الحسين الحقيقيّ والانتفاع من الغزو والسّبي!!

لا يختلف الحسين الحقيقيّ عن أبيه وأخيه وجدّه الرّسول في ممارسة الق.تل والذّ.بح والسّبي ونكح النّساء المسبيّات [على الطّريقة الإسلاميّة] كما هو حال أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية وغيرهم من الصّحابة في ذلك الوقت، كما لا يختلف عنهم في الاعتياش اليومي على موارد الغزو وفرض الإتاوات [على الطّريقة الإسلاميّة] أيضاً.

أمّا الحسين المذهبي فهو مسالم مع الجميع، ولم يحمل سيفاً في حياته ليجبر أحداً على اعتناق الإسلام، بل كان يدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة والجّدال بالأحسن، ولم يفرض على أيّ قوم أو بلد الإتاوات أو يشارك في غزوهم قطّ، وكانت كلّ حياته مملوءة بالدّعاء والصّلاة وفعل الخير والعمل في المزارع الخاصّة الّتي اشتراها من كدّ يمينه وعرق جبينه، حتّى تسلّم الطّغاة الخلافة وأرادوا قتله ولو تعلّق بأستار الكعبة؛ فخرج وهو يعلم بموطن ومكان وساعة مقتله؛ كما أخبره جدّه بذلك، فوقعت الجريمة النّكراء.

نعم؛ ما لم تقف على هذا السّياق الكامل وتفهم ممارساته وأدواته وأهدافه ومراميه وتقيّمها من ناحية أخلاقيّة صرفة لا يُمكن لك أن تُقنع الآخر المحايد بالحزن على مقتل الحسين وسبي نسائه [المفترض] عن طريق تكثير السّواد والرّايات والدّمامات في العواصم العالميّة؛ لأنّ جوابه الحاضر سيكون واضحاً: هذه الممارسات مارسها الجميع في ذلك الوقت بما فيهم الحسين… ثمّ ماذا؟! فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.

https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fjamkirann%2Fposts%2F4078907532231540&show_text=true&width=500

زينب وقبورها المتكثّرة!!

#من حقّي أن أسأل هذا السّؤال: إذا كانت زينب بنت عليّ كما يقول المرحوم الخوئي: «شريكة أخيها الحسين “ع” في الذّب عن الإسلام والجهاد في سبيل الله، والدفاع عن شريعة جدّها سيد المرسلين، فتراها في الفصاحة كأنّها تفرغ عن لسان أبيها، وتراها في الثبات تنبئ عن ثبات أبيها، لا تخضع عند الجبابرة، ولا تخشى غير الله سبحانه، تقول حقاً وصدقاً، لا تحرّكها العواصف، ولا تزيلها القواصف، فحقّاً هي أخت الحسين “ع”، وشريكته في سبيل عقيدته وجهاده». [معجم رجال الحديث: ج24، ص219].
#أقول: إذا كانت زينب بهذه المواصفات فما بال أولاد وأحفاد أخيها الحسين بن عليّ “ع” أعني السجّاد والباقر والصّادق وبقيّة الأئمّة المعروفين “ع” لم يحثّ ولا واحد منهم شيعته على زيارة قبرها ولو برواية يتيمة واحدة ضعيفة مثلاً؟! وما بالهم لم يُرشدوا النّاس إلى محلّ قبرها لكي يعلِّموه ويُكثروا زيارته ويقطّعوا الأيدي والأرجل في طريقه؟!
#هذا وغيره يؤكّد ما ذهب إليه المرحوم محسن الأمين المتوفّى سنة: “1371هـ” حينما قال: إنّ القبور المنسوبة لزينب في الشّام ومصر من المشهورات [المتأخّرة] الّتي لا واقع لها [أعيان الشيعة: ج5، ص17ـ18؛ ج7، ص136، ط دار التّعارف]؛ فإنّ ثبوت دخلوها للمدينة يقينيّ مسلّم، أمّا خروجها منها من دون أيّ مبرّرات معلومة ومرويّة ومعتبرة فدون الوهم أيضاً، نعم؛ حينما تحوّل القبر في أيّامنا إلى مقدّس مذهبي في إطار تحالفات سياسيّة معيّنة، وجُيّشت الجيوش، وعزفت الأناشيد، وخصّصت الأموال، وبُذلت الأنفس من أجله، أضحى الوهم العلميّ حقيقة مذهبيّة، لكنّ هذا مطلباً آخر لا يعني الباحث العلميّ بالمرّة، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

تربة قبر الحسين المذهبي والاختبارات العصيبة!!

#كان المؤسّسون الاثنا عشريّة يعلمون جيّداً: أنّ دعوى “أنّ أكل شيء من تربة قبر الحسين بن عليّ “ع” شفاء من كلّ داء” كما ورد في مرويّاتهم هي دعوى غير واقعيّة ولا عمليّة أيضاً، لهذا اضطرّوا إلى معالجة الموضوع من زاوية أخرى، فولدت نصوص لرأب هذا الصّدع على طريقة الاستفتاءات الّتي تخرج من بعض الجهات الدّينيّة أو الزّعامات السّياسيّة المعاصرة، بحيث يكون السّائل والمُجيب شخصاً واحداً، ولهذا يُصاغ السّؤال بطريقة احترافيّة ليأتي الجواب منطبقاً مع ما يُراد له.
#ومن هذه المعالجات: هذا النصّ الّذي أورده شيخ الطّائفة الاثني عشريّة الطّوسي المتوفّى سنة: “460هـ”، حيث قال: «وروي: أنّ رجلاً سأل الصادق “ع” فقال إني سمعتك تقول إن تربة الحسين “ع” من الأدوية المفردة وإنّها لا تمرّ بداءٍ إلّا هضمته؟ فقال: قد كان ذلك أو قد قلت ذلك، فما بالك؟! فقال: إنّي تناولتها فما انتفعت بها!! قال: أما إنّ لها دعاءً، فمن تناولها ولم يدع به واستعملها لم يكد ينتفع بها. قال: فقال له ما يقول إذا تناولها؟ قال: تقبّلها قبل كلّ شي‏ء، وتضعها على عينيك، ولا تناول منها أكثر من حمصة؛ فإنّ من تناول منها أكثر فكأنّما أكل من لحومنا ودمائنا، فإذا تناولت فقل: اللهم إنّي أسألك بحقّ الملك الّذي قبضها، وبحقّ الملك الّذي خزّنها، وأسألك بحقّ الوصي الّذي حلّ فيها، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تجعله شفاءً من كلّ داء، وأماناً من كلّ خوفٍ، وحفظاً من كلّ سوء…». [مصباح المتهجّد: ص734، تحقيق: مرواريد].
#ومن الواضح: إنّ قراءتها بالشّروط والصّيغة المتقدّمة لا تجدي نفعاً أيضاً في عموم الحالات أو معظمها إذا قلنا: إنّها بنفسها تمتلك هذه الخصوصيّة المتميّزة عن باقي التّراب وإنّ استجابة الدّعاء مرهونة بشربها بخصوصها لا غير، وهنا يأتي الدّور لكذبة مذهبيّة أخرى وهي: بشرطها وشروطها، وإنّ فعليّة هذه التّربة تامّة للشّفاء، لكنّ الكلام كلّ الكلام في قابليّة القابل لذلك؛ فربّما لا تتوفّر فيه الشّروط المناسبة لإفاضته، وقد رأت العناية الإلهيّة أنّ هناك مصلحة في عدم منحها إيّاه…إلخ من مكرّرات مذهبيّة معروفة تهدف إلى تسطيح وعي النّاس وتركهم يعيشون في أوهام وجهالات.
#مع أنّ جميع هذه الأمور لا حاجة لها إذا ما قلنا: إنّ على الإنسان ألّا ينقطع عن دعاء ربّه وخالقه وموجده في كلّ الآنات، وإنّ استجابة هذا الدّعاء أمر نجهل أسبابه أيضاً، ولا مجال للمقارنة بينه وبين تناول التّربة؛ فالثّاني واضح الفساد بالتّجربة، والأوّل لا طريق للتّجربة إليه لاكتشاف خطله من سلامته، فيصمت الإنسان تجاهه بعد أن دلّ الدّليل على أصله، فتأمّل كثيراً كثيراً لتعرف أهمّ مسارات ومظاهر الحسين المذهبي المولودة لاحقاً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#الحسين_المذهبي

المحدّث النّوري وتوقيت مشيه إلى كربلاء!!

#خلافاً لما يُشاع من على المنابر وغيرها، فإنّ المحدّث النّوري المتوفّى سنة: “1320هـ” لم يكن يمشي إلى قبر الحسين بن عليّ “ع” في زيارة العشرين من صفر أو ما تسمّى: “زيارة الأربعين”، وكان يرى استحالة عودة الرّكب الحسيني في هذا التّاريخ إلى كربلاء، فضلاً عن الّلقاء الخيالي ما بين جابر والسجّاد في ذلك اليوم كما يتناقله أهل المنابر [راجع في هذا الصّدد كتابه الفارسي: الّلؤلؤ والمرجان]، وكانت عادته السّنويّة “رحمه الله” الزّيارة في يوم عرفة؛ حيث «يزور من النّجف إلى كربلاء راجلاً في أربعة أيّام مع عدّة من خواصّ أصحابه» [عقود حياتي، كاشف الغطاء: ص56]، وهذا هو الفرق بين الفقيه الّذي ينساق مع الأدلّة الّتي يرى صلاحيّتها لذلك وفقاً لما تقرّره المنظومة الاثنا عشريّة، وبين المرجع الّذي ينساق مع مذاق النّاس ورغباتهم رغم عدم تماميّة الدّليل على الاستحباب الخاصّ عندهم لما يُسمّى زيارة الأربعين، فليُتأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

السجّاد “ع” وعليّ الأكبر وعطايا معاوية!!

#انتهج معاوية بن أبي سفيان المتوفّى سنة: “60هـ” سياسة الاحتواء المالي القادرة على امتصاص غضب المعارضة بشكل كبير ولافت مهما كان حجم تحّفظاتهم على سياسة الحكومة وشخوصها، ولهذا لم تقتصر هداياه وعطاياه على الرّموز المؤثّرة في وقت خلافته، بل كانت تشمل أبناءهم وشبابهم أيضاً، وتدعيماً لهذا المدّعى ـ والنّصوص وافرة عليه ـ روى الكليني صاحب أهمّ كتاب حديثيّ اثني عشريّ معتبر والمتوفّى سنة: “329هـ”، مضموناً صحيحاً عنده وعند بعضهم أيضاً، عن محمّد العرزمي قوله:
#استعمل معاوية مروان بن الحكم على المدينة وأمره أن يفرض لشباب قريش، ففرض لهم، [أي فرض لهم عطايا ماليّة]، فقال علي بن الحسين “ع” فأتيته فقال: ما اسمك؟ فقلت: علي بن الحسين. فقال: ما اسم أخيك؟ فقلت: علي، قال: عليّ وعليّ، ما يريد أبوك أن يدع أحداً من ولده إلّا سمّاه عليّاً، ثمّ فرض لي. فرجعت إلى أبي [الحسين “ع”] فأخبرته، فقال: ويلي على ابن الزرقاء دباغة الأدم؛ لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أسمّي أحداً منهم إلّا عليّاً». [الكافي: ج6، ص19].
#ويُستظهر من الرّواية بعض الفوائد، منها:
#الأولى: رغم استظهار الفقهاء الاثني عشريّة استحباب تسمية الأولاد بـ “عليّ” لكنّ المفترض أن يقيّد هذا الاستحباب بما إذا لم يستلزم التّكرار؛ لأنّ تكرارها في الأخوة والأشقّاء يتنافى تمام التّنافي مع ضبط أمن الدّول وصرف مواردها، والظّاهر أنّ هذا هو ما قرّره مروان بن الحكم كـوالٍ للمدينة يُريد تطبيق إجراءات المركز، لا أنّ ذلك ناشئ من منطلق حقد وضغينة لصاحب الاسم الأصليّ لكي يُسبّ ويُهجى بهذه المفردات الّتي قد تُعطي انطباعاً سلبيّاً لمن رسم في مخيلته صورة نمطيّة غارقة في المثاليّة عن الإمام، لكنّ المؤسف: أنّ أعلامنا ـ بل وسيرة بعضهم ـ لم يتفطّنوا لما يخلّفه تكرّر التّسمية من اختلاط وتكرار، فعمدوا إلى تسمية أولادهم باسمائهم نفسها، فسمّى ابن طاووس نجله باسمه فكان سميّه، وكم رأينا من مشاكل ولّدتها هذه الممارسة في نسبة بعض الكتب إليه أو إلى ولده، بل ويلحظ الممارس حجم المشاكل الّتي ولّدتها تسمية الحسين بن عليّ “ع” أولاده باسم عليّ، فحار الأعلام في أنّ المقتول في كربلاء هل هو الأكبر أم الأصغر، ووقعوا في حيص بيص شديد.
#الثّانية: يُفترض أنّ الحادثة أعلاه قد حدثت في أيّام ولاية مروان بن الحكم الثّانية على المدينة والّتي امتدّت من عام: “54هـ” وحتّى عام: “57هـ” حينما كان عليّ بن الحسين بعمر يُمكن إطلاق وصف الشّباب عليه، وهذا يعني: أنّ العطايا والهدايا والجوائز الّتي كان يقدّمها البلاط الأموي لم تنقطع بموت الحسن بن عليّ “ع” ولم تقتصر على الحسين بن عليّ “ع” فقط، بل استمرّت إلى آخر سنوات خلافة معاوية وشملت نجله السجّاد “ع” وعليّ الأكبر أيضاً فضلاً عن غيرهم من بني هاشم.
#وصفوة القول: إنّ انصهار الحسين بن عليّ “ع” مع خلافة معاوية بمعنى رفض الخروج عليها واستلام عطاياها وهداياها والصّلاة خلف أمرائها: أمر مسلّم لا شكّ ولا مرية فيه، نعم؛ كان يرى في نفسه الأحقيّة في الخلافة بعد موت معاوية، وكان يرحّل كلّ الدّعوات الكوفيّة الّتي حثّته على الخروج إلى ما بعد وفاته، وهذا يعني: أنّ تفسير رفضه بيعة يزيد بعد موت معاوية ومن ثمّ ذهابه إلى العراق بأنّ السّماء أمرته بالشّهادة والانتحار في سبيل تعميق المبادئ الإسلاميّة في الأمّة إنّما هو تفسير غنوصي باطني تولّد ـ مع نصوصه المعروفة ـ في سبيل ردم الهوّة الكبيرة الّتي تقرّرها الحقيقة الكاشفة عن واقع تلك المرحلة وطبيعة شخوصها وفلسفة تحرّكاتهم، والّتي تتنافى تمام التّنافي ـ بطبيعة الحال ـ مع الصّورة النّمطيّة الغارقة في المثاليّة المرسومة عن الحسين بن عليّ “ع” والمنبثقة من الحسين المذهبي تجليّاته ومظاهره المنبريّة المعروفة، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#الحسين_المذهبي

المال أهمّ شروط التّسوية بين الحسن “ع” ومعاوية!!

#حملت الكتب المعتبرة عند الفريقين ـ وبشكل متناثر أيضاً ـ بعض الشّروط المحدّدة فيما يُمكن الاصطلاح عليه بالتّسوية السّياسيّة الّتي حصلت سنة: “41هـ” بين الحسن بن عليّ “ع” ومعاوية بن أبي سفيان، ولعلّ أبرز هذه الشّروط هو: القضايا الماليّة؛ حيث روى البخاري المتوفّى سنة: “256هـ” بإسناده الصّحيح عنده وعندهم: أنّ الحسن بن عليّ “ع” قال لوفد معاوية بن أبي سفيان الّذي هو عبد الله بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز: «إنّا بنو عبد المطلب، قد أصبنا من هذا المال، وإنّ هذه الأمة قد عاثت في دمائها»، فقالا له: «فإنّه [أي معاوية] يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك»، فقال لهم الحسن بن عليّ “ع”: «فمن لي بهذا؟» أي من يضمن لي ذلك، فقالا له: «نحن لك به»، وعلى أساس هذا الاتّفاق: «فما سألهما شيئاً إلّا قالا: نحن لك به»، فصالح معاوية على هذا الأساس. [صحيح البخاري: ج3، ص186].
#كما نصّ أحمد بن داود الدينوريّ المتوفّى سنة: “282هـ” في الأخبار الطّوال قائلاً: «ولمّا رأى الحسن من أصحابه الفشل، أرسل إلى عبد الله بن عامر بشرائط اشترطها على معاوية على أن يسلّم له الخلافة، وكانت الشّرائط: ألّا يأخذ أحداً من أهل العراق بإحنة، وأن يؤمّن الأسود والأحمر ويحتمل ما يكون من هفواتهم، ويجعل له خراج الأهواز مسلّماً في كلّ عام، ويحمل الى أخيه الحسين بن عليّ في كلّ عام ألفي ألف، ويفضّل بنى هاشم في العطاء والصّلات على بني عبد شمس». [الأخبار الطّوال: ص220].
#وأوردت بعض الكتب كذلك: أنّ الحسن بن عليّ “ع” قد اشترط أن يُدفع له خراج منطقة دارابجرد [دارابگرد] من بلاد فارس والّتي صالح أبو موسى الأشعريّ أهلها على أن يدفعوا مليوناً وثمانين ألفاً كإتاوات شرعيّة سنة: “27هـ” [العبر في خبر من غبر: ج1، ص21]، وأفاد الطّبريّ المتوفّى سنة: “310هـ” بأنّ أهل البصرة منعوا الحسن بن عليّ “ع” من أخذ ضرائب هذه المنطقة، وقالوا: «فيئنا». [تاريخ الطّبري: ج5، ص165].
#وحكى الصّدوق المتوفّى سنة: “381هـ” عن كتاب الفروق بين الأباطيل والحقوق لابن بحر الشّيباني، الأخير الّذي روى بسنده عن يوسف بن مازن الراشي قوله: «بايع الحسن بن علي معاوية على أن لا يسمّيه أمير المؤمنين، ولا يقيم عنده شهادة، وعلى أن لا يتعقب على شيعة علي شيئاً، وعلى أن يفرّق في أولاد من قتل مع أبيه يوم الجمل وأولاد من قتل مع أبيه بصفين ألف ألف درهم، وأن يجعل ذلك من خراج دارابجرد». [علل الشّرائع: ص211ـ212].
#وجاء في تاريخ دمشق لابن عساكر المتوفّى سنة: “571هـ”: «ثمّ دعا عمرو بن سلمة الأرحبي فأرسله وكتب معه إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله الصّلح ويسلّم له الأمر، على أن يسلّم له ثلاث خصال: يسلّم له بيت المال فيقضي منه دينه ومواعيده الّتي عليه، ويتحمل منه هو ومن [معه‏] عيال أهل أبيه وولده وأهل بيته، ولا يسبّ عليّ وهو يسمع، وأن يحمل إليه خراج [إتاوات شرعيّة] فسا ودارابجرد من أرض فارس كلّ عام إلى المدينة ما بقي، فأجابه معاوية إلى ذلك وأعطاه ما سأل‏». [ج13، ص264، دار الفكر].
#وقال ابن الأثير المتوفّى سنة: “630هـ” في الكامل في التّاريخ: «وكان الّذي طلب الحسن من معاوية: أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة، ومبلغه خمسة آلاف ألف [خمسة مليون]، وخراج دارابجرد من فارس، وأن لا يشتم عليّاً، فلم يجبه عن الكفّ عن شتم عليّ، فطلب أن لا يشتم وهو يسمع، فأجابه إلى ذلك ثمّ لم يف له به أيضاً، وأما خراج دارابجرد فإنّ أهل البصرة منعوه منه وقالوا: هو فيئنا لا نعطيه أحداً، وكان منعهم بأمر معاوية أيضاً». [الكامل في التّاريخ: ج3، ص6، ط دار الكتاب العربي].
#وقال الذّهبي المتوفّى سنة: “748هـ” في سير أعلام النّبلاء: «ووفّى معاوية للحسن ببيت المال، وكان فيه يومئذ سبعة آلاف ألف درهم؛ فاحتملها الحسن، وتجهز هو وأهل بيته إلى المدينة، وكفّ معاوية عن سبّ عليّ والحسن يسمع، وأجرى معاوية على الحسن كلّ سنة ألف ألف درهم، وعاش الحسن بعد ذلك عشر سنين». [سير أعلام النّبلاء: ج3، ص264، ط الرّسالة].
#وقال ابن كثير المتوفّى سنة: “774هـ” في البداية والنّهاية: «وحاصل ذلك أنّه اصطلح مع معاوية على أن يأخذ ما في بيت المال الّذي بالكوفة، فوفّى له معاوية بذلك، فإذا فيه خمسة آلاف ألف [خمسة مليون]، وقيل: سبعة آلاف ألف [سبعة مليون]، وعلى أن يكون خراج البصرة وقيل: دارابجرد له في كلّ عام، فامتنع أهل تلك النّاحية عن أداء الخراج إليه، فعوضه معاوية عن ذلك ستة آلاف ألف درهم في كل عام، فلم يزل يتناولها مع ما له في كلّ عام في وفادته؛ من الجوائز والتّحف والهدايا، إلى أن توفي في هذا العام». [البداية والنّهاية: ج11، ص205، ط هجر].
#هذه هي طبيعة الشّروط المنقولة في هذه الكتب وقد أوردناها بطولها ليكون القارئ على دراية بتفاصيلها وطبيعة اختلافاتها.
#أمّا مصير الخلافة بعد معاوية إلى الحسن بن عليّ “ع” بعد وفاة الأوّل فلم تُشر له الكتب آنفة الذّكر، لكنّ جاء في كتاب الفتوح لابن أعثم المتوفّى سنة: “314هـ” «ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد لأحد من بعده عهداً، بل يكون الأمر شورى بين المسلمين» [ج3ـ4، ص291، ص329، النّسخة الفارسيّة، ط حجريّة]، كما روى الذّهبي عن عمرو بن دينار قوله وهو يتحدّث عن صلح معاوية والحسن: «أعطاه معاوية عهداً إن حدث به حدث والحسن حي ليسمينه، وليجعلن الأمر إليه»، [سير أعلام النّبلاء، مصدر سابق]، كما حكى ابن حجر العسقلانيّ المتوفّى سنة: “852هـ” عن كتاب الخوارج لمحمّد بن قدامة الجوهري إنّه أورد بسنده الّذي وصفه ابن حجر بالقوي عن أبي نضرة قوله: «إنّه سمع الحسن بن عليّ يقول في خطبته عند معاوية: إنّي اشترطت على معاوية لنفس الخلافة بعده». [فتح الباري: ج25، ص129، تحقيق: الأرنؤوط].
#أمّا دعوى أنّ من شروط الصّلح أو التّسوية أن يدفع الأمر إلى الحسين بن عليّ “ع” في حالة موت شقيقه فهذه كذبة صلعاء لا أثر لها في الكتب المعتبرة على الإطلاق، وإنّما ذكرت لأوّل مرّة ـ حسب التتبّع ـ في كتاب النسّابة الاثني عشريّ ابن عنبة المتوفّى سنة: “828هـ” المسمّى: “عمدة الطّالب في أنساب آل أبي طالب” [ص46، ط حجريّة؛ ص67، ط النّجف؛ ص74، تحقيق: مهدي رجائي] وساهم في ترويجها صاحب كتاب صلح الحسن المرحوم راضي آل ياسين المتوفّى سنة: “1371هـ”[ص259ـ260، ط النّجف]، وهكذا تلاقفها كلّ من كتب بعده في هذا الخصوص، فانعكست على الملالي والوعّاظ من أصحاب المنابر وغيرهم دون تحقيق وفحص؛ إذ وجدوا في هذه الكذبة خير معين لإقناع أنفسهم وجماهيرهم بأنّ هذا هو السّبب الّذي أوجب خروج الحسين بن عليّ “ع” على يزيد.
#فتحصّل ممّا تقدّم: إنّ الباعث لرفض الحسين بن عليّ “ع” لخلافة يزيد بن معاوية لا يرتبط بشيء من شروط الصّلح الّتي أبرمها شقيقه الحسن “ع” مع معاوية، فإنّ معاوية وإن نقض بعضها كما لحظنا وإن اختلفت كلماتهم أيضاً، لكنّ الظّاهر أنّ الجوانب الماليّة المباشرة والخاصّة لم تُقطع، وبقيت حتّى أواخر حياة معاوية جارية للحسين بن عليّ “ع” كذلك، أمّا نقض الشّروط الأخرى المرتبطة بالدّماء فلم يحرّك الحسين بن عليّ “ع” ساكناً تجاهها على مستوى العمل حيث البيعة كانت في عنقه لمعاوية وإن حصل شيء من هذا القبيل على مستوى الرّسائل والشّجب، وأمّا حكاية أنّ المفترض بمعاوية تسليم الخلافة للحسين “ع” بعد موت شقيقه الحسن “ع” فهي كما رأيت فاقدة لأيّ قيمة في الكتب المعتبرة وإن اشتهرت على الألسن والمنابر المعاصرة، نعم؛ كان الحسين “ع” يعتقد بأحقيّته بالخلافة وله الحقّ في ذلك، لكنّ هذا مطلب آخر لا يترشّح من شروط التّسويّة الّتي حصلت بين معاوية وشقيقه الحسن “ع”، والّتي كان الحسين “ع” متحفّظاً بشدّة على أصلها، فتفطّن كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#الحسين_المذهبي

عالميّة كربلاء تنافي زجّ الطّفولة في قتالها!!

#حينما تُريد تحويل واقعة كربلاء إلى حادثة عالميّة مُلهمة لأحرار العالم كما تحبّ تسميتهم، وتطلب من جميع البشر في الكرة الأرضيّة أن يحزنوا لحزنك ويراعوا مشاعرك في أيّامها، فعليك أن تُعالج بعض الثّغرات الّتي تتمظهر فيها، وهي كثيرة من وجهة نظرهم، لكنّنا سنقصر النّظر على أبرزها، فنقول:
#استُصغرَ سنّ جملة من الصّحابة ولم يسمح لهم رسول الإسلام “ص” بالمشاركة في المعارك والحروب حينها حتّى كبروا، فمُنع البراء بن عازب وعبد الله بن عمر عن معركتي بدر وأُحد، ومُنع أبو سعيد الخدري وأسيد بن ظهير وزيد بن أرقم وسعد بن خثيمة وزيد بن ثابت وزيد بن حارثة عن معركة أُحد للسّبب نفسه، وربّما سُمح لبعضهم لتفوّقهم في بعض الفنون القتاليّة وربما غير ذلك، فلماذا سمحَ الحسين بن عليّ “ع” لبعض الأطفال ممّن لم يبلغ الحلم بالمشاركة في المعركة ليُقتلوا بأوّل منازلة؟!
#قد تستطيع إقناع الآخرين بمظلوميّة الحسين بن عليّ “ع” من خلال رسم صورة مذهبيّة عاطفيّة لساعات المعركة، لكنّك لم ولن تستطيع ذلك إذا كشفت لهم أنّه “ع” كان يستطيع أن يجنّب أهله وصبيته وأصحابه القتال إذا ما سلّم نفسه إلى ابن زياد وانتهى كلّ شيء، سيّما وقد نُقل عنه القول: «فإنّ القوم إنّما يطلبوني، ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري»، أو بادر بنفسه للتقدّم للنّزال وإنهاء المعركة منذ لحظاتها الأولى، فماذا سيكون جوابك في تلك الحالة؟!
#هل ستقول لهم: هذا إمام إلهي معصوم وتصرّفاته تشريع مُطلق لا ينبغي أمامها غير السّكوت والتّسليم؟ سيقولون لك: نحن لا نؤمن بالإمامة الإلهيّة وغير ذلك من حكايات وسفاسف فضع علمك في بطنك واسكت… وهل ستقول لهم: إنّه خيّرهم بين القتال وعدمه فرفضوا التّراجع، فسيقولون لك: كان بإمكانه أن يجنّبهم ذلك ويتقدّم للقتال قبلهم ويخرج نفسه عن المسؤوليّة الشّرعيّة والأخلاقيّة محلّ البحث، فماذا ستصنع حينذاك؟!
#لا شكّ في أنّك ستدسّ رأسك في التّراب، وتتّهم من يسألك هذه الأسئلة بالعمالة وأضرابها من الأجوبة الجاهزة والمعروفة؛ لكي تُسكّن ما سيحصل لك من اضطراب نفسي عقائدي كبير، وتُقنع لطّامة موكبك بذلك، وإلّا فإنّ مثل هذه الأسئلة المُقلقة جدّاً تقف عقبة كؤوداً أمام دعوى عالميّة كربلاء وكونها مصدر إلهام لأحرار العالم؛ لأنّ هؤلاء الأحرار يعدّون زجّ الأطفال في هذه المعارك ـ مهما كان حجمهم أو اندفاعهم ـ عمل لا مسوّغ له بعد أن عرفوا: أنّ بالإمكان تجنيبهم ذلك بتقديم أقلّ الخسائر، فتأمّل كثيراً كثيراً، وضع الأمور في نصابها بلا انتفاخ ولا مذهبيّات، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#الحسين_المذهبي

موقف الحسين “ع” من زاوية رسالة الحقوق!!

#روى الصّدوق بأسانيد صحيحة عنده عن أبي حمزة الثّمالي رسالة طويلة عن السجّاد “ع” تُسمّى برسالة الحقوق جاء فيها: «وحقّ السّلطان: أن تعلم أنّك جعلت له فتنة، وأنّه مُبتلى فيك بما جعله الله عزّ وجلّ له عليك من السّلطان، وأن عليك أن لا تتعرّض لسخطه، فتلقي بيدك إلى التّهلكة، وتكون شريكاً له فيما يأتي إليك من سوء». [من لا يحضره الفقيه: ج2، ص620؛ الخصال: ص567؛ الأمالي: ص369].
#وهنا من حقّنا أن نسأل السجّاد “ع” ـ بعد التجرّد عن قناعاتنا ومواقفنا الإيمانيّة القبليّة الخاصّة ـ هذا السّؤال: إذا كان الأمر ينبغي أن يكون كما تقول فما بال أبيك الحسين بن عليّ “ع” لم يبايع سلطان زمانه، وتمرّد عليه من خلال الدّعوة لتشكيل سلطان موازٍ لسلطانه، وبالتّالي: تعرّض لسخطه، وألقى بيده إلى التّهلكة ـ وفقاً لبياناتك ـ في المعركة المرعبة الّتي خرجت منها سالماً لسبب وآخر؟!
#ويتعاظم الإشكال أكثر ويستحكم بنحو أكبر حينما نقرأ نصّ الرّسالة آنفة الذّكر في كتاب تحف العقول لإبن شعبة الحرّاني النّصيري المعاصر للصّدوق حسب الفرض؛ حيث نجد أنّ حقّ السّلطان فيها يحمل إضافات عدّة قام الصّدوق كعادته ببترها لأسباب أيدلوجيّة ، حيث قال:
#فأما حقّ سائسك بالسّلطان: فأن تعلم أنّك جُعلت له فتنة، وأنّه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السّلطان، وأن تخلص له في النّصيحة، وأن لا تماحكه وقد بُسطت يده عليك؛ فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه، وتذلّل وتلطّف لإعطائه من الرّضا ما يكفه عنك، ولا يضرّ بدينك، وتستعين عليه في ذلك بالله، ولا تعازه ولا تعانده؛ فإنّك إن فعلت ذلك عققته، وعققت نفسك، فعرضتها لمكروهه، وعرضته للهلكة فيك، وكنت خليقاً أن تكون معيناً له على نفسك، وشريكاً له فيما أُتى إليك، ولا قوة إلّا بالله». [تحف العقول: ص260].
#وهنا نُعيد السّؤال على السجّاد “ع” نفسه: كيف تفسّر موقف أبيك الحسين “ع” من سلطان زمانه وأنت رافقته في الطّريق من المدينة إلى مكّة وحتّى كربلاء؛ فهل امتنع عن مماحكته، وهل تذلّل وتلطّف لإعطائه من الرّضا ما يكفّه عنه، وهل ترك معارضته في عزّته ومعاندته وعقوقه، وهل عقّ نفسه وعرّضها لمكروه السّلطان وبالتّالي هلاكها، وهل كان معيناً عليها وشريكاً فيما أُتي إليه؟!
#لا حاجة لإجابة هذه الأسئلة بإجابة صريحة وواضحة تكشف عن مدى اختلاف المواقف بين الحسين ونجله؛ فإنّ السجّاد “ع” أجاب عليها عمليّاً وبنحو تامّ؛ حيث لم يُشارك في أحداث كربلاء، ولم يقدّم خطوة واحدة في هذا الاتّجاه، وتعرّض لمواقف محرجة جدّاً في مجلس عبيد الله بن زياد في الكوفة، وذهب إلى الشّام وبايع يزيد بن معاوية، فلا مثلي لا يبايع مثلك ولا غير ذلك، وهو من رأى رأس أبيه على القنا مرفوعاً!!
#وإن كانت هذه الأجوبة تستفزّك وتؤلمك فيمكنك أن تقول: نحن ننكر صدور رسالة الحقوق من عليّ بن الحسين السجّاد “ع”، ولا نلتزم بهذه الفقرة من مضامينها حتّى وإن قبلها أعلامنا المؤسّسون ومقلِّدتهم، ولا نؤمن بمبايعته ليزيد، بل كان هارباً متخفيّاً طيلة فترة خلافته…إلخ، أجل من حقّك ذلك، ولكن عليك أن تلتزم بلوازم كلامك، وتبني لك مذهباً خاصّاً بك، وتوفّر مصادر خاصّة له، وتخرج عن دائرة مخاطبي هذا الكلام.
#نعم؛ المسكونون بالإمامة الإلهيّة والعصمة وما شابهها من حكايات متداولة يضطرّون لابتداع وجوه مذهبيّة لإقناع أنفسهم بحقّانيّة عقائدهم الّتي ولدوا عليها، وسوف يلطمون على مقتل الحسين ورحيل ابنه السجّاد دون فرق يُذكر؛ فهو تنوّع الأدوار ووحدة الهدف، وإيّاك أن تنبس ببنت شفة وتشكّك وتسأل؛ فإنّ هذه من علامات سوء العاقبة والخسران المبين، فضلاً عن كونها مستفزّة لمشاعر الآخرين؛ فأطع السّلطان المذهبي ولو ضرب على أنفك وسخّف وعيك، ولله في خلقه شؤون وشؤون، وهو دائماً من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#الحسين_المذهبي

الحسين الحقيقي والحسين المذهبي!!

#ولد الحسين الحقيقيّ في السّنة الثّالثة أو الرّابعة من الهجرة وعاش في كنف جدّه محمّد “ص” وأمّه فاطمة “ع” ست أو سبع سنين لا غير، عاصر خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وشارك فيما يُسمّى بالفتوحات وتقاضى من غنائمها وإتاواتها الشّرعيّة ونكح سباياها، وعاش مع أبيه عليّ “ع” ثلاثة أو أربعة وثلاثين عاماً وشارك معه في حروبه الثّلاثة، كما عاش مع شقيقه الحسن “ع” سبعاً وأربعين سنة تقريباً، وكانت لديه تحفّظات بالغة على تنازله عن الخلافة لمعاوية، لكنّه بايع معاوية وانصهر مع خلافته حتّى نهايتها، واستلم جوائزها ومرتّباتها وعطاياها، وصلّى خلف أمرائها.
#وبعد موت معاوية كان يرى في نفسه الأحقيّة بالخلافة انطلاقاً من منطق القرابة، لذا لم يبايع يزيد وخرج من المدينة خائفاً يترقّب حتّى استقرّ في مكّة، وبعد مراسلات وتواصل مع أهل الكوفة وأخذ بيعتهم قصدها، لكنّ يزيد أرسل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة فأنهى تمرّدها، ولمّا علم الحسين الحقيقيّ بذلك فكّر بالعودة لكنّ بني عقيل تمنّعوا، ولمّا التقى بالحرّ الرّياحي وعرف أنّ العودة هي الخيار الأسلم والآمن أصرّ عليها لكنّ الرّفض كان قباله، وهكذا استمرّ الموقف بعد مفاوضات حرجة للغاية مع عمر بن سعد لم تسفر عن الوصول إلى تسوية إلّا بمبايعة عبيد الله بن زياد، الأمر الّذي رفضه الحسين الحقيقي، فوقعت المعركة غير المتكافئة والّتي كانت معلومة النّتائج سلفاً، فقُتل الحسين الحقيقي في يوم العاشر من محرّم لعام: “61هـ” وذهب إلى ربّه شهيداً مظلوماً، وانتهى كلّ شيء؛ حيث لم يخلّف كتاباً ولا تلامذةً ولا تُراثاً علميّاً بالمُطلق.
#وفي اليوم نفسه الّذي استشهد الحسين الحقيقي فيه ولد: الحسين المذهبي، وولدت معه المواقف والنّصوص والخطب والزّيارات والأدعية والأساطير والخرافات و “الدّجليات” الّتي أفرزت ما شاء الله من الدّكاكين المذهبيّة على جميع المستويات، وأوّل هذه الولادات هو الصّراع على الزّعامة الأُسريّة من بعده بين أخيه ابن الحنفيّة ونجله السجّاد، وفي الوقت نفسه الصّراع بين أولاد شقيقه الحسن وبين أولاد ابنه السجّاد، وهي صراعات حّكمتها ونظّرت لها البطون الّلاحقة لهم؛ وقد تطوّرت هذه الصّراعات بعد ذلك إلى توليد نصوص لذمّ الطّرف الآخر وللانتصار عليه تحت عنوان الإمامة الإلهيّة، وتمّ ذلك بمعاونة شيعة الكوفة الّذين غدر آباؤهم بالحسين الحقيقي، وأخذ كلّ طرف يركّز على جانب ما بين العاطفة والثوريّة، وكلّها ترتضع من تفسيرها الخاصّ لحركة الحسين بن عليّ “ع” فضلاً عن حكاية الأحقيّة بالخلافة، وهكذا حتّى قُضي على أنصار هذه الفرق وتسيّدت الاثنا عشريّة على القرار.
#أجل؛ الحسين الحقيقيّ كان مقتله وشهادته في عاشوراء سنة إحدى وستّين هجريّة، وما نشهده من تجليّات ومظاهر وطقوس وممارسات وفلوكلورات شعبيّة إنّما هي من مظاهر الحسين المذهبي المولود في لحظة مقتل الأوّل، وما لم نفرّق بينهما سنبقى نعيش أوهاماً ما بعدها أوهام، ونطوّر طقوساً وممارسات وزيارات، ونحارب ونقاتل ونعادي ونرخص الأنفس والأهل والأولاد والأموال خارج الحدود وداخلها، وكلّ ذلك لأجل الحسين المذهبيّ الّذي عشقناه، فتفطّن كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#الحسين_المذهبي

وجود الماء ليلة عاشوراء ويومه في مخيّم الحسين “ع”!!

#خلافاً لما اشتهر في الأوساط الاثني عشريّة المعاصرة ببركة الملالي والوعّاظ ومنابرهم، فإنّ الحسين بن عليّ وأصحابه كانوا يمتلكون الماء في ليلة العاشر وربّما في يومه أيضاً؛ وذلك استناداً إلى مجموعة أدلّة وقرائن نذكر أهمّها:
#الأول: نصّ المؤرّخون على أنّ الحسين بن عليّ “ع” أرسل أخاه العبّاس في يوم السّابع من المحرّم مع خمسين مقاتلاً ما بين فارس وراجل، وزوّدهم بعشرين قربة، فذهبوا إلى الفرات وبعد اشتباكات بسيطة مع مانعيهم ملأوا القِرَب وعادوا سالمين غانمين إلى المخيّم، وهذا يعني توفّر الماء لديهم في تلك الفترة. [تاريخ الطّبري: ج5، ص412].
#الثّاني: نقل جملة من المؤّرّخين المتقدّمين وجملة من أعلام الإثني عشريّة المتقدّمين والّلاحقين حواراً حصل بين الحسين بن عليّ “ع” وأخته السيّدة زينب في ليلة العاشر من شهر محرّم، كان قد نقله لأبي مخنف راويان سمعاه من السجّاد “ع” مباشرة حسب المدّعى، وهو الحوار المشهور الّذي تمتم فيه الحسين “ع” بالأبيات الشّعريّة الّتي مطلعها: “يا دهر أفّ لك من خليل..إلخ”، وفي هذا الحوار نصّ على أنّ الحسين “ع” كان قد صبّ على وجه أخته الماء بعد أن خرّت مغشياً عليها، ومن الواضح: أنّ صبّه “ع” الماء على وجه أخته في ليلة العاشر من المحرّم دليل على توافره بمقدار ما لديهم، وليس كما يُشاع في الأوساط الإثني عشريّة المنبريّة من فقدانه بالمرّة في تلك السّاعات. [تاريخ الطّبريّ: ج5، 420؛ الإرشاد: ج2، ص93ـ94؛ تاريخ اليعقوبيّ: ج2، ص217، ط النّجف؛ الّلهوف: ص141ـ142].
#الثّالث: روى الطّبريّ المتوفّى سنة: “310هـ” في أحداث ليلة عاشوراء بإسناده عن أبي مخنف إنّه قال: «حدّثني عمرو بن مرة الجملي، عن أبي صالح الحنفي، عن غلام لعبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري، قال: كنت مع مولاي، فلما حضر النّاس وأقبلوا إلى الحسين، أمر الحسين بفسطاط فضرب، ثمّ أمر بمسك فميث في جفنة عظيمة أو صحفة، قال: ثمّ دخل الحسين ذلك الفسطاط فتطلّى بالنورة، قال: ومولاي عبد الرحمن بن عبد ربه وبرير بن حضير الهمداني على باب الفسطاط تحتك مناكبهما، فازدحما أيّهما يطلي على أثره… فلما فرغ الحسين دخلنا فاطلينا، قال: ثمّ إنّ الحسين ركب دابته ودعا بمصحف فوضعه أمامه، قال: فاقتتل أصحابه بين يديه قتالا شديداً…». [تاريخ الطّبري: ج5، ص422ـ423]، ويظهر من عبارات ابن طاووس المتوفّى سنة: “664هـ” وشيخ المحدّثين المجلسي المتوفّى سنة: “1110هـ” أنّ الطّلاء بالنّورة كان في يوم العاشر لا في ليلته. [الّلهوف: ص154؛ بحار الأنوار: ج45، ص1].
#وفي ضوء هذا الدّليل الثّالث ينبثق هذا السّؤال: إذا لم يكن للحسين بن عليّ “ع” وأصحابه ماء في تلك السّاعات الحرجة فكيف تمكّنوا من التنوّر والطّلاء؟!
#وهنا بادر بعض المعاصرين إلى إجابة مثل هذا الاعتراض الوجيه بدعوى: إمكان التّدبير في إجراء النّورة بحيث تزيل الشّعر ولا تحرق ولا تحتاج إلى الماء أيضاً!! وقد نقض عليه أحدهم ببيان: إنّ هذا الأمر وإن كان ممكناً عمليّاً من حيث اختلاط جسم يابس كالملح مع جسم يابس آخر كالزّاج فينتج رطوبة كالخمير باصطلاحهم… إلاّ أنّ‌ الظّاهر وجود ماء البئر لغير الشّرب وسائر الحوائج، بل ويمكن وجود الماء العذب أيضاً استناداً إلى رواية الصّدوق الّتي سنتحدّث عنها لاحقاً. [الإمام الحسين وأصحابه، فضل الله القزويني: ج1، ص288ـ298، تحقيق: أحمد الحسيني].
#أقول: رغم أنّ مفردة “الميث” الواردة في الرّواية لا تتناسب لغويّاً إلّا مع الماء، ولهذا قالوا: «وكلّ شي‏ء مرسته في الماء فذاب فيه، من زعفران وتمر وزبيب وأقط، فقد مثته وميّثته». [لسان العرب: ج2، ص192]، لكنّ ما قاله من وجود ماء صالح للشّرب هو الأقوى وفقاً لما تقدّم من نصوص، على أنّ وجود ماء غير صالح للشّرب لا يبرّر ما يُشاع وما يُتناقل وما تُستدرّ العواطف عن طريقه من فقدان الحسين “ع” وأطفاله الماء لثلاثة أيّام متوالية؛ فالإنسان المضطرّ الّذي تتوقّف حياته على شرب ما لا يصلح يشرب ولا تثريب عليه بل يجب عليه ذلك من باب حفظ النّفس، ولا اعتقد أنّ هذا يخفى على أمثال الحسين بن عليّ “ع” وأصحابه، فتفطّن!!
#ولكن يبقى السّؤال المقلق قائماً: بغضّ الطّرف عن مبرّرات استخدام النّورة في ذلك الوقت، لكنّ المفترض بالقائد ـ إذا كان يتحسّب لمعركة يُمنع فيها أطفاله ونساؤه وأصحابه فيها من الماء ستقوم بعد ساعات ـ أن يخزّن الماء ويحتفظ به للسّاعات الحرجة، لا أن يصرفه في أشياء تجمّليّة ثانويّة، الّلهم إلّا أن يُقال: إنّ الماء كان موجوداً بوفرة بحيث إنّ صرف قسم منه في التنوّر والطّلاء لا يضرّ بالمخزون، وهذا الأمر ترجّحه الشّواهد التّالية:
#الأوّل: في أحداث ليلة العاشر روى الصّدوق المتوفّى سنة: “381هـ” بإسناده الصّحيح عنده عن عبد الله بن منصور إنّه قال: «سألت جعفر بن محمد بن علي بن الحسين “ع”، فقلت: حدثني عن مقتل ابن رسول الله “ص”؟ فقال: حدّثني أبي، عن أبيه‏… [في رواية طويلة إلى أن يقول]: «وأرسل عليّاً ابنه “ع” في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً ليستقوا الماء، وهم على وجل شديد، وأنشأ الحسين “ع” يقول: يا دهر أفّ لك من خليل… ثمّ قال لأصحابه: قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم، وتوضئوا، واغتسلوا، واغسلوا ثيابكم؛ لتكون أكفانكم، ثمّ صلّى بهم الفجر، وعبأهم تعبئة الحرب، وأمر بحفيرته الّتي حول عسكره فأضرمت بالنّار؛ ليقاتل القوم من وجه واحد». [الأمالي: ص157]، وهذه الرّواية تكشف عن وجود الماء في ليلة عاشوراء وصباحه أيضاً.
#الثّاني: حكى شيخ المحدّثين الاثني عشريّة المجلسي المتوفّى سنة: “1110هـ”، عن كتاب النّوادر لعليّ بن إسباط، عن بعض أصحابه قوله: «إنّ أبا جعفر [الباقر] “ع”قال: كان أبي [السجّاد] مبطوناً يوم قتل أبو عبد الله الحسين بن علي “ع”، وكان فى الخيمة، وكنت أرى موالياتنا كيف يختلفون معه يتبعونه بالماء [!!]، يشدّ على الميمنة مرّة، وعلى الميسرة مرّة، وعلى القلب مرّة، ولقد قتلوه قتلة نهى رسول الله “ع” أن يُقتل بها الكلاب، ولقد قُتل بالسّيف؛ والسّنان؛ وبالحجارة؛ وبالخشب؛ وبالعصى، ولقد أوطأه الخيل بعد ذلك». [بحار الأنوار: ج45، ص91]، وهذا الخبر يكشف عن وجود الماء حتّى في الّلحظات الأخيرة من المعركة، والله العالم.
#فتحصّل ممّا تقدّم: إنّ دعوى عدم وجود ماء في مخيّم الحسين بن عليّ “ع” في ليلة عاشوراء أمر لا تقرّره النّصوص المعتمدة، وإنّ فقدان الماء قد يكون قبيل بدء المعركة ظهيرة عاشوراء، ولهذا جاء في خطاب الحرّ بن يزيد بعد انتقاله إلى معسكر الحسين “ع”: «وحلأتموه ونساءه وأصيبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الّذي يشربه اليهودي والمجوسي والنصراني، وتمرّغ فيه خنازير السّواد وكلابه، وها هم أولاء قد صرعهم العطش». [تاريخ الطّبري: ج5، ص428؛ الإرشاد: ج2، ص100]، وقد عرفت أين صُرفت تلك الكميّات من الماء آنفاً فتأمّل.
#نعم؛ لا شكّ في أنّ المقاتل الشّجاع الشّهم النّبيل في الّلحظات الأخيرة من حياته وهو يبتعد عن خيامه ويُثخن بالجراحات يطلب الماء دون شكّ وريب لإتمام قتاله، ومن الطّبيعي أن يتمنّع قاتلوه غير النّبلاء عن سقيه بغية الفتك به، لكنّ هذا مطلب آخر غير ما تُصوّره المنابر بعرضها العريض من دعوى عدم توفّر الماء أيّاماً عدّة في مخيّم الحسين بن عليّ “ع”؛ إذ قد عرفت أنّ النّصوص الرّوائيّة الثّابتة عندهم تدحض ذلك، فتفطّن كثيراً لا لرسم صورة ورديّة عن معسكر أعداء الحسين “ع” كما قد يتوهّم بعض السُذّج والجهلة وهم يقرؤون هذه الإثارات الجادّة والمبرهنة، وإنّما لتعرف حجم التّزييف والتّسطيح المبرمج والّذي أتلف جزءاً كبيراً من وعيك وعقلك، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#الحسين_المذهبي

تأمّلات في مقولة ثقل الحديد أجهدني!!

#تنظّر المتتبّع الاثنا عشريّ الخبير المرحوم حسن الصّدر المتوفّى سنة: “1354هـ” فيما يتناقله أرباب المقاتل من قول عليّ بن الحسين لأبيه بعد أن أصابته جراحات كثيرة: يا أبة؛ العطش قد قتلني، وثقل الحديد أجهدني، حيث قال: «لم أعثر على ما يدلّ على أنّ عليّ بن الحسين كان دارعاً أو كثير السّلاح، بل في بعض الرّوايات ما يشعر بأنّه لم يكن دارعاً، مثل: إنّه قطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً، وهذا لا يكون إلّا فيمن كان دارعاً، وأيضاً: بُعد الشّكوى من ثقل الدّروع وهو من قد سمعت [أي يُشير إلى شجاعته الّتي تحدّث عنها قبل ذلك]، فالأظهر: إنّه يُريد بثقل الحديد، ثقل الجيش وكأنّهم من جبال الحديد، كما يُقال: أقدم فلان على جبال الحديد». [من أحد كتبه المخطوطة الموجودة عندنا].
#كما احتمل المرحوم عبّاس القمّي المتوفّى سنة: “1359هـ” «أن يكون مراد عليّ‌ بن الحسين من ثقل الحديد كثرة عسكر المخالفين وما قاسى منهم، فإنّه “سلام الله عليه” اختصّ‌ من بين الشّهداء بكثرة الحملات والشّدّ على القوم حتّى قال الرّاوي في حقّه: وشدّ على النّاس مراراً وقتل منهم جمعاً كثيراً حتّى ضجّ‌ النّاس من كثرة من قتل منهم، وفي بعض التّواريخ: أنّ حملاته بلغت اثنتي عشرة مرة، وأمّا التّعبير عن العسكر بالحديد فهذا تعبير شائع، وقد تقدّم كلام الشّيخ الكشّي في حبيب بن مظاهر “ره” وكان حبيب من السّبعين الرّجال الّذين نصروا الحسين “ع” ولقوا جبال الحديد…». [نفس المهموم: ص589].
#كما أنّ نقل العبارة المتقدّمة بالصّيغة نفسها عن كتاب الفتوح لابن أعثم الّذي يُقال إنّه توفّي سنة: “314هـ” غير سليم أيضاً؛ وذلك لأنّها من الإضافات الّلاحقة؛ نقول ذلك بقرينة نسخة الفتوح الفارسيّة المترجمة في القرن السّادس كما قيل؛ حيث خلت من عبارة “وثقل الحديد أجهدني” واقتصرت على: «العطش العطش قد قتلني، فهل إلى شربة من الماء سبيل». [راجع النّسخة الفارسيّة لكتاب الفتوح: ص384]، ولهذا احتملنا في دراسات سابقة ـ ووفقاً لمعطيات عدّة ـ وقوع تصرّفات كثيرة في نسخة الفتوح المطبوعة من قبل دار الأضواء لمواءمة صياغة رواياته وأخباره مع نظريّة خروج الحسين بن عليّ “ع” من أجل الشّهادة؛ لذا يشكل جدّاً الاعتماد عليها.
#وكيف كان، فإنّ ما ينبغي معرفته من خلال هذه الإثارة المتواضعة هو: إنّ عموم هذه التّفاصيل المشابهة لم تثبت بدليل معتبر، وإنّما هي نقولات لاحقة تولّدت في سياق لسان الحال وتطبيق حكاية التّسامح وأخبار من بلغ، وإلّا من هو الّذي كان متفرّغاً في تلك الّلحظات ليسجّل التّفاصيل الحربيّة الدّقيقة وطريقة الوداع ما بين الوالد وابنه، ولهذا روى الطّبريّ المتوفّى سنة: “310هـ”، بإسناده عن أبي مخنف إنّه قال: حدّثني زهير بن عبد الرّحمن بن زهير الخثعمي: «وكان أوّل قتيل من بني أبي طالب يومئذ عليّ الأكبر بن الحسين بن علي، وأمّه ليلى ابنة أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي؛ وذلك أنه أخذ يشدّ على النّاس وهو يقول: أنا علي بن حسين بن عليّ، نحن وربّ البيت أولى بالنّبي، تالله لا يحكم فينا ابن الدّعي. قال: ففعل ذلك مراراً، فبصرَ به مرّة بن منقذ بن النّعمان العبدي ثمّ الّليثي، فقال: عليّ آثام العرب إن مرّ بي يفعل مثل ما كان يفعل إن لم أثكله أباه، فمرّ يشدّ على النّاس بسيفه، فاعترضه مرّة بن منقذ، فطعنه فصرع، واحتوله النّاس فقطعوه بأسيافهم». [تاريخ الطّبري: ج5، ص446؛ الإرشاد: ج2، ص106].
#كما روى ابو مخنف أيضاً بإسناده عن حميد بن مسلم قوله: «سُماع أُذني يومئذ من الحسين يقول: قتل الله قوماً قتلوك يا بني! ما أجرأهم على الرحمن، وعلى انتهاك حرمة الرّسول، على الدنيا بعدك العفاء». [المصادر السّابقة نفسها].
#وصفوة القول: إنّ معظم ما يُقرأ في المقاتل ويُسمع من على المنابر في خصوص التّفاصيل الحربيّة هو ناشيء من لسان الحال، ويُشكل جدّاً تعاطيه وترويجه، لكنّهم يجوّزون ذلك لأدنى مناسبة في سياق جملة من القواعد الأصوليّة والفقهيّة المرتكزة على مقولات كلاميّة فاسدة، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#الحسين_المذهبي

المشتركات الحربيّة بين بدر وكربلاء!!

#كانت الحروب ولا زالت تقوم على أساس الخديعة والاحتيال وإن وضعت لها النُظم المعاصرة قوانين أخلاقيّة ينبغي عدم تجاوزها، وفي هذا السّياق: وفي أحداث معركة بدر بالخصوص، سبق الرّسول إلى مائها، ومنع قريشاً من السّبق إلى الماء مطر عظيم لم يصب المسلمين منه إلّا ما لبّد لهم الأرض، فنزل “ص” على أدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة، وفي تلك الّلحظة حكى ابن حجر العسقلانيّ المتوفّى سنة: “852هـ” عن كتاب سيرة ابن إسحاق المتوفّى على بعض الأقوال سنة: “151هـ” قوله:
#حدّثني يزيد بن رومان، عن عروة، وغير واحد في قصة بدر، «أنّ الحباب بن المنذر بن الجموح قال: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرّأي والحرب والمكيدة؟ قال: “بل هو الرّأي والحرب والمكيدة”. فقال: يا رسول الله، فإنّ هذا ليس بمنزل، فانهض بالنّاس حتّى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله ثمّ نغور [نفسد أو نخرّب] ما وراءه من القلب، ثمّ نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون. فقال رسول الله “ص”: “لقد أشرت بالرأي”. فنهض رسول الله “ص” ومن معه من النّاس فسار حتّى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثمّ أمر بالقلب فغوّرت، وبنى حوضاً على القلب الّذي نزل عليه فملئ ماء، ثم قذفوا فيه الآنية». [الإصابة: ج2، ص9، ط الكتب العلميّة؛ سيرة ابن هشام: ج1، ص620، ط مصطفى البابي؛ تاريخ الطّبري: ج2، ص440؛ مستدرك الحاكم: ج3، ص482، ط الكتب العلميّة، ومصادر كثيرة أخرى].
#نعم؛ حاول المعاصرون من المتصلّبين في علم الرّجال السُنّي تضعيف الرّواية بالإرسال وغيره، لكن ذهب بعضهم إلى تصحيحها استناداً إلى ما حكاه ابن حجر العسقلانيّ المتوفّى سنة: “852هـ” الّذي لم يجد أولئك المتصلّبون من حيلة إلّا رميه بالوهم رغم وصفهم له بما فوق الوثاقة، وهو أمر طبيعيّ على طريقتهم حينما لا يُعجبهم شيء انسياقاً مع تصوّراتهم المنبثقة من الصّورة النّمطيّة الغارقة في المثاليّة عن الرّسول “ع”؛ كما اضطرّ المذهبيّون الاثنا عشريّة المعاصرون ممّن حسبوا أنّ التّحقيق بكثرة عناوين الكتب وطباعتها إلى إنكار الحادثة أيضاً، وذهبوا إلى تنافيها مع أخلاق الرّسول القرآنيّة وعصمته كما هي المنافذ الدّائميّة لإنكار الحقائق والوقائع. [راجع على سبيل المثال: فقه السّيرة بتخريج الألباني: ص171، دار الشّروق؛ دفاع عن الحديث والسّيرة: ص81ـ 83، منشورات الخافقين؛ مرويّات غزوة بدر: ص157ـ 165، مكتبة طيبة؛ الصّحيح من سيرة الرّسول: ج5، ص29ـ30، ط دار الهادي].
#وكيف ما كان؛ فإنّ مشورة الحبّاب للرّسول ـ والّتي اعتمدت في فلم الرّسالة أيضاً ـ قد رويت موصولة ومرسلة في المصادر المختصّة، وقد اعتمدت من قبل جلّهم، وهي مشهورة جدّاً في كتب المغازي، ولا نستبعد جدّاً وقوعها انسياقاً مع قواعد الحرب في تلك الّلحظة الزّمانيّة وآليّاتها، وعلى هذا الأساس: فإذا قلنا: إنّ حبس الماء ـ بنحو من الأنحاء ـ عن الحسين بن عليّ “ع” سبط الرّسول “ص” في كربلاء قد تمّ عن طريق محاصرة جيش آل أبي سفيان بقيادة أحفاده، فإنّ جدّه محمّد بن عبد الله “ص” كان قد منع الماء عن جيش آل أبي سفيان بنحو من الأنحاء في حينها وأفسد ماء آبارها، وهذا هو منطق السّلطة والحروب في تلك البرهة الزّمنيّة، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#الحسين_المذهبي

خطباء المنبر وتفسيرهم لحركة الحسين “ع”!!

#بنظرة فاحصة يمكن تقسيم خطباء المنبر الحسيني المعاصرين ومن يقف خلفهم من الفقهاء والمراجع إلى نحوين:
#الأوّل: واقعيّ غارق في البكاء والعويل والنّحيب، ويصرّ على ضرورة تركيز هذه المفردات بنفسها وتعميق طقوسها وممارساتها في عموم الأمّة؛ انسياقاً مع إرشادات بعض أحفاد الحسين “ع” وتوجيهاتهم، والغالب أن ينهج ذوو الأصوات الجميلة هذا النّهج.
#الثّاني: مثاليّ يريد تصوير الحسين بن عليّ “ع” على أنّه عِبرة لا عَبرة، وإنّ المهم مبادئ ثورته وأهدافها، وإنّ المطلوب أوّلاً وبالذّات هو فهم وتطبيق وامتثال القيم العليا الّتي خطّها الحسين لحركته وشهادته، وإن كانت العَبرة والحُزن مطلوبين ثانياً وبالعرض، والغالب أن ينهج إلى هذا النّحو ذوو الأصوات العاديّة أو المتواضعة.
#وفي الحقيقة: إنّ كلا هذين النّحوين لا يُريد فهم حقيقة حركة الحسين بن عليّ “ع” من المدينة إلى مكّة ومن ثمّ العراق حتّى مقتله وشهادته، ويصرّ على تسميتها بالثّورة انسياقاً مع قبليّات مذهبيّة فاسدة ولدت بعد حادثة كربلاء بعقود وقرون أيضاً، ويسعى جاهداً لإغفال الحقائق التّاريخيّة المسلّمة والّتي هي عبارة عن التحرّكات البشريّة الطّبيعيّة الّتي مارسها الحسين بن عليّ “ع” من لحظة خروجه من مكّة وحتّى شهادته، أو ذكرها وإظهار صاحبها على أنّه يمارس دور الممثّل البارع حتّى على عياله وأطفاله، وإنّه كان يُلقي الحجّة على أعدائه من خلالها فقط!!
#فالأوّل ينساق مع النّصوص الرّوائيّة الّتي ولدت في سياق التّعبئة السّياسيّة والمذهبيّة الّتي بدأها بنو العبّاس ضدّ بني أميّة وتواءمت مع أهداف بعض بني هاشم فكان شيعة الكوفة نقلتها ومطوّريها ومطبّقيها.
#والثّاني: ينساق مع صورة نمطيّة غارقة في المثاليّة رسمتها الحركات التحرّريّة الثّوريّة المعاصرة عن مبادئها وزعاماتها ويُريد تطبيق ذلك على الحسين بن عليّ “ع”.
#مع أنّ الواقع والحقيقة: إنّ الحسين بن عليّ “ع” خرج إلى الكوفة وآل الأمر إلى مقتله وشهادته الدّمويّة بهذه الصّورة إنّما بسبب دعوة أهل الكوفة له لخلافتهم وزعامتهم السّياسيّة الّتي كان يرى في نفسه الأحقيّة بها على غيره، لكنّهم خذلوه وغدروا به حتّى آلت الأمور إلى ما آلت إليه، وكان قد سعى جاهداً على طول الطّريق بعد لقائه بالحرّ وهكذا حتّى عمر بن سعد إلى تجنّب سفك دمه ودم مرافقيه، وأراد العودة والانصراف لكنّهم أصرّوا على إذلاله ولم يرضخ.
#لقد كان الحسين بن عليّ “ع” منصهراً مع خلافة معاوية سنين عدّة بنحو من الأنحاء، ومبايعاً له، وكان يستلم مرتّباته، وعطاياه، وجوائزه، ويصّلي خلف ولاته، ولم يقبل أن يتحرّك بأيّ حركة تنافي بيعته وميثاقه للبلاط الأموي، فمقايسة حركته “ع” بالثّورات الكبيرة المعاصرة وأهدافها ضرب من التّمحّل والخيال، وإلّا دلّوني على ثورة واحدة قلّدت حركة الحسين بن عليّ “ع” في عدّتها وعددها وآليّاتها وأهدافها الظّاهريّة وانتصرت، واحدة فقط!! نعم؛ لا شكّ في أنّ للحسين “ع” أهدافاً دينيّة يُريد من خلال الوصول للخلافة إنجازها، لكنّها لا تمرّ من خلال شهادته بل من خلال خلافته، فتأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#الحسين_المذهبي

الحسين “ع” ومفاوضات السّاعات الأخيرة!!

#بعد التّسوية الّتي طرحها الحرّ بن يزيد الرّياحي والّتي قبلها الحسين بن عليّ “ع” من ضيق الخناق، بدأ التّياسر في الطّريق يستمرّ، والحرّ يحافظ على حدوده ومساره، حتّى انتهوا إلى قصر بني مقاتل، «فلمّا أصبح نزل فصلّى الغداة، ثمّ عجل الرّكوب فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّقهم، فيأتيه الحرّ بن يزيد فيرده وأصحابه، فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردّا شديداً امتنعوا عليه فارتفعوا، فلم يزالوا يتياسرون كذلك حتّى انتهوا إلى نينوى المكان الّذي نزل به الحسين “ع” فإذا راكب على نجيب له عليه السّلاح متنكب قوساً مقبل من الكوفة، فوقفوا جميعاً ينتظرونه، فلما انتهى إليهم سلّم على الحرّ وأصحابه، ولم يسلّم على الحسين وأصحابه، ودفع إلى الحرّ كتاباً من عبيد الله بن زياد، فإذا فيه: أما بعد: فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي، ولا تنزله إلّا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء، فقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري، والسّلام»، فأخبرهم الحرّ بفحوى كتاب أميره ابن زياد، وإنّه مأمور بجعجعتهم في هذا المكان، وإنّ الرّسول لن يفارقه حتّى ينفّذ أمر الأمير.
#إلى هنا ينتهي دور الحرّ الرّياحي كقائد ويتحوّل إلى جندي مقاتل، ويبدأ الدّور لعمر بن سعد؛ والّذي قدم في الصّباح من الكوفة مع جيش يقدّر بأربعة آلاف فارس، ولمّا نزل بعث عروة بن قيس الأحمسي إلى الحسين “ع” وطلب منه أن يسأله عن السّبب الّذي جلبه إلى هنا وماذا يُريد، لكن حيث إنّ عروة ممّن كاتب الحسين “ع” فقد خجل منه واستحى، فعرض ابن سعد المهمّة على الرّؤساء الآخرين الّذين كاتبوه فأبوا كلّهم ورفضوا مواجهة الحسين “ع” أيضاً، وكيف كان فقد ذهب شخصٌ يُسمّى قرّة بن قيس الحنظلي التّميمي وأبلغ الحسين “ع” رسالة عمر بن سعد، فأجابه “ع” قائلاً: «كتب إليّ أهل مصركم هذا: أن أقدم، فأمّا إذ كرهتموني فأنا أنصرف عنكم».
#ولمّا أبلغ قرّةٌ عمرَ بن سعد بجواب الحسين “ع” قال عمر: «أرجو أن يعافيني الله من حربه وقتاله»، وكتب إثرها إلى عبيد الله بن زياد: «بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد: فإنّي حين نزلت بالحسين بعثت إليه رسلي فسألته عمّا أقدمه، وما ذا يطلب؟! فقال: كتب إليّ أهل هذه البلاد، وأتتني رسلهم يسألونني القدوم، ففعلت، فأما إذ كرهوني وبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم، فأنا منصرف عنهم».
#ولحدّ هذه الّلحظة كان الحسين بن عليّ “ع” واضحاً جدّاً في بيان سبب قدومه إلى الكوفة، ومكذّباً بنحو عمليّ كلّ الأخبار والرّوايات المولودة لاحقاً والّتي تتحدّث عن أنّ قصده كان الخروج لأجل الشّهادة، ولأجل هذا أخرج معه العيال والأطفال؛ لأنّ الله شاء أن يراهنّ سبايا ويراه قتيلاً…إلخ من منحولات ولدت في سياق ما اصطلحنا عليه “الحسين المذهبي” المولود لاحقاً، وإلّا فعلينا أن نفترض أنّ الحسين كان يمارس في جميع هذه المفاوضات دور الممثّل البارع فقط، بل وكان يُلقي الحجّة، ولا ندري أين هي الحجّة الّتي ألقاها وهو يطلب منهم العودة إلى بلده فقط؟!
#نعود لإكمال المشهد؛ حيث أجاب ابن زياد رسالة ابن سعد بعد أن ردّد البيت الشّعري المعروف: الآن إذ علقت مخالبنا به؛ يرجو النجاة ولات حين مناص، «أمّا بعد فقد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت، فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد هو وجميع أصحابه، فإذا فعل هو ذلك رأينا رأينا، والسّلام»، ولمّا ورد الكتاب على ابن سعد تنفّس الصّعداء وقال: «قد خشيت أن لا يقبل ابن زياد العافية».
#تطوّر الموقف بعد هذه المخاطبات؛ حيث طلب ابن زياد إحكام طوق المحاصرة على الحسين “ع” حتّى بمنعهم من الوصول إلى الماء، وهكذا حتّى ليلة العاشر من المحرّم، وبعد فشل المفاوضات والتّنازلات، وأصبح القتال أمراً حتميّاً، طلب الحسين “ع” حينذاك مقابلة عمر بن سعد، فاستجاب لذلك واجتمعا ليلاً، «فتناجيا طويلاً، ثمّ رجع عمر بن سعد إلى مكانه وكتب إلى عبيد الله بن زياد: أمّا بعد فإنّ الله قد أطفأ النّائرة، وجمع الكلمة، وأصلح أمر الأمة؛ هذا حسين قد أعطاني عهداً أن يرجع إلى المكان الّذي أتى منه، أو أن يسير إلى ثغر من الثّغور فيكون رجلاً من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبينه رأيه، وفي هذا لكم رضى وللأمة صلاح».
#وبعد أن وصلت نتائج المفاوضات إلى عبيد الله بن زياد تدخلّ شمر بن ذي الجوشن وغيّر القرار، وأقسم لابن زياد بأنّه لو ترك الحسين “ع” يرحل من البلاد الّتي نزل فيها ولم يضع يده في يدك ليكون أولى بالقوّة ولتكونن يا ابن زياد أولى بالضّعف والعجز، ولهذا أخبره بأن لا يعطيه هذه المنزلة البتّة؛ «فإنّها من الوهن، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه، فإن عاقبت فأنت أولى بالعقوبة، وإن عفوت كان ذلك لك»، فاستحسن ابن زياد هذا الرأي المنسجم مع ميوله ومزاجه وأهدافه، وكتب إلى ابن سعد رسالة شديدة اللّهجة، وحذّره بأنّ قيادة الجيش ستنتقل إلى الشّمر ما لم ينفّذ ما يُقال له. [الإرشاد: ج2، ص84ـ89؛ تاريخ الطّبري: ج5، ص410ـ416].
#هذا هو مشهد المفاوضات والتّنازلات الّتي بدأت منذ لقاء الحرّ بن يزيد الرّياحي وحتّى ليلة العاشر من محرّم لسنة: “61هـ” كما اختزله زعيم الطّائفة الاثني عشريّة المفيد، وتركنا جزئيّاته الأخرى الّتي نقلها الطّبري عن أبي مخنف مع التّكهنّات الّتي ذكرها بعضهم في خيار الذّهاب إلى يزيد من عدمه، ومنه نعرف: كذب ومنحوليّة عموم النّصوص الّتي قرّرت: إنّ الحسين بن عليّ “ع” كان قد خرج من المدينة إلى مكّة ومن ثمّ إلى العراق بقصد الشّهادة حصراً، وإنّ ذلك ضمن الخطّة الإلهيّة المعدّة له سلفاً، فالسّبب الحصري لذلك كان رسائل أهل الكوفة له وتمنيتهم إيّاه بالخلافة لا غير، ولهذا قاتل “ع” حتّى آخر لحظة من حياته الكريمة من أجل الحفاظ على سلامته وسلامة أصحابه ووضع خيارات عدّة على طاولة المفاوضات وقدّم التّنازلات، لكنّ أعداء الإنسانيّة وضعوه بين السلّة والذّلة، والذلّة هي مبايعة عبيد الله بن زياد لا يزيد الّذي كان أحد الخيارات المطروحة ولو بشكل غير مباشر، لكنّه اختار السلّة والقتال، فذهب إلى ربّه شهيداً، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#الحسين_المذهبي

ملاسنة الحسين “ع” مع الحرّ وإلقاء الحجّة!!

#بعد أن استشار الحسين بن عليّ “ع” بني عقيل وأصرّوا على مواصلة الطّريق إلى الكوفة للأخذ بثأرهم، وبعد أن نقّح له أصحابه الفرق الكارزمي بينه وبين مسلم الأمر الّذي يوجب تغيّر المعادلة فور دخوله الكوفة، أقول: بعد جميع هذه الاستشارات الطّبيعيّة في العمل العسكريّ والّتي مارسها جدّه “ص” أيضاً، تحرّك حتّى وصل منطقة زبالة فوصله خبر مقتل عبد الله بن يقطر، فأخبر من معه بذلك، وتفرّق النّاس من حوله ولم يبق منهم سوى من خرج معه من المدينة ونزر يسير ممّن التحق به بعدها… .
#وهكذا حتّى وصل إلى منطقة تُسمّى بذي حسم ليلتقي بالحرّ الرّياحي وجيشه، وبعد تعارف ومجاملات طبيعيّة حان وقت صلاة الظّهر فتقدّم الحسين بن عليّ “ع” للصّلاة بجيشه وجيش الحرّ معاً لكنّه خطب قبل ذلك فقال:
#أيّها النّاس: إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم، وقدمت عليّ رسلكم أن أقدم علينا؛ فإنّه ليس لنا إمام؛ لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم، فأعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين، انصرفت عنكم إلى المكان الّذي جئت منه إليكم».
#لم تؤثّر خطبة الحسين “ع” بهم، ولم تزعزع قناعتهم، وهم يريدون الائتمام به للصّلاة، وليسوا كفرة فسقة فجرة جاؤوا من وراء المحيط لسفك دم إمام إلهيّ مفروض عليهم، «فسكتوا عنه ولم يتكلّم أحد منهم بكلمة»، وهكذا حتّى حان وقت صلاة العصر فأمر «أمر الحسين بن علي “ع” أن يتهيئوا للرّحيل، ففعلوا، ثمّ أمر مناديه فنادى بالعصر وأقام، فاستقام الحسين “ع” فصلّى بالقوم»، وهذا يعني أنّ فكرة الجمع بين الصّلاتين كسلوك دائمي حتّى في السّفر إنّما هي اجتهاد بعدي مذهبي ولد لاحقاً.
#وبعد أن أتمّ الحسين بن عليّ “ع” الصّلاة انصرف إلى المأمومين خلفه: «فحمد الله وأثنى عليه، ‏ثمّ قال: أمّا بعد أيّها النّاس، فإنّكم إن تتقوا الله، وتعرفوا الحقّ لأهله، يكن أرضى لله عنكم، ونحن أهل بيت محمد، وأولى [!!] بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسّائرين فيكم بالجور والعدوان، وإن أبيتم إلّا كراهية لنا والجهل بحقّنا، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدمت به عليّ رسلكم انصرفت عنكم».
#ومن الواضح: إنّ الحسين بن عليّ “ع” يتحدّث مع المئات خلفه بمنطق القرابة، وإنّه ما دام من أهل بيت محمّد فهم أولى بالخلافة من غيرهم، وهذا شيء آخر غير الإمامة الإلهيّة وأجنبيّ عنها تماماً فضلاً عن صيغتها الاثني عشريّة، لكنّ المفاجأة أنّ هؤلاء لم يكونوا يعلمون لا بحكاية الأئمّة من بعدي اثني عشر، ولا بفرضيّة حديث الثّقلين وتطبيقاته الإلهيّة المعروفة، ولا بالدّلالات المذهبيّة لحديث الغدير والمنزلة والثّقلين وأضرابها، بل ولم يكونوا يعلمون بالكتب والرّسائل الّتي نصّ الحسين بن عليّ “ع” على كونها هي من حرّكته وجلبته إلى الكوفة، ولهذا أقسم الحرّ ـ وهو صادق في قسمه ـ بأنّه لا يدري ما هذه الكتب ولا الرّسل الّتي يتحدّث “ع” عنها؛ فهو عسكريّ ينفّذ الأوامر الفوقانيّة الصّادرة من جهات عليا، ولهذا طلب الحسين من عقبة بن سمعان أن يُخرج هذه الكتب والرّسائل، «فأخرج خرجين مملوءين صحفاً فنثرت بين يديه».
#وبعد أن رأى الحرّ هذه الصّحف وربّما قرأ مضامينها أيضاً، بادر قائلاً: «إنّا لسنا من هؤلاء الّذين كتبوا إليك، وقد أُمرنا إذا نحن لقيناك ألّا نفارقك حتّى نقدمك الكوفة على عبيد الله».
#وحينما سمع الحسين بن عليّ “ع” بذلك واجهه بعبارة صارمة قائلاً له: «الموت أدنى إليك من ذلك، ثمّ قال لأصحابه: قوموا فاركبوا فركبوا، وانتظر حتىّ ركب نساؤهم، فقال لأصحابه انصرفوا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف، فقال الحسين “ع” للحرّ: ثكلتك أمّك ما تريد؟ فقال له الحرّ: أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال الّتي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثّكل كائنا من كان، ولكن والله ما لي إلى ذكر أمك من سبيل، إلّا بأحسن ما يقدر عليه، فقال له الحسين “ع”: فما تريد؟ قال: أريد أن أنطلق بك إلى الأمير عبيد الله بن زياد، قال [له الحسين “ع”]: إذاً والله لا أتّبعك، قال [له الحرّ]: إذاً والله لا أدعك، فترادا القول ثلاث مرات».
#نعم؛ ترادّا القول ثلاث مرّات كما هي الحالة الطّبيعيّة الّتي تحصل بين رجلين متخاصمين في حالة الشّجار والغضب يتطاير من وجوههما، ولمّا «كثر الكلام بينهما»، أراد الحرّ تقديم مقترح تسوية لتهدئة الغضب فقال: «إنّي لم أؤمر بقتالك؛ إنّما أمرت ألّا أفارقك حتّى أقدمك الكوفة، فإذا أبيت فخذ طريقاً لا يُدخلك الكوفة ولا يردّك إلى المدينة، تكون بيني وبينك نصفاً، حتّى أكتب إلى الأمير، وتكتب إلى يزيد أو إلى عبيد الله، فلعل الله إلى ذلك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي‏ بشي‏ء من أمرك، فخذ هاهنا، فتياسرْ عن طريق العذيب والقادسيّة».
#وحينما رأى الحسين بن عليّ “ع” هذا المقترح حسناّ وتسوية منصفة بنحو من الأنحاء، سار «وسار الحرّ في أصحابه يسايره، وهو يقول له: يا حسين إنّي أذكرك الله في نفسك؛ فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن، فقال له الحسين “ع”: أ فبالموت تخوفني؟! وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟! وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه وهو يريد نصرة رسول الله “ص” فخوفه ابن عمه وقال أين تذهب فإنّك مقتول، فقال: سأمضي فما بالموت عار على الفتى… فلما سمع ذلك الحرّ تنحّى عنه، فكان يسير بأصحابه ناحية، والحسين “ع” في ناحية أخرى حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات». [الإرشاد: ج2، ص78ـ81؛ تاريخ الطّبري: ج5، ص401ـ403].
#هذا هو تفصيل الحوار والملاسنة الحادّة الّتي جرت بين الحسين بن عليّ “ع” والحرّ بن يزيد الرّياحي، ومنه نفهم مجموعة أمور أبرزها:
#أوّلاً: تيقّن الحسين “ع” بأنّ الاستمرار في طريق الكوفة يعني الذلّة والقتل، ولهذا فإنّ أفضل طريق هو العودة إلى المكان الّذي انطلق منه، وتجنّب هذه المخاطرة.
#ثانياً: تيقّن الحسين “ع” بأنّ الحرّ ليس من أولئك الّذين خاطبوه وراسلوه وبايعوه أيضاً، بل ربّما برّأ القطعات العسكريّة الّتي كانت تحت أمرته، وتفهّم أنّها تتبع جهات عليا وليس لهم علاقة بدعوته إلى الكوفة ومن ثمّ خذلانه.
#ثالثاً: الملاسنة الحادّة الّتي حصلت بين الحسين “ع” والحرّ تكشف كشفاً واضحاً عن أنّه “ع” شعر بأنّ الطرف المقابل يُريد إذلاله وقتله، ولهذا كانت مسايرته إلى الكوفة وإدخاله على عبيد الله بن زياد هي الخطّ الأحمر الّذي رفضه حتّى آخر لحظة من حياته رغم تقديمه عدّة خيارات وتنازلات أخرى.
#رابعاً: الملاسنة أعلاه تدحض بقوّة بالغة فرية إلقاء الحجّة الّتي يُروّج لها دعاة نظريّة أنّ الحسين “ع” قصد الكوفة وهو عالم بشهادته في كربلاء وبلحظتها أيضاً؛ وذلك لأنّ البيان الّذي قدّمه الحسين “ع” لجيش الحرّ لم يتوفّر على أبسط مقوّمات الحجّة أيضاً؛ فالكتب والرّسائل هم غير مسؤولين عنها، وكونه ابن بنت الرّسول أيضاً لا ينتج أحقيّته بالخلافة السّياسيّة وبطلان خلافة من بايعته الأمّة، كما أنّ الحسين “ع” نفسه لم يكن بصدد البيان من هذه الجهة لكي يصحّ التمسّك بإطلاق كلامه لشمول هذه الأوهام المذهبيّة المنبريّة الّلاحقة، ولهذا اقتصر في بيانه على منطق القرابة المنسجم مع أفق ولحظة تلك المرحلة لا غير، أمّا انتقال الحرّ إلى معسكره فيما بعد فهو لا يرجع إلى الحجّة المتقدّمة الّتي طرحها الحسين “ع” قبل ملاسنته له، وإنّما يعود لقناعته بمظلوميّته كإنسان لا يُريد القتال ويحاول الآخرون إذلاله، وإحساسه بأنّ ما وصل إليه الحسين “ع” سببه تلك الجعجعة والمحاصرة الّتي قام بها، وأين هذا من تماميّة الحجّة!!
#سنتابع إكمال مسيرة الحسين بن عليّ “ع” ومفاوضاته وتنازلاته في البحوث القادمة؛ لنلاحظ كيف تطوّرت وكيف توسّعت وكيف آلت نهاياتها، وبذلك نعمّق فكرة: أنّ الحسين بن عليّ “ع” ما خرج من مكّة إلى الكوفة إلّا بسبب رسائل أهل الكوفة الّتي منّته بالخلافة ودعته إليها، وإنّ ما يُشاع من حكاية أنّ خروجه كان بسبب الهندسة السّماويّة الّتي خطّطت له الخروج والموت والقتل في ذلك اليوم لإحياء الأمّة… ما هو إلّا كلام مذهبيّ متأخّر فاسد وظّفت وولّدت وحُشّدت عشرات النّصوص والطّقوس والأساطير في سبيل تعميقه، وقد وفّقوا في ذلك، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#الحسين_المذهبي

لماذا لم يرجع الحسين “ع” بعد مقتل مسلم؟!

#قد يسأل سائل ويقول: إذا كان الحسين بن عليّ “ع” قد خرج بسبب رسائل أهل الكوفة وتمنيتهم له بالخلافة والزّعامة، فما باله لم يعد إلى مكّة أو المدينة حين وصول خبر مقتل مسلم بن عقيل إليه في منطقة زرود، ولماذا استمرّ في الطّريق، فهذا يكشف عن أنّ له هدفاً أكبر وأعمق، وهو الشّهادة في سبيل الله الّتي كان يعلم بها ويتحرّك نحوها منذ أوّل خطوة له بل ما قبلها أيضاً.
#وفي الحقيقة أنّ مثل هذا الكلام ينطلق من تصوّرات مذهبيّة تنبثق من الصّورة النّمطيّة الغارقة في المثاليّة الرّاكزة في الأذهان الاثني عشريّة عن الحسين بن عليّ “ع”، وهي أبعد ما يكون عمّا هو مسطور في مصادر حركته ومقتله “ع”؛ وذلك لأنّ المصادر المعتبرة في هذه الحادثة نصّت على أنّ الحسين “ع”حينما علم بمقتل مسلم بن عقيل في زرود ونصحه المخبرون من بني أسد بضرورة العودة إلى دياره، استشار بني عقيل وقال لهم: «ما ترون، فقد قُتل مسلم؟ فقالوا: والله لا نرجع حتّى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق»، «لا والله لا نبرح حتّى ندرك ثأرنا، أو نذوق ما ذاق أخونا»، «فوثب عند ذلك بنو عقيل بن أبي طالب»، وقال له أصحابه أيضاً: «إنّك والله ما أنت مثل مسلم بن عقيل، ولو قدمت الكوفة لكان النّاس إليك أسرع، فسكت». [تاريخ الطّبري: ج5، ص397ـ398؛ الإرشاد، المفيد: ج2، ص75].
#ومن الطّبيعي أنّ أيّ شخص آخر يقف مكانه في ظلّ تلك الظّروف والمناخات الحربيّة القبليّة القائمة على أساس الثّأر لا يمكن له أن يخذل أبناء عمّه وأخوة سفيره الّذي أرسله في هذه المهمّة، بل سيسبّب هذا تفكّكاً وإرباكاً في جيشه الّذي تفرّق أكثره بعد سماع هذا الخبر؛ كما سيتركه بنو عقيل فوراً؛ لأنّهم يعتبرون هذا الانسحاب منه خذلاناً لمن ورّط في هذه المهمّة، ويواصلون مسيرهم نحو الكوفة للأخذ بثأرهم، ولهذا لم يكن للحسين “ع” من خيار غير مواصلة المسيرة، سيّما بعد أن نقّح له أصحابه موضوع الفرق الكارزمي بين الشّخصيّتين، لكن حينما ظهر جيش الحرّ الرّياحي أمامه تغيّرت المعادلة تماماً؛ إذ عرف أنّ الذّهاب للكوفة والاستمرار في هذا الطّريق يعني القتل الحتمي الّذي لا مفرّ منه، ولهذا توسّعت خيارات التّفاوض، وكان أبرزها العودة إلى المدينة أو إلى اليمن بل وحتّى الشّام، إلّا أنّ المهمّة العسكريّة الّتي كانت لدى الحرّ تقتضي مرافقته حتّى الوقوع على يد عبيد الله بن زياد.
#وممّا تقدّم من بيان تعرف ما يرد على ما ذكره المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر في هذا الخصوص؛ حيث عدّ مثل هذا الاعتراض شاهداً على أنّ الحسين “ع” كان طالباً للشّهادة؛ مدّعياً أنّه لو كان قد قصد للكوفة بسبب رسائلهم وبيعتهم له على الخلافة لكان ينبغي به العودة إلى المدينة فور وصول خبر مقتل مسلم إليه في زرود، ولم ينتظر حتّى جعجعة جيش الحرّ به، وذلك لأنّ الفترة الزّمنيّة ما بينهما «لعلها أسبوع أو أكثر أو أقل، كان يمكن للإمام الحسين “ع” أن يعود بركبه إلى المدينة، وعندئذ لم [لن] يلتقي بالحرّ ولا يجعجع به، وإنمّا كان سلام الله عليه طالباً للشّهادة على كلّ حال». [أضواء على ثورة الحسين: ص99ـ101].
#ووجه ذلك: لو كان المرحوم الشّهيد مطلّعاً على شيء بسيط ممّا ذكرته الكتب المعتبرة في هذا الصّدد لما كتب هذا الكلام، لكنّ المشكلة العميقة الّتي تضرب قلب بحوث واهتمامات ودعاوى المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر هي قلّة التتبّع والاستقصاء والفحص في عموم تراثه، ولهذا يلجأ عادة ـ لسدّ هذه الثّغرة الكبيرة ـ إلى سلوك طريق تكثير الوجوه والاحتمالات والأطروحات والمستويات بأمل الإصابة، فيُضيّع القارئ معه ويتركه في تيه لا يعرف رأسه من رجليه، ويحسب الجاهل البسيط ذلك فتحاً مبيناً!!
#وصفوة القول: إنّ الفهم السّليم لعموم تحرّكات الحسين بن عليّ “ع” ينبغي أن يتواءم مع الممارسات البشريّة الطّبيعيّة الّتي أقدم عليها والمرويّة في الكتب المعتبرة، لا أن نحمّل حركاته وسكناته ومواقفه البشريّة الطّبيعيّة وزر دلالات نصوص بعديّة لاحقة ولدت في سياق قميص الإمامة الإلهيّة وتفرّعاتها؛ لأنّنا بذلك سنكون شركاء في ذبح الحسين الحقيقي مرّات ومرّات من الوريد إلى الوريد، وجعله في المتحف المذهبي للبكاء والنّحيب والعويل، وهذا هو أحد أسباب تقهقرنا وخيبتنا، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#الحسين_المذهبي

لماذا لم يطلب الحسين “ع” الإصلاح في زمن معاوية؟!

#كان في عنق الحسين بن عليّ “ع” بيعة لمعاوية بن أبي سفيان تقتضي عدم الإقدام على أيّ تحرّك ينافي مؤدّاها، وهذا ما ثبّتته النّصوص وأكّدته سيرة الحسين “ع” العمليّة أيضاً والملتزمة بمؤدّى هذه البيعة، ولهذا نصّ الكشّي صاحب أحد الأصول الرّجاليّة الاثني عشريّة المعروفة بصيغة: «وروي أنّ‌ مروان بن الحكم كتب إلى معاوية وهو عامله على المدينة: “أمّا بعد، فإنّ‌ عمرو بن عثمان ذكر أنّ‌ رجالاً من أهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن عليّ، وذكر أنّه لا يأمن وثوبه، وقد بحثت عن ذلك، فبلغني أنّه يريد الخلاف يومه هذا، ولست آمن أن يكون هذا أيضا لما بعده، فاكتب إليّ‌ برأيك في هذا، والسّلام”. فكتب إليه معاوية: “أمّا بعد، فقد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه من أمر الحسين، فإيّاك أن تعرّض للحسين في شيء، واترك حسيناً ما تركك؛ فإنّا لا نريد أن تعرّض له في شيء ما وفّى ببيعتنا، ولم ينز على سلطاننا، فاكمن عنه ما لم يبد لك صفحته، والسّلام»”. [رجال الكشي: ص54].
#وهذا الأمر ينسجم مع ما أورده الدينوريّ المتوفّى على أحد الأقوال سنة: “281هـ”؛ حيث أخبر عن قدوم نفر من أشراف أهل الكوفة إلى الحسين بن عليّ “ع” في المدينة لإخباره بمقتل حجر بن عديّ، وكانوا يختلفون إليه، فأقلق هذا الأمر خليفة المدينة مروان بن الحكم آنذاك، فكتب إلى معاوية تقريراً بذلك، فأجابه معاوية: «لا تعرض للحسين في شيء؛ فقد بايعنا، وليس بناقض بيعتنا ولا مخفر ذمتنا»، كما كتب معاوية إلى «الحسين: أمّا بعد، فقد انتهت إليّ أمور عنك لست بها حريّاً؛ لأنّ من أعطى صفقة يمينه جدير بالوفاء، فاعلم رحمك الله إنّي متى أنكرك تستنكرني، ومتى تكدني أكدك، فلا يستفزّنك السّفهاء الّذين يحبّون الفتنة، والسّلام”، فكتب اليه الحسين “رض”: “ما أريد حربك، ولا الخلاف عليك”». [الأخبار الطّوال: ص226، ط السّعادة بمصر].
#وعلى أساس هذه البيعة والتزاماتها كان الحسين بن عليّ “ع” يتقاضى حقوقه كمواطن مميّز ويستلم جوائز عالية من البلاط الأموي آنذاك، بل يُشير بعض المؤرّخين إلى أنّ هذه المرتّبات والعطايا كانت إحدى شروط التّنازل الّتي وقّعها معاوية مع الحسن “ع” كذلك، على أنّ أصل الفوارق في العطاء مسألة طبيعيّة ومتداولة في أعراف ذلك الزّمان، ولعلّ أوّل من قنّنها هو الخليفة الثّاني عمر بن الخطّاب المقتول سنة: “23هـ”؛ حيث أدرج الحسن والحسين “ع” في سلّم مرتّبات المشاركين في بدر كما تذكر الكتب المختصّة.
#ولم تقتصر المواطنة الّتي كان يمتثلها الحسين بن عليّ “ع” على الحدّ الأدنى و “كفيان الشّر” فقط، بل كان يصلّي خلف أمراء معاوية في المدينة أيضاً ولا حراجة في البين، ومن الأمراء مروان بن الحكم الّذي ينصّ المرحوم الخوئي المتوفّى سنة: “1413هـ” في ترجمته قائلاً: «إنّ خبث الرّجل وعداءه لأهل البيت “ع” يقرب في الوضوح كفر إبليس». [معجم رجال الحديث: ج19، ص130ـ131]، وهذا الأمر طبيعيّ جدّاً ولا يمكن نفيه بالمُطلق؛ إذ إنّ هذا هو مقتضى الأصل الطّبيعي لمن يعيش في تلك الظّروف والمناخات ولا نستطيع أن نقدّم دليلاً واحداً على أنّ الحسين “ع” كان يُصلّي في بيته طيلة سنوات خلافة معاوية أو كان يعقد جماعة لوحده؛ لأنّ مثل هذا العمل يُعدّ خروجاً عن الملّة في ذلك الوقت، بل الدّليل قائم على خلافه.
#ولهذا جاءت في كتاب الأشعثيّات ـ والّذي صحّح المرجع الأعلى الاثنا عشريّ المعاصر السّيستاني روايات نسخته الواصلة على ما حُكي عنه ـ الرّواية بإسناده الصّحيح عنده عن الباقر “ع” القول: «كان الحسن والحسين “ع” يصلّيان خلف مروان بن الحكم، فقالوا لأحدهما: ما كان أبوك يصلي إذا رجع إلى البيت؟ فأقول: لا؛ والله ما كان يزيد على صلاة الأئمة»، وروى الشّافعي المتوفّى سنة: “204هـ” هذا المضمون أيضاً بألفاظ مقاربة بواسطة واحدة عن الصّادق “ع”، ورواه أيضاً بالواسطة نفسها ابن أبي شيبة المتوفّى سنة: “235هـ” عن الصّادق “ع” عن أبيه الباقر “ع”. [مستدرك الوسائل: ج6، ص456، نوادر الرّاوندي: ص30؛ مسند الشّافعي: ص35، تحقيق: ماهر ياسين الفحل؛ المصنّف لابن أبي شيبة: ج2، ص152، ط دار التّاج؛ وانظر تصحيح السّيستاني للأشعثيّات في كتاب تلميذه ومقرّر بحثه: أضواء على علمي الدّراية والرّجال: ص224].
#وبعد هذا الإيضاح والتّوثيق نسأل: إذا كان الهدف الحصريّ للحسين بن عليّ “ع” من خروجه هو طلب الإصلاح في أمّة جدّه وإنكار المنكر والأمر بالمعروف، وأنّ هذا الهدف لن يتحقّق إلّا بالشّهادة بصيغتها المعروفة في تفسير حركته، فلماذا لم يتنجّز عليه هذا التّكليف في أيّام معاوية وقد قضى ردحاً من الزّمن في ظلّها ومن دون وصاية إمام إلهيّ اثني عشريّ عليه، فهل كانت أيّام معاوية خالية من المنكر والفساد الإداري والمالي، أم كان مأموراً بالتّقيّة بعرضها العريض الّذي يقتضي استلام المرتّبات والجوائز والصّلاة خلف أمراء معاوية؟! أو لا هذا ولا ذاك، وإنّما كانت شروط ما يُسمّى بالصّلح تُلزمه بذلك، لكنّ المفروض أنّ هذه الشّروط المدّعاة قد انتهت برحيل شقيقه الحسن “ع” وانتهى مفعولها الأخلاقي والشّرعي أيضاً، وبالتّالي: فهناك فترة عشر سنوات كان بإمكانه تسجيل موقفه في طلب الإصلاح والأمر بالمعروف وإنكار المنكر المتسانخ مع حجم الفساد المعروف في الواقع الاثني عشريّ عن معاوية، لكنّه لم يفعل!!
#وإذا قلت: بأنّ العناية الإلهيّة كانت قد وقّتت لحركة الحسين بن علي “ع” الإصلاحيّة توقيتاً محدّداً يبدأ من حين لحظة وفاة معاوية لا قبلها فنقول: هل هذا يعني أنّ إقرار الحسين “ع” لخلافة معاوية وبيعته لها والائتمار بأوامرها واستلام جوائزها ومرتّباتها يصلح لتوفير أرضيّة صالحة لاستنباط أحكام شرعيّة تكليفيّة ووضعيّة منه وبناء مواقف دينيّة على أساسها، أم أنّ سيرته ونصوصه ومواقفه في فترة معاوية فاقدة لأيّ اعتبار يصلح للاستنباط؟!
#نعم؛ أرسل الكشّي وغيره رسالة شديدة الّلهجة كان قد بعثها الحسين بن عليّ “ع” إلى معاوية بن أبي سفيان بعد مقتل حجر بن عديّ، وكانت تحمل شجباً حادّاً لمنح ولاية العهد إلى يزيد وأخذ البيعة من النّاس لها، لكنّها لا تعدو المخاطبات الكلاميّة الّتي لم يتنجّز على أثرها أيّ أثر عمليّ حتّى نهاية حكم معاوية، وقد عمد الأخير لامتصاص غضبها بطريقته الماليّة الخاصّة، والّتي تمنح المال لمن يُمسك يده ولمن لا يُعيق قدمه؛ فاستمرّ حكمه بعد ذلك سنوات عدّة حتّى مات.
#فتحصّل ممّا تقّدم: إنّ ما يُشاع من أنّ خروج الحسين بن عليّ “ع” إلى العراق كان بقصد الشّهادة منذ البداية بغية الإصلاح والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لا معنى محصّل له؛ وذلك لأنّ هذه الأهداف إنّما يكون لها وجه معقول إذا قلنا بمرورها من خلال تسنّمه “ع” الخلافة وتمرير برامجه الحكوميّة وخططه المعدّة سلفاً لذلك، ومن دون هذا الفهم السّليم والصّحيح والمتوائم مع المعطيات التّاريخيّة والرّوائيّة المعتبرة يشكل جدّاً تفسير سكوت الحسين بن عليّ “ع” واندماجه وانصهاره الكامل مع خلافة معاوية وولاتها وسياستها إلّا بضرب من التّمحّلات المذهبيّة الفاسدة؛ إذ كان بإمكانه إنجاز مثل هذا الأهداف وبآليّة الشّهادة نفسها بعد رحيل شقيقه الحسن “ع” ـ والأرضيّة في الكوفة متوفّرة جدّاً لذلك ـ وسوف يُقتل ويتحقّق غرضه الّذي تدّعي نظريّة الشّهادة سماويّته، وبذلك يستطيع أن يضع علامة استفهام كبيرة جدّاً على سياسة معاوية ونهجه الارستقراطي من دون حاجة لاستلام جوائزه ولا للصّلاة خلف ولاته بل ولا لبيعته من الأساس، لكنّ جميع هذا لم يحصل، بل انتظر حتّى نهاية خلافة معاوية فامتنع عن بيعة يزيد على الخلافة وتحرّك في سبيل تحصيلها لنفسه، وبعد أن توفّرت لما أراده الظّروف والمقدّمات الّلازمة ـ وفقاً لقناعته ـ بادر بالسّفر إلى الكوفة، ولولا توفّرها لما تحرّك خطوة في هذا الاتّجاه، فتأمّل.
#اعتقد أنّ دعوى أنّ الحسين بن عليّ “ع” كان قد خرج إلى العراق لأجل الشّهادة الّتي يعلم بها وليس لتسنّم الخلافة الّتي منّاه أهل الكوفة بها تحتاج إلى إقفال العقل في صندوق وإلقائه في أعماق البحار وإسكان العاطفة والدّموع والمقولات المذهبيّة ونصوصها مكانه؛ لأنّ هذه الدّعوى لا تستطيع أن تُجيب على عشرات الأسئلة الواقعيّة والمُقلقة الّتي تكذّبها وتفضح أسباب ولادتها أيضاً، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

الحسين “ع” والعلاقة المتوازنة مع معاوية!!

#روى أبو عمرو الكشّي صاحب أحد الأصول الرجاليّة الاثني عشريّة المعروفة، بإسناده الصّحيح عنده، عن فضيل غلام محمّد بن راشد، إنّه قال: «سمعت أبا عبد الله [الصّادق] “ع” يقول: إنّ معاوية كتب إلى الحسن بن علي “ع” أن أقدم أنت والحسين “ع” وأصحاب علي “ع”، فخرج معهم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، وقدموا الشام، فأذن لهم معاوية وأعدّ لهم الخطباء، فقال: يا حسن قم فبايع، فقام فبايع، ثم قال للحسين “ع”: قم فبايع، فقام فبايع، ثم قال: يا قيس قم فبايع فالتفت إلى الحسين “ع” ينظر ما يأمره، فقال: يا قيس إنّه إمامي يعني الحسن “ع”». [رجال الكشّي: ص104، تحقيق: القيّومي].
#وفي ضوء هذا يكون استلامهما لجوائز معاوية مسألة طبيعيّة؛ فقد روى شيخ الطّائفة الإثني عشريّة الطّوسي المتوفّى سنة: “460هـ”، بإسناده الصّحيح عنده، عن يحيى بن أبي العلاء عن الصّادق “ع” القول: «إنّ الحسن والحسين “ع” كانا يقبلان جوائز معاوية». [تهذيب الأحكام: ج6، ص387].
#كما روى ابن سعد المتوفّى سنة: “203هـ” في طبقاته هذه الصّيغة نفسها من الخبر، بإسناده عن سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمّد “ع”، عن أبيه الباقر “ع” أيضاً. [طبقات ابن سعد: ج1، ص281].
#وروى ابن أبي شيبة المتوفّى سنة: “235هـ” في مصنّفه، بإسناده عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن يحيى [والصّحيح جعفر بن محمّد]، عن أبيه: «أنّ الحسن والحسين كانا يقبلان جوائز معاوية». [المصنّف: ج7، ص201، ط مكتبة الرّشد].
#كما ورد في دعائم الإسلام، عن الباقر “ع”: «أنّه سُئل عن جوائز المتغلّبين؟ فقال: قد كان الحسن والحسين “ع” يقبلان جوائز معاوية؛ لأنّهما كانا أهل ما يصل من ذلك إليهما، وما في أيدي المتغلّبين عليهم حرام، وهو للنّاس واسع إذا وصل إليهم في خير، وأخذوه من حقه». [نقلاً عن مستدرك الوسائل: ج13، ص181؛ دعائم الإسلام: ج2، ص323ـ324].
#وجاء في كتاب الاحتجاج لأحمد بن عليّ الطّبرسيّ المتوفّى سنة:”588هـ” وهو يتحدّث عن كتاب كتبه الحسين بن عليّ “ع” إلى معاوية يحمل تقريعاً عظيماً وتوبيخاً بليغاً على حدّ تعبير بعض المحدّثين، حيث قال وهو ينقل ردّة فعل معاوية على لسان الرّاوي: «فما كتب إليه بشي‏ء يسوؤه ولا قطع عنه شيئاً كان يصله به، كان يبعث إليه في كل سنة ألف ألف درهم سوى عروض وهدايا من كلّ ضرب» [ج2، ص298].
#وعلى طريقة أصحابنا في التّأويل والتّرقيع بادر المرحوم يوسف البحراني المتوفّى سنة: “1186هـ” إلى طرح الفلسفة المذهبيّة لهذه الأخبار فقال: «ويمكن الجواب عن ذلك، بوجوه:
#أحدها: أنّ الأرض وما فيها لهم “ع” كما دلّت عليه جملة من الأخبار الّتي قدّمناها في كتاب الخمس فكيف بما في أيدي هؤلاء الفجرة من ذلك.
#وثانيها: إنه من المحتمل قريباً أنّ قبولهم لها لا يستلزم أكلهم منها، فيجوز أن يتصدّقوا بها؛ لأنها من مال المسلمين فيصرفونها عليهم… [وهكذا بدأ باستعراض بعض النّصوص الّتي يرى دلالتها على ذلك].
#وثالثها: جواز فعلهم للمكروه أحياناً، كما دلّت عليه جملة من الأخبار لبيان جوازه، وأنّهم لو امتنعوا من قبول ذلك امتنع النّاس التابعون لهم بامتناعهم منه اقتداء بهم، ولزم به إدخال الضرر عليهم في بعض الموارد، لا سيما في مقام الضّرورة، مع حلّ ذلك شرعاً.
#ورابعها: أنّ لهم حقّاً في بيت المال، فيكون ذلك من حقوقهم الواجبة لهم، ويحمل الامتناع منهم في بعض الأوقات على التّنزه، والله العالم». [الحدائق النّاضرة: ج18، ص263ـ264].
#ورغم أنّ الأقرب والأظهر هو الاحتمال الأخير؛ حيث كانت حياتهم تتوقّف على مثل هذه العطايا كغيرهم من الصّحابة والتّابعين أيضاً، لكنّ ما أردنا بيانه من خلال هذه الحقائق: إنّ العلاقة بين الحسين بن عليّ “ع” ومعاوية لم تكن كما تتناقلها المنابر السّطحيّة السّاذجة، بل كانت علاقة مواطنة طبيعيّة إلّا في مرحلة ولاية العهد الّتي منحها معاوية لنجله يزيد وما خلّفته من تداعيات.
#وفي هذا السّياق قال الذّهبي المتوفّى سنة: “748هـ”: «بلغنا أنّ الحسين لم يعجبه ما عمل أخوه الحسن من تسليم الخلافة إلى معاوية، بل كان رأيه القتال، ولكنه كظم وأطاع أخاه، وبايع. وكان يقبل جوائز معاوية، ومعاوية يرى له، ويحترمه، ويجلّه، فلما أن فعل معاوية ما فعل بعد وفاة السيد الحسن من العهد بالخلافة إلى ولده يزيد، تألّم الحسين، وحقّ له، وامتنع هو وابن أبي بكر وابن الزبير من المبايعة، حتّى قهرهم معاوية، وأخذ بيعتهم مكرهين، وغلبوا، وعجزوا عن سلطان الوقت. فلما مات معاوية، تسلّم الخلافة يزيد، وبايعه أكثر النّاس، ولم يبايع له ابن الزبير ولا الحسين، وأنفوا من ذلك، ورام كلّ واحد منهما الأمر لنفسه، وسارا في الّليل من المدينة». [سير أعلام النّبلاء: ج3، ص291ـ292، تحقيق: الأرنؤوط].
#وكيف كان؛ ما لم نرفع اليد عن حكاية الإمامة الإلهيّة الاثني عشريّة المولودة لاحقاً، ونبتعد عن وهم نظريّة الشّهادة ونصوصها، لا يمكن أن نقدّم تفسيراً معقولاً لحركة الحسين من المدينة إلى مكّة ومن ثمّ العراق على الإطلاق، وسنبقى ندور في حلقة مفرغة ونكرّر المكرّرات في كلّ سنة وعام، فحاول أن تقرأ تاريخك بعيداً عن هذه الأوهام، وتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#الحسين_المذهبي

الحسين الحقيقي غير حسين المنابر!!

#إذا أردت أن تفهم حركة الحسين بن عليّ “ع” من المدينة إلى مكّة ومن ثمّ إلى العراق بشكل واقعيّ وحقيقيّ، فعليك ألّا تُلبسها قميص الإمامة الإلهيّة أو الاثني عشريّة والّذي ساهم أهل الكوفة بالتّعاون مع بعض أحفاده في تفصيله وأقدم القمّيون والبغداديّون على خياطته بعد ذلك؛ لأنّك ستجد القميص حينذاك إمّا كبيراً أو صغيراً أو مترهّلاً أو ضيّقاً عليها؛ فهذا القميص لم يفكّر الحسين بن عليّ “ع” به يوماً، ولم يقاتل من أجله أيضاً، ولا يمكن تفسير كلّ تحرّكاته من بدايتها إلى نهايتها على أساسه إلّا بنحت وتوليد نصوص لاحقة بدأت تفرض نفسها منذ أيّام رائد نظريّة الحسين المذهبيّ الممثّل أعني علي بن طاووس المتوفّى سنة: “664هـ” رغم وجود جذور أعمق لبعضها.
#نعم؛ خرج الحسين بن عليّ “ع” إلى العراق بسبب رسائل أهل الكوفة وبيعتهم له على الخلافة السّياسيّة الّتي كان يرى في نفسه أهليّته لها ولو من خلال منطق القرابة، فلا تغرّنك النّصوص المولودة لاحقاً في ادّعاء أنّه خرج من أجل الشّهادة؛ فهذه تصوّرات اجتهاديّة لاحقة حدت إليها مجموعة أوهام أبرزها الإمامة الإلهيّة والاثنا عشريّة، وكان “ع” حريصاً كلّ الحرص على عدم سقوط قطرة دم واحدة بسببه حتّى أواخر حياته الكريمة، ولكنّ لمّا رأى أعداء الإنسانيّة وضعوه بين السلّة والذّلة لم يكن له خيار غير القتال والمواجهة، فتأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

مشهورات الحسين المذهبي الكاذبة!!

#حينما نقول: إنّ الحديث المشهور على لسان جميع الطّبقات الإثني عشريّة المعاصرة والقائل: «إنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النّجاة» وما شابهه من المكذوبات الجزميّة على رسول الله “ص”؛ لأنّه من تفرّدات المرحوم الصّدوق الّتي لا تصحّ سنديّاً حتّى على مباني المتقدّمين فضلاً عن المتأخّرين، حينما نقول ذلك: فلا معنى لأن يخرج لنا أحدهم من القمقم ليصرخ قائلاً: وهل تشكّ في كون الحسين “ع” مصباح هدى وسفينة نجاة؟!
#لا معنى لذلك لأنّ هذا الاعتراض جهالة ما بعدها جهالة؛ فإنّنا نحاكم هذا الحديث من زاوية حديثيّة صرفة ونقول: لا يصحّ إسناده إلى رسول الله “ص” وفق المقاييس الحديثيّة المعتبرة المتّفق عليها أصلاً، وبالتّالي فهو من المشهورات الّتي لا أصل صحيح لها، وفي سنده ومتنه إشكالات كثيرة أيضاً ربّما نوفّق لعرضها في دراسات لاحقة، أمّا من يُريد الانسياق مع الطّريقة العرفيّة المذهبيّة في تصحيح كلّ خبر نسب كرامة وامتيازاً إلى الحسين بن عليّ “ع” انسياقاً مع كذبة “نزّهونا عن الرّبوبيّة وقولوا فينا ما شئتم” ومن ثمّ الصّورة النّمطيّة المثاليّة الّتي رسمها له في ذهنه فهذا شأنه ولا يعنينا بشيء، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
ميثاق_العسر
#الحسين_المذهبي