، وقدّم لكلّ واحد منهم الاستفتاء ذي النّص التّالي:
«ما يقول مولانا حجّة الإسلام والمسلمين آية الله في العالمين في رجل تزوّج بكتابيّة بالعقد الدّائم بعد أخذ رأي مقلّده في ذلك وموافقته على ذلك، فهل زواجه صحيح وأمرأته شرعيّة وأولاده من غير زنا أم لا؟ أفتونا مأجورين».
#وقد جاء الجّواب كما يقول الخاقاني بالنّحو التّالي:
1ـ أقرّ بعضهم «صحّة ما وقع، نافياً وجود أيّ إشكال وشبهة في ذلك، معزّزاً فتواه بقوله، وهل يمكن أن يُفسخ عقد بين أثنين بدون مسوّغ، بل بالعكس إنّ السّبب في إمضائه يعود إلى تدعيم أسرة من الانهيار، وتقويم أمر الله ورسوله به؛ ليتّسع الإسلام وترتفع كلمته بأن يدخل فيه من أبناء الأديان الأخرى.
2ـ «وبعض قال: إنّ ما وقع لا مانع منه، والأحوط أن يُعاد الزّواج بالعقد المنقطع، ولا مانع من تطويل الزّمن ولو إلى تسعين سنة مثلاً».
3ـ «وبعضهم سكت ولم يجب مع العلم بأنّ له حريّة الرأي في القول، فاضطررت أن اتّصل به ـ والكلام لا زال للمرحوم الخاقاني ـ وأطلب منه إبداء رأيه أمّا سلباً أو إيجاباً، وبعد إلحاح قال: أنا لا أحرّم ولا أحلّل[!!]».
#وفي الأثناء علّق الخاقاني بمرأى ومسمع من هذا المرجع قائلاً له: إنّي قد استفدت من قولك يا مولاي أمراً كان يشغل بالي من قبل وهو المثل المعروف: «أكوس عريض الّلحية»، فهل له مصداق أم لا، وبعد أن سمعت جوابكم هذا اتّضح لي وجود مصداق له، فما كان من هذا المرجع إلّا أن امتعض من الخاقاني ومال بوجهه عنه، ونقم عليه فريق من الحضور أيضاً، واستأنس آخرون لجرأته، فخرج الخاقاني مردّداً: «لو إنّ زعيماً واحداً في البلد لما حدث ما يزعج وينزعج منه، ولسار النّاس على هدى واحد ورأي واحد حتّى لو كان غلطاً؛ فالتّسالم عليه يُخرجه إلى عالم الصّواب» [شعراء الغري: ج12، ص462].
#أجل؛ مشكلتنا هذه الأيّام هي تعدّد الزّعامات انسياقاً مع وهم التّكليف الشّرعي وفقدان الآليّات المشروعة في صناعة الزّعيم والقرار، وهي لعنة ستستمرّ طالما بقي وعي الأمّة يراوح مكانه دون تحرّر وعقلانيّة، والله الموفّق لسبيل الصّواب.

مخاطر التّنوير الحوزويّ!!

#من أهمّ المخاطر الّتي تواجه رجل الدّين الّذي يريد سلوك صراط التّنوير في الحوزة العلميّة هي المخاطر الماليّة؛ فالتّنوير يعني العقلانيّة، والعقلانيّة تعني الوعي، وهذه الأمور لا تنسجم مع إلزام المقلِّدين الّذين يُراد زرع هذه الأمور فيهم بواجبات ماليّة لم يتمّ الدّليل عليها بل ربّما تمّ الدّليل على العدم، ولهذا يُحجم معظم أساتذة الحوزة وفضلائها عن الدّخول في صراط التّنوير أو التّفكير فيه أصلاً، ويحبّذون لأنفسهم تقليد الأكابر في هذا المجال لكي لا يعانوا من أزمة تناقض نفسيّة ماليّة إذا ما توصّلوا إلى الخلاف، وربّما يدعو الاضطرار بسوء الاختيار قسماً كبيراً منهم إلى ذلك. #نعم لا مانع لدى بعضهم ـ وهم قلّة بطبيعة الحال ـ من توظيف عناوين ثانويّة لاستلام هذه الحقوق والاحتيال في سبيلها رغم عدم قناعته بوجوبها؛ لأنّه يعتقد بأنّ حياته أو مشروعه أو مرجعيّته لا تكون إلّا بذلك، لكنّ هذا السّنخ المتلوّن موجود في جميع مسارات الحياة… #أجل؛ عانى وسيعاني التّنوير الحقيقيّ في الحوزة من أزمات عميقة لثنيه عن الوصول لأهدافه، ولكن على رجالاته أن يعوا إنّ التّضحية والفداء والتّحمل هي المفردات الّتي تصنع الخلود… وهدوا إلى الطّيّب من القول وهدوا إلى صراط الحميد.