#تحدّثت في مقالات سابقة عن أوقاف المرحوم الخوئي الهائلة الّتي جعل توليتها ذرّيّة أبديّة في أحفاده وأسباطه جيلاً بعد جيل وطبقة بعد طبقة مع تخصيص نسب ماليّة عالية من أرباحها للمتولّين فضلاً عن الصّلاحيّات، وقد شرحنا ذلك ووثّقناه بما لا مزيد عليه، ولكن اعترض نفرٌ ممّن عادتهم الاعتراض في أمثال هذه المواطن؛ حيث قالوا: إنّ هذه الأموال الهائلة والطّائلة في حقيقتها وأصلها هدايا كانت تصل إلى المرحوم الخوئي وهو حرّ في التّصرّف فيها ووضعها فيما يشاء، فلا معنى للتّغرير بالنّاس وادّعاء إنّها من الحقوق الشّرعيّة!!
#ورغم إنّي اعتبر حتّى الهدايا الشّخصيّة الّتي ترد إلى المرجع لا ترد إليه بعنوانه الحقيقي وإنّما بعنوانه الحقوقي المتمثّل بالمرجعيّة، وبالتّالي فإنّ توريث هذه الأموال ولو تحت عنوان الوقف يقع تحت عنوان الثّراء على حساب المنصب، أقول رغم كلّ هذا لكنّي سأنساق مع مردّدي هذا الإشكال، وأفرض جدلاً إنّ هذه الأموال كانت هدايا تصل إلى شخصه فيحقّ له شرعاً وضعها حيث يشاء، ولكن دعوني أنقل لكم اليوم وثيقة بقلم أحد أبرز العناصر المؤسّسة لخوئي فاونديشن، والّذي ساهم في شراء وبناء وتأثيث مجمع الإمام الخوئي قرب مدينة بومبي الهند، والّذي يقع على مسافة تُقدّر بمليون قدم، أعني به السيّد محمد الموسوي شقيق رئيس الوقف الشّيعي الحالي، كما أخبرنا بذلك في مقال له حمل عنوان: «الإمام الخوئي ورعاية شؤون الأمّة» نُشر في العدد السّادس عشر من مجلّة النّور الصّادرة من مؤسّسة الخوئي في لندن في أيلول عام: “1992م”، والّتي تعتبّر الوسيلة الإعلاميّة الرّسميّة لهذه المؤسّسة في ذلك الوقت، وبعد أن استعرض الكاتب إجمالاً عموم وقفيّات ومشاريع المرحوم الخوئي في جميع أنحاء العالم، سواء الّتي ورّثها أو الّتي دعم تأسيسها قال ما نصّه:
#وينبغي أن نوضّح هنا جانباً هامّاً من جوانب رعاية سماحته “رضوان الله عليه” [ويعني الخوئي]، وذلك عن طريق إجازاته السّخيّة للمؤمنين بدفع الحقوق الشّرعيّة لهذه المشاريع، ولا نبالغ إذا قلنا: إنّ الألوف من المدارس والمساجد والحسينيّات ودور الأيتام والمستوصفات وغيرها من المشاريع الخيريّة لم تكن لتنجح لولا إجازة سماحته ودعمه المعنوي لها وهي منتشرة في أنحاء المعمورة، ويحتاج رصدها إلى كتاب ضخم». [مجلّة النّور: العدد16، ص33]. ولا شكّ في إنّ عموم وقفيّات المرحوم قد جاءت عن طريق هذه الإجازات السّخيّة على حدّ وصف الكاتب.
#نسأل الله تعالى أن يوفّق المرجعيّات المعاصرة إلى تجنّب عمليّات التّوريث بمختلف الصياغات والمخارج الفقهيّة؛ فإذا كان المال شخصيّاً له فمن حقّ المرجع أن يوقفه على من يشاء وبأيّ طريقة يشاء، ولكن أن يكون أصل المال من الحقوق الشّرعيّة، فيتملّكه المرجع ويجعل نفسه هو الواقف له، فيوقفه للصّالح العام ولكن المتولّي أحفاده وأسباطه جيلاً بعد جيل وطبقة بعد طبقة، ويجيز للمؤمنين ويحثّهم على دفع الحقوق الشّرعيّة بعد ذلك لبنائه وتأثيثه…، فهذا ما لا نتعقّله على الإطلاق.