مساعي السيّد محسن الحكيم وحزب الدعوة في تعريب الحوزة النجفيّة.

في سياق الحلقة السابقة التي تحدّثنا فيها عن العوائق الكثيرة التي وضعت أمام طالب الحوزة العراقي في الحوزة النجفيّة في مرحلة ما قبل سبعينيّات القرن المنصرم، عرضنا لكلمات أثنين من أساتذة الحوزة الذين درسوا وترعرعوا فيها، أعني بهم السيّد أحمد المددي والسيّد علي أكبر الحائري، شرحوا الحالة ووصفوها أفضل توصيف، ووصلنا إلى مرحلة العلاج.
في مرحلة العلاج رأى المددي إن الذي ساهم في تغيير المسحة الفارسيّة للحوزة النجفيّة هم أثنان: السيّد محسن الحكيم ومرجعيّته؛ و حزب الدعوة الإسلامية.
قال المددي في بيان ذلك: «لقد سعت مرجعيّة السيّد محسن الحكيم وأولاده، وتنظيم حزب الدعوة إلى استقطاب الطلبة العراقيين إلى الحوزة، وتخريجهم علماء وفضلاء، وعدم الاكتفاء منهم بمسائل التبليغ والمنبر، وقد توصّل الحكيم إلى عدم كفاية الطبقة التي تتحرّك في شهر محرّم فقط، ولذا عزم على تخريج جيل جديد، فبنى لهم مدرسة، ووفّر لهم إمكانات، وقد أثمرت تلك الجهود بشكل جيّد، وتخرّج بعض الفضلاء العراقيين، وهذا ما كان يصبو إليه السيّد الحكيم من السير بالحوزة نحو الطابع العربي؛ وذلك لأنّ طلاب الحوزة غير العراقيين لم يكونوا بصدد التبليغ لعدم إلمامهم بالنطق بالعربيّة، فلم يكن لهم هدف سوى الدرس والوصول إلى مرتبة الاجتهاد، وأمّا طلّاب الحوزة العراقيين فحيث إنّه يمكنهم ممارسة التبليغ في بلدهم؛ فإنّهم سرعان ما يذهبون من النجف إلى مدنهم للإرشاد والتبليغ، فأراد الحكيم معالجة هذه الظاهرة وإبقاء العراقيين في النجف لتحصيل المراتب العلميّة العالية، طبعاً هذا لا يعني عدم وجود العلماء العراقيين في الحوزة، فقد كان أمثال الشيخ حسين الحلّي…، ولكن عددهم كان محدوداً».
وقال أيضاً في شرح دور حزب الدعوة حينها: «لقد كان لحزب الدعوة دور في الاتجاه بحوزة النجف نحو الطابع العربي؛ حيث إن الكثير من الطلّاب العراقيين يدخلونها من خلال هذا الحزب، أي أنّهم لكي ينخرطوا في صفوف الحزب كانوا يدخلون إلى الحوزة، وفي الحقيقة كان هذا التوجّه يسير تحت إشراف السيّد الحكيم، ولكن بتنفيذ من حزب الدعوة، وقد قاموا باستقطاب حتّى من لم يكن من الطلّاب العراقيين، كالشيخ محسن الآراكي الموجود حالياً في لندن [والكلام في 2004م]؛ باعتباره كان يجيد العربيّة، مع أنّه إيراني الجنسيّة»(1).
أمّا الحائري (الأخ) نزيل النجف، فيقول في حوار له مع نفس المجلّة التي أشرنا إليها سابقاً:
«لقد اتّجهت الحوزة في أواخر مرجعيّة السيّد الحكيم لتأخذ طابعاً عربيّاً أكثر من ذي قبل؛ حيث كانت تركيبتها فارسيّة، الأمر الذي خلق هوّة بين الحوزة والأمّة في هذا البلد العربي؛ ومن هنا أخذت هذه الحوزة في أُخريات عهد السيّد الحكيم في الاقتراب من الطابع العربي، لقد كانت الصبغة العامّة لحوزة النجف قبل ذلك فارسيّة؛ فدروس المراجع تُلقي بالفارسيّة، والحضور ينطقون الفارسيّة… ».
ويخلص الحائري (الأخ) أخيراً إلى القول: «كان للسيّد الشهيد الصدر دور كبير في تعريب الحوزة النجفيّة، وكسب الشباب العراقي إلى صفوف الحوزة؛ لتلقّي العلم والإفادة منهم في التبليغ والإرشاد، ومن هنا فقد تأسّست بعض المدارس العربيّة مثل مدرسة “العلوم الإسلاميّة” للسيّد الحكيم والتي عُرفت باسمه، وكانت إدارة هذه المدرسة بإشراف مباشر من السيّد الشهيد نفسه، واستطاعت هذه المدرسة في مدّة قصيرة لا تتجاوز الخمس إلى ستّ سنوات تخريج ثلّة من الفضلاء والعلماء، أمثال: السيّد الشهيد محمد باقر الحكيم، والشيخ التسخيري، وأخينا السيّد كاظم الحائري، والسيّد محمود الهاشمي…، وجميع هؤلاء هم من تلامذة السيّد الشهيد الصدر، وكان لهم دور في إدارة المدرسة»(2).
ولا أدري هل إن حزب الدعوة الذي تحدّث عنه المددي عن دوره في تعريب الحوزة يستبطن السيّد محمد باقر الصدر، أم إن السيّد محمد باقر الصدر الذي تحدّث الحائري (الأخ) عن دوره الكبير في تعريب الحوزة يستبطن حزب الدعوة؟ وكيف ما يكون، هذا هو حال الحوزة العلميّة في النجف الأشرف في منتصف القرن المنصرم، وكيف كانت الفارسيّة هي الحاجز الّلغويّ القهريّ الذي وضع أمام استقطاب ونموّ وتطوّر الطلّاب العراقيين، والذي بقيت آثاره حتّى هذه الّلحظة…
ـــــــــ
الهوامش:
(1) مجلّة: “پژوهش وحوزه” الفارسيّة، العدد (16)، ص 50ـ51.
(2) المصدر سابق، ص 65ـ66.