#قد لا أجانب الحقيقة إذا ما قلت: بأنّ السيّد موسى الشّبيريّ الزّنجاني “حفظه الله” المولود سنة: “1346هـ” هو أفضل المرجعيّات الإثني عشريّة الحيّة الّتي تمتلك تراثاً مسموعاً ومقروءاً منشوراً ـ وهذه قيود مهمّة جدّاً ـ يكشف عن إحاطة واستقصاء رائع في الفحص الرّجاليّ والتّتبّع الحديثي الإثني عشريّ ونسخه وتراجمه، كما إنّ للرّجل علاقات متوازنة مع جميع الأطراف الحوزويّة وحتّى غيرها، بل نلحظ إنّ جملة ممّن يُحسب على الوسط التّنويريّ الحوزويّ والسّياسي الإيراني قد حضروا عنده أو استفادوا من أبحاثه وتتبّعاته ويقرّون بفضله ولديهم علاقات طيّبة معه أيضاً.
#ولا غرو في ذلك؛ فالرّجل الّذي يقترب عمره من المئة سنة قد اهتمّ بهذه المباحث منذ نعومة أظفاره، ولا زال إلى اليوم يواصل إعطاء دروسه في مدينة قم بحيويّة ونشاط، ويواصل لقاءاته واجتماعيّاته رغم وصوله هذا العمر المديد “حفظه الله وأبقاه”، ولهذا كان السيّد السّيستاني “حفظه الله” محقّاً حينما أرجع إليه في الاحتياطات رغم إنّه أصغر من الزّنجاني بثلاث سنوات هجريّة تقريباً؛ لأنّهما ينتميان إلى مدرسة رجاليّة وحديثيّة واحدة ترمي إلى إعادة الحياة لطريقة المتقدّمين الإثني عشريّة في التّصحيح والتّضعيف الرّوائي.
#ما دعاني إلى هذه المقدّمة القصيرة والّتي قد تحمل مضامين كبيرة ليس هو الدّعاية لمرجعيّته أو التّرويج لتقليد شخصه؛ فنحن أبعد ما نكون عن هذه المسارات وقد أعلنّا موقفنا السّلبي جهاراً نهاراً من موبقة التّقليد بصيغته الإثني عشريّة الحوزويّة المتداولة، وإنّما أردت إيضاح ما يلي: إنّنا إذا قدّمنا نقداً لآراء السيّد الزّنجاني “حفظه الله” فهذا لا يعني إنّنا نريد توهيناً لمقامه أو تتبّعاته أو تحقيقاته لا سمح الله، وإنّما لأنّا نعتقد إنّ التّتبع الرّجالي والحديثي لن يكون موفّقاً ومجدياً ما لم ينعكس على الواقع الفقهي والعقائدي كنتائج ملموسة حتّى وإن خالفت أمّهات المقولات الإثني عشريّة المعاصرة، أمّا إذا أراد الباحث أن يفحص التّراث الحديثيّ والرّجالي وهو يُريد أن يُصحّح المقولات الإثني عشريّة المعاصرة نفسها أو أن يبحث عمّا يؤيّدها وإذا ما توصّل إلى ما يغايرها وظّف عناوين ثانويّة لإخفائها، فمثل هذا الفحص لن يزيد البلد سوى نسخة أخرى من الرّتابة والتّكرار الحوزويّ، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
Category: مقالات حوزويّة
حسرة المحدّث النّوري!!
#لم يكن خاتمة المحدّثين الإثني عشريّة الميرزا حسين بن محمّد تقي النّوري المتوفّى سنة: “1320هـ” شخصاً طارئاً على التّراث الإثني عشريّ كما هو حال الشّخصيّات الطّارئة الّتي تدّعي التّحقيق والفقاهة والاجتهاد الرّجاليّ ممّن يكثرون في هذه الأيّام، بل كان ـ رغم تحفّظنا البالغ على ميوله ـ متتبّعاً مدقّقاً نيقداً لا يشقّ له غبار، ولا زال الفقهاء والمراجع الإثنا عشريّة المعاصرون ينتفعون من موائده الحديثيّة والرّجاليّة كثيراً، لكنّ مشكلته الصّراحة والوضوح وعدم الكذب، خلافاً لمن يُريد تعميم ما يناقضها تحت ذريعة التّقيّة والعناوين الثّانويّة المعروفة، ولهذا واجه ما واجه في حياته وبعد مماته بسبب قول الحقيقة.
#وذات يوم ـ وفي أواخر حياته الكريمة ـ همس النّوري في أذن تلميذه المبرَّز صاحب الذّريعة الأغا بزرك الطّهراني المتوفّى سنة: “1389هـ” قائلاً: «إنّي أموت وفي قلبي حسرة وهي: إنّي ما رأيت أحداً آخر عمري يقول لي: يا فلان خذ هذا المال فاصرفه في قلمك وقرطاسك، أو اشتر به كتاباً أو أعطه لكاتب يعينك على عملك»”. وقد علّق الطّهراني على هذه الحسرة من شيخه قائلاً: «كثيرون أولئك الذين يقضون وفي قلوبهم مثل هذه الحسرة من رجال هذا الفنّ، لكن ذلك لا يؤدّي بهم إلى ترك العمل أو الفتور عنه، وكم حسرات في نفوس كرام». [طبقات أعلام الشّيعة: ج14، ص550].
#بلى؛ ليت المحدّث النّوري حاضر بيننا ليشاهد صبيان المرجعيّات الدّينيّة في النّجف يتأبّطون الحمايات والسّيارات والمؤسّسات والمراكز والفضائيّات…إلخ، ويلعبون بالأخماس والأثلاث تحت عناوين شرعيّة اخترعها لهم آباؤهم، واستحوذوا على أموال الشّعب العراقيّ تحت عناوين مجهول المالك بطريقة قانونيّة محترفة، بينما يُزوى من هم في داخل هذه الحوزة وهمّهم الأوّل العلم والحقيقة فلا يجدون مأوى إلّا بمساومة صبيان البلاط المرجعي ومتنفّذيهم؛ إنّها السّياسة قاتلها الله إذا تسيّدت في ظلام الجهل المذهبيّ العميق فلا تُنتج إلّا هذا الخواء، فتفطّن واحذر، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
تعامل النّجف مع الهاشمي مجسّ سيّال!!
#قلتها وأقولها أيضاً: أنا لا أدعو لتقليد مرجعيّة بعينها، ولا أؤمن بضرورة التّقليد بصيغته الماثلة في أيّامنا أيضاً، وحرصت أن لا أكتب عن أستاذنا المرحوم الهاشمي شيئاً في حياته خوفاً من هذا الفهم المغلوط، ولكنّي كنت أكظم غيظي بمرارة وألم وأنا أرى تعامل النّجف الّلا أخلاقي والمجحف معه، من أيّام تحريم راتبه، ومروراً بمرض موته، وانتهاءً بتعاملهم المتأخّر الباهت مع جنازته، وكنت أقول لنفسي: إذا كتبتِ في الصّفحة شيئاً في هذا الخصوص فسوف يفهمها المتربّصون ترويجاً لمرجعيّته ودعوة لتقليده حتّى وإن كنتِ دقيقة في تعبيراتكِ وقيودكِ؛ وهذا ما يتمنّاه الأمّعات والمتربّصون بغية تسقيطك والإجهاز عليك ووضع حاجز بينك وبين من يشعر بالفائدة ولو النّسبيّة من هذه الصّفحة، لهذا أحجمت عن ذلك بالمطلق، والمتابعون الجادّون يعرفون ذلك.
#أمّا الآن وقد مات الهاشمي فقد أصبحت في حلّ من ذلك؛ فلا مرجعيّة ولا تقليد ولا أخماس ولا أثلاث، ولهذا كتبت وما كتبت وسأكتب ما أكتب؛ وذلك لأنّي أهدف لمنح المتابعين النّابهين مجسّاً سيّالاً ينتفعون منه في حياتهم ويراجعون من خلاله حساباتهم، وهو: إنّ الحوزة ـ مهما كبرت عمائم من فيها أو طالت لحاهم وحواشيهم أو كثرت مؤلّفاتهم وعناوينهم ـ هي مؤسّسة يحكمها بشر مثلي ومثلك، لديهم رغبات وطموحات ومآرب ونزعات، ولدى بعضهم دين وورع وأخلاق أيضاً، ولكن حينما تتزاحم هذه الأمور في باب الزّعامة والمرجعيّة فالمقدّم في معظم الأحيان هو الرّغبات والطّموحات والمآرب والنّزعات؛ لذا لا تستغرب إذا ما رأيتها تتعامل مع الهاشمي وأمثاله بهذه الطّريقة وغيرها أيضاً؛ فإنّ هذا مقتضى طبعها الأوّلي، وعليك أن تموضع ذلك في هذا السّياق الّذي حدّثتك به، من هنا أتمنّى عليك أن تخفّف من سقف توقّعاتك وآمالك وأوهامك، وأن لا يسخر من عقلك أحدٌ فتعيره وعيك فتضلّ الطّريق، فتفطّن كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
موت الهاشمي والقشّة الّتي قصمت ظهر البعير!!
#دُفن الهاشمي وانتهى كلّ شيء، لكن بقيت غرغرة أحقاد أزقّة النّجف غضّة طريّة؛ لقد زارها المرحوم في مرض موته وكان الجميع يعلم إنّه في أيّامه الأخيرة ممّا يعني انتصاراً عمليّاً حتميّاً لهم في لعبة التّنافس المرجعي الّتي افترضوها، لكنّهم حرصوا كلّ الحرص على إهانته بطريقة بشعة ومخجلة؛ فقاطعوه، وشجّعوا جميع الطّبقات الّتي تلوذ بهم على ذلك، وقد وفّقوا عمليّاً فيما أرادوا… وهكذا بقي الهاشمي متوجّعاً متألّماً يعاني الأمرّين في المشافي حتّى مات… .
#وبعد الموت: استمرّت حوزة النّجف بصمتها ومقاطعتها أيضاً؛ تراقب ردود الأفعال، ويختبر أولياء العهد جدوائيّة الاستمرار في ذلك، وبعد أن شعروا بحجم فداحته تحت الضّغط الرّهيب، أقدموا ـ بعد يومين ـ على إصدار بيانات ورسائل تعزية على طريقة كفيان الشّر، كشفت مفرداتها وصياغاتها عن حجم التّقاطع الكبير الحاصل بينهم في كيفيّة الخروج من عنق الزّجاجة الّذي وضعوا أنفسهم فيه… .
#لكنّ المفارقة: إنّ أهمّ هذه البيانات جاء ليُعزّي حوزة قم؛ وهذا من الغرائب؛ إذ يبدو إنّ صاحبها تناسى: إنّ المعزّى الحقيقي في فقد الهاشمي هو حوزة النّجف؛ إذ لم يفتأ كبارها وصغارها بمختلف طبقاتهم وصنوفهم ينتفعون من بحوثه وتقريراته صراحةً أو تحت ذريعة توارد الأفكار، وليس للمرحوم حضور بحثيّ في حوزة قم بقدر ما له من حضور واسع وكبير في حوزة النّجف، فما معنى تعزية قم وإغفال النّجف؟!
#ما أُظهر عظيم وما خفي أعظم، لكنّ ذلك يؤكّد بما لا مجال للرّيب فيه ما قلته مراراً: من إنّ الله هو المفهوم الغائب عن حوزة النّجف، لكنّ بعض السّذج و”القشامر” لم يرتضوا قولي، وأخذوا يعيدون عليّ نفس معزوفتهم الدّائميّة في إنّ مرجعيات هذه الحوزة حفظت المال والعرض والدّين، وقد نسوا: إنّ الملك عظيم؛ خصوصاً إذا تلبّس بلباس الدّين والمذهب، ولو نازعهم صاحب القبر الّذي هم بجنبه لقطعوا عنقه، ولكن ليس بالسّيف، وإنّما بطريقتهم الخاصّة، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
التّوريث المرجعيّ ونتائجه المخيّبة!!
#قبل أيّام ـ وأنا أكتب سلسلة “خرافة فرحة الزّهراء ودور الفقهاء في شرعنتها” ـ تفاجئت كثيراً: حينما قرأت محاضرة محرّرة للسيّد صادق الشّيرازي “حفظه الله” كان قد ألقاها على طلّابه فيما يُصطلح عليه في عرف الدّراسات الحوزويّة بـ: “دروس الخارج”، وهي أعلى مرحلة يصلها طالب الحوزة في سلّمه الدرّاسي ويُفترض أن تكون على مستوى عالٍ من التّحقيق والجدّ والاجتهاد والعمق، وقد حرّرت هذه المحاضرة ونُشرت في موقعه الرّسمي، وصدرت بعدها في كتاب حمل عنوان: “الغدير الثّاني”.
#وسبب تفاجئي: إنّني قرأت فيها أموراً لم أكن أتوقّع أن تصدر من طالب حوزة عادي يمتلك أدنى مستويات التّحصيل العلمي النّظامي المنضبط، لا أن تصدر من مرجع يدّعي الفقاهة والأعلميّة، وقد ورث من المرحوم أخيه مرجعيّةً يمكن أن تُعدّ الثّالثة إن لم نقل الثّانية من حيث عدد المقلّدين والإمكانيّات الماليّة والإعلاميّة في الوسط الإثني عشريّ، والفضائيّات الإثنا عشريّة ببابك للتّأكّد من هذا الموضوع.
#ولكي أشارك القارئ الكريم ما فوجئت به سأنقل له بعض تجليّات ذلك، وأحيله إلى أصل الكتاب الّذي وجدت فيه المحاضرة ليزداد تفاجؤاً، لكن بشرط أن يكون قد قرأ سلسلة حلقات “فرحة الزّهراء ودور الفقهاء في شرعنتها” والّتي ستكون ماثلة للطّبع قريباً إن شاء الله.
#اعترف المرجع صادق الشّيرازي بدايةً بأنّ سند رواية فرحة الزّهراء المرويّة عن أحمد بن إسحاق لا اعتبار له بمفرده؛ وذلك لوجود أشخاص مجهولين في سلسلته، لكنّه عاد بعد ذلك ليقرّر: إنّ الرّواية محفوفة بقرآئن تورث الاطمئنان النّوعي أو الشّخصي بصدورها أو بصدور مضمونها!!
#وحينما أراد بيان طبيعة هذه القرآئن الّتي أورثت لشخص سماحته أو لنوعه الاطمئنان بصدورها أو صدور مضمونها عرض سماحته لأربع قرآئن سأقتصر على ذكر ثلاثة منها:
#الأولى: «إنّ السيّد ابن طاووس نفسه ـ وهو من أهل الخبرة في هذا المجال؛ وله كتاب التّحرير الطّاووسي في علم الرّجال [!!] ـ قد وصف هذه الرّواية بكونها عظيمة الشأن [!!]».
#الثّانية: «كما نسبها السيّد ابن طاووس ـ أيضاً ـ إلى عمل جماعة، وهذا أيضاً ممّا يُعمل لأجله جمهرة من الفقهاء، أي: يُجبرون جهالة السّند بعمل جماعة من الفقهاء».
#الثّالثة: «وقال ابن طاووس أيضاً: أنّه وردت عدّة روايات موافقة لهذه الرّواية رويناها عن الصّدوق [!!]». [الغدير الثّاني: ص8].
#ويلاحظ عليه:
#أوّلاً: إنّ الرّواية كما هو تنصيص المجلسي قد رويت عن كتاب زوائد الفوائد المنسوب لنجل ابن طاووس لا ابن طاووس نفسه، وهذا ما صرّح به شيخ المحدّثين الإثني عشريّة المجلسي في كتابه البحار وزاد المعاد أيضاً بوضوح، وشرحه تلميذه المبرّز الأفندي أيضاً وأكّده في رياض العلماء والتّحفة الفيزوزيّة، نعم جاء في الجزء الخامس والتّسعين من البحار نسبته إلى ابن طاووس، وهذا من سهو القلم، وكان على المرجع صادق الشّيرازي ـ بحكم كونه مرجعاً ـ أن يُراجع ويفحص، لا أن ينقل الخطأ وينحت أدلّة خاطئة لتبريره دون وعيّ ودراية.
#وثانياً: يبدو إنّ المرجع صادق الشّيرازي خلط ـ ولا أعرف سبب خلطه ـ بين السيّد عليّ بن طاووس وبين السيّد أحمد بن طاووس؛ وقرينة توهّمه: وصفه بالخبير في علم الرّجال الّذي له كتاب التّحرير الطّاووسي، مع إنّ الكتاب الأخير من مصنّفات نجل الشّهيد الثّاني أعني الشّيخ حسن المتوفّى سنة: “1011هـ”، المستخرج من كتاب صنّفه السيّد أحمد بن طاووس حمل عنوان: “حلّ الإشكال في معرفة الرّجال” كما بيّنا الحديث في ذلك مفصّلاً في سلسلة حلقات حول رجال ابن الغضائريّ، وليس للسيّد أحمد بن طاووس ولا نجل الشّهيد الثّاني علاقة بهذه الخرافة أصلاً.
#وثالثاً: إنّ تعبير السيّد ابن طاووس “الأب” عن الرّواية بكونها عظيمة لا يعني إنّه يُشير إلى رواية أحمد بن إسحاق أو رواية فرحة الزّهراء المعروفة، بل يُريد الإشارة إلى رواية رواها عن المرحوم الصّدوق تتضمّن خبر مقتل عمر بن الخطّاب في اليوم التّاسع من ربيع الأوّل، وهذه الرّواية لم تصلنا ولم يذكرها ابن طاووس “الأب” بنفسه، بل قد قام نفسه بردّها وتأويلها باعتبارها خلاف المشهور السنّي والإثني عشريّ الوارد في تاريخ مقتل عمر.
#ورابعاً: إنّ ابن طاووس “الأب” نسب الاحتفال والسّرور بيوم مقتل عمر إلى جماعة من العجم والأخوان لا كما توهّم صادق الشّيرازي، ولم يثبت إنّ من نُسب لهم عمل تعظيم السّرور هم من الفقهاء لكي يصحّ الاستناد إلى حجيّة عملهم إذا قلنا إنّ عمل فقهاء القرن السّابع برواية يُجبر سندها الضّعيف ذي المجاهيل!!
#وخامساً: لا أدري: أين ذكر ابن طاووس “الأب” ورود عدّة روايات موافقة لرواية أحمد بن إسحاق قد رواها عن الصّدوق؟! بل قد ذكر ما يناقض ذلك تماماً، ونصّ على إنّه لم يجد فيما تصفّح من الكتب إلى الآن رواية موافقة لرواية الصدوق النّاصّة على مقتل عمر بن الخطّاب في اليوم التّاسع من ربيع، ولم يتحدّث عن رواية أحمد بن إسحاق أو فرحة الزّهراء كما نصطلح عليها، نعم نقل المجلسي ذلك على لسان نجله في الكتاب المنسوب إليه كما ناقشنا ذلك مفصّلاً في البحوث المختصّة.
#وأخيراً: إذا كان هذا حال مرجع يمتلك عشرات الفضائيّات ومئات الحسينيّات والمراكز والخطباء والرّواديد…إلخ، والّذين يجعلون من أوامره وإرشاداته وفتاواه نصوصاً سماويّة؛ بحيث نراه يتحدّث بهذا المستوى السّاذج ويصف يوم مقتل عمر بن الخطّاب بالغدير الثّاني، أقول إذا كان هذا حاله فلماذا نلوم السّلفي الوهابي الّذي يفجّر نفسه تقرّباً إلى الله تعالى في نفر يطلب منهم مراجع تقليدهم الاستحمام بركة وسروراً بموت إمامه وزعيمه وخليفته الّذي يقدّسه ويجلّه؟! أجل لماذا نلومهم ونحن نقدّم لهم المبرّرات والمسوّغات على طبق من ذهب؟!
#لا تقل ليّ: هؤلاء شيرازيّة لا يمثلّون التّشيّع؛ إذ عليك أن تُراجع قبلها رسالة مرجع تقليدك لترى إنّه يحكم بانبغاء الاستحمام في يوم مقتل عمر بن الخطّاب إمّا استحباباً أو برجاء أن يكون مطلوباً من قبل الله تعالى فيؤجر المستحمّ ويثيبه، وإذا كان بيت مرجعك من زجاج فلا ترم بيوت بقيّة المراجع بحجر؛ فكلّهم في هذا الموضوع سواء، فليُتأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.
ميثاق العسر
مناهج الحوزة وتسابق المقامات الإثباتيّة!!
#في الحواضر الأكاديميّة يفرّقون بين نمطين من الكتب، الأوّل هو: [Handbook]، والثّاني هو: [Textbook]، ويُعنى من الأوّل: أي الكتاب الّذي يكتبه المنظّر لبيان نظريّاته وأفكاره وآرائه، ويُعنى من الثّاني: الكتاب الّذي يُكتب لغرض فهم النّظريّات والأفكار وشرح منهجها ومفرداتها ولغتها، وعلى أساس هذا التّفريق ذهب بعض المتنوّرين الإيرانيّين بحقّ إلى: إنّ واحدة من مشاكل حوزاتنا العلميّة الأساسيّة تكمن في تدريسها طلّابها كتب النّوع الأوّل لا كتب النّوع الثّاني، وهذا خلط لا يقوم به أحد في العالم أصلاً؛ إذ لا تُدرّس جامعة هارفارد مثلاً كتاب النّسبيّة لأنشتاين؛ وذلك لأنّه كتاب: [Handbook] وليس: [Textbook].
#وفي سياق التّمثيل الإيضاحي لهذه الفكرة أفاد هذا المعاصر قائلاً: إنّنا حينما نعود إلى مناهج حوزاتنا العلميّة نجد إنّها تُدرّس كتب الشّيخ مرتضى الأنصاريّ في المكاسب والبيع والخيارات مثلاً، مع إنّها كتب من نوع: [Handbook] باعتبار إنّ الأنصاري عالم كبير وأراد طرح أفكاره ونظريّاته في هذه المدوّنات وليست كتباً درسيّة من نوع: [Textbook]، لكن السّادة في الحوزة تصوّروا إنّ كلّ ما يصدر من الإنسان الكبير فهو كتاب درسي ينبغي أن يقضي طالب الحوزة سنوات طويلة في فكّ رموز كتابه ومقاصده، مع إنّ هذه المهمّة ليست من وظيفته أصلاً. [من مقال فارسيّ نُشر في صفحة مصطفى ملكيان].
#وما أفادته السّطور أعلاه جدير بالاهتمام والعناية؛ خصوصاً ونحن نلحظ تسابقاً منقطع النّظير من قبل طلّاب الحوزة النّجفيّة في سبيل تدريس كتاب المكاسب وأخواته، مع إنّ هذه الكتب لا تُربّي طلّاباً قادرين على فهم الاجتهاد الدّيني حتّى بأدواته الحوزويّة التّقليديّة بقدر ما تستنزف وقت الطّالب بطريقة قاتلة؛ وذلك لأنّ المرجوّ من هذه الطّريقة من التّدريس إذا كان هو: إجادة الطّالب لطريقة تعاطي الأنصاري للممارسة الفقهيّة؛ وتفهيمه أنماط استظهاراته الرّوائيّة؛ وتعليمه طريقة محاكمته لنصوص الفقهاء؛ وتأصيلاته للأصول الّلفظيّة والعمليّة…إلخ؛ فإنّ هذه الأمور لا تتحقّق من خلال تحبيس النّفس في دراسة رتيبة ومطوّلة لكتاب بمئات الصّفحات لم يُكتب لهذا الغرض أصلاً ولا من خلال قضاء أوقات طويلة في إرجاع ضمائره وتفكيكها، وإنّما من خلال قيام لجان علميّة مختصّة بكتابة مناهج علميّة تشرح طريقة الأنصاري في التّفكير الفقهي والأصولي، وتدرّب الطّالب بطريقة مركّزة على إتقان هذه الطّريقة من خلال تقديم نماذج هامّة متنوّعة من تراثه؛ يتوفّر الطّالب من خلالها على أرضيّة لمراجعة نصوص الأنصاري وأضرابه مباشرة، وفهمها على أحسن وجه من دون الحاجة إلى معلّم أصلاً، وبهذا سيصبح بمرور الوقت قادراً على نقدها أيضاً.
#أمّا هذه الطّريقة التّقليديّة من التّدريس والّتي يصرّ عليها عموم الشّيبة ومقلّديهم فلا تحقّق فائدة للطّالب الحوزويّ في الأعمّ الأغلب بقدر ما تُسهم في تحقيق مكاسب إثباتيّة للأستاذ في الوسط الحوزويّ؛ بحيث يُعرف شارح نصوصها على إنّه أستاذ جيّد لهذه المادّة ومفكّك لنصوصها، وإنّ تزكياته مقبولة في مكاتب المراجع كأستاذ للسّطوح العليا مثلاً، ولهذا تجد: إنّ حوزاتنا ـ رغم الكثرة الكاثرة في طلّابها ـ لا تنتج محقّقين مدقّقين إلّا نادراً جدّاً وبجهود أغلبها شخصيّة، فليُتأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
المراهقة الفكريّة المذهبيّة داء عضال!!
#في أيّام المراهقة الفكريّة الحوزويّة والمذهبيّة، كنّا حينما نسمع: إنّ فلاناً ـ من أوساطنا المذهبيّة أو الإسلاميّة ـ قد طرح فكرة أو تبنّى رأياً يخالف السّائد المذهبيّ العميق الّذي ولدنا عليه، نسترجع ونحوقل فوراً ونقول: والعياذ بالله؛ هذا هو المصداق الأتمّ لسوء العاقبة، وندعو الله أن لا يوصلنا إلى مواصيله، وكنّا نعدّ هذا الأمر بديهيّاً؛ لا نفكّر في احتمال خطلنا ولا اشتباهنا فيه، ولا نفكّر أيضاً أن نقرأ براهين هذا الطّارح ولا شواهده ولا تحليلاته فضلاً عن أن نصل إلى مرحلة التّأمّل فيها!!
#ولكن بعد أن تفتّحت آفاقنا وهشّمنا جدار المذهبيّة في مسيرة العلم الطّويلة نحو النّضوج الفكري: اكتشفنا إن جملة ممّا كنّا نعدّه بديهيّاً لم يكن كذلك إلّا في دهليزنا المذهبي، وكثيراً ممّا كنّا نحسبه واضحاً جلياً ما كان كذلك إلّا في أوهامنا، والأغرب من هذا وذاك إنّا رأينا جملة ممّن كان يمتهن التّسقيط وتوجيه أحكام الانحراف والضّلال لبعض الأشخاص وأفكارهم لمخالفتها لقبليّاته المذهبيّة: يقاتل من أجل إثباتها وتسويقها واعتبارها من الواضحات البيّنات!!
#لذا تمنّياتي على أخوتي الأساتذة والطّلاب في حوزة النّجف الكريمة ممّن يُعوّل على فضلهم ونباهتهم أن يخرجوا من هذه الأحاديّة في التّفكير ولو في جلساتهم الخاصّة الّتي يضمنون عدم نقلها إلى الزّبانية، وأن لا يكرّروا مثل هذه الأخطاء القاتلة الّتي تكلّفهم الكثير في ظلّ ما نعيشه من ثورة معلوماتيّة، متأمّلاً منهم أن لا يعلّموا طلّابهم على لونيّ الأسود والأبيض فقط في التّعاطي مع الأفكار؛ فهناك طيف واسع من الألوان تتجانس وتتمايز في نفس الوقت، كما إنّ بقاءهم في خطّ علميّ واحد حتّى القبر ونحت أدلّة لحقّانيّته والدّعوة من الله تعالى لتوفيق البقاء فيه لن يقرّبهم من شعاع الحقيقة بقدر ما يصقلهم في مسار التّحجّر والتقهقر، فليتأمّل، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
سلطة المال والمرجعيّةّ بين العرفاء والفقهاء!!
#ثمّة اصطكاك منهجي وسلوكي قائم بين الفقهاء الإثني عشريّة والمتصوّفة والعرفاء منذ أيّام الدّولة الصّفويّة؛ وذلك لأنّ هذه الدّولة ما قامت وما نجحت إلّا عن طريق مفردات صوفيّة عرفانيّة فرضت نفسها بين الجنود والآمرين، لكن ما أن قامت هذه الدّولة حتّى تمكّن الفقهاء الإثنا عشريّة من ذبح المتصوّفة والعرفاء بقطنةٍ والتّربّع على العرش والسّيادة منذ تلك الأيّام وحتّى يومنا هذا؛ فلم يجد بعض المتصوّفة والعرفاء من سبيل إلّا السّعي الحثيث للجمع بين المنهجين وأنّى لهم ذلك، والقطيعة في المناهج والسّلوك عميقة جدّاً، ولا يمكن أن تُردم إلّا بالتّنازل عن المبادئ، وبالتّالي الانضواء تحت غير ما يدّعوه.
#وكيف كان؛ ذكرنا هذه المقدّمة لكي نتجاز من خلالها إلى صورة واقعيّة لتقييم أداء الفقهاء الإثني عشريّة في زمان أوج الدّولة الصّفويّة، صورة رسمها صدر الدّين الشّيرازي صاحب كتاب الحكمة المتعالية المعروف بالأسفار الأربعة والمعاصر لتلك المرحلة المتوفّى سنة: “1050هـ”؛ إذ سعى في معظم الأحيان إلى تسجيل تحفّظاته البالغة على أدائهم قائلاً: “لما تركوا الإخلاص والتّوكل على الله ألجاهم الله إلى أبواب السلاطين، وحوّل وجوههم عن طلب الحقّ واليقين، إلى خدمة الهوى وطاعة المجرمين وصحبة الفاسقين”.
#سننقل هذا النّص الطّويل باعتباره نافعاً جدّاً في أيّامنا، ونحن نشاهد جملة من الأساتذة المعمّمين بمختلف طبقاتهم على أبواب المرجعيّات الدّينيّة الكبيرة والصّغيرة لجمع الفتات من هنا وهناك، ونتمنّى عليهم أن يتقبّلوا هذا النّقد ويقارنوا الصّورة المنقولة فيه مع واقعهم وتصرّفاتهم، وكأن صدر الدّين الشّيرازي واقف هذه الأيّام في شارع الرّسول وهو يشاهد هذا المنظر المؤسف ويكتب كلماته، فلننصت معاً إلى تعابيره حيث قال:
#فإنّا نرى المدرّسين فى زماننا كأنّهم فى رقٍ دائمٍ ونحت حقٍّ لازم ومنّةٍ ثقيلة ممّن يتردّد إليه؛ فكأنّه يهدى تحفة لديه ويلقى حقّاً واجباً عليه، وبما لا يختلف إليه فى الأدوار ما لم يتكفّل برزقٍ له على الأدرار، ثمّ المدرّس المسكين والمولى الضّعيف الدّين لعجزه عن القيام بذلك من ماله لا يزال يتردّد إلى أبواب السّلاطين، ويقاس الذّل والشّدائد مقاساة الذّليل المهين، حتى يُكتب له بعد الابرام التمّام، على بعض وجوه السحت بمالٍ حرام، ثمّ يبقى فى مقاساة القسمة على الأصحاب، والتّوزيع على الطلاب، إن سوّى بينهم شقّه المبرَّزون، ونسبوه إلى الحمق والجهالة، والظلم والضّلالة، والقصور عن درك مصارف الفضل، والفتور عن القيام فى مقادير الحقوق بالعدل، وإن فاوت بينهم سلقه السفهاء بألسنة حدادٍ وثاروا عليه ثوران الأساود والآساد، فلا يزال فى مقامهم في الدّنيا وفى مظالم ما ياخذه ويفرّقه فى العقبى.
#والعجب أنّه مع البلاء كلّه، والدّاء جلّه، تُمنّى نفسه العثور، وتدلّيه بحبل الغرور، إنّ فيما يفعله مُريد وجه الله، ومذيع شرع رسول الله، وناشر علوم دين الله، والقائم بكفاية طلاب العلم من عباد الله، ولو لم يكن ضحكة للشيطان، وسخرة لأعوان السلطان، لعلم بأدنى تأمل: أنّ فساد الزّمان لا سبب له إلّا كثرة أمثال أولئك الفقهاء المُحدِثين فى هذه الآوان، الذين يأكلون ما يجدون من الحلال والحرام، ويفسدون عقايد العوام؛ باستجرائهم على المعاصى اقتداءً بهم، واقتفاءً لإثارهم، فنعوذ بالله من الغرور والعمى؛ فإنّه الدّاء الّذي ليس له دواء». [رسالة: الواردات القلبيّة المطبوعة ضمن الرّسائل التّسع: ص259].
#أسأل الله أن يُبعد الأساتذة من المشايخ والسّادة الكرام عن أبواب المرجعيّات الدّينيّة الّتي تمتهن إذلالهم، وأن يقيّض لهم رزقاً حلالاً دارّاً كي يتمكّنوا من خلاله التّفكير والكتابة والنّشر بمعزلٍ عن ضغوطات هذا المرجع أو ذاك، إنّه وليّ قدير.
#ميثاق_العسر.
الأعلميّة والجهالات والافتراءات!!
#يرى مرشد حزب الفضيلة العراقي الشّيخ محمّد اليعقوبي “حفظه الله” إنّ تمنّع النّاس عن دفع الخمس يعود لأمور، منها: «حملات التّشكيك الّتي يمارسها أعداء الدين والمذهب، ويروّج لها المرتزقة والجهلة السذّج [وأتمنّى التّركيز على أدب سماحته] بكلّ القنوات المتاحة، كالكتب والنّشرات والصّحف والمجلات وغيرها، فتارة يقولون: بعدم وجوبه أصلًا وإنّه لم يذكر في القرآن وإنّه خاص بغنائم الحرب، أو إنّه خاص بزمان رسول الله “ص”، وهم قبل غيرهم [ويقصد المرتزقة والجهلة السُذّج حسب وصفه] يعلمون زيف هذه الدعاوى، لكنهم يبتغون بذلك تقويض إحدى الرّكائز المهمة للدين والمذهب».[خطاب المرحلة: ج1، ص442].
#وهنا أسأل اليعقوبي بهدوء ورويّة: هل تعلم أيّها الشّيخ إنّ القائلين باختصاص آية الخمس المعروفة بغنائم دار الحرب من الفقهاء الإثني عشريّة هم أمثال السيّد المرتضى وظاهر الشيخ الطوسي في بعض كتبه والمحقّق الأردبيلي وصاحب المدارك وجملة من الفقهاء الآخرين ومنهم أستاذنا السيّد محمود الهاشمي “عافاه الله” الّذي لم يفارقك كتابه “الخمس” وأنت تدّرس طلّابك، وإنّ ثبوت الخمس في أرباح المكاسب ـ وهو ما اصطلحنا عليه بالخمس الشّيعي ـ بل وبعض العناوين الأخرى أيضاً إنّما يصحّ عندهم عن طريق السُنّة بعنوانها العامّ لا من خلال الآية الكريمة، فلا أدري هل تُريد أن تقول: إنّ هؤلاء الفقهاء الكبار ومن تابعهم مجرّد مرتزقة وجهلة سُذّج يُريدون أن يشكّكوا النّاس بدينهم ومذهبهم وهم يعلمون زيف دعاويهم مثلاً؟! وإن كنت لا تعلم ذلك فكيف تُريد منّا أن نصدّق بدعواك في المرجعيّة والأعلميّة وهذا الأمر يعرفه صغار الطّلبة المحصّلين، وإن كنت تعلم فلماذا تغرّر بالنّاس المساكين؟!
#والطّريف: إنّ مقلّديه يتفاخرون على غيرهم بأخلاق مرجع تقليدهم في التّعامل مع من يختلف معه في الرّأي، وإنّهم حينما يفترون على مخالفيهم لا يمثّلون سماحته ولا يقلّدونه في هذا الخصوص، مع إنّا وجدنا إنّ تعابير سماحته لا تختلف عن تعابير جلّهم؛ إذ إنّ المرتزقة والجهلة السُذّج وغيرها وغيرها حاضرة عند سماحته مع كلّ من يختلف معه، بل حتّى مع الكبار المؤسّسين، ولله في خلقه شؤون وشؤون، ولكن أكثر النّاس لا يعلمون، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
ادّعاء الأعلميّة والأوهام!!
#قد يُخطئ الأستاذ في درسه فينسب كتاباً لغير مصنّفه مثلاً؛ وقد يُكرّر هذا الاشتباه في الدّرس نفسه أيضاً لأيّ سبب من الأسباب، وربّما لا يلتفت طلّابه بمختلف مستوياتهم لذلك أيضاً، إمّا لعدم معرفتهم بمصنّف الكتاب مثلاً أو لاحتمالهم إنّ ما حصل خطأ لفظيّ لا يستحقّ الاهتمام والتّنبيه، كلّ هذا ممكن وحاصل أيضاً، لكن أن يقوم هذا الأستاذ نفسه والّذي يدّعي الأعلميّة على جميع معاصريه بكتابة درسه بيده، ومن ثمّ إلقاءه على طلّابه، وتوزيعه محرّراً بعدها عليهم، والقيام بطباعته بعد ذلك ككتاب بطبعات متكرّرة، وهو يحمل نفس هذا الخطأ في النّسبة وفي عدّة مواطن أيضاً، فهذا أمر يستدعيّ النّظر كثيراً، ويؤكّد إنّ هذا الأمر لم يكن خطأ لفظيّاً أو مطبعيّاً عابراً، بل كان جهلاً بالمصنِّف من الأساس، وهذا من المفارقات.
#كان هذا الأمر حينما نسب الشّيخ محمّد اليعقوبيّ “مرجع حزب الفضيلة العراقيّ” كتاب “القواعد والفوائد” إلى الشّهيد الثّاني عدّة مرّات في درسه الفقهيّ الّذي ألقاه على طلّابه كمادّة مكتوبة ومحرّرة سلفاً، وقام بتوزيعه كنسخة مطبوعة بعد درسه أيضاً، وقام بتكرار هذا الاشتباه في كتيّب “ثبوت الهلال بحكم الحاكم الشّرعي” وفي كتاب “فقه الخلاف” أيضاً أكثر من مرّة، بينما يعرف أيّ طالب حوزة عادي إنّ هذا الكتاب هو للشّهيد الأوّل، فكيف بمن يدّعي الأعلميّة والمرجعيّة؟!
#وهذا الأمر أثار استغراب مصنّفي مجموعة الهلال الفارسيّة وهم يتحدّثون عن الكتب والرّسائل الّتي كتبت في موضوع الهلال؛ إذ إنّهم حينما وصلوا إلى الكتيّب الّذي ألّفه اليعقوبيّ سنة: “1427هـ” قالوا ما ترجمته: «”ثبوت الهلال بحكم الحاكم الشّرعيّ” لحجّة الإسلام والمسلمين الشّيخ محمّد اليعقوبيّ… يُشار إلى إنّ الكاتب نسب كتاب “القواعد والفوائد” عدّة مرّات إلى الشّهيد الثّاني “ص13؛16″، مع إنّ الكتاب من تأليفات الشّهيد الأوّل “رحمه الله”». [رؤيت هلال، رضا مختارى ومحسن صادقى: ج5، ص3568].
#وأخيراً: لا يفوتني الإشارة إلى: إنّ اليعقوبي كان قد تحدّى جميع الفقهاء والمراجع في الحوزات العلميّة أن يأتوا بمثل كتابه “فقه الخلاف” وجعله كاشفاً عن اعلميّته، بل ووجدنا ولا زلنا أيضاً جملة كبيرة من مقلّديه يكرّرون هذا الكلام ويجعلونه مبرّراً لتقليدهم إيّاه كذلك، ولكن من حقّ المعترضين أن يبرّروا عدم اكتراثهم به قائلين: إنّ من يجهل اسم مصنّف كتاب “القواعد والفوائد” ويكرّر ذلك الجهل في درسه وطبعات كتابه عدّة مرّات فكيف تريدون منّا الاهتمام بكتابه ومطالعته؟! فتأمّل كثيراً علّك تُرجع وعيك المستباح، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#تنوير وإلفات نظر: من يُريد الاطّلاع على صوت سماحته وهو يكرّر هذا الاشتباه فليراجع إلى درسه السّادس من دروسه الّتي حملت عنوان: ثبوت الهلال بحكم الحاكم الشّرعي والّذي وضعنا رابطه في أوّل تعليق، كما يمكن له العودة إلى الجزء الأوّل من كتابه المطبوع تحت عنوان فقه الخلاف للتّأكّد من ذلك.
#ميثاق_العسر
اليعقوبي وضرورة تطوير قابليّاته وتوسيع أفقه!!
#اقترح على مرجع حزب الفضيلة الشّيخ محمّد اليعقوبي “حفظه الله” أن يطوّر قابليّاته العلميّة ويوسّع من دائرة أفقه أيضاً، ليس لأجل شخصه ولأجل مرجعيّته فقط، وإنّما لأجل مقلّديه وأتباعه ونوّاب حزبه؛ وذلك لأنّه كلّما كان علم المرجع واسعاً وأفقه رحيباً كان أتباعه كذلك وبحسبهم أيضاً، وكلّما كان علم المرجع ضيّقاً وأفقه متقوقعاً كان أتباعه كذلك أيضاً وبحسبهم كذلك؛ أقول ذلك لأنّي ولتجربة طالت سنوات في هذا الفضاء الجديد: ما رأيت مقلّدي وأتباع مرجع يبادرون لاتّهام من لا يتّفق مع مزاجهم بأنواع الاتّهامات، ولهم استعداد أن يفتروا عليه أنواع الافتراءات ومنها الشّخصيّة، غير مقلّدي وأتباع سماحته للأسف الشّديد، نعم؛ هناك نوادر فيهم لا يشملهم هذا التّقييم، لكنّ النّادر كالمعدوم كما يقولون.
#وهذا الأمر ينجّز عليّ وعلى أمثالي التّكليف بغية تخليص هؤلاء الشّباب من الشّباك والمصائد الّتي وضعت لهم في مقتبل طريقهم بسبب ظروف خاصّة وفّرها ما يُصطلح عليه بالعراق الجّديد، فزُجّوا إثرها في زنازين التّقليد الخاطئ مكبّلين، فحسبوا إنّ صاحب هذه الزّنازين هو خاتمة الفقهاء المهندسين، مع إنّهم لو قُدّر لهم الخروج من هذه الزّنازين لرأوا إنّهم في نقرة السّلمان وهم لا يشعرون ولا يعلمون، فتأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
اليعقوبي، بوش، وزيارة الأربعين!!
#في عام: “2005م” كان مرجع حزب الفضيلة الشّيخ محمّد اليعقوبي “حفظه الله” يرى ـ أثناء خطابه لجمع من طلبة جامعات بغداد ـ: إنّ هذه الحشود الهائلة الوافدة إلى زيارة الأربعين «وبهذه الشجاعة والتّضحية الجسيمة ستُجبر الأعداء قبل الأصدقاء على إعادة قراءة الخارطة السياسيّة والاجتماعيّة والديمغرافيّة والفكريّة للعراقيين»، وأضاف اليعقوبي بعدها معلومة طريفة في مقام الاستدلال على مدّعاه آنف الذّكر فقال: إنّ «أول من صدَقَ ظني عليه هو الرئيس الأمريكي بوش؛ فقد نقل أحد أخواننا المقيمين في واشنطن أنّ بوش تابع المشاركة المليونيّة والشعائر المهيبة التي أدّوها وهم يسيرون مئات الكيلومترات مشياً على الأقدام إلى كربلاء، فأبدى إعجابه، وطلب من مستشاريه تقديم تحقيق مفصّل عن هذه الشخصيّة التي استشهدت منذ ألف وأربعمائة عام، ولا زالت تحرّك ملايين البشر بهذا الحماس والعاطفة الجيّاشة [!!]». [خطاب المرحلة: ج4، ص33].
#وبعد سنة من هذا التّاريخ ـ أي في عام: “2006م” تحديداً ـ رسّخ اليعقوبيّ هذه الفكرة في عقول الشّباب ببيانات متعدّدة وخطابات كثيرة، منها: ما كان مع حشدٍ من طلّاب الجامعات والمعاهد العراقيّة الّذين جُلبوا إليه فقال أثناء محاضرته متساءلاً: «هل نجح المشروع الأمريكي في مسخ هويّة الأمّة وتذويب شخصيّتها؟ وهل نجح الإرهابيّون في إرعاب الشعب وإخافته ومنعه من إظهار ولائه لأهل بيت النبوة؟ وهل استطاعوا إبعاد الشباب عن دينهم وفصل العروة الوثقى بينهم وبين أئمتهم وقادتهم ومرجعيتهم؟»، فأجاب اليعقوبيّ قائلاً: «نجيب هؤلاء: انظروا إلى كربلاء يوم الأربعين وزحف الملايين الّتي زادت عن الثلاثة مشياً على الأقدام، وقطعَ بعضهم مئات الكيلومترات رغم المخاطر المحدقة لتعرفوا فشل الإرهابيين؛ وانظروا كيف أن أغلبهم من الشباب لتعرفوا فشل مشروع الغرب الإفسادي؛ ولاحظوا التّعبئة العامّة التي أعلنتها الأمة لإنجاح هذه الشعيرة المقدّسة وتقديم الخدمات وأسباب الرّاحة لهذه الملايين في كربلاء وعلى طول الطريق المؤدّية إليها لتعرفوا شدّة تمسّك الأمّة بالإسلام وولاية أهل البيت “ع”».[سيرة الأئمّة الإثني عشر: ص218].
#وبعد أن عبّأ الشّباب الجامعي نحو هذه الزّيارة وحثّهم وهم في مقتبل العمر نحوها بخطابات متكرّرة واجتماعات عدّة حملتها خطاباته المنشورة بعينها في كتب تحمل عناوين متعدّدة عاد لينتقد هذه الزّيارة بعد سنوات قليلة جدّاً، ففي عام: “2010م” مثلاً ومع حشد من طلبة بعض إعداديّات بغداد هاجم اليعقوبيّ زيارات الحسين بن عليّ “ع” قائلاً: لقد «تحوّل الكثير من المراسيم خصوصاً في زيارة الأربعين والشعبانيّة إلى ما يُشبه الفلكلور الشعبي الذي اعتادته كثير من الأمم ووضعت له برامج وفعاليات، من دون أن يستلهم معاني الثورة الحسينية، والأهداف التي سعى الإمام “ع” لتحقيقها وطالب الأجيال كلّها بنصرته في تحقيقها، بل إنّ الكثير من المشاركين مخالفون لتعاليم أهل البيت “ع” وتاركون للواجبات ومرتكبون للمحرمات، فواجبنا اليوم تنقية هذه الشعائر المقدّسة وصيانتها من الانحراف عن مسارها الذي وضعه لنا أهل البيت “ع” وترسيخ القيم والمبادئ التي شادتها الثورة الحسينية المباركة، وهي إصلاح الأمّة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وإقامة السُنة وإماتة البدعة وتحرير العباد من طاعة الشيطان والأهواء والطواغيت ليعودوا إلى عبادة الله تعالى وحده، وهذه مسؤولية تقع على الجميع…» [في ثقافة الرّفض وإصلاح المجتمع: ص107].
#والمؤسف إنّ حضّار هذه المحاضرة الأخيرة هم من طلّاب الإعداديّة الّذين لم يسمعوا محاضرات اليعقوبيّ السّابقة حول زيارة الأربعين والحثّ والتّحشيد نحوها، وكيف إنّه ادّعى إنّها هي من أجبرت الرّئيس الأمريكي حينها على دراسة شخصيّة الحسين بن عليّ “ع” لمعرفة السرّ الّذي يكمن وراء تأثيره بهؤلاء السّائرين وجعلهم يبذلون كلّ غالٍ ونفيس من أجله كما أخبره صديقه بذلك!! وكيف إنّ هذه الزّيارة والتّحشيد نحوها والحضور فيها أفشلت المشروع الأمريكي في مسخ هوية الأمّة وتذويب شخصيتها!! وكيف كان يمدح التّعبئة العامّة الّتي أعلنتها الأمّة لإنجاحها وتقديم أسباب الرّاحة لهذه الملايين فيها، ولا ندري كيف تحوّلت بقدرة قادر إلى ما يُشبه الفولكلور وكثير من حضّارها مخالفون لتعاليم أهل البيت “ع” وتاركون للواجبات ومرتكبون للمحرمات؟!
#أجل؛ حينما يكون وعي المرجع بهذا المستوى دون أن يحمل نظرة استشرافيّة عميقة لمآلات هذه الظّواهر وسلبيّاتها، بل وتجده يتعامل بشكل آنيّ معها ومع أضرابها فمن الطّبيعي أن يكون إفساده أكثر من إصلاحه، ومن الطّبيعي أن تُخرِّج الجامعات العراقيّة ـ الّتي يتأثّر طلّابها بهذا الّلون من الخطاب ـ جيلاً مشوّهاً صداميّاً لا يعرف سوى لغة الأسود والأبيض في التّعامل مع من يختلف معه في الرّأي، والطّريف إنّ بعض مقلّديه يتحدّثون دائماً عن إصلاحيّته وسعة أفقه وبُعد نظره، ولله في خلقه شؤون وشؤون.
#ميثاق_العسر
المرجعيّة القادمة والجهود الحوزويّة وغيرها!!
#مهما طال عمر سماحة السيّد السّيستاني “حفظه الله” أو قصر فإنّ المرحلة الّتي تليه هي مرحلة حسّاسة حوزويّاً، وأعني من ذلك: إنّ الجميع يخطّط ويفكّر ويهندس لمقامه وعنوانه ومرجعيّته ومستقبله الحوزويّ القادم، وكيف يمكن له اقتطاع قطعة من المقلِّدين بحيث يتمكّن من خلالهم فرض وجودٍ ومكانةٍ إمّا لنفسه كمرجع تقليد وإمّا لمرشّحه للمرجعيّة، وهذا أمر طبيعي ليس جديداً بالمرّة، وإنّما تطوّرت أدواته وأساليبه بنحو وآخر؛ فالمرجعيّة الدّينيّة بعرضها العريض تُصنع بأدوات بشريّة وتخطيطات حوزويّة وبعضها غير نبيلة ولا شريفة أيضاً وليس للعناية الإلهيّة علاقة مباشرة بهذا الأمر كما يتوهّم المتوهّمون.
#وما نريد التّنويه إليه وهو جدير بالالتفات أيضاً: إنّ الصّفحة تعمل بشكل جادّ على تغيير ذائقة المتلقّي الشّيعي الإثني عشريّ تجاه التّقليد في هذه المرحلة كي لا يُزجّ رأسه في تقليد مرجعيّة جديدة إلى ثلاثين سنة قادمة مرّة أخرى، سواء أ كان هذا المرجع تقليديّاً حتّى النّخاع أو يدّعي التّنوير حتّى النّخاع، وهذا يعني: إن الصّفحة لا تؤمن بضرورة تركيز ونشر ثقافة التّقليد الدّيني بهذه الصّيغة المتداولة والمعروفة حوزويّاً في القرون والعقود الأخيرة، والّتي كُتب بحث الاجتهاد والتّقليد في الرّسائل العمليّة خصّيصاً لها، وأوجبوا من خلاله على الإنسان العادي أن يكون مقلِّداً لأحدهم بخصوصه؛ كأن ينوي قبيل بلوغه أخذ أحكام عباداته ومعاملاته…إلخ من شخص المرجع الفلاني ولا يحقّ له الأخذ من غيره وإن كانت الفتاوى متّحدة دليلاً وصياغة؛ فهذه فكرة متأخّرة باطلة لا أساس لها من الصّحة كما سنبيّن في وقتها المناسب إن شاء الله.
#نعم؛ لا مانع أن يسأل الإنسان الّذي لا يعرف الحكم الشّرعي للمسألة “أ” من الإنسان الّذي يعرف ذلك، ولكن هذا شيء آخر ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالتّقليد بصيغته المتداولة والمعروفة في الأوساط الإثني عشريّة على الإطلاق كما سنبيّن أيضاً إن شاء الله، فتفطّن وهو من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
خطباء المرجعيّة يشعرون بالخطر!!
#في الحادي عشر من ذي الحجّة الماضي التقى السيّد منير الخبّاز [نزيل قم] بأستاذه ومعلّمه السيّد السّيستاني “حفظه الله” طالباً منه مجموعة نصائح له ولأمثاله من الخطباء وهم مقبلون على شهر محرّم الحرام، فقدّم سماحته له مجموعة من النّصائح تمحورت معظمها حول التّصدّي لدفع ما اصطلحوا عليه بـ: “الشّبهات المطروحة أمام الدّين ومعارفه الأصليّة وقيمه الأخلاقيّة”، وبعد أن قسّم السّيستاني الشّبهات إلى: رائجة ومشهورة وإلى ما ليس كذلك، ركّز على ضرورة أن لا يستعرض الخطباء على منابرهم ما اسماه الشّبهات غير المنتشرة والمحدودة التّداول؛ عادّاً ذلك خلاف الحكمة على حدّ صياغة الخباز؛ «بل الصواب في علاجها أن يؤسس المبلّغ الديني بصورة محكمة للمضمون الذي به تندفع الشبهة عن أذهان من وقفوا عليها، من غير حاجة لذكرها والتعليق عليها [!!]».
#وبعد هذا الّلقاء بأربعة أيّام وفي الخامس عشر من شهر ذي الحجة الحرام تحديداً استضافت مؤسّسة وارث الأنبياء التّابعة للشّيخ عبد المهدي الكربلائي السيّد منير الخبّاز ليتحدّث إلى لفيف من الخطباء في مدينة قم الإيرانيّة عمّا اسماه بظاهرة تضعيف الدّين حسب صياغة موقع المؤسّسة للخبر، منوّعاً التّيارات الّتي تشكّل هذه الظّاهرة حسب اصطلاحه إلى نوعين: [1] التّيارات الخارجة عن الدّين وهي: الإلحاد والّلا أدريّة والّلادينيّة، «وهناك تكثيف للجهود لتعزيزها في العراق وإيران»؛ «[2] التيّارات التي تكون داخل الإطار الديني: وهي تركّز على هذه النقطة هل الدين واقعاً حياة للمجتمع أو هو مجرّد تعاليم روحية تتغنّى بها النفوس وليس حلّاً».
#وفي سياق حديثه عن منطلقات التّيار الثّاني والّذي سعى موقع المؤسّسة إلى قصر صياغة المحاضرة عليها أفاد الخبّاز إنّ لهذا التّيار عدّة منطلقات:
«1ـ ضرب الوحي؛ فهو مجرّد مضامين عرفانية تتجلّى للنبي انجيلاً أو قرآناً أو توراة، ولذا يمكن أن يتطرّق إليه الخطأ.
2ـ التّركيز على أنّ كثيراً من المقامات للأنبياء والأئمة “ع” ليست صحيحة بل نسجها الرواة.
3ـ المنظومة الفكريّة الشيعية من الإمامة والعصمة والعلم اللّدني وغيرها لم تكن موجودة في فكر أمير المؤمنين “ع” وأنّ الامام الصادق “ع” هو الذي كتب هذه المنظومة لحفظ وحدة اجتماعيّة معيّنة مقابل الجماعات الأخرى.
4ـ التّشكيك في التّراث الديني الّذي يعبّر عنه السيّد السيستاني بأنّه منظومة متكاملة، فهم يعبرون عنه بأنّه مليء بالإسرائيليات فلا يمكن الوثوق به، فلا يبقى للدّين إلّا بعض الضروريات، فكلّ هذا التراث متوقّف على علم الرجال وهو ظنّي.
5ـ تاريخية النصّ، وإن كان التراث صحيحاً ولكن له تاريخ، ولا يمكن أن يكون لكلّ التاريخ، بل صدر في مرحلة معيّنة ناظرة إليها.
6ـ ضرب مقام المهدويّة، ليزول مقام المرجعية باعتبار أنّ قوّة المذهب في التفافه حول نيابة الإمام الخاصّة والعامّة، ورجال هذا التيّار هو المثقّف الذي لا يرى لنفسه وجود أمام رجل الدين في المجتمع، ولذا لابدّ من إقصاءه من خلال ضرب أساس القوّة وهو المهدويّة والمرجعيّة.
7ـ ضرب المرجعية بشكل مباشر؛ فإنّه فرد معرّض للخطأ وعدم الثقافة والخبرة والمتابعة، فكيف نسلّم رقابنا له. ومجموع هذه التيّارات تنتج تفريغ الدين عن مضمونه» [منير الخبّاز].
#وبعد أن عرض لمنطلقات هذا التّيار أفاد إنّ مجموعة هذه التّيارات تنتج تفريع الدّين عن مضمونه، وبادر لطرح حلول هي في واقعها وسيلة جديدة من وسائل الاستحلاب لأموال المرجعيّة وتبرير صرف ما يُسمّى بسهم الإمام إلى صناعة عناوين حوزويّة ليس إلّا… .
#وكيف كان؛ فما يهمّني بعد هذا الاستعراض هو تقديم بعض الرّسائل العاجلة:
#الأولى: تتعامل الصّفحة مع هذا الّلون من الخطاب وصياغته المقصودة معاملة الخطاب المعادي؛ إذ نعتقد إنّ وضع جميع هذه الإثارات في سلّة واحدة وجعلها بمجموعها كمنطلقات لتيّار واحد يهدف إلى تضعيف الدّين حسب صياغة موقع المؤسّسة لا يحمل براءة نيّة على الإطلاق، وستوظّف جميع الأساليب العلميّة في الردّ عليه.
#الثّانية: إنّ الدّين بوجوده الحقيقيّ لا يضعف من نفوس النّاس إذا ما شُذّب من دجليّات وقراءات وممارسات وطموحات بعض المتسمّين برجاله، بل إنّ إبقاءه كما يريد المنتفعون هو الّذي يُسهم في تضعيفه واقتلاعه من جذوره، والواقع الخارجيّ المعاصر كفيل بالبرهنة على ذلك.
#الثّالثة: نحن وإن كنّا نتمنّع عن نقد بعض المؤسّسات الحوزويّة أو المرجعيّة رعاية وإكراماً لبعض العوائل الكريمة الّتي شكّلت هذه المؤسّسات مصدر رزق لها وخشينا أن يكون نقدنا سبباً في تقويض عمل بعض أفرادها إلّا إنّنا حينما نسمع بانعقاد أمثال هذه الملتقيات وما يحصل فيها من توجيهات مركزيّة ضدّ التّنوير الحقيقيّ والجاد فسنكون في حلّ من وعودنا السّابقة، وسيكون نتاج هذه المؤسّسات وأداؤها تحت مرمى نيران الصّفحة النّقديّة انطلاقاً من القاعدة القرآنيّة القائلة: “فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم”، بعيداً عن الأمور الشّخصيّة الّتي لا تهمّ الصّفحة.
#الرّابعة: كان السّيد السّيستاني محقّاً في نصيحته لتلميذه الخبّاز حينما دعاه وأضرابه إلى عدم إثارة بعض الشّبهات في أوساط العامّة حسب صياغة الأخير؛ لأنّه يعلم كلّ العلم إنّ فتح الباب لرواج أمثال هذه الإثارات يعني عدم بقاء حجر مذهبيّ على حجر مذهبيّ آخر، ولا أدري إن كان الخبّاز قد امتثل لمثل هذه النّصائح وهو يمارس مهمّة التّوجيه المركزي في محاضرته المذكورة، أمّ إنّه يريد أن يتحدّث بالتّنوير حينما يعتلي المنابر في الولايات المتّحدة الأمريكيّة ويرجع إلى ممارسة دوره الوظيفي المعهود له وهو يحاضر في أمثال هذه المؤسّسات؟!
#الخامسة: اعتمدت في توثيق محاضرة الخبّاز على صياغة موقع المؤسّسة الّتي حاضر فيها؛ حيث لم يبادر لا موقعه الرّسمي ولا موقع المؤسّسة لوضعها بشكل مرئي أو صوتي حتّى لحظة كتابة هذا المنشور ليتسنّى لنا الاطّلاع عليها؛ لذا وجب التّنويه.
#وأخيراً: أتمنّى من بعض الخطباء الواعين أن يركّزوا في محاضراتهم على الجانب الأخلاقي في الأسر والمجتمعات، وأن يبتعدوا عن إثارة مثل هذه المواضيع الحسّاسة جدّاً والّتي قد يعومون فيها على السّطح، ليس لضعف تكوينهم أو معلوماتهم، وإنّما لضعف التأصيل المذهبيّ لها، ومن دون ذلك سيتحوّلون إلى ماشة نار لتحقيق مآرب غيرهم، والله من وراء القصد.
سند الهلوسة وهلوسة السّند!!
#يدّعي الشّيخ البحراني محمّد السّند “حفظه الله” [نزيل النّجف]: إنّ أئمّة أهل البيت “ع” قد أداروا ملفّات أمنيّة خطيرة لا يمكن اكتشافها إلى أبد الآبدين، وفي مقام التّمثيل لأقسام هذه الملفّات وأنواعها بادر لذكر مثال وصفه بالأمني والسّياسي الخطير حسب تعبيره مدّعياً إنّ له تداعيات حتّى على كوريا والصّين أيضاً، وهو: إن متتبّعاً باحثاً رحّالة متخصّصاً في الأديان والمسيحيّة بالذّات ومن رجال الدّين الكبار أيضاً يمتلك وثائق تفيد إنّ بعض وزراء كوريا الجنوبيّة ورؤساء الصّين من دورات سابقة هم من نسل زيد الشّهيد [وأراد هنا بعض المشايخ أو السّادة الحضور أن يرفع صوته بالصّلوات!!]، وقد عزا السّند هذا الأمر ـ وهو بصدد تجميع الخيوط لذلك ـ إلى التّخطيط الأمني المستقبلي الدّقيق الّذي رسمه أهل البيت ع؛ باعتبار إنّ باكورة الدّولة الشّيعيّة كانت زيديّة وفي شمال إيران تحديداً.
#وفي مقام التّعليق على هذه الدّعوى أقول: ربّما يمتلك السّند أو صاحبه الرّحالة سنداً عرفوا من خلاله شجرة أنساب هؤلاء الوزراء والرّؤساء الكوريّين أو الصّينيّين فكانوا زيديّة مثلاً، أو حسب إنّ انتقال بعض الشّيعة الزّيديّة إلى منطقة التّبت يعني انتسابهم إلى زيد الشّهيد حتماً، فهذا الأمر لا يعنيني ولا يهمّني أيضاً، ولكنّ ادّعاء إنّ مثل هذا الأمر راجع إلى تخطيط أمني وسياسيّ مسبق للأئمّة الإثني عشر المعروفين “ع” هو أقرب للهلوسة منه إلى شيء آخر، خصوصاً وإنّ الموقف المروي عن الأئمّة المتوسّطين والمتأخّرين هو بالضدّ تماماً من الزّيديّة وتحرّكاتهم وثوراتهم بل عدّ بعض المتقدّمين والمتأخّرين من علماء الإثني عشريّة الزّيديّة فسقة نصّاباً أو بمنزلتهم وأفتوا بنجاستهم، #وعلى هذا الأساس ألفت عناية بعض العمائم المعنيّة في حوزة النّجف الكريمة إلى إنّ مثل هذه الطّروحات المنطلقة من رواق العتبة العلويّة الكريمة ستساهم في إخراج الشّباب العراقيّ من دين الله أفواجاً؛ وإنّ من يمسك ناصية المنبر الحسيني في ما يُصطلح عليه بالعراق الجديد هم دعاة هذا المنهج وهلوساته، ففكّروا في حلّ يُخرجكم من هذا المأزق كما تشغلون أوقاتكم الشّريفة في إنّ بداية الطّواف هل تتحقّق بأرنبة الأنف أم بمقدار من اليد مثلاً، والله من وراء القصد.
مؤسّسات المرجع الأعلى في لندن وسقوط الوعي!!
#كنت ولا زالت اتحاشى الحديث النّقدي عن الأداء التّبليغي الفاشل للمؤسّسات المرتبطة بالسيّد السّيستاني “حفظه الله” في لندن؛ لأسباب متنوّعة ومختلفة ترتبط بطبيعة الأولويّات البحثيّة والنّقديّة الّتي يهمّني قصر الانشغال في هذه المرحلة عليها، وكنت أعذر السيّد مرتضى الكشميري ـ وهو صهر المرجع الأعلى ووكيله العامّ هناك ـ في ذلك؛ نظراً لتقدّم عمره وإمكانيّاته العلميّة الّتي قد لا ترقى بكلّ تأكيد إلى تسنّم مسؤوليّة تبليغيّة كبيرة بهذا الحجم الّذي أنيطت به أو أناطها بنفسه إذا صحّ مثل هذا التّوظيف.
#ولكن بعد أن اطّلعت أخيراً على التّشكيلة الجديدة لهيئة أمناء مؤسّسة الإمام علي “ع” [وسأغضّ الطّرف مؤقّتاً عن مؤسّسة آل البيت “ع” في لندن]، وهي المؤسّسة الأمّ الّتي تشرف على بقيّة المؤسّسات والمراكز المرتبطة إداريّاً بمرجعيّة السيّد السيستاني المنتشرة لا في بريطانيا فحسب بل في عموم القارّة الأوربيّة والأمريكيّتين وربّما غيرهنّ أيضاً، قرّرت أن أعيد النّظر في هذا الإحجام، خصوصاً مع ارتفاع منسوب الفقر الثّقافي الدّيني في أوساط عموم أبناء الجالية الإثني عشريّة بمختلف صنوفها في تلك الدّول والمقاطعات، وقد نبا إلى مسامعي موثّقاً تغذّيتها من قبل معظم المنبريّين هناك بمفردات مذهبيّة متخلّفة جدّاً ترتكز على أساس حفظ لمحاضرات تخريفيّة أسطوريّة لبعض الوعّاظ والملالي في بلداننا، الأمر الّذي يكشف بوضوح عن: إنّ الحالة الثّقافيّة الدّينيّة عند معظم أبناء تلك الجالية هي صدى متأخّر جدّاً لما يتمّ تداوله عندنا في شرق المعمورة، وهو موضوع يحتاج إلى دراسة مستقلّة نعد بها في مواطن أخرى.
#وقبل أن نبدأ بذكر مبرّرات هذه النّية علينا الإلماع إلى تاريخ هذه المؤسّسة وفقاً لما تقدّمه قاعدة بيانات الـ “جارتي كمميشن [charitycommission]”، وهي الإدارة المعنيّة بتنظيم وإدارة ودعم المؤسّسات الخيريّة في المملكة المتّحدة، وهي الجهة الحكوميّة الّتي ترفع شعار الشّفافيّة الماليّة وتفرض على المؤسّسات المنتمية إليها تقديم كشوفات حساب دقيقة عن واردها وصادرها المالي، وتقوم بوضع جميع هذه الكشوفات على موقعها في الانترنت بحيث يمكن لأيّ زائر الاطّلاع عليها، وتضع علامات صفراء وحمراء وغيرها على المؤسّسات الّتي تخفق في الاستجابة لشروطها أو تتأخّر وتماطل في تقديم حساباتها، هذه الأمور الّتي تُعتبر الفصل المقوّم لمعظم المؤسّسات الإسلاميّة والإثني عشريّة في تلك البلدان للأسف الشّديد.
#في تاريخ الخامس والعشرين من آيار مايو من عام: “1999م” دُشّنت مؤسّسة الإمام عليّ “ع” في العاصمة لندن؛ لأغراض متعدّدة كان منها ـ كما كشفت قاعدة بيانات الهيئة ـ التّطوير التّعليمي والرّوحي للأفراد وفقاً للعقيدة الإثني عشريّة ورفع الفقر والمساعدة في علاج المرضى وتقديم إعانات للمحتاجين…إلخ، والمؤسف إنّها أخفقت في تطبيق أهدافها، وألغيت أو أغلقت هذه المؤسّسة رسميّاً بتاريخ السّادس عشر من يونيو حزيران من عام: “2016م”، وقبل ما يقرب من ثلاثة شهور من هذا التّاريخ سُجّلت مؤسّسة الإمام عليّ “ع” كأحد المؤسّسات الخيريّة في المملكة المتّحدة بتشكيلة أخرى وبأمناء جُدد حسب الظّاهر، وحيث إنّ المؤسّسات الجديدة لا يلزمها أن تقدّم تقريراً عن عائداتها الماليّة وكشوفات حسابها إلّا بعد عشرة شهور من نهاية الفترة الماليّة الأولى لها خلت قاعدة بيانات الهيئة عن أيّ تقارير ماليّة ترتبط بهذه المؤسّسة، والمفروض أن يصدر منهم عن قريب تقرير عن عائداتهم الماليّة وطبيعة عملهم المتطابقة مع أهدافهم، ولا أدري إن كان ذلك سيتحقّق أم سيؤدّي إخفاقهم إلى اتّخاذ القرارات القانونيّة بحقّهم، أمر نتركه للوقت، ولكن:
الّلافت في الأمر وهو الّذي دعاني إلى التّفكير في ترك الإحجام عن نقد هذه المؤسّسة هو توافر بعض الاسماء في هيئة الأمناء الجديدة لها، وقبل أن أعرض هذه الاسماء كما وردت في بيانات هيئة المؤسّسات الخيريّة في بريطانيا علي أن أشير إلى نقطة جديرة بالانتباه هي: إنّ القانون البريطاني لا يشترط في من يُرشّح اسمه كأمين أن يكون قد حصل على الإقامة أو الجنسيّة البريطانيّة، بل يمكن لأيّ شخص قد دخل للبلد ولو بتأشيرة دخول أن يكون أميناً، أمّا الاسماء فهي حسب الصيغة والتّسلسل الواردة في قاعدة البيانات آنفة الذّكر عبارة عن:
1ـ علي لعيبي جبّار.
2ـ علاء محمّد حسين أمين.
3ـ أمجد رياض [تلميذ ومقرّر بحث السيّد محمّد رضا السّيستاني ومدير مؤسّسة العين].
4ـ محمّد عامر.
5ـ منير عدنان الخبّاز. [تلميذ ومقرّر بحث السيّد السّيستاني].
6ـ سيّد رضوي [مرتضى الكشميري صهر السيّد السّيستاني].
#فإذا كنّا نعذر السيّد مرتضى الكشميري على أدائه الفاشل وتقريبه بعض الملالي والوعّاظ ممّن لا يعرف أيّ طرفيه أطول، بل وإزهاق وعي البسطاء من المحبّين لأهل البيت “ع” بإنشاء مراكز خاوية لا تفكّر بتطوير وعيهم بشكل معمّق بقدر ما تؤسّس لمرجعيّات قادمة وطُرق استحلاب مالي رهيب، فلا يمكن أن نعذر السيّد منير الخبّاز ولا الشّيخ أمجد رياض “حفظهم الله” على ذلك، ولا يمكن أن نغفر لهم الأداء التّبليغيّ السّيء جدّاً لهذه المؤسّسة والمراكز التّابعة لها فضلاً عن أدائها المالي وطريقة إدارتها، الّلهم إلّا أن يقولوا جهاراً نهاراً: لقد غُلبنا على أمرنا ووضعت اسماؤنا في قائمة الأمناء استجابة لضغوطات معيّنة، لذا نتمنّى إعلان ذلك أو إبداء خطط عمل تبليغيّة واعيّة وفاعلة تتسانخ مع مستوى الفقر الثّقافي الدّيني الموجود في تلك البلدان، مبتعدة عن طريقة المجاملات المعروفة عندنا في شرق المعمورة، كما سنشاهد مستوى الشّفافيّة الماليّة في قاعدة بيانات الهيئة آنفة الّذكر، وهي وإن كانت جزئيّة ومفلترة بطريقة احترافيّة، لكنّها قد تُسهم في انتشال واقع المؤسّسة القديم إلى واقع جديد، يبتعد عن الأنا ويفكّر بالآخر، والله من وراء القصد.
التّبعيض في النّصائح آفة خطيرة!!
#قبل أيّام وقبيل شهر رمضان المبارك تحديداً انتقد السيّد محمد رضا السيستاني بشدّة ممارسات طلاب الحوزة النجفية المنافية لقدويّتهم وأسويّتهم بين النّاس، وحثّ ـ كما هو مبنى والده الظّاهري “حفظه الله” ـ على ضرورة أن يتحلّى طلّاب الحوزة بحياة التّواضع وجشوبة العيش ويبتعدوا عن الدّعة والارستقراطيّة؛ لأنّ هذا هو الّذي يعمّق الدّين في قلوب غالب النّاس وليس الدّليل، ومع فقدانه “نجد قسماً متزايداً من شبابنا الأعزاء يتّجهون نحو الأفكار المناهضة للدّين الحنيف والعقيدة الصّحيحة، والسبب الرئيس في ذلك هو سوء أداء من ادّعوا التّديّن، وتسنّموا المناصب والمواقع، وفشلوا في أداء مهامّهم، بل أفسدوا فساداً كبيراً”.
#وعطف كلامه منتقداً صنفاً من رجال الدّين ممّن “يبنون بيوتاً فخمة أو يركبون سيّارات فارهة أو يشترون أمتعة وبضائع راقية بمشهد ومرأى من الطّبقات المحرومة من المجتمع”؛ فإنّ هذا الأمر سيكون له تأثيراً سيّئاً للغاية على موقع الدّين في نفوس النّاس وليس على مكانة نفس رجل الدّين؛ كما شدّد النّكير بحزم على ما يُحكى له من انسياق طلّاب الحوزة الشّباب وراء الزّواج المؤقّت “المتعة”، وعدّ هذا الأمر مؤسفاً جدّاً؛ لما فيه من ضرر بالغ على سمعة الحوزة لدى الآخرين، مستشهداً برواية ضعيفة السّند جدّاً وفقاً لمختاره، استظهر منها الحكم الولائي تتضمّن تحريم الصّادق “ع” المتعة على بعض أصحابه؛ لأنّه يخاف أن يؤخذا فيضربا ويُشهّر بهما، فيقال: هؤلاء أصحاب جعفر، وعمّم ملاك التّحريم إلى طلّاب الحوزة أيضاً!! وختم كلامه أخيراً بالقول: «يجدر بمن لا يجد في نفسه القدرة على تحمل المتاعب والمصاعب أو لا يتمكّن من ضبط نفسه والصمود أمام المغريات، أو لا يتيسر له ضبط أفراد عائلته والحدّ من تصرفاتهم غير المناسبة لشأن عوائل الحوزويين، أن يسلك طريقاً آخر في هذه الحياة».
#وفي الوقت الّذي أحيّي فيه هذه الجرأة والاهتمام بالشأن الحوزويّ، وأسأله تعالى أن يوفّقه لما فيه الخير وصلاح الحوزة، لكنّي أشعر بالقرف حينما ألاحظ تبعيضاً فاضحاً في تقديم النّصائح، من هنا أجد من الّلازم أن أعلّق على كلامه “حفظه الله” بتعليقات عاجلة:
#التعليق الأوّل: كنت أتمنّى على سماحته أن يعمّم هذه النّصائح على وكلاء ومعتمدي السيد الوالد في مختلف بقاع العالم دون انتقاء وتبعيض، بل وعلى من هو في بطانته وعنايته من الأساتذة والفضلاء الكرام؛ ممّن يمتلكون البيوت والسيّارات الفارهة في النّجف وغيرها، ويذهبون للتّبضع السّنوي إلى الدّيار المقدّسة، وبحصص المساكين من أبناء الشّعب العراقي.
#التّعليق الثّاني: كنت أتمنّى عليه أيضاً أن يترجم هذه النّصائح عمليّاً ليمنع من صرف رؤوس الأموال الكبيرة والضّخمة من الأخماس والأثلاث وغيرها على مشاريع مرجعيّة مستقبليّة، وبناء مدراس ومؤسّسات فارغة وإقامة مؤتمرات فاشلة، ومُدن سياحيّة ومذابح وغيرها، ممّا له الأثر الكبير في اشمئزاز النّاس من الدّين ودعاته أكبر من تمتّع طالب الحوزة.
#التّعليق الثّالث: كان بودّي أن أذكّر سماحته بالوكالة الّتي أصدرها سماحة السيّد الوالد “حفظه الله” بعد تسعة أيّام من وفاة المرحوم الخوئي لنجل الأخير، والّتي لولاها لما تعرّضت سمعة الحوزة العلميّة في النّجف إلى طعنة عميقة جدّاً لم تتعاف منها حتّى الّلحظة، وذهبت بسببها أموال المرجعيّة الطّائلة إلى فلان وفلان تحت ذرائع سيطول وقوف من كان سببها يوم القيامة، وفي هذا السّياق رأينا كيف إنّ سماحة السّيّد المتحدّث والّذي ينتقد دعة العيش لبعض طلّاب الحوزة كيف شارك في حفل افتتاح مدارس ضخمة تُكرّس لأمثال هذه الظّواهر بقوّة؛ في سياق موبقة التّوازنات الحوزويّة سيّئة الصّيت.
#التّعليق الرّابع: إنّ التّحريم الصادر من الصّادق “ع” بناءً على ثبوته لا يرتبط بالمتعة باعتبارها متنفساً جنسياً حصرياً لمن يحتاجها، بل لكونها تُعدّ من السّفاح عند عموم المسلمين في ذلك الوقت ولا زالت أيضاً، ولا شكّ إنّ ممارسة أحد من المحسوبين عليه لها ستؤدّي إلى تعميق الهوّة بينهم وبين عموم المسلمين، ولا يعني ذلك إغلاق أصل هذا المتنفّس من قنوات أخرى لها نفس السّمعة السّيئة في واقعنا المعاصر، وإلّا لكان على نفس الصّادق “ع” أن لا يستخفّ بعض جواريه فتصعد الغيرة عند زوجته فتحلق شعرها، وأن لا يقصر معظم ولده من بعده استيفاء حاجاتهم الطّبيعيّة على التّسرّي بالجواري والإماء؛ لأنّ مجرّد سماع عموم الإثني عشريّة المعاصرين بذلك يوجب سخطاً على الدّين ودعاته وممثّليه؛ لذا نسمع من هنا وهناك نصائح بعدم نشر ذلك.
#التّعليق الخامس: إنّ النّظرة السّلبيّة والسّوداويّة للزّواج المؤقّت وعدّه أشبه بالسّفاح لا يختصّ بغير الإثني عشريّة من الفرق الإسلاميّة، بل هي كذلك حتّى في عموم الأوساط الإثني عشريّة؛ وبالتّالي فدعوى تحريمها ولائيّاً انتقائيّاً استناداً إلى هذه النّصوص الضّعيفة لا يحمل براءة نيّة على الإطلاق، وعلينا بغية براءة الذّمة أن نذهب صوب الأساسات الكلاميّة والفقهيّة لدعاتها لتفحّص الحال.
#التّعليق السّادس: لعلّ ظرافة مرتكزات هذه النّصوص تتجلّى حينما نقرأ ما رواه شيخ المحدّثين الإثني عشريّة المجلسيّ “الإبن” حينما نقل قولاً عن جماعة من أصحابنا على حدّ تعبيره مفاده: إنّ العلّة في نهي الصّادق “ع” عن المتعة في الحرمين أنّ أبان بن تغلب كان أحد رجاله ورواة حديثه “ع”، فتزوّج أمرأة بمكّة وكان كثير المال، فخدعته المرأة حتّى أدخلته صندوقاً ثمّ بعثت إلى الحمّالين فحملوه إلى باب الصّفا وقالوا له هناك: يا أبان هذا باب الصّفا، ونريد أن ننادي عليك: هذا أبان بن تغلب أراد أن يفجر بإمرأة!! فافتدى نفسه بعشرة آلاف درهم، وحينما بلغ ذلك الصّادق “ع” قال لهم: وهبوها لي في الحرمين، أي أتركوا المتعة في الحرمين لأجلي [بحار الأنوار: ج100، ص311]. وهذا يعني: إنّ المساومة على هذه الأمور وفضح النّاس ليست وليدة للتّكنولوجيا المعاصرة كما يتوهّم الواهمون؛ بل لها جذور إسلاميّة تضرب في العمق للأسف الشّديد.
#وأخيراً أدعو سماحته كما دعا الآخرين أيضاً: إذا كنتم غير قادرين على السّيطرة على أداء ممثّليكم ووكلائكم ومعتمديكم ومن هو في بطانتكم، فعليكم أن تتركوا أمر المرجعيّة لغيركم ممّن هو قادر على ذلك؛ فجشوبة العيش ليست أن لا تمتلك بيتاً أو سيّارة فارهتين باسمك في العقار أو المرور، بل أن لا تكون جميع هذه الأمور رهن إشارتك وتحت تصرّفك وبدون حواجز أو قيود… وإذا مرضت فهو يشفين، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#حوزويّات
دور الحوزة ودور الحوزويّين!!
#مشكلتنا ـ نحن الحوزويّين ـ إنّنا نحسب إنّا نقدّم حلولاٍ دينيّة خالصة للنّاس لكن حقيقة هذه الحلول وواقعها ومآلها هي: توفير وظائف معيشيّة دائميّة لنا؛ فنعمد إلى تثقيف النّاس ثقافة مركّزة تقرّر إنّ أحياء أمر أهل البيت “ع” لا يتمّ من خلال إقامة مجالس عزاء عليهم، ونحن والنّاس نعلم: إنّ إقامة هذه المجالس لن تكون دون واعظ وخطيب منّا يتقاضى أتعابه منهم!! كما نوجب على عموم النّاس التّقليد في مسائلهم العباديّة وربّما غيرها ونقرّر إنّ عمل العامّي بلا تقليد باطل، ونحن والنّاس نعلم: إنّ التّقليد بصيغته المعاصرة والمتداولة لن يكون إلّا من خلال عنوان المرجعيّة، وهو عنوان يستلزم تشكيلات طويلة عريضة وموظّفين في أقسام مختلفة، وبدهيّ إنّ عموم هذه التشكيلات والوظائف تتقاضى أموالها المباشرة من حقوق النّاس أيضاً!!
#ولكي لا نستغرق طويلاً في ذكر الأمثلة علينا أن نعرف: إنّنا كحوزويّين لا يمكن لنا أن نمارس دورنا الحقيقيّ بين النّاس وفاعليّتنا وتأثيرنا المطلوب إلّا إذا قدّمنا لهم حلولاً دون مقابل مالي أو وظيفي #منهم حتّى ولو لم نقصد ذلك، وحينذاك سنقتفي سيرة الأنبياء ونخاطب النّاس قائلين: «فما سألتكم من أجر؛ إن أجري إلّا على الله، وأمرت أن أكون من المسلمين»، والله من وراء القصد.
النزاهة الماليّة لمكاتب المرجعيّات!!
#لو طلبنا من مؤسّسات النّزاهة الدّوليّة المحايدة أن تقيّم النّزاهة والشّفافيّة الماليّة في مكاتب مراجعنا الكرام والمؤسّسات والتّشكيلات والبعثات والوكالات… إلخ التّابعة لها فلا شكّ لديّ بأنّها ستحكم بكونها واحدة من أكبر المؤسّسات العالميّة فساداً؛ وذلك لأنّ الوارد المالي لهذه المكاتب والمؤسّسات والتّشكيلات والبعثات والوكالات يستند في معظمه إلى الخمس الشّيعي “= فاضل المؤونة وخمس الأرباح” ، والمؤسف إنّ صرف هذا الّلون من الخمس لا يخضع إلى ضابطة فقهيّة شفّافة جليّة واضحة منقّطة ولو في خصوص نصفه؛ وإنّما ابتدع متأخّرو الفقهاء من ضيق الخناق مخرجاً لاستلامه وتسلميه أطلقوا عليها: “رضا الإمام”.
#ومن الواضح: إنّ هذا الضّابطة نسبيّة تختلف من مرجع إلى آخر نظراً لأفق المرجع وتربيته المذهبيّة والمجتمعيّة والأسريّة؛ فهذا المرجع يعتقد إنّ فتح قناة لذكر مقامات أهل البيت وندبتهم “ع” ليل نهار هو من أفضل موارد إحراز رضا الإمام، وذاك المرجع يعتقد إنّ صنع دبّابة لمقاومة الحركات السّلفيّة هو من أفضل مصاديق إحراز رضا الإمام، وغيرهم من المراجع يعتقد إنّ إحراز هذا الرّضا لا يتمّ إلّا من خلال كتابة وطباعة ونشر آلاف الكتب الفقهيّة والأصوليّة، وآخرون يوظّفونها كميزانيّة تشغيليّة لطّلاب الحوزة بما فيهم العطّال البطّال، ويميل قسم إلى استثمارها والاستفادة من ريعها لبناء وتعميد مرجعيّتهم أو ادّخارها لورثته المتدّينين، وهكذا تتوزّع الأمور ولا نريد الحصر.
#نعم؛ لا تذهب بك المذاهب وتبادر لاتّهامي كعادتك بأنواع الاتّهامات؛ وذلك لأنّي اتحدّث عن مؤسّسات النّزاهة الدّوليّة المحايدة واشتراطاتها وشفّافيّتها المعروفة، لا عن مؤسّسة نزاهة الفقهاء واستظهاراتهم المتداولة من النّصوص الرّوائيّة الصّادرة لظروفها؛ فالأولى لا تتستّر بالدّين، والثّانية تلتحف بالدّين… ومن هنا تمنّينا كغيرنا أن يُصار إلى تأسيس نظام مالي مرجعي شفّاف وواضح لكي نتمكّن من دعوة الأحزاب السّياسيّة ووعظهم بضرورة مراعاة النّزاهة والشّفافيّة ونذكّرهم بأيّام الله، أمّا أن تكون علينا مباحة تحت مسمّيات وعناوين مختلفة وعلى غيرنا محرّمة فهذه قسمة ضيزى، والله من وراء القصد.
لماذا النّقد للمرجعيّة؟!
#ثمّة أسئلة يطرحها كثير من الأصدقاء والمحبّين في هذه الصفحة وغيرها عن سبب هذا النّقد المتواصل للمرجعيّة الشّيعيّة، وما هي مبرّرات ذلك، وهل هو من المصلحة في ظلّ ما تشهده السّاحة من انتشار لظواهر الإلحاد والتّمرّد على المقولات الدّينيّة [وكأنّ نقد المرجعيّة هو سبب ذلك]؟!
#أجبت عن هذا السؤال مرّات ومرّات، ولكنّي سأترك المجال اليوم للمرحوم محمد مهدي الآصفي ليجيبهم على هذا السّؤال آملاً أن تكون إجابته نهاية لمثل هذه الأسئلة الّتي أصبح تكرارها مُملّاً في أغلب الأحيان، وإن كان لديهم اعتراض فليوجّهوه إليه “رحمه الله” الّذي لا يشكّ أحد في نزاهته وطهارته وورعه وتديّنه وحرصه أيضاً؛ حيث قال في مطلع مقال له حمل عنوان: «المرجعيّة الدّينيّة أفكار وتصوّرات» نُشر في مجلّة الفكر الجّديد الصّادرة من دار الإسلام في لندن للسيّد حسين الشّامي عام: “1992م”:
«المرجعيّة الدّينيّة عند الشّيعة كيان فقهي وسياسي كبير، يحتلّ من حياتنا السياسيّة والدّينيّة مساحة واسعة جدّاً يرتبط بها الجّمهور بأوثق العلاقات وأمتنها، وتكتسب تعليمات المرجعيّة بالنسبة للفرد الشّيعي صفة الأمر والحكم الشّرعي الملزم دينيّاً ولا يجوز التّخلّف عنه ومخالفته. وليس من شكّ أنّ كياناً دينيّاً سياسيّاً بمثل هذا الموقع الحسّاس والقيمة الكبيرة والنّفوذ والتأثير في حياة الجّماهير لابدّ أن يكون من حيث التّنظيم والإدارة والفعل بمستوى طموح الجّماهير وثقتها، وليس من شكّ إنّها لم تحقّق هذا الطّموح بعد، وإنّ النّقد البنّاء والموجّه هو الأداة المفضّلة لتقويم دور المرجعيّة وتسديدها وترشيدها وتصعيد دورها في حياة الأمّة، وتمكينها من أداء رسالتها بصورة أفضل».
#نعم؛ قد تختلف آليّات النّقد ومساراته تبعاً لقناعات الباحث وتصوّراته الموضوعيّة والمبرهنة؛ فالمهمّ هو البقاء في دائرة النّقد المشروع ما دامت جميع الأطراف المنقودة تمارس ما يحلو لها تحت شمّاعة المشروع أيضاً.