#في الحواضر الأكاديميّة يفرّقون بين نمطين من الكتب، الأوّل هو: [Handbook]، والثّاني هو: [Textbook]، ويُعنى من الأوّل: أي الكتاب الّذي يكتبه المنظّر لبيان نظريّاته وأفكاره وآرائه، ويُعنى من الثّاني: الكتاب الّذي يُكتب لغرض فهم النّظريّات والأفكار وشرح منهجها ومفرداتها ولغتها، وعلى أساس هذا التّفريق ذهب بعض المتنوّرين الإيرانيّين بحقّ إلى: إنّ واحدة من مشاكل حوزاتنا […]
#في الحواضر الأكاديميّة يفرّقون بين نمطين من الكتب، الأوّل هو: [Handbook]، والثّاني هو: [Textbook]، ويُعنى من الأوّل: أي الكتاب الّذي يكتبه المنظّر لبيان نظريّاته وأفكاره وآرائه، ويُعنى من الثّاني: الكتاب الّذي يُكتب لغرض فهم النّظريّات والأفكار وشرح منهجها ومفرداتها ولغتها، وعلى أساس هذا التّفريق ذهب بعض المتنوّرين الإيرانيّين بحقّ إلى: إنّ واحدة من مشاكل حوزاتنا العلميّة الأساسيّة تكمن في تدريسها طلّابها كتب النّوع الأوّل لا كتب النّوع الثّاني، وهذا خلط لا يقوم به أحد في العالم أصلاً؛ إذ لا تُدرّس جامعة هارفارد مثلاً كتاب النّسبيّة لأنشتاين؛ وذلك لأنّه كتاب: [Handbook] وليس: [Textbook].
#وفي سياق التّمثيل الإيضاحي لهذه الفكرة أفاد هذا المعاصر قائلاً: إنّنا حينما نعود إلى مناهج حوزاتنا العلميّة نجد إنّها تُدرّس كتب الشّيخ مرتضى الأنصاريّ في المكاسب والبيع والخيارات مثلاً، مع إنّها كتب من نوع: [Handbook] باعتبار إنّ الأنصاري عالم كبير وأراد طرح أفكاره ونظريّاته في هذه المدوّنات وليست كتباً درسيّة من نوع: [Textbook]، لكن السّادة في الحوزة تصوّروا إنّ كلّ ما يصدر من الإنسان الكبير فهو كتاب درسي ينبغي أن يقضي طالب الحوزة سنوات طويلة في فكّ رموز كتابه ومقاصده، مع إنّ هذه المهمّة ليست من وظيفته أصلاً. [من مقال فارسيّ نُشر في صفحة مصطفى ملكيان].
#وما أفادته السّطور أعلاه جدير بالاهتمام والعناية؛ خصوصاً ونحن نلحظ تسابقاً منقطع النّظير من قبل طلّاب الحوزة النّجفيّة في سبيل تدريس كتاب المكاسب وأخواته، مع إنّ هذه الكتب لا تُربّي طلّاباً قادرين على فهم الاجتهاد الدّيني حتّى بأدواته الحوزويّة التّقليديّة بقدر ما تستنزف وقت الطّالب بطريقة قاتلة؛ وذلك لأنّ المرجوّ من هذه الطّريقة من التّدريس إذا كان هو: إجادة الطّالب لطريقة تعاطي الأنصاري للممارسة الفقهيّة؛ وتفهيمه أنماط استظهاراته الرّوائيّة؛ وتعليمه طريقة محاكمته لنصوص الفقهاء؛ وتأصيلاته للأصول الّلفظيّة والعمليّة…إلخ؛ فإنّ هذه الأمور لا تتحقّق من خلال تحبيس النّفس في دراسة رتيبة ومطوّلة لكتاب بمئات الصّفحات لم يُكتب لهذا الغرض أصلاً ولا من خلال قضاء أوقات طويلة في إرجاع ضمائره وتفكيكها، وإنّما من خلال قيام لجان علميّة مختصّة بكتابة مناهج علميّة تشرح طريقة الأنصاري في التّفكير الفقهي والأصولي، وتدرّب الطّالب بطريقة مركّزة على إتقان هذه الطّريقة من خلال تقديم نماذج هامّة متنوّعة من تراثه؛ يتوفّر الطّالب من خلالها على أرضيّة لمراجعة نصوص الأنصاري وأضرابه مباشرة، وفهمها على أحسن وجه من دون الحاجة إلى معلّم أصلاً، وبهذا سيصبح بمرور الوقت قادراً على نقدها أيضاً.
#أمّا هذه الطّريقة التّقليديّة من التّدريس والّتي يصرّ عليها عموم الشّيبة ومقلّديهم فلا تحقّق فائدة للطّالب الحوزويّ في الأعمّ الأغلب بقدر ما تُسهم في تحقيق مكاسب إثباتيّة للأستاذ في الوسط الحوزويّ؛ بحيث يُعرف شارح نصوصها على إنّه أستاذ جيّد لهذه المادّة ومفكّك لنصوصها، وإنّ تزكياته مقبولة في مكاتب المراجع كأستاذ للسّطوح العليا مثلاً، ولهذا تجد: إنّ حوزاتنا ـ رغم الكثرة الكاثرة في طلّابها ـ لا تنتج محقّقين مدقّقين إلّا نادراً جدّاً وبجهود أغلبها شخصيّة، فليُتأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر