#قرّرنا فيما تقدّم: إنّ إمامة الإمام لا تثبت من خلال رواياته؛ وذلك للزوم الدّور أو ما يُشبهه، كما لا تثبت إمامة الإمام من خلال فعاله وممارساته؛ لأنّ ذلك من قبيل إثبات الأخصّ من خلال الأعمّ وهو واضح البطلان في فنّ المنطق، ومن هنا دعونا إلى المصير إلى معيار يمتلك دليليّة ذاتيّة أو دليليّة مكتسبة من دليليّة ذاتيّة لإثبات ذلك، وقلنا: إنّ الأمر ينحصر في محلّ بحثنا بمحكم القرآن وصحيح السُنّة… أمّا اليوم فسنوسّع الحديث في أصل الدّعوى لنقرّر: إنّ إمامة الإمام لا تثبت من خلال جميع أصناف مرويّاته أيضاً، ونعني من مرويّاته أي إخباراته ونقولاته عن مرجعيّة عليا ثبتت حجيّتها في رتبة سابقة.
#بيان ذلك: إذا جاءك “أ” من النّاس وقال لك إنّ كلامي حجّة عليك وأنا إمامك، فلا يحقّ لك معرفيّاً أن تسلّم بكلامه دون أن يبرز لك دليلاً على ذلك؛ فإنّ مجرّد الادّعاء دون إظهار دليل لا ينجّز عليك تكليفاً في امتثاله، وعليه: فلا خيار له لإثبات إمامته بالنّسبة إليك إلّا أن يتوسّل بدليل ثبتت حجيّته لك في رتبة سابقة وهو: محكم القرآن وصحيح السُنّة حسب الفرض.
#وتأسيساً على هذا الإيضاح الّذي قدّمناه في المثال أعلاه نعود لتطبيق ذلك على محلّ البحث وهو: “الإمامة الشّيعيّة بصيغتها الإثني عشريّة وعرضها العريض” فنقول: إنّ آيات القرآن الموجودة بين الدّفتين لا تتحدّث عنها ولا تثبتها جزماً، أو إنّها لا تتحدّث عن مصاديقها على أقل تقدير إذا ما أردنا أن نُساير الاتّجاه الشّيعيّ المتداول في التّفكير، وعليه: فإنّ استدلال الشّخص بصرف القرآن لإثبات إمامته غير سديد.
#وأمّا الاستدلال بالسُنّة كأن يروي مدّعي الإمامة عن الرّسول ص حديثاً ينصّ على إمامته فربّما يقال بإمكانيّة ذلك؛ فإنّنا إذا رفعنا الغطاء الكلامي الحديدي الّذي فرضه المتكلّمون على الإمام فسوف يكون حاله حينئذ حال أيّ راو آخر من حيث الوثاقة وعدمها، وينبغي معاملة مرويّاته وإخباراته ونقولاته بنفس الطّريقة المتداولة والمعروفة في علم الدّراية والرّجال، ومن الواضح الّذي لا شكّ فيه: إنّ أئمّة أهل البيت الأحد عشر الّذين تعاملوا مع النّاس صادقون عادلون ورعون متّقون ولا يوجد فيهم ريب من هذا الجّانب، [نعم الثّاني عشر منهم لم يظهر للنّاس لذا لا يمكن الحديث عنه من هذا الجّانب]، فإذا أخبر أحد هؤلاء الأئمّة الأحد عشر من حيث إنّهم رواة عن جدّهم محمد “ص” قولاً يفيد كونهم أئمّة فينبغي الأخذ بكلامهم لإثبات إمامتهم وحجيّة أوامرهم ونواهيهم، ولكن:
#إنّ المشكلة الحديثيّة العميقة الّتي تواجه بعض مرويّات الإمام بما هو راو وتُسقطها عن الاعتبار والحجيّة أيضاً هي مشكلة الإرسال، والّتي تعني: إنّ الإمام ينقل رواية أو خبراً أو حادثة ويحذف الواسطة أو الوسائط الّتي أخبرته بهذا الخبر؛ كما إذا نقل الصّادق “ع” حادثة حصلت في زمن جدّه الحسين أو علي “ع” أو محمد “ص”؛ فإنّ مثل هذا الخبر يُعبّر عنه في علم الحديث والرّجال بالخبر المُرسل ما دامت فرضيّة تواصله المباشر معهم “ع” ممتنعة، نعم؛ عالج الشّيعة الأثنا عشريّة هذه المشكلة بطريقتين:
#الأولى: من خلال حلّ مشكلة الإرسال الموجودة في الحديث وذلك بذكر إسناد عامّ له؛ حيث روى بعضهم عن الإمام قوله: «حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين “ع” وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله “ص”، وحديث رسول الله قول الله عز و جل»، وبهذه الفرضيّة تُحلّ مشكلة الإرسال في هذه الإخبارات، وتصبح مسندة حينذاك.
#ولكن مشكلة روايات هذه الطّريقة هي إنّها إمّا بلا إسناد أو ذات إسناد ضعيف جدّاً، بل لا يبعد أن تكون من وضع بعض المتكلّمين والمحدّثين لتجاوز هذه المشكلة العميقة.
#الثّانية: من خلال فرضيّة عصمة الرّاوي؛ فإذا كان الرّاوي معصوماً فلا خطأ ولا كذب ولا اشتباه في حقه أصلاً، فترتفع مشكلة الإرسال من رأس.
#ولكن حيث إنّ الحديث لا زال قائماً بغية إثبات إمامته فضلاً عن عصمته فلا تصلح مثل هذه الفرضيّة لحلّ مشكلة الإرسال في هذا الصّنف من المرويّات، وهذا ما بدا واضحاً في مصنّفات عموم المذاهب الأخرى الّتي لا تعتقد بعصمة أهل البيت “ع”؛ حيث استشكل بعضهم من الاعتماد على مراسيل الأئمّة “ع” عن جدّهم “ص”.
#نعم؛ يمكن الّلجوء إلى الغطاء الكلامي الّذي نفرضه على الإمام ونرفع به مشكلة الإرسال في بعض مرويّاته في غير إخباراته الّتي يُراد إثبات إمامته أو إمامة من قبله أو من بعده بها؛ وذلك لأنّ الغطاء الكلامي إنّما يترتّب بعد فرضيّة ثبوت كونه إماماً بدليل غير مرويّاته كما أسلفنا، وهذه الأخبار ما دامت مراسيل فلا يمكن الاعتماد عليه فيها لتصحيحها، لذا نرجو ملاحظة هذه النّقطة الجّوهريّة في المنهج المختار؛ وستتجلّى لكم آثارها بوضوح في المقالات الّلاحقة، والله من وراء القصد.