#ولد المحدّث الصّدوق وفي فمه ملعقتان من ذهب، الأولى: والده التّاجر والمحدّث في نفس الوقت، والثّانية: ما تفاخر به من كونه ولد بدعاء الحجّة “ع” والحجّة يومذاك في عمر الخمسين سنة تقريباً حسب الفرض، ومن الطّبيعي أن من يكبر وهو يسمع ويشعر ويحسّ بأنّ ولادته كانت بدعاء الحجّة “ع” فلا شكّ في إنّه سيجعل هذه المصادرة ـ ولو بالنّسبة للنّاس في تلك المرحلة ـ بديهيّة لا مجال للنّقاش فيها، وما يُذكر من براهين وأدلّة عليها لا يعدو كونها شواهد تنبيهيّة كمن يريد أن ينبّه الواقف تحت حرارة الشّمس إلى وجودها.
#وكيف ما كان، وبعد انتهاء فترة ما يُصطلح عليه بعصر الغيبة الصّغرى: وقعت الشّيعة في حيص بيص شديد وحيرة عظيمة سبّبت خروج جملة من النّاس من هذا المذهب واختيار مذاهب داخليّة أو خارجيّة عنه، ولأجل إعادة الأمور إلى نصابها اضطر الصّدوق إلى كتابة كتابه الشّهير: “كمال الدّين وتمام النّعمة” لهذا الغرض، ولكن قبل أن أفتح البحث في ملفّ ولادته بدعاء الحجّة “ع” وبقيّة الملفّات الأخرى المرتبطة بهذا الكتاب أجد نفسي مضطرّاً لنقل الرؤيا الّتي رأها المرحوم الصّدوق في النّوم والّتي دعته إلى كتابه كمال الدّين بهذه الصّيغة الماثلة أمامنا حيث قال في مقدّمته:
#فبينا أنا ذات ليلة أفكّر فيما خلّفت ورائي من أهل وولد وإخوان ونعمة إذ غلبني النوم فرأيت كأنّي بمكة أطوف حول البيت الحرام وأنا في الشوط السابع عند الحجر الأسود أستلمه وأقبّله وأقول: أمانتي أدّيتها #وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، [فينما أنا كذلك] فأرى مولانا القائم صاحب الزمان “صلوات الله عليه” واقفاً بباب الكعبة، فأدنو منه على شغل قلب وتقسّم فكر، فعلم “ع” ما في نفسي بتفرّسه في وجهي، فسلّمت عليه فردّ عليّ السّلام ثم قال لي: لِمَ لا تصنّف كتاباً في الغيبة تكفي ما قد همّتك؟ فقلت له يا ابن رسول الله: قد صنفت في الغيبة أشياء، فقال “صلوات الله عليه” ليس على ذلك السبيل؛ آمرك أن تصنّف ولكن صنّف الآن كتاباً في الغيبة واذكر فيه غيبات الأنبياء “ع”. ثمّ مضى “صلوات الله عليه” فانتبهت فزعاً إلى الدّعاء والبكاء والبثّ والشكوى إلى وقت طلوع الفجر، فلمّا أصبحت ابتدأت بتأليف هذا الكتاب؛ ممتثلاً لأمر ولي الله وحجّته، ومستعيناً بالله ومتوكّلاً عليه، ومستغفراً من التقصير، وما توفيقي إلا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب». [كمال الدّين وتمام النّعمة:ج1، ص3].
#أقول: سنعود إلى تفحّص مدى انسجام غيبة الأنبياء مع غيبة المهدي “ع” المفترضة لنرى هل يمكن أن تكون مثل هذه المقارنة مُقنعة في نفس تلك الأزمنة فضلاً عن الأزمنة الّلاحقة الّتي تلتها بمئات السّنين أم لا؟! ونرى أيضاً: لماذا لم يأمر المهدي “ع” الصّدوق أن يصنّف كتاباً لإثبات ولادته للنّاس أوّلاً ومن ثمّ يُصار إلى بحث فلسفة غيبته كما هو التّرتيب المنطقي السّلس وهو الأمر المُقلق أيضاً في زمانه وزماننا؟! وهل يمكن أن تؤثّر العوامل السّايكلوجيّة والسّوسيولوجيّة على تحويل هذه المصادرة إلى قضيّة بديهيّة بمرور الأوقات والعصور؟! تابعونا لنعرف الحقيقة بتجرّد وموضوعيّة إن شاء الله تعالى