هل تتفرّع المرجعيّة على ولادة المهدي “ع”؟!

#قبل أسابيع عقدت مؤسّسة الإمام علي “ع” في العاصمة البريطانيّة لندن مؤتمراً حمل عنوان: “المؤتمر الفكري الأوّل عن الحقيقة المهدويّة”، ومع الاحترام الوافر الّذي أكنّه لجميع المشاركين فيه لكنّي لم أر فيه ورقة بحثيّة تتحدّث وتجيب عن الأسئلة المُقلقة الّتي تعاني منها مقولة المهدويّة بصيغتها الشّيعيّة المتداولة وعرضها العريض أصلاً، بل إن عموم ما جاء فيه هو بحوث تقليديّة مكرّرة وبعضها ليس لها علاقة ببحث المهدويّة لا من قريب ولا من بعيد، وأظنّ جازماً إنّ الخطوط الحمراء المرسومة من قبل مؤسّسي هذا المؤتمر من الّذين وصلت عندهم الأحاديث الدّالة على المهدي “ع” إلى ستّة عشر ألف حديث منعت بعضهم من الحديث في ذلك وجعلت ضيوفه من لون واحد فقط، وهذا أمر طبيعي معروف في أوساطنا الشّيعيّة المرجعيّة.
#لكن والحقّ يقال: إنّ المساهمة الوحيدة الّتي رأيتها قد ذهبت صوب جوهر المشكلة الّتي تعاني منها مقولة المهدويّة الشّيعيّة بنحو من الأنحاء هي ما قدّمه تلميذ ومقرّر بحث السيّد السيستاني: سماحة السيّد منير الخبّاز “حفظه الله”، من خلال ورقته البحثيّة الّتي حملت عنوان: «العلاقة بين المهدويّة والمرجعيّة في الفكر الإمامي»، خلص فيها إلى عدم وجود علاقة عقديّة بين ولادة المهدي “ع” ووجوده وبين ثبوت منصب المرجعيّة، وقد وجدت من الّلازم تسليط الضّوء عرضاً ونقداً عليها؛ لما تحمله من تصوّرات نافعة.
#نصّ سماحته بداية على إنّ العلاقة بين المهدويّة والمرجعيّة يمكن تناولها من زاويتين: تشريّعية وعمليّة، أمّا التّشريعيّة فهي تهدف معالجة قضيّة عقديّة وهي: بيان ملاك العلاقة التّشريعيّة بين منصب الإمامة الخاصّة بالمهدي “ع” وبين منصب المرجعيّة، وأمّا العمليّة فهي تتجلّى بدور الفقيه في الحفظ الفكري والعملي لمدرسة أهل البيت “ع”، وسأقصر الحديث في هذا المقال على الزّاوية التّشريعيّة، وأتمنّى التّوفيق لعرض الزّواية الثّانية في مقالات لاحقة.
#أمّا الملاكات الفقهيّة المتصوّرة في تحديد جوهر العلاقة بين المهدويّة والمرجعيّة فقد نصّ سماحته على ما يلي:
1ـ ملاك النّيابة: وأفاد: إنّ «الشّائع في الفكر السّائد لدى الإماميّة إنّ ملاك قيمة الفقيه يبرز في نيابته عن الإمام الحجّة “ع”، وهذا هو سرّ العلاقة بين المرجعيّة والمهدويّة؛ فإنّ المرجعيّة تشكلّ النيابة عن الإمام المهدي “ع”…»، وخلص أخيراً إلى عدم تماميّة الدّليل الّلفظي على هذا الملاك، وإنّ ما يعبّر عنه بأنّ الفقيه نائب للإمام أمرٌ لا أصل له كما هو رأي المرحوم الخوئي.
2ـ ملاك الحجيّة: بأن يقال: إنّ حجيّة فتوى الفقيه أو مطلق حكمه إنّما تثبت إذا كان منصوباً من قبل الإمام “ع”، وقد ناقش في أسانيد النّصوص الدّالة على هذا الملاك، ورأى إنّ دلالتها بناءً على ثبوتها تتوقّف على إثبات ولادة المهدي ووجوده “ع”، وبالتّالي: فإنّ التّشكيك في ذلك يفضي إلى زعزعة حجيّة قول الفقيه في عصر الغيبة كما هو المصطلح في تسميته.
#وبعد أن أوضح سماحته عدم تماميّة ملاك النّيابة وملاك الحجيّة بالنّسبة للفقيه انتقل بعد ذلك لبيان الملاك الثّالث والمختار، والّذي يمكن عن طريقه نفي العلاقة العقديّة بين الإيمان بوجود المهدي “ع” وبين الإيمان بمنصب المرجعيّة، وبغية التّأصيل لضرورته طرح سؤالاً أعمق قائلاً: «هل هناك ترابط عقدي بين الإيمان بوجود الإمام الحجّة وبين الإيمان بمنصب المرجعية، بحيث لو أنكر شخص وجود الإمام الحجّة فهو بشكل تلقائي ينكر منصب المرجعيّة، أم لا ترابط بين الأمرين، فقد ينكر وجود الإمام الحجّة لكنّه يسلّم بوجود منصب المرجعيّة بملاكات أخرى غير ملاك النّيابة وملاك الحجيّة؟».
#أجاب سماحته بأنّ هناك ملاكاً آخر يمكن افتراضه لإثبات حجيّة قول الفقيه وهو ملاك المعرفة بتراث أهل البيت “ع”، وأفاد إن هذا الملاك يستفاد من مقبولة حنظلة ومن بعض الرّوايات الأخرى أيضاً [والّتي لا أريد الدّخول في سندها ودلالتها]، وإذا كان هذا هو الملاك في علاقة الفقيه بالإمام وإنّ الفقيه هو العارف بتراث أهل البيت “ع” وليس النّائب ولا إنّ حجيّته مجعولة من قبل الإمام بل الملاك هو المعرفة بتراثهم “ع”، فلا ملازمة عقديّة بين الأمرين، أعني: الإيمان بولادة المهدي “ع” ووجوده وبين حجيّة قول الفقيه على حدّ تعبيره.
#وبودّي أن أسجّل ملاحظتين عاجلتين:
#الأولى: عليّ أن أحيّ السيّد الخبّاز “حفظه الله” على جرأة الاعتراف المبطّن بوجود أزمة معرفيّة صناعيّة حقيقيّة في أدلّة وآليّات إثبات ولادته ووجوده “ع”، ووعيه أيضاً لحجم النّتائج الفقهيّة الخطيرة الّتي ستترتّب على ذلك، من هنا رأى إنّ أفضل طريق لتجاوز هذه العقدة هو الهروب للأمام وأتمنّى أن لا يفهمها إساءة أدب، وإنّ عدم الإيمان بولادته ووجوده ع لا يضرّ بشرعيّة عمل المرجعيّة ونشاطاتها وضرورة الالتزام بأوامرها وفتاواها، وكأن المشكلة الأصليّة الّتي تعاني الطّائفة الشّيعيّة منها هي في كيفيّة شرعنة عمل المرجعيّة بصيغتها المتداولة مالياً ومعنويّاً، لا الآثار العقائديّة والطّقوسيّة والاجتماعيّة والنّفسيّة الرّهيبة الّتي خلّفتها فكرة المهدويّة بصياغتها الشّيعيّة المتداولة.
#الثّانية: المعروف بين مشهور الفقهاء المعاصرين إنّ الخمس الشّيعي ينقسم إلى سهمين: سهم للإمام وسهم للسّادة، ومع افتراض عدم وجود وعدم صحّة ملاك النّيابة والحجّيّة المنصوصة فكيف يمكن للملاك الثّالث أن يصحّح جواز استلام شخص هذا الخمس فضلاً عن التّصرّف فيه؛ إذ من المعلوم إنّ هذا الخمس من مختصّات الإمام كما قرّروا، ومع عدم ولادته ووجوده فما هو الوجه الشّرعي لطلبه ومن ثمّ التّصرّف فيه، وهل إنّ صرف معرفة ودراية الفقيه بتراث أهل البيت “ع” يخوّله في استلام حقّ ثبت لإمام غير موجود أصلاً كما هو الفرض؟!