روى الكليني والصدوق بأسانيدهما موثّقاً وصحيحاً عن زرارة بن أعين القول: القول: قلت لأبي جعفر الباقر “ع”: قد أدركت الحسين “ع”؟ قال: نعم، أذكر وأنا معه في المسجد الحرام، وقد دخل فيه السيل، والناس يتخوفون على المقام، يخرج الخارج يقول: قد ذهب به السيل، ويخرج منه الخارج فيقول: هو مكانه، قال: فقال “ع” لي: يا فلان، ما صنع هؤلاء؟ قلت: أصلحك الله يخافون أن يكون السيل قد ذهب بالمقام. فقال “ع”: ناد إن الله قد جعله علماً، لم يكن ليذهب به، فاستقروا» [الكافي: ج4، ص223؛ الفقيه: ج2، ص243].
#أقول: لي في المقام تعليقان:
#الأوّل: ما ذكره المرحوم الشوشتري حينما استبعد صدور مثل هذه الرواية قائلاً: «لا معنى لأن يقول الحسين “ع” للباقر “ع” وهو ابن أربع سنين…: “ما صنع هؤلاء؟”، ويقول له: “ناد…الخ”، ولا تناسب له أن يخاطبه بقوله: “يا فلان” وهو طفل ابن ابنه، ولا أن يخاطبه الباقر “ع” بقوله: “أصلحك الله” وهو جده “ع”».
#والثاني: يبدو إنّ أوّل سيل وقع في مكّة المكرّمة في أيّام حياة الإمام محمد بن عليّ الباقر “57ـ 114هـ” ـ وفقاً لما نقله البلاذري وغيره من المؤرّخين ـ كان في عام: “80” من الهجرة في أيّام خلافة عبد الملك بن مروان، والذي أُطلق عليه بـ “سيل الجُحاف أو الجُراف”، بعد السيل المعروف الذي وقع في أيّام خلافة عمر بن الخطّاب، والذي سُمّي بـ سيل أم نهشل؛ لأنّ أم نهشل بنت عبيدة بن سعيد بن العاصي بن أميّة ذهبت فيه [فتوح البلدان: ص71].
#وعلى هذا الأساس: فكيف يمكن أن نفسّر هذه الرواية ذات السند الموثّق والصحيح؟! أ نرجع علمها إلى أهلها ونقول: إن هناك عنايات غيبيّة إلهيّة دخلت على الخطّ فأوقعت سيلاً في الحرم المكّي أدرك فيه الباقر “ع” جدّه الحسين “ع مرّة واحدة وهو في عمر الرابعة على أكثر التقادير، بينما نسمع من على المنابر بشكل متكرّر: إن الباقر “ع” حضر في واقعة كربلاء مع جدّه الحسين “ع”، وكان الأجدر أن يُذّكر زرارة بهذه الواقعة لا تلك؟! أم نحرّك عقولنا التي تعبّدنا الله تعالى بها ونقرّر جازمين بوقوع خطأ أو خلطٍ في نقل هذه الرواية الصحيحة والموثّقة، ونتجاوز عقدة الخوف والوجل التي رسّختها منابر التخريف في عقولنا؟!