الإسلام الحركي الثّـ.وري الإخـ.واني عند المرحوم الخوئي قبل تسنّمه المرجعيّة العليا!!

الإسلام الحركي الثّـ.وري الإخـ.واني عند المرحوم الخوئي قبل تسنّمه المرجعيّة العليا!!
تحفّظات المرحوم محمّد الصّدر على ابن عمّه وأستاذه المرحوم محمّد باقر الصّدر في خصوص المواجهة والعمل خلاف التقيّة، لكنّه وقع أخيراً فيما تحفّظ عليه!!
https://www.facebook.com/100003369991996/videos/3702824656506498/
لم نجن كعراقيّين من مقتل واستشهاد المرحوم محمّد باقر الصّدر غير العذابات والإعدامات والسّجون والتّهجير والتّشريد والأرامل واليتامى بما لا يمكن عدّه، وليته حفظ لنا نفسه وروحه وقلمه وفكره وابتعد عن المواجهة الخاسرة الّتي خلّفت ما خلّفت من مآسي لا زلنا نعيشها هي أو آثارها حتّى اليوم؛ فحتّى الحسين بن عليّ نفسه كان قد دخل في مفاوضات مارثونيّة طويلة حتّى آخر ليلة من حياته في سبيل الابتعاد عن إراقة قطرة دم واحدة، لكنّ عشّاق الدّم حالوا دون ذلك… رحم الله الشّهيد برحمته، ومنح ذويه ومحبّيه وعشّاقه الصّبر والسّلوان، ورفع درجاته في علّيين، وهو من وراء القصد.
اقترح على جميع المتابعين من داخل المحيط الاجتماعي العراقي الاثني عشريّ ـ بمختلف توجّهاتهم واهتماماتهم الدّينيّة ـ الإصغاء إلى هذا المقطع بعناية؛ ليروا جزءاً يسيراً من مأساتنا العراقيّة الحاضرة، وليفهم من يفهم، والله من وراء القصد.
https://www.facebook.com/100003369991996/videos/3563350777120554/
#كان المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر ينصّ بكلّ أريحيّة في مجلس درسه الفقهي أُخريات حياته على أنّه ضعيف الاطّلاع على فقه أهل السُنّة، وهذه شجاعة منه قد لا تجدها في الأوساط الحوزويّة المنتفخة إلّا نادراً.
#وهنا تبرز ملاحظة: فقد يكون عدم الاطّلاع على تفاصيل البحث الفقهي السُنّي طبيعيّاً ومعقولاً أيضاً، لكن أن يصل به عدم المعرفة بفقه أهل السُنّة إلى حدّ بحيث يصرّح في دروسه في أبحاث الخارج الفقهي والّتي عدّها أحد أهمّ كواشف أعلميّته: بأنّه لا يعلم إن كان العامّة كلّهم يحذفون حيّ على خير العمل أو بعضهم؛ ويدّعي أنّ الشّافعي ربّما يؤمن بجزئيّتها في الأذان استناداً إلى نقل خاطئ يتحمّل هو مسؤوليّته فهذا هو العجب العجاب!!
#وقبل أن أبدأ باستعراض الأسباب المفجعة الّتي دعت المرحوم الشّهيد إلى طرح مثل هذا الاحتمال يحسن بي أن أؤكّد على أنّ تفرّد الإماميّة الاثني عشريّة ـ وربّما بعض الفرق الشّيعيّة ـ بهذه الإضافة بخصوصها مسألة إجماعيّة مسلّمة فقهيّاً، ويُفترض بأيّ طالب محصّل أن يعرفها فكيف بمن يدّعي الأعلميّة على عموم مجايليه وأساتذته الأموات أيضاً، وهي مسألة مبثوثة في التّراث الرّوائي والفقهي بوفرة أيضاً، ولهذا قال السيّد المرتضى المتوفّى سنة: “436هـ” في كتابه الانتصار: «ومّما انفردت به الإمامية: أن تقول في الأذان والإقامة بعد قول: حيّ على الفلاح: “حي على خير العمل. والوجه في ذلك: إجماع الفرقة المحقة عليه. وقد روت العامة أنّ ذلك مّما كان يُقال في بعض أيام النّبي “ص”، وإنّما ادّعي أنّ ذلك نُسخ ورُفع، وعلى من ادعى النّسخ الدّلالة، وما يجدها». [ص63].
#وربّما تُلقن أو ينقدح في ذهنك خطأً فتقول: ربّما يكون مقصود الرّاحل الشّهيد الإشارة إلى ما ذكرته بعض كتب الزّيديّة المتأخّرة من أنّ القول بإثبات حيّ على خير العمل في الأذان هو أحد قولي الشّافعي، وبالتّالي: فالرّاحل الشّهيد كان ناظراً لها حينما ذكر أنّ الشّافعي ربما يتبنّى القول بجزئيّة هذه الفقرة من الأذان!!
#والجواب: كنت سأبتهج لو كان حجم تتبّع الرّاحل الشّهيد إلى هذا الحدّ والمستوى، وابتهج أيضاً إذا ما كان يمتلك كتب الزّيديّة ويُراجعها، ولكنّ الأمر ليس كذلك جزماً وقطعاً وحتماً، مضافاً إلى أنّ مثل هذه النّسبة للشّافعي لا تصحّ بالمطلق، ولا تحمل كتبهم أيّ شيء من هذا القبيل، وما جاء في البحر الزخّار والاعتصام بحبل الله خطأ كما نبّه لذلك الشّوكاني المتوفّى سنة: “1255هـ” في نيل الأوطار. [راجع في هذا الصّدد: نيل الأوطار: ج2، ص46، ط دار الحديث].
#وقد تسأل وتقول: إذا لم يكن الأمر كذلك فما هي الأسباب الّتي تدعو الرّاحل الشّهيد إلى ارتكاب مثل هذا الخطأ الواضح وهو يدرّس دروس الخارج الفقهيّة؟!
#والحقيقة: إنّ الّذي دعا الرّاحل الشّهيد لذلك هو خطأ نقله وقراءته لعبارة الأغا رضا الهمداني صاحب مصباح الفقيه المتوفّى سنة: “1322هـ” الشّارحة لعبارة المحقّق الحلّي المتوفّى سنة: “676هـ” في كتابه الشّهير شرائع الإسلام؛ وذلك لأنّ الأخير بعد أن نصّ في المسألة الخامسة من أحكام الأذان على أنّه: «يُكره للمؤذّن أن يلتفت يميناً وشمالاً»، أضاف الهمداني في شرحها عباراته المزجيّة المعروفة والّتي وردت في كلمات من سبقه من الفقهاء أيضاً فقال: «كما صرّح به غير واحد، بل عن التّذكرة [للعلّامة الحلّي] نسبته إلى علمائنا، خلافاً للمحكيّ عن الشّافعي، فيستحبّ أن يلتفت يميناً إذا قال: حيّ على الصّلاة، ويساراً إذا قال: حيّ على الفلاح». [مصباح الفقيه: ص229، حجري؛ ج11، ص365ـ366، ط المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التّراث].
#وبعد أن قرأ المرحوم الشّهيد هذه العبارة في مجلس درسه أقدم على استبدال العبارة المحكيّة عن الشّافعي: “ويساراً إذا قال حيّ على الفلاح” بعبارة: “ويساراً إذا قال: حيّ على خير العمل”، وبعد أن كرّرها مرّتين بشكل خاطئ نصّ على أنّ هذا النّص ألفته وأثار انتباهه؛ إذ معنى ذلك أنّ الشّافعي يرى جزئيّة حيّ على خير العمل في الأذان!! لكنّ قرّر بعدها أنّه ضعيف الاطّلاع على فقه السُنّة!!
#وإذا أردنا أن نوجّه الأسباب المحتملة الّتي تقف وراء قيام الرّاحل الشّهيد بتغيير عبارة مصباح الفقيه بهذا الشّكل الخاطئ نقول: يبدو أنّه “رحمه الله” كان قد عمد إلى نقل العبارة من مصباح الفقيه إلى مدوّناته الّتي يقرأ فيها في مجلس درسه وصار لديه سبق في التّدوين انسياقاً مع ما ركز في ذهنه خطأً، ولكنّ هذا الأمر ـ ولو بوقوعه أيضاً ـ لا يبرّر لمن هو في وزن مدّعياته ألّا يلتفت إلى مثل هذه المسألة البسيطة، خصوصاً وهي من أوليّات الفقه والمذهب، على أنّ حكاية قرب الفقه الشّافعي من الفقه الاثني عشريّ لا ينبغي صدورها ممّن هو دونه فكيف بمن هو بحجم مدّعياته!!
#أسأل الله تعالى أن يرحم الرّاحل الشّهيد برحمته الواسعة، وأن يُسكنه فسيح جنانه، وأن يمنّ على العلم برجالٍ لا تأخذهم في تشييد قواعده وأساساته لومة لائم، إنّه سميع مجيب، وهو دائماً من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#رافقت تصدّي الرّاحل الشّهيد محمّد الصّدر للمرجعيّة أخطارٌ شديدة لا زالت الحوزة النّجفيّة بوجودها الواقعي تنوء بها منذ تسعينيّات القرن المنصرم؛ إذ سعى الرّاحل الشّهيد سعياً حثيثاً وشديداً لزيادة أعداد المعمّمين كمّاً لا كيفاً، ومنحهم مسؤوليّات إجرائيّة وتنفيذيّة وعلميّة؛ انسياقاً مع تصوّراته وقناعاته الّتي ترى ضرورة الإبقاء على عنوان الحوزة حتّى لو كان ذلك عن طريق المثل العراقيّ المعروف: “من قلّة الخيل شدّوا… إلخ”.
#ولهذا ـ وربّما لغيره ـ زحفت أعداد كبيرة من محبّيه نحو الدّراسات الحوزويّة، وتلقّت الدّراسة على طريقة “شلّه وأعبر” وفق برنامج الوجبات السّريعة الّذي كتبه بنفسه وأكد عليه لتخريج مجتهدين وأساتذة، فكانت معاناة الحوزة في ظلّ تلك الظّروف الخانقة أشدّ وأمرّ، وازدادت الأمور سوءاً وضراوةً حينما رحل “رحمه الله” عن هذه الدّنيا مبكّراً بسبب إخلاصه وحرصه وتفانيه، فتحمّل هذا الجيل من معمّمي الوجبات السّريعة مسؤوليّة إخراج جيل حوزويّ تكوّن على طريقة تكوينهم نفسها، وأخذ يفكّر بأفقهم وأدواتهم أيضاً.
#على أنّي: لا أريد أن اتحدّث عن الاستثناءات والنّوادر الّذين كان همّهم العلم وسعوا جاهدين لتطوير لياقاتهم وقابليّاتهم وتكثيف جهودهم الدّراسيّة بعد شهادة المرحوم؛ فهؤلاء نوادر وينبغي أن يتفهّموا كلامي جيدّاً ويخرجوا أنفسهم من مقاصده، لكنّي اتحدّث عن ظاهرة معروفة لا تخفى على ذي مسكة.
#ينبغي عليّ أن أؤكّد على أنّ جملة معتدّ بها ممّن تكوّن في تلك المرحلة شكّل ولا زال يشكّل عبئاً كبيراً وعقبة كؤوداً في طريق العلم والدّراسات الحوزويّة؛ إذ لم يتذوّقوا طعم العلم في يوم ما سوى فتات هنا أو هناك، وجعلوا أفقهم العلمي ومطمح آمالهم ورؤاهم هو ما دون أفق المرحوم الشّهيد بمراتب، ولهذا كانوا ولا زالوا يعتقدون أن سماحته نهاية العلم، ولم يسمحوا لأنفسهم أن يفكّروا ـ ولو لهنيئة ـ بوجود علم عند غيره، بل راح بعضهم يحسب أنّ العلم انتهى بموته وفقدانه!! وهكذا حتّى جاءت السّياسة فلعبت لعبتها، واستغلّ بعضهم ظروفها فطرح مرجعيّته، فاستحكمت العسكرة وتسيّد الجهل.
#وفي ظلّ هذه الظّلاميّة والخيبة الشّديدة رأينا أنّ أفضل طريق يمكن من خلاله فتح كوّة صغيرة في دهليز الّلا نور هو: أن نبادر لعلاج الصّدمة من خلال استعراض تراث الرّاحل الشّهيد أمام الملأ ورؤية حجم الكوارث و “الطّراگيع” الكارثيّة فيه؛ عسى أن يستفيق هؤلاء ويميّزوا بين مقام الإخلاص والحرص والتّفاني وطيبة القلب الّتي كانت لدى الرّاحل الشّهيد، وبين مقام العلم والفقاهة المدّعى له، وأنّ ثبوت أحدهما لا يعني ثبوت الآخر بالضّرورة، ولا ملازمة بينهما على الإطلاق، وقيمة كلّ شيء بدليله، ومن غير هذا التّمييز سنكتب نهايتنا العلميّة بأنفسنا، فليّتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_ العسر
#من أسوأ القواعد المعرفيّة توظيفاً عند المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر هي قاعدة: “إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال”؛ إذ أغرق الرّجل ـ في عموم بحوثه تقريباً ـ إغراقاً كبيراً في توظيفها توظيفات باطلة وواضحة الفساد جدّاً، وفي مواطن لا علاقة لها بها بالمرّة، وانعكس ذلك على شريحة واسعة من أتباعه وأنصاره المهتمّين بالدّراسات الدّينيّة؛ وذلك لأنّ هذه القاعدة تتحدّث عن الاحتمالات العقليّة الحقيقيّة الّتي تمنع من تكوين مقدّمات الدّليل كيفاً وكمّاً بحيث تمنع من الوصول إلى مرحلة الاستنتاج والاستدلال، وليس في مواطن الاستظهارات وفهم النّصوص الّتي هي موضوع الحجيّة بمعنى المنجزيّة والمعذّريّة.
#ولو صحّ توظيفها في ميادين أخرى عنايةً ومجازاً فليس المقصود من الاحتمال الدّافع للاستدلال هو الاحتمال الفرضي والوهمي النّاتج من تخيّلات الشّخص وعنديّاته غير المبرهنة، وإنّما الاحتمال المعقول والمنطقيّ والمبرّر والمتسانخ مع طبيعة معطيات الحقل المعرفي الّذي يُراد استخدام هذه القاعدة فيه، وهذا من الواضحات.
ولهذا قال الميرزا القمّي صاحب القوانين المتوفّى سنة: “1231هـ” وهو يتحدّث عن قانون الاجتهاد ومواصفات الملكة المستقيمة وحاملها: «ومنها: أن لا يكثر من التّوجيه والتّأويل، ولا يعوّد نفسه بذلك؛ فإنّه ربّما يجعل بذلك الاحتمال البعيد من الظّواهر لأُنسه بذلك، فإنّ للأنس بكلّ طريقة أثراً بيّناً في إذلال الذّهن و إضلال الفكر عن الصّراط السّوي، ومن جملة ذلك الأنس بطريقة الحكمة والرّياضيّ والنّحو وغير ذلك؛ فإنّ طريقة فهم هذه العلوم مباينة لفهم الفقه، فربّما رأينا بعضهم يقول في القدح في بعض الأدلّة الفقهيّة: يحتمل أن يكون المراد منه كذا، فإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال، و أنت خبير بأنّ الفقه أكثره ظنيّ وأدلّتها ظنيّة، ومعنى الظنّ قيام الاحتمال، فبذلك لا ينتظم أساس فقه هؤلاء لتكثيرهم الاحتمال وإبطالهم الاستدلال». [القوانين في الأصول: ص237، ط حجريّة؛ ج3ـ4، ص509ـ510، ط دار المحجّة].
#أتمنّى على عموم محبّيه وأنصاره خصوصاً من رجال الدّين أن يبتعدوا عن توظيف هذه القاعدة توظيفات خاطئة ومبالغ فيها خصوصاً في ميادين الظّواهر وفهم النّصوص، وأن يقفوا على مواطن استخدامها الصّحيحة والسّليمة، ومن غير ذلك سيقعون في مطبّات معرفيّة لا تحمد عقباها، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#في أثناء بحث يُسمّى عندهم: “التوصّلي والتعبّدي” طرح الأصوليّ الإثنا عشريّ الشّهير المرحوم محمّد حسين النّائيني المتوفّى سنة: “1355هـ” تحقيقاً صناعيّاً نابهاً تحدّث فيه عن النّسبة المنطقيّة الثّبوتيّة بين الإطلاق والتّقييد واختار كونها من صنف العدم والملكة، وإنّما ذكره هناك ـ ولم ينتظر حتّى حلول أبحاث المُطلق والمقيّد ـ لحاجة فنيّة ترتبط بتصحيح بعض الفروض المطروحة في بحث التعبّدي والتوصّلي، ورتّب على أساس ذلك بعض النّتائج أيضاً، وقد كان لمقرّر بحثه المرحوم الخوئي المتوفّى سنة: “1413هـ” حاشية نقديّة مفصّلة هناك فراجع ولاحظ. [أجود التّقريرات: ج1، ص103، ص113، ط مصطفوي؛ ج1، ص156، 169 ، ط مؤسسة صاحب الأمر].
#وبعد وضوح هذه المقدّمة البسيطة أقول: الّلافت والغريب جدّاً أنّ المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر والّذي ادّعى الأعلميّة على عموم مجايليه بما فيهم أساتذته الأموات أيضاً، والّذي جعل مقياس أعلميّته هو التسلّط والإحاطة بعلم الأصول كذلك، تحدّث بحديث لا يكشف عن عدم أعلميّته فقط، بل يكشف عن فقدانه ما هو دونها بمراتب كثيرة أيضاً، وإليك شرح ذلك:
#بعد أن عرض المرحوم الخوئي ـ وهو يتحدّث في مبحث الترتّب ـ مختار أستاذه المرحوم النّائيني من دخول صورة تزاحم الواجب الموسّع والمضيّق تحت باب التّزاحم، قرّر هناك بأنّ هذا المآل سببه ما حقّقه أستاذنا النّائيني في بحث التعبّدي والتوصّلي من أنّ النّسبة بين الإطلاق والتّقييد هي نسبة العدم والملكة، ومن الواضح: أنّ الخوئي يُشير إلى ما قرّره بقلمه لأبحاث أستاذه النّائيني والّذي طبعه في كتاب أجود التّقريرات. [محاضرات في أصول الفقه: ج3، ص92، ط النّجف].
#لكنّ المفجع والمفزع: أنّ المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر ـ وهو يحاضر دروس الخارج الاستدلاليّ في علم الأصول ـ بادر لتسجيل ملاحظته الأولى على كلام المرحوم الخوئي أعلاه قائلاً ما نصّه: «الكلام عن الإطلاق والتقييد إنما يكون أساساً ويُحقق أساساً في مبحث الإطلاق والتّقييد وليس في مبحث التّعبدي والتوصّلي، فقوله [أي الخوئي]: “كما حقّقه في مبحث التوصّلي والتعبّدي” لعله سهو منه؛ وإلّا ففي الفصول الأخرى غير الفصل الأساسيّ الّذي يُحقّق فيه يُذكر ويُشار ويُبنى على صحّته صرفاً ليس إلّا، أمّا أن يُستدلّ عليه ويُحقّق في غير محلّه وهو مبحث التّعبّديّ والتّوصّلي فهذا ليس بصحيح أكيداً». [دروسه في بحث الخارج الأصولي].
#ولم يكتف الصّدر بذلك، بل زاد في شناعة قوله وغرابته زيادة كارثيّة أيضاً حينما قال: «لقد مررنا ببحث التعبّدي والتوصّلي ولم يصدف أن وجدنا استدلالاً فيه على أنّ النّسبة بين الإطلاق والتّقييد هي نسبة العدم والملكة، وإنّما يُحوّل دائماً على المكان الأصلي الّذي هو باب الإطلاق والتّقييد»، وكأن سماحته نسي ما ذكره في الجزء الرّابع من منهج الأصول من إشارات لهذا الموضوع في مبحث التعبّدي والتّوصّلي!!
#يبدو لي إنّ المرحوم الشّهيد لم يكن مطّلعاً لا على تحقيق النّائيني في أجود التّقريرات حول هذا الموضوع في مبحث التّعبدي والتّوصّلي فضلاً عن الحواشي النّقديّة لتلميذه الخوئي عليها، ولا على كلمات الأخير أيضاً في مجلس درسه حينما تعرّض لها ونقدها والّتي يُفترض أنّ المرحوم الصّدر كان قد دوّنها من تسجيلاتها أيضاً، ولا على بحوث أستاذه المرحوم محمّد باقر الصّدر والّذي تعرّض لها في مبحث التعبّدي والتّوصّلي أيضاً وناقشها، كما لم يكن المرحوم الصّدر يعلم أنّ النّائيني لم يكتب كتاباً منهجيّاً تدريسيّاً في علم أصول الفقه على غرار الحلقات لكي يُطالب بفتح البحث في حقيقة التّقابل بين الإطلاق والتّقييد في العنوان المنهجيّ المخصّص له، وإنّما كان يُدرّس دروس الخارج الأصوليّة، والعادة قائمة على تحقيق المسائل حين الاحتياج لها طالما لم تحقّق في محلّها.
#وأخيراً: لا أدري أين أضع دعوى أعلميّة سماحته على عموم مجايليه بما فيهم أساتذته الأموات أيضاً ودروسه الأصوليّة ـ الّتي جعلها أحد أهمّ كواشف أعلميّته ـ تحتوي على مثل هذه السّقطات العلميّة المفزغة فضلاً عن دروسه الفقهيّة؟! ولا أدري أيضاً: كيف يمكن لي إقناع بعض مقلّديه من رجال الدّين بأنّ مثل هذه الهنات الموثّقة والجزميّة ـ ومثلها الكثير الكثير ـ تنقّح لهم موضوعاً آخر بطبيعة الحال إذا ما كانوا يبحثون عن الحجّة الشّرعيّة بينهم وبين ربّهم؟! لكن يبدو أنّنا أمام قطع أسمنتيّة من العواطف ولا أدريّة بعدم الاطّلاع، وهذه آفة العلم، فليتأمّلوا كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#يذهب المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر وغيره من المراجع الإثني عشريّة المعاصرين والسّابقين في رسائلهم العمليّة الّتي كتبوها لمقلّديهم وصدّروها بعبارة: “إنّ العمل بها مجزئ ومبرئ للذمّة”، إلى أنّ من اشترى مملوكاً فيستحبّ له أن يغيّر اسمه [كأن يُسمّيه حمزة أو كاظم أو غيرهما]، وأن يُطعمه شيئاً من الحلاوة [سنيكرز مثلاً]، وأن يتصدّق عنه بأربعة دراهم [ولو كانت أربعة دولارات أو دنانير لكان أفضل]، وأن لا يُريه ثمنه في الميزان [ويتخلّص من كلّ ذلك بالدّفع عن طريق البطاقة الذّكيّة]. [منهج الصّالحين: ج3، ص114، المسألة: 386].
#ما أجملها من قيم رفيعة وآداب رائعة لا تُريد أن تنتقص من كرامة هذا المسكين المستعبد الّذي امتهنت كرامته وأهينت بسبب قناعات اجتهاديّة بعديّة لاحقة أرادت بسط إسلام أمّ القرى ومن حولها على عموم البقاع والأصقاع، وما أسخف تلك المكرّرات الأفيونيّة المتأتّية من ضيق الخناق والّتي تُغرّر بالبسطاء والمساكين حينما تقول لهم: لقد كان الإسلام العالمي يهدف إلى التخلّص من العبوديّة بشكل تدريجي ولهذا حملت رسائل مراجع التّقليد مثل هذه الفتاوى بعد مرور أكثر من ألف وأربعمائة سنة على بزوغه!! ولله في خلقه شؤون وشؤون.
#ميثاق_العسر
#تنوّع الفلسفةُ اليونانيّة وأتباعها الماهيّةَ إلى: جوهر وعرض، وتعدّ هذين القسمين وما يقع تحت الثّاني منهما مقولات عالية لا جنس ولا فصل لها، وهي المعبّر عنها في عرفهم بـ: “المقولات العشر”، ويُعدّ الكيف أحد أقسام العرض المعروفة، والإرادة تندرج عندهم في قسم الكيفيّات النفسانيّة وهو أمر واضح ومشهور، ولهذا قرّر صدر الدّين الشّيرازي المتوفّى سنة: “1050هـ” في كتابه المعروف بالأسفار: «فصلٌ في الإرادة، وهي في الحيوان من الكيفيّات النفسانيّة، ويشبه أن يكون معناها واضحاً عند العقل غير ملتبس بغيرها، إلّا أنّه يعسر التّعبير عنها بما يفيد تصوّرها بالحقيقة…». [الحكمة المتعالية: ج4، ص113]، نعم؛ تنظّر بعضهم في عدّ الإرادة الحقيقيّة من الكيفيّات النّفسانيّة، وأنّ تسميتها بذلك ناشئ من المسامحة في التّعبير، والصّحيح عندهم: أنّها نسبة نفسانيّة، وهذا حديث آخر ليس هنا محلّ ذكره. [حاشية الطّباطبائي على الكفاية: ص77؛ 138].
#وبعد وضوح هذه المقدّمة المُجملة والمضغوطة أقول: لقد وظّف علماء أصول الفقه مثل هذه الاصطلاحات في بحوثهم كثيراً، فمنها: النّزاع الحاصل بينهم في اتّحاد الطّلب مع الإرادة أو تغايرهما، ومنها: الأقوال في تفسير حقيقة الوجوب، ومنها: غير ذلك، وفي سياق الحديث عن البحث عن حقيقة الوجوب، وفي أثناء حديثه ومناقشاته للأقوال في مبحث الضدّ العامّ، أفاد المرحوم الخوئي في ملاحظاته على القول الذّاهب إلى أنّ الأمر بالشّيء يتضمّن النّهي عن ضدّه العامّ بأنّ المنع من التّرك لم يؤخذ في حقيقية الوجوب مهما كان المبنى المختار في تفسيرها، فإذا قلنا إنّه إرادة نفسانيّة فسيكون من الأعراض، وهي بسائط خارجيّة، وإذا قلنا إنّه حكم عقليّ فهو من الأمور الانتزاعيّة العقليّة الّتي تكون أشدّ بساطة من الأعراض وبالتّالي فلا جنس ولا فصل لها، وإذا اخترنا أنّه مجعول شرعيّ فهي أيضاً في غاية البساطة ولا يُتعقّل وجود جنس أو فصل لها. [المحاضرات: ج3، ص47ـ48، ط النّجف].
#لكنّ المُفجع والمؤسف: أنّ الرّاحل الشّهيد محمّد الصّدر قد سخر كثيراً من المرحوم الخوئي لتعبيره بأنّ الإرادة عرض، قائلاً في مجلس درسه ما نصّه: «حسب الظّاهر مدوّر [يعني الخوئي] في الكتب الكلاميّة وناقلها من الكتب الكلاميّة، وربّما بعض المتكلّمين يدّعي أنّ الإرادة من الأعراض [!!]». [مجلس درسه الأصولي].
#وهنا أسأل: هل حقّاً أنّ صاحب هذا الكلام يدّعي الأعلميّة على عموم مجايليه وأساتذته الأموات أيضاً وهو لا يعرف معنى كون الإرادة عرض والّذي هو أمر مبثوث في الكتب الأصوليّة في مرحلة السّطوح فضلاً عن بحوث الخارج ناهيك عن كونها أحد بدهيّات ما يُسمّى بالفلسفة الإسلاميّة؟! حقّاً إنّه عجب عجاب!!
#وبعد أن فاجأنا المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر بعدم معرفته معنى العرض وسخريته من المرحوم الخوئي لتوظيفه، عاد يتساءل عن تعريفه فقال ما نصّه: «ما هو تعريف العرض لكي ينطبق على مفهوم الإرادة وحقيقته بالحمل الشائع؟ فإنّ العرض عرفاً هو العرض المادي كالّلون والثّقل والكثافة والّليونة، فلا تكون الإرادة عرضاً؛ لكونها مجردة عن المادّة، وإن عمّمنا معنى العرض إلى المجرّد، وقلنا: إنّ المجرّدات فيها عارض ومعروض، لم تكن الإرادة عرضاً للنفس بل معلولاً لها، ولها وجود منحاز عنها بمعنى من معاني الانحياز والاستقلال، وليست هي عين النفس بهذا المعنى. [مجلس درسه الأصولي].
#وهذا الّلون من الاعتراض والبيان مخيّبٌ للغاية؛ إذ إنّ العرض بالاصطلاح الفلسفي ماهيّة إذا وجدت في الخارج وجدت في موضوع مستغنٍ عنها، وعلى هذا الأساس: فإذا كانت الإرادة من الكيفيّات النّفسانيّة فهي إذا وجدت في الخارج فلا بدّ وأن توجد في موضوع مستغنٍ عنها، ومن خواصّها عدم تعلّقها أو حلولها في الأجسام، وليس لهذا التّقسيم نظر إلى الماديّة والمجرّدة بالمعنى المتبادر إلى الذّهن البسيط، لكي يُقال: إنّ الإرادة مجرّدة خارجة عن العرض المادّي، كما ليس له نظر إلى منشآت النّفس ومعاليلها ولا إلى الإرادة الحقيقيّة أيضاً؛ لأنّ المرحوم الخوئي بصدد إيضاح بطلان القول بالتضمّن على كلا المباني المطروحة في تفسير حقيقية الوجوب، وليس من الصّحيح مناقشته في مبنى لا يختاره، على أنّ الأمثلة الّتي ذكرها تُعدّ من الكيفيّات المحسوسة، والإرادة من الكيفيّات النّفسانيّة فتنبّه ولاحظ.
#ولم يكتف الرّاحل الشّهيد محمّد الصّدر بمثل هذه البيانات النّاشئة من عدم وقوفه على مراد عبارة المرحوم الخوئي الواضحة، بل نصّ على أنّ المفترض به أن يضيف إلى ما ذكره من مستويات ثلاثة مستوى رابع أسبق منهم وهو عالم الجعل، حيث حسب أنّ الخوئي يتحدّث عن مبادئ الحكم الثّبوتيّة والإثباتيّة وليس عن المباني المعروفة في تفسير الوجوب.
#ولم تقتصر الأخطاء على هذا الحدّ، بل عاد الصّدر ليسجّل إشكالاً ثالثاً لا يقلّ فداحة عمّا قبله، حيث قرّر قائلاً ما مضمونه: اكتفى الخوئي بالتّعبير عن الأعراض بكونها بسائط خارجيّة، وإذا كان مقصوده خلوّها من الجنس والفصل بقرينة كلامه الّلاحق فهذا خطأ أيضاً؛ لأنّ للإرادة جنساً وفصلاً؛ باعتبارها من جملة عالم التّكوين، وتدخل في المقولات العشر، وليست اعتباريّة ولا انتزاعيّة، وإذا كان كلّ ما له جنس وفصل مركّب فهي مركّبة، وأضاف أيضاً: أنّ الأعراض الخارجيّة لها جنس وفصل، وأنّ الألوان لها جنس وفصل، وإذا كانت الأعراض أساساً ليست بسيطة وهي ماديّة، فكيف بالأعراض المعنويّة أو الرّوحيّة أو النفسيّة؟!
#ولا يسعني إخفاء ذهولي وأنا أقرأ مثل هذه النّصوص المخالفة لاصطلاحات القوم الواضحة والجليّة والمبثوثة والمنشورة في تراثهم؛ إذ يبدو لي أنّ المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر لم يمرّ عليه يوماً ما أنّ الأعراض الّتي يتحدّث عنها المرحوم الخوئي هي من الأجناس العالية الّتي لا جنس فوقها، وهي بطبيعة الحال غير مركّبة من جنس وفصل خارجاً؛ وإلّا لكان هناك جنس أعلى منها، وهو خلف افتراضها عالية كما قالوا، كما أنّها بسائط خارجيّة غير مركّبة من مادّة وصورة، وإنّ ما به الاشتراك فيها عين ما به الامتياز كما هي تعابير المرحوم الخوئي نفسه، كما لم يثبت في محلّ ما أنّ كلّ من كان في عالم التّكوين فله جنس وفصل أو يدخل في المقولات العشر؛ لأنّ الجنس والفصل من أقسام الماهيّة، وعالم التّكوين أوسع من ذلك، بل لا وجود للماهيّة في عالم التّكوين بناءً على القول باعتباريّتها كما يقولون، والأدهى من ذلك كلّه: إنّ المرحوم الخوئي كان بصدد عرض متبنّات الآخرين في تفسير الوجوب وإبطال قول التضمّن على أساسها، وليس بصدد تبنّي الأوّل منها ليُناقش ويوجّه الّلوم إليه، فتفطّن.
#ينبغي أن يعذرني المتابع الجادّ عن إقحام مثل هذه البحوث التخصّصيّة في المقام؛ لكنّي لا أجد منها بُدّاً ـ بعد حذف الكثير ـ للبرهنة على أنّ دعوى أعلميّة الرّاحل الشّهيد محمّد الصّدر في علم أصول الفقه الإثني عشريّ مجرّد مزحة لا يحتاج اكتشافها إلّا لهنيئة التفات؛ لأنّ من يتابع دروسه المسموعة وبحوثه المنشورة لن يتردّد في وصفها بالابتعاد لا عن الأعلميّة فقط بل عمّا دونها بمراتب أيضاً، لكنّ حينما يُهجر العلم وتُترك قلاعه، تتغيّر الأمور وتتبدّل الأولويّات، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#وقع الكلام بين علماء أصول الفقه في: أنّ صيغة الأمر هل تقتضي الفور أو التّراخي، أو لا تقتضي شيئاً من ذلك، وقد ذهب مشهور الأصوليّين الإثني عشريّة المعاصرين إلى عدم دلالتها بنفسها على شيء من ذلك لبيانات معروفة في محلّه، وقد عمد بعضهم إلى الاستناد إلى دليل خارجيّ لإثبات الفوريّة، من قبيل الآية الّتي تقول: “فاستبقوا الخيرات”، بتقريب: أنّ الامتثال للواجبات الإلهيّة من أظهر مصاديق الخيرات، وعليه: فيجب الاستباق إليها، وهذا معنى الفوريّة في المقام، فثبت المطلوب.
#وقد ردّ معظمهم هذا الاستدلال، وأثبتوا بطلانه، ولا تعنينا مناقشاتهم فعلاً ولا طريقة صياغاتها؛ فهذا المقدار كافٍ في إيضاح ما نريد إيضاحه؛ وما يهمّنا هو: ما نقله المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر من مناقشة عن المرحوم الخوئي، وكيفيّة مبادرة الأوّل لردّها أيضاً، وسنعتمد في هذه المرحلة على كتاب “منهج الأصول” والّذي جعله المرحوم الشّهيد أهمّ الكواشف الأساسيّة لإثبات أعلميّته على عموم مجايليه وأساتذته الأموات أيضاً؛ ونعود بعد ذلك إلى المطلب نفسه كما طرحه في مجلس درسه.
#قال في منهج الأصول: «الوجه الأول: ما ذكره في المحاضرات [أي كتاب المحاضرات والّذي هو تقرير كتبه إسحاق الفيّاض]: من أنّ الاستباق [في آية: “واستبقوا الخيرات”] ليس بمعنى الإسراع، بل بمعنى: مسابقة الغير إلى شيء أو إلى الخير، وهذا معناه لحاظ أحكام عديدة ومكلفين كثيرين، فيكون المضمون أجنبيّاً عن محل الكلام، أو قل: إنّ هذا المعنى إضافيّ، ولا يصدق مع الانفراد، أو وجود طرف واحد، كما هو مورد الكلام». [منهج الأصول: ج4، ص339].
#وإذا أردنا أن نوضّح إشكال المرحوم الخوئي على الاستدلال بهذه الآية من أجل إثبات الفوريّة بغية تقريبه لذهن المتابع العادي بغضّ النّظر عن قناعتنا به فنقول: إنّنا إذا أردنا أن نبرهن على دلالة الآية على أنّ صيغة الأمر تدلّ على الفوريّة فيجب علينا إثبات أنّ الدّعوة للتّسابق في الآية تعني التّسابق في فعل الخيرات الّتي يؤمر بها الشّخص نفسه، أمّا إذا قلنا: إنّ التّسابق فيها يعني المسابقة إلى الخيرات المشتركة مع الغير ـ كما يفهم من معناه الّلغوي والّتي تكون قياسيّة بطبيعة الحال ـ فلا تماميّة للبرهنة بها أصلاً؛ وذلك: لأنّ ظاهر الآية ـ كما يفهم الخوئي ـ إنّها تتحدّث عن الأعمال الّتي تُعدّ خيراً للجميع، ويمكن لكلّ واحد من العباد الإتيان بها من قبيل دفن الموتى وفتح الطّرقات وأمثالها من الخيرات المعروفة، فالواجب على آحاد العباد المنافسة والمسارعة والمسابقة نحوها، ومع كون الأمر كذلك، فتكون الآية أجنبيّة عن محلّ البحث.
#لكنّ المرحوم محمّد الصّدر لم يقبل هذه المناقشة من المرحوم الخوئي، واتّهمه بكتابتها «من دون الرّجوع إلى كتب الّلغة والصّرف [!!]»؛ وذلك: لأنّ «صيغة المشاركة بين اثنين هي: المفاعلة والتّفاعل، كالمقابلة والمضاربة والتضارب والتّقاتل، وليس الاستفعال، كالاستخراج والاستعداد والاستنجاء، فإنّه خالٍ من هذا المعنى إطلاقاً، والاستباق من هذا الوجه صرفيّاً، ولذا يصدق وحده ولا يحتاج إلى طرف آخر. ولذا قال: “وهم لها سابقون”، ولم يقل وهم فيها سابقون.. أي متسابقون».[منهج الأصول، المصدر السّابق نفسه].
#وإذا أردنا أن نوضّح اعتراض الرّاحل محمّد الصّدر بعبارة أخرى فنقول: لقد توهّم المرحوم الخوئي في افتراضه أنّ التّسابق الوارد في الآية يتحدّث عن المسابقة الّتي تكون بين شخصين أو أكثر؛ وذلك لأنّ الأصل الّلغويّ للتّسابق لا يتضمّن معنى المفاعلة أصلاً؛ فهو من باب الاستفعال، كالاستنجاء والاستمناء والاستخراج والاستعداد، وهذه المعاني لا يوجد فيها معنى للمفاعلة بين طرفين أو أكثر، وبالتّالي: يصحّ أن يصدق لوحده من دون حاجة لطرف آخر.
#نعم؛ تلطّف المرحوم محمّد الصّدر على المرحوم الخوئي بقوله: أنّ القرينة إذا قامت في المقام على وجود طرف آخر في البين أمكن استعمال هذه الصّيغة في هذا المعنى، كما في قوله تعالى: “إنّا ذهبنا نستبق”، “واستبقا الباب”، مع أنّ الأصل أن يقول فيهما: ذهبنا نتسابق، وتسابقا الباب، ومن الواضح: أنّ هذا الاستعمال مجازيّ وقرينته موجودة في الآية نفسها، لكنّ الآية محلّ البحث خالية من أيّ قرينة، وما يُقال: من أنّ واو الجماعة الموجودة في “استبقوا” قرينة في المقام مدفوع أيضاً؛ لاحتمال أن يكون المراد منها عموم الخطاب لا تعدّد الأطراف الّتي يوجّه لها الخطاب، ونصّ على أنّ هذا هو الأظهر، والاحتمال كافٍ في إبطال الاستدلال!! [منهج الأصول، المصدر السّابق نفسه].
#وبعد أن عرفنا الاعتراض الّذي قدّمه المرحوم محمّد الصّدر على مناقشة الخوئي، ينبغي علينا بداية العودة إلى كتب الّلغة والصّرف، لنعرف هل أنّ المرحوم الخوئي لم يُراجع الكتب الّلغويّة والصّرفيّة كما اتّهمه المرحوم محمّد الصّدر، أم العكس هو الصّحيح؟!
#والجواب: نصّ علماء هذا الفنّ على أنّ الاستباق مصدر لفعل استبق الخماسيّ، والقاعدة عندهم تقول: إذا كان الفعل خماسيّاً مبدوءاً بهمزة وصل على وزن افتعل فيكون مصدره افتعال، من قبيل: اقتصد اقتصاداً، امتثل امتثالاً، استبق استباقاً، اصطبر اصطباراً، اعتمد اعتماداً، أمّا إذا كان الفعل سداسيّاً مبدوءاً بهمزة وصل على وزن استفعل غير معتلّ العين، فيكون مصدره استفعال، من قبيل: استحسن استحساناً، استقبح استقباحاً، استجدى استجداءً، استنجى استنجاءً، استمنى استمناءً. [راجع على سبيل المثال: النّحو الوافي، عبّاس حسن: ج3، ص202].
#قال صاحب الميزان المتوفّى سنة: “1402هـ”: «فالحقّ أنّ معنيي الاستباق والتّسابق متّحدان صدقاً على المورد، وفي الصّحاح: سابقته فسبقته سبقاً واستبقنا في العدو أي تسابقنا… وفي لسان العرب: سابقته فسبقته، واستبقنا في العدو، أي تسابقنا… ولعل الوجه في تصادق استبق وتسابق أنّ نفس السّبق معنى إضافي في نفسه، وزنة “افتعل” تفيد تأكّد معنى “فعل” وإمعان الفاعل في فعله وأخذه حلية لنفسه كما يشاهد في مثل كسب واكتسب وحمل واحتمل وصبر واصطبر وقرب واقترب وخفي واختفى وجهد واجتهد ونظائرها، وطروّ هذه الخصوصيّة على معنى السّبق على ما به من الإضافة يفيد جهد الفاعل أن يخص السّبق لنفسه ولا يتم إلّا مع تسابق في المورد». [الميزان: ج11، ص102، ط الأعلمي].
#وبعد وضوح هذه الكلمات نسأل: أ لم يمرّ على المرحوم محمّد الصّدر ما قرّره ابن مالك المتوفّى سنة: “672هـ” في ألفيّته حينما قال: “وإن يبن تفاعل من افتعل” الجليّ في اقتضاء بعض صيغ الافتعال للمشاركة، ولهذا قال بعضهم: «ففي بعض الأفعال الّتى تكون على مثال صيغتى “افتعل” و “تفاعل” يكون مدلولها مستوجباً لاثنين فأكثر، وإلّا فسد المعنى ونقص، وذلك حينما تفيد هذه الأفعال معنى الاشتراك والتّشارك، كمعاني الاختصام والاقتتال، والتّقاتل والتّخاصم، والاصطفاف والتّصاف، والتجاور والتعاطف والاشتراك والتّشارك والاجتماع والتّجمّع والتّسابق والاستباق والتّحادث والتّساوي والاستواء، وما قد تقع عليه من أمثال ذلك». [النّحو الوافي، مصدر سابق: ج5، ص199].
#وبعد بينونة فساد ما قرّره المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر من مناقشة للمرحوم الخوئي، وإنّ التّسابق من الافتعال لا الاستفعال كما توهّم، وإنّه يقتضي المشاركة والمفاعلة أيضاً، دعونا نُكمل الحديث معه لنعرف هل حقّاً أنّه راجع الكتب الّلغويّة والصّرفيّة ووجد أنّ ما ذكره المرحوم الخوئي كان اشتباهاً وخطلاً؟!
#إجابة مثل هذا السّؤال تقتضي منّا العودة إلى دروسه نفسها ـ والّتي كانت مادّتها الأساسيّة ما كتبه وطبعه في كتابه منهج الأصول لاحقاً ـ لنقول: الغريب والّلافت والمحيّر أيضاً أنّه “رحمه الله” كان قد عمد في مجلس درسه إلى ذكر كلمات الرّاغب الأصفهاني المؤيّدة لكلمات المرحوم الخوئي باعترافه أيضاً، الأمر الّذي يُفترض أنّه يمنع محمّد الصّدر من اتّهام الخوئي بعدم المراجعة ولو إلى هذا الكتاب مثلاً، لكنّه اضطرّ ـ وليس لي تفسير لاضطراره غير الثّقة العالية بالنّفس دون مراجعة وفحص وتنقيب ـ لمناقشتها، ورأى أنّ ما ذكره الرّاغب في هذا المجال ليس سوى وجهة نظر حدسيّة اجتهاديّة لا حسيّة واقعيّة ما دامت تتنافى مع الأصل الّلغويّ حسب فهم الصّدر، وبالتّالي: أسقطها عن الاعتبار أيضاً!! والأغرب من جميع هذه الأمور أنّه عمد إلى حذف هذه المناقشة للرّاغب الأصفهاني مع حذف أصل كلماته أيضاً من كتابه منهج الأصول وميّعها بذكر مضمونها مبتسراً كاحتمال دون مصدر، لكنّه أبقى اتّهام الخوئي بعدم مراجعة الكتب الّلغويّة والصّرفيّة على حاله فيها!!
#ما قرأته أعلاه يُعدّ نموذجاً بسيطاً من مناقشات المرحوم محمّد الصّدر لكلمات الكبار، وقد رأيت ما فيها من مشاكل على مستوى المراجعة والفحص والتّنقيب لأبسط الأمور الّلغويّة فكيف بغيرها كما ستأتي لاحقاً، وكنت أتمنّى على الرّاحل الشّهيد محمّد الصّدر أن يبتعد عن هذه الثّقة العالية بالنّفس في مناقشة الكبار، خصوصاً مع قلّة المصادر وبعثرة المعلومات عنده كما صرّح بنفسه، ولكن تجري الرّياح بما لا تشتهي السّفن؛ إذ وقع في أخطاء كبيرة جدّاً لا يرتكبها من هو دونه بمراتب في المدّعيات، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#في مجلس درسه الأصولي: كان المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر يعاني معاناة كبيرة في فهم أبسط كلمات المرحوم الخوئي في تقرير بحثه المحاضرات رغم وضوح الأخير وتعليميّة عباراته، وكان يُخطئ في فهم جملة منها، بل صدرت منه “رحمه الله” كلمات تدلّ على عدم معرفته بأبسط المباني والاصطلاحات الفلسفيّة المستخدمة في علم الأصول، فأخذ ينسج من خياله تعريفات واحتمالات لها، ورتّب مناقشات على أساس هذه المنسوجات، ناهيك عن اتّهاماته الّتي يوجّهها للمرحوم الخوئي والّتي لا يمكن تعقّلها لأصغر تلميذ من تلامذة تلامذة الخوئي فكيف وهي توجّه له!!
#سأبرهن على هذه المدّعيات بمجموعة من المقاطع الصّادمة جدّاً جدّاً قريباً إن شاء الله، والّتي تكشف عن أشياء كثيرة أيضاً أتمنّى على جميع محبّيه وعشّاقه أن يتفهّموها بعيداً عن حكاية المؤامرة الّتي زُيّف وعي بعضهم عن طريقها، وأن يعرفوا جيّداً: أنّ الهدف الأساس هو العلم لا غير، وبالتّالي: فأينما حلّ يجب على الجميع اتّباعه، أمّا العاطفيّات المغطّاة بألوان القداسة والتّهويل فلا مكان لها في ساحة العلم، وستنكشف حقيقتها في يوم ما، فليتأمّلوا كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#يرى المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر بأنّ الإمام قد يضطرّ أحياناً إلى ارتكاب بعض الصّعوبات الأخلاقيّة في سبيل تقديم برهان عمليّ على جوازها، وأفاد في مجلس درسه الفقهي بأنّ: المعصومين يعملون حتّى بعض المباحات، وحتّى بعض المكروهات، وحتّى بعض المرجوحات، ويتركون بعض المستحبّات من أجل الإيعاز عمليّاً بجوازها، وعدّ ذلك من أنواع الدّعوة إلى الله تعالى بأعمالهم، ولأجل تقريب وجهة نظره ضرب مثلاً بنقل مضمون الرّواية الّتي أخرجها الكليني والصّدوق في الكافي والفقيه، والّتي نصّت على أنّ الباقر “ع” وضع النّورة على عورته ولم يأتزر بـ “وزرة” أصلاً، واستنكر عليه أحدهم ذلك لتنافيه مع ما قرّره سابقاً من ضرورة ستر العورة، فأجابه: بأنّ النّورة سترة لها. [الكافي: ج6، ص497؛ الفقيه: ج1، ص117].
#وفي الحقيقة أنّ هذا الّلون من الإغراق في التّأويليّة لا مبرّر له سوى المنطلقات الكلاميّة الّتي يسوّر الباحث نفسه بها وهو يقرأ مثل هذه الحكايات عن حمامات تلك الأزمنة وشخوصها، ويُريد في الوقت نفسه أن يجعل عموم نصوص وأفعال الأئمّة المعروفين في سلّة واحدة، ويحاكم نصوص وأفعال المتقدّم بمثيلتها عند المتوسّط أو المتأخّر أو العكس رغم الاختلاف الزّمانيّ الكبير الّذي ولّد وعياً مجتمعيّاً مؤثّراً على الأفراد مهما فرضنا عليهم من قيود كلاميّة.
#والصّحيح في رأينا هو: الابتعاد عن الهروب إلى الأمام وإسقاط هذه النّصوص بذرائع بعديّة، والابتعاد أيضاً عن تأويلها بمقولات كلاميّة بعديّة أيضاً، ومحاكمة نصوص وسلوك وسيرة كلّ إمام بمعزل عمّن قبله أو بعده، ووضعها في ظروفها وإطارها الطّبيعي الّذي ولدت فيه، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#شئنا أم أبينا فقد فرض الرّاحل الشّهيد محمّد الصّدر نفسه على شرائح واسعة من المجتمع العراقي الإثني عشريّ منذ أواسط تسعينيّات القرن المنصرم، وقد رسخ في مخيال هذه الشّرائح أنّ سماحته هو الأعلم بكلّ العلوم الدّينيّة، وقد عجز عن مجاراته عموم الفقهاء والمراجع المعاصرين له بعد أن تحدّاهم وطلب مناظرتهم، وهذا الرّسوخ لا زال حتّى اليوم عميقاً جدّاً بحيث لا تستطيع أن تنبس ببنت شفة حياله، وقد تولّدت منه تيّارات وحركات سياسيّة كبيرة وواسعة، كما ظهرت حركات سلوكيّة ومهدويّة تستند إلى تراثه وسلوكه أيضاً، وأفرز أيضاً: مرجعيّات دينيّة تستلهم تعاليمها وطريقة إثبات اجتهادها وأعلميّتها بحكاية طلّاب الأعلم أعلم، وقصّة التحدّي وطلب المناظرات وما شابههما!!
#وفي الحقيقة: إنّ حالة الانجذاب نحو الدّين والمذهب الّتي ولّدها المرحوم الشّهيد في تلك المرحلة لا يمكن إنكارها، وكيف وقد سقاها بإخلاصه وحرصه ودمه أيضاً، وهذا ما لا نريد الحديث عنه، لكنّ ما يهمّنا وبشدّة أيضاً من خلال سلسلة نقدنا لتراثه المسموع والمقروء هو: أن ننبّه هذه الشّرائح ـ ولا أقل الطّبقة المثقّفة منها ـ إلى أنّ نجاح تجربته الاجتماعية الدّينيّة في حينها لا يدلّ ـ ولو بنسبة واحد في المئة ـ على ثبوت أعلميّته على عموم مجايليه وأساتذته الأموات أيضاً، بل ولا على ما هو أدنى من ذلك بمراتب أيضاً؛ فلا ملازمة ولا لزوم في البين كما لا يخفى على ذي مسكة.
#ولهذا فإنّ حكاية أعلميّة سماحته لا تستند إلى دليل إثباتيّ سليم يبرّرها على الإطلاق بل الدّليل قائم على عدمها وزيادة أيضاً، وأنّ عزوف الفقهاء والمراجع عن مجاراته لا يعود إلى عجزهم عن ذلك بالمُطلق؛ بل هو عائد لأسباب متنوّعة ومعروفة لا حاجة لذكرها، وهي مسألة واضحة وجليّة جدّاً في الأوساط الحوزويّة، ولأجل هذا لا ينبغي صناعة تابوهات مغلوطة في ميدان العلم، وذبح المعرفة وأدواتها عن طريقها، وعلى النّاس أن تطوّر لياقاتها وقابليّاتها العلميّة لتعرف أنّ العلم لا يُعرف بادّعاء الرّجال، وإنّما عن طريق مقولات معرفيّة معروفة لا يمكن الالتفاف عليها ولا ادّعاء توفّرها من غير دقّة وعمق واستيعاب وشمول، وعلينا أن نكسر هذا الطّوق الحديديّ الوهميّ المفروض على تراث سماحته وألقابه العلميّة؛ لأنّ كسره يعني ركوب جادّة العلم بشكل صحيح؛ فالعلم لا يعرف جغرافيا ولا حدود، ومن هنا بدأنا مشوار نقد تراثه، وليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#كان المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر يعاني في الإحاطة بأبسط البحوث الأصوليّة الّتي يُفترض بمن هو دونه الإحاطة بها، وهذه مشكلة عامّة طبعت عموم دروسه الأصوليّة المسموعة والمطبوعة أيضاً فضلاً عن دروسه الفقهيّة، وعلى سبيل المثال لا الحصر: نصّ سماحته في أحد دروس الخارج الأصوليّة الّتي كان يُلقيها في أخريات حياته على ما يلي:
#يوجد عنوانان من تفريعات الأوامر، حذفهما الشيخ الآخوند في الكفاية، وكذلك الشيخ الفياض في المحاضرات، وأثبتهما السيد [محمّد باقر الصّدر] في التقريرات، ونحن وإن كنا نسير وفق نص الكفاية إلا أنه لا بأس بذكرهما إتماماً للفائدة وتنمية للملكة، مع الاعتراف أنه لا أثر لأيّ منهما فقهيّاً على الإطلاق؛ لأنّه لا يوجد لأيّ منهما مصداق معتدّ به في الكتاب والسنّة، نعم بالنسبة للموالي العرفيّين فيمكن الحصول ثبوتاً…».
#وبقطع النّظر عن إنكاره لوجود فائدة فقهيّة معتدّ بها لهذه البحوث، وبغضّ النّظر عن الفائدة الفقهيّة المرجوّة من هذا البحث والمطروحة في ثنايا بحوث الأعلام، لكنّا نسأل: هل حقّاً أنّ صاحب الكفاية المتوفّى سنة: “1329هـ”، وصاحب المحاضرات ـ والّتي هي عبارة عن تقرير الأبحاث الأصوليّة للمرحوم الخوئي ـ قد حذفا مثل هذه البحوث، ولم يُثبتها سوى المرحوم الشّهيد محمّد باقر الصّدر في تقريراته؟!
#والجواب: إذا كانت الذّاكرة الدّرسيّة والبحثيّة للرّاحل الشّهيد لا تسعفه في استحضار ما درسه في مرحلة السّطح والخارج ليعرف خلاف ما ادّعاه، فكنت أتمنّى عليه أن يقلّب صفحات كتابي الكفاية والمحاضرات قبل حضوره إلى الدّرس ليعرف أنّ مثل هذه البحوث قد طرحت فيهما؛ حيث طرحهما الآخوند صاحب الكفاية في أواخر المقصد الأوّل في الأمر، [كفاية الأصول: ص144ـ145، ط آل البيت]، وبحثهما المرحوم الخوئي في عموم تراثه الأصولي أيضاً وتحدّث عن ثمراتهما في بحثه الفقهي كذلك، [محاضرات في أصول الفقه: ج4، ص74ـ80، ط النّجف]، كما تناولهما عموم الأعلام في بحوثهم ودروسهم أيضاً كما لا يخفى على متفقّه فضلاً عن فقيه.
#رحم الله الرّاحل الشّهيد محمّد الصّدر، وأسكنه فسيح جنانه، وقيّض للأمّة رجالاً محقّقين مدقّقين، لا تأخذهم لومة لائم في كشف الحقائق وهتك أستار القداسة في ميدان العلم بنفس طويل وعميق، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#كان الرّاحل الشّهيد محمّد الصّدر يعاني كثيراً في فهم جملة من كلمات تقريرات أستاذنا المرحوم محمود الهاشمي للبحوث الأصوليّة لأستاذهما المرحوم محمّد باقر الصّدر، ويفسّرها من عنديّاته بشكل خاطئ، ويبني اعتراضات وإشكالات خاطئة عليها، بل ويعمد إلى الخلط في المباني الفلسفيّة الّتي ارتكزت عليها بعض البحوث الأصوليّة، ويُخطئ في فهمها وتطبيقها أيضاً، ولست أدري: كيف يمكن أن نتصوّر أنّ شخصاً يدّعي الأعلميّة على عموم مجايليه وأساتذته الأموات ـ ولو في علم الأصول ـ كما صرّح مراراً، وحرّم تقليد غيره على هذه الأساس أيضاً، وفي الوقت نفسه غير قادر على فهم هذه الكلمات المعروفة؟!
#ورغم أنّ مثل هذه البحوث تخصّصيّة صرفة لا يمكن للمتلقّي العادي أن يتناغم معها، لكنّي مضطرّ لفتح البحث في بعضها قريباً وتوثيقها، والسّعي الجادّ لإيضاحها وتنقيطها؛ لكي يتمكّن الأخوة الفضلاء في الحوزة العلميّة في النّجف وغيرها من تداولها ورؤية هناتها، ولا شكّ عندي أنّ بعضهم سيُصاب بالذّهول حينما يلاحظ الفجائع الّتي فيها، فليُنتظر ويُترقّب، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#لا أخفيك سرّاً: بأنّ مخاطبي الأوّل والأهمّ في نقدي لتراث المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر هم الطّبقة المثقّفة والواعية من أنصاره ومحبّيه مهما قلّ حجمهم وتضاءل تأثيرهم، لا من يُصطلح عليهم في الأوساط بـ “القافلين” على عشقهم إيّاه وتقليدهم له ممّن يتعاملون مع مسائل العلم وقضايا التّقليد بطريقة عشائريّة محضة، ولا من عشقه وقلّده تبعاً للزّاد والراحلة ولم يستنر بنور العلم يوماً لكي يسمح لنفسه بالتّفكير باحتمال خطئه فضلاً عن التّصديق بذلك، وإنّما حصرت مخاطبتي بهذه الطّبقة لأنّها ما قلّدته إلّا عن حجّة، وما عشقته إلّا عن قناعة، وعلى هذا الأساس: فإذا لاح لها في الأفق خلاف ذلك فلن تتردّد في إعادة النّظر في قناعاتها القبليّة والحاليّة حتّى ولو سمعوا ذلك من طرف لا يؤمنون بدينه ولا بورعه ما دام كلامه يركن للدّليل والبرهان.
#على أنّني لا أهدف إلى دعوتهم للعدول عن تقليده، ولا إلى تقليد غيره أيضاً؛ فهذه أمور تعنيهم ولا تهمّني بالمُطلق، بل أنا من الذّاهبين إلى عدم وجود أيّ دليل على وجوب التّقليد بصيغته الإثني عشريّة المعاصرة والمتداولة وهذه قيود احترازيّة مهمّة، بل تمّ الدّليل عندي على العدم كذلك، فلا يسخّف وعيك ساذج هنا أو جاهل هناك ويصوّر لك غير ذلك، وعلى الإنسان أن يُراجع مسيرته دوماً، ويصحّح أخطاء الماضي بطريقة فاعلة، لكن ليس بالوقوع في خطأ آخر، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#نقد التّراث العلميّ للرّاحل الشّهيد محمّد الصّدر لا يعني أنّ هناك هجمة مقصودة ضدّه، ولا أنّها محاولات للنّيل منه؛ وكلّ من يقول ذلك يعيش حالة من الوهم، ويُريد أن يضحك على نفسه بمثل هذه المسكّنات؛ لأنّها الطّريق الوحيد الّذي يستطيع من خلاله التّربيت على تخيلاته القاضية بأناقة قناعاته التّقليديّة؛ إذ لم يثبت في مكان ما: أنّ شهادة المرجع أو الفقيه تمنح حقّانيّة لعموم تراثه ومدّعياته، وصكّ الغفران لجميع مقلّديه وأتباعه؛ إذ لو كان الأمر كذلك لكان على الفقهاء أن يتمنّعوا عن مناقشة الشّهداء من الفقهاء، ويحوّطوا كلماتهم بسور القداسة، فتنتهي مقولة العلم وتضمحلّ بأوّل قطرة دم سقطت منهم، مع أنّ هذا خلاف ما قامت عليه السّيرة والمسيرة… اصحوا من سكرتكم غفر الله لنا ولكم، وهو دائماً من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#قد يتصوّر بعض المساكين والبسطاء أنّ المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر كان يعمل وفق القناعات الدّينيّة والعلميّة الّتي توصّل إليها بالعنوان الأوّلي حصراً، ولا يسلك الآليّات الّتي جزم بخطلها وبطلانها القطعيّ بالعنوان الأوّلي أصلاً؛ إذ إنّ مثل هذه الممارسة تتنافى تمام التّنافي مع ورعه وعدالته وإيمانه وتنسّكه!!
#وهذا الكلام سذاجة ما بعدها سذاجة، و “فطاريّة” ما بعدها “فطاريّة”؛ إذ إنّ طبيعة العمل المرجعي في واقعنا الإثني عشريّ تقتضي ممارسات خاطئة بطبيعة الحال، لكنّ المرجع ـ مهما كان ورعاً وتقيّاً ـ يسوّغها لنفسه بعناوين ثانويّة متنوّعة ولو من باب “من قلّة الخيل شّدوا على الكلاب سروج”، وعلى هذا قامت السّيرة والمسيرة عندهم أيضاً، فلا تتوهّم أنّ كلّ ما يقوم به مرجع تقليدك هو سليم بالعنوان الأوّلي، بل ربّما تجد أشياءً قد ثبت بطلانها بالعنوان الأوّلي، لكنّه يلجأ إليها ويبرّر ارتكابه لها بالعنوان الثّانوي.
#وعلى سبيل المثال البسيط فقد كان المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر يرى بأنّ ما يكتبه المرجع في الوكالات من منح الإذن للوكيل بممارسة حقّ النّكاح والطّلاق والإفتاء بمطابقة فتاوانا في الرّسالة العمليّة وما شابه ذلك من أذونات ليس له أيّ منشأ انتزاع شرعي في حقيقة الأمر، وإنّما هو في حقيقته “كلاوات” شرعيّة، ومع هذا يصرّح بأنّه كتبها لوكلائه أيضاً، وهو ما صرّح به في مجلس درسه بوضوح العبارة.
#وعلى هذا الأساس: أتمنّى على هؤلاء المندفعين أن يخفّفوا من اندفاعاتهم، ويضبطوا عقال تحرّكاتهم، ويطوّروا لياقاتهم؛ فالمرجعيّة في الواقع الإثني عشريّ المعاصر فيها من السّلبيات الكثير، ومن الطّبيعي أنّ من يطرح نفسه للمرجعيّة ـ بغضّ الطّرف عن دواعيه لذلك ـ لا بدّ وأن يمرّ بها، ويضطرّ في كثير من الأحيان إلى سلوكها، وتبريرها، والحكم بشرعيّتها مهما كان ورعاً ومتنسّكاً، وهذا أمر يعرفه حتّى صبيان دوائر المرجعيّة فضلاً عن غيرهم، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#رغم كذبة حكاية الأعلميّة وكونها نجشاً يمارسه رجال الدّين لاستقطاب أكبر عدد من المقلّدين وتعميق نفوذهم وسطوتهم ليس إلّا، ولكن: حينما يذهب بعضهم إلى جعل الإحاطة بعلم الأصول وإتقانه هو المقياس في ثبوت أعلميّة الشّخص وبالتّالي وجوب تقليده وحرمة تقليد غيره، فلا يعني هذا: جواز أن يكون المرجع غير عارف بأبسط الأمور الرّجاليّة والفقهيّة والرّوائيّة، وأنّ المهم كلّ المهم هو ذهنيّته الوقّادة في علم الأصول، وحفظه للمباني المتأخّرة وإضافته النّابهة عليها!!
#نعم؛ لا يقول هذا إلّا جاهل لا يعرف كوعه من بوعه [والمرحوم محمّد الصّدر لم ولن يقل ذلك]؛ لأنّ الإحاطة بشخص علم الأصول وحفظ مبانيه وتحليلاته عن ظهر قلب أيضاً تعدّ بمثابة صفر على الشّمال من النّاحية الدّينيّة والحوزويّة إذا ما كان الشّخص لا يعرف فعليّاً ـ وهو قيد احترازيّ مهمّ ـ بدهيّات العلوم الأخرى الّتي تتوقّف عليها عمليّة الاستنباط وفق المقاييس المتّبعة في حوزاتنا وعليها السّيرة والمسيرة، أو كان يفتقد أمّهات مصادرها؛ لأنّ هذا بمثابة تمييع لمفهوم الأعلميّة من النّاحية الشّرعية؛ إذ ما هو الأثر المترتّب عليّ إذا ما عرفت أنّ الكتب الأصوليّة قد خزّنت في هذا القرص المدمج؟!
#بل لو حضرنا دروسه الأصوليّة ووجدناه يحفظ كتاب كفاية الأصول مثلاً عن ظهر قلب فضلاً عن مبانيها وما ترتّب أصوليّاً عليها، وحضرنا دروسه الفقهيّة ووجدناه يجهل أبسط الأمور الرّجاليّة والحديثيّة، فلا شكّ في أنّنا سنجزم بحرمة تقليده فضلاً عن جزمنا بعدم أعلميّته؛ لأنّ الأعلميّة الأصوليّة المدّعاة ليست علوماً منفصلة عمليّاً واجتهاديّاً عن العلوم الرّجاليّة والحديثيّة والفقهيّة ولو في أساسيّاتها المعروفة، وإنّما يهدف علم الأصول إلى بيان الطّرق السّليمة لمسار استنباط الحكم الشّرعي وآليّاته المحكمة وفقاً لمقاييسهم، فإذا كان مدّعي الأعلميّة فيه لا يعرف أبجديّات هذه العلوم ولا يمتلك أمّهات مصادرها، فلم ولن تتنجّز على المقلِّد المسكين أيّ مسؤوليّة بجواز أو وجوب تقليده، بل ستحرم جزماً.
#وفي ضوء هذا الإيضاح: ينبغي أن يضع بعض عشّاق المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر نهاية جزميّة لحكاية أعلميّته في علم الأصول لتبرير وتمييع أخطائه الفادحة والمفزعة في علوم الحديث والرّجال؛ فإنّ مثل هذه الأعلميّة لو تمّت ـ بل تمّ عكسها وبقوّة أيضاً ـ فلا ترتّب عليهم أيّ تكليف شرعي بوجوب تقليده وحرمة تقليد غيره ما دام سماحته يعاني ما يعاني في التّوفّر على أبجديّات العلوم الأخرى في بحوثه الفقهيّة، وبالتّالي: ستكون من قبيل ضمّ حجر إلى جنب حجر آخر من النّاحية الشّرعيّة والدّينيّة، فتأمّلوا فتأمّلوا فتأمّلوا، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر