#عرف السيّد السّيستاني “حفظه الله” جيّداً إنّ رفع اليد عن تطبيق نظريّة مجهول المالك على ما يُصطلح عليه بأموال الدّولة أمر متعسّر بل متعذّر وفقاً لقواعد الصّناعة الّتي تعلّمها من أساتذته، كما عرف أيضاً إنّ تطبيقها والإفتاء على أساسها أمر يُسهم في تركيز الفساد الإداري والمالي أكثر ممّا هو حاصل اليوم، لذا رأى أفضل طريق للهروب العلمي من هذا الموضوع هو تركيز حكم آخر هو عدم جواز مخالفة القانون واستنباط الحرمة من خلال عدّة عناوين أوليّة وثانويّة أخرى؛ ولهذا تجد بيته الكريم يجيب كلّ الأسئلة المتعلّقة بأموال الدّولة وحيازتها بضرورة اتّباع الطُرق الأصوليّة والقانونيّة في سبيل الحصول عليها، ولا يجوز مخالفتها.
#لكنّ هذا الجواب وإن كان نافعاً في الحدّ من تفشّي ظاهرة الفساد والاستحواذ على أموال الدّولة بنحو من الأنحاء، لكنّه لا يحلّ أساس المشكلة، ويبقى المجال مفتوحاً على مصراعيه للاستحواذ على أموالها وممتلكاتها؛ وذلك لأنّ الإفتاء بحرمة مخالفة القانون لا تعادل الإيمان بملكيّة الدّولة شرعاً أصلاً، وإنّ تحريم الأوّل من قبل السّيستاني لا يعني إثبات الثّاني من قبله أيضاً، ولهذا تجده يُنكر بصريح العبارة صحّة التّصرّفات الماليّة للدّولة في بعض المواطن والمعاملات رغم كونها قانونيّة، ويعزو عدم إمضائه لها وعدم اعتبار الدّولة مالكة فيها إلى كونها على خلاف المصلحة العامّة كما جاء في استفتاء منشور في موقعه الرّسمي.
#لكنّني سأسأل السيّد السّيستاني مجموعة أسئلة واقعيّة وعمليّة، واعتقد إنّ الإجابة عليها أو التّفكير في إجابتها سيحلّ ألغازاً كثيرة أخفيت عن عموم النّاس بعمد وتقصّد:
#هبْ إنّ الجهات المسؤولة ذات الصّلاحيّة حسب القانون أقدمت على منح قطع أراضٍ كبيرة وواسعة وفي مناطق نوعيّة مهمّة أيضاً؛ لبناء مراكز ومؤسّسات وأضرحة ومراقد لرموز أحزاب معيّنة وبأسعار رمزيّة زهيدة جدّاً، وفي هذا المنح استيلاء على حقوق المواطنين وبخسٍ لحقّهم، فهل إنّ سماحتكم يمضي مثل هذه المعاملات ويجيزها، وبالتّالي يصحّح الصّلاة وبقيّة الأعمال العباديّة فيها باعتباركم تعتقدون إنّ الحيازة توجب الملكيّة أو احقيّة التّصرّف إذا كانت وفق القانون الصّادر من الجهات المسؤولة ذات الصّلاحيّة مثلاً؟! أم إنّكم تعدّونها على خلاف المصلحة العامّة ولا تمضونها ولا تعتقدون بكون تلك الجهات مالكة أصلاً لكي تهب وتمنح هذه المنح أصلاً كما سجّلتم تحفّظكم الصّريح على شراء الأسلحة من قبل الدّولة مثلاً؟!
#ماذا عن القوانين الّتي أقرّها البرلمان العراقي والّتي منحت ما شاء الله من مقلّدي سماحتكم وغيرهم تعويضات وقطع أراضٍ وتخصيصات وبعناوين جهاديّة مختلفة ومتنوّعة؛ وهو أمر يتنافى «مع رعاية التّساوي والعدالة بين أبناء الشعب» حسب نصّ تعبيركم ودعوتم البرلمان القادم إلى إعادة النّظر فيها؟! وماذا عن المنح والامتيازات والتّخصيصات الهائلة الّتي أقرّها البرلمانيّون لأنفسهم أيضاً، فهل تمضون مثل هذه المعاملات أم ترفضونها؟! وهل طلبتم من مقلّدي سماحتكم الّذين استلموا هذه الأموال أن يجروا وظيفة مجهول المالك ويتملّكونها بالنّيابة عن موكّليكم الفقراء كما أذنتم لهم في استلام رواتبهم وعرق جبينهم بنفس الحيلة المذكورة مثلاً، أم إنّكم اعتبرتم الدّولة مالكة فلا حاجة لإجراء هذه الوظيفة؟!
#اعتقد إنّ سماحة السيّد السّيستاني أو بيته الكريم “حفظه الله” وإن استطاع أن يحدّ من ظاهرة التّجاوز على القانون والاستيلاء على الأموال العامّة من خلال تشديد النّكير على من يطبّق فتواه في جواز إحياء الأرض الميّتة بالأصل على تفصيل تقدّم، لكنّه فتح نافذة كبيرة من السّرقة الشّرعيّة للسّياسيّن والأحزاب المتنفّذة للاستحواذ على الأموال العامّة من خلال حكمه بعدم جواز إحياء الأرض الموات إلا بإذن الجهات المسؤولة ذات الصلاحية حسب القانون وفق تعبيره، ويبدو إنّ بيته الكريم اكتشف خطأ ما قاموا به في الفترة السّابقة من منح القانون بمفرده مثل هذه الصّلاحيّات؛ إذ تمكّنت الأحزاب والتّيارات والمنظّمات المتنفّذة ـ والّتي جاء شخوصها بدعم سماحته المباشر ـ من تشريع القوانين وتفصيلها بالطّريقة الّتي يريدونها والمتواءمة مع حاقّ حكم السيّد السّيستاني آنف الذّكر، وها هم في الخطبة الأخيرة قفلوا ليعيدوا الشّرعيّة والمرجعيّة للقانون الّذي يقرّه الشّعب ويرى فيه مصلحته حصراً لا كلّ قانون، ولات حين مندم، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#مرجعيّات_مجهول_المالك