واحدة من أهمّ آثار وثمار ما نعمد على طرحه من إثارات وبحوث هي: أنّها جعلت بعض السّادة والمشايخ [الّذين يتعاطون إلقاء البحوث الدّينيّة والمذهبيّة على مخاطبيهم أو التّصنيف فيها بغية تعميق إيمان هؤلاء وتلقينهم حقّانيّة المقولات العقديّة والفقهيّة الّتي ولدوا عليها] يشعرون بحالة من الحرج والتّناقض الشّديد ولو في بواطنهم ووجداناتهم: بين ما يطرحونه لسواد مخاطبيهم ومن يصغون إليهم ويتأثّرون بهم [والّذين يسمّونهم عوام النّاس وحتّى بعض من يُسمّى بخواصّهم أيضاً]، وما بين الحقيقة المطروحة في هذا المكان ومن أصحّ الكتب المعتبرة، حيث الفاصلة الكبيرة الّتي تصل لحدّ التّقاطع التّام بين طروحاتهم وبين الحقائق العلميّة والأخلاقيّة.
ولا شكّ في أنّ هذه الهوّة ستزداد يوماً بعد يوم كلّما اكتشفوا الحقيقة أو اقتربوا منها، وكلّما عادوا لوجداناتهم الأخلاقيّة وضمائرهم الإنسانيّة، لا سيّما إذا واجهوا سيلاً من الأسئلة البريئة المحرجة من محيطهم ومقرّبيهم ولات حين مناص.
واعلم أنّ هذه الغنيمة لوحدها كافية في تحقيق المُراد؛ حيث سيشعرون عاجلاً أم آجلاً أنّهم يُظهرون غير ما يُبطنون، ويحسّنون القبيح ويُقبّحون الحسن، مهما برّروا لأنفسهم شرعيّة وحليّة واستحباب بل ووجوب ذلك؛ فالنّفاق مهما جمّلناه ووضعنا على مفرق رأسه أكاليل من الزّهور سيبقى نفاقاً، والقبيح مهما زوّقناه بمختلف الحيل والعناوين الثّانويّة سيبقى قبيحاً، ورعاية المصالح الشّخصيّة أمر مشروع لكن ضمن الطّرق المعتبرة أخلاقيّاً وليس على أساس تزييف الأخلاق وسحقها بمسميّات دينيّة ومذهبيّة، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.