ما الذي يدعو المرجع السيستاني إلى الصمت تجاه التطبير؟!

#تتذكّرون ذلك الموقف الشديد الذي اتّخذه المرحوم السيّد علي السيستاني “الجدّ” تجاه دعاة المشروطة، حينما كفّرهم وأباح قتلهم ومالهم… وتستحضرون أيضاً كيف إنّ السيّد علي السيستاني “الحفيد” اتّخذ موقفاً على طرفي النقيض من طبيعة مواقف المرحوم جدّه، فحاول على طول خطّ مرجعيّته أن يلتزم الصمت إزاء المواقف الحسّاسة التي تعصف بالأمّة الشيعيّة، ويراعي التوازنات الحوزويّة أكثر من الّلازم؟!
#فالتجربة نفسها تتكرّر في التطبير أيضاً؛ فالسيستاني “الحفيد” لا يجازف بموقف يتناقض مع كبرى رعاية التوازنات الحوزويّة الخاطئة وإمساك العصا من الوسط؛ لأنّ الصراع حول التطبير بين فقهاء ومراجع النجف وغيرها قائم على قدم وساق منذ ثلاثينيات القرن المنصرم وحتّى الّلحظة، وقد فسّق وضلّل كلّ طرف طرفه الآخر… سأترك المجال إلى حفيد الرجالي الشهير عبد الله المامقاني [صاحب تنقيح الرجال “1873ـ1932م” الذي طبعته مؤسّسة آل البيت التابعة للحجّة جواد الشهرستاني مؤخّراً] يحدّثنا عن هذا الصراع وعن منجزات جدّه فيقول:
“كان (رحمه الله) من البكّائين جدّاً، بل كانت تأتيه الهيئات الحسينيّة صباح عاشوراء وبعض أيام محرّم أو الوفيات لتعزيته، وتقوم بإجراء مراسم العزاء واللطم والتطبير في حضوره، وكان يباشر ذلك أحياناً بنفسه فيأتيه البعض متبرّكاً، وهو على كلّ كان من المحَبِّذين لها والمشجّعين عليها، والمرتئين ضرورة إحيائها بالشكل المتّبع بين الناس، فكان أن أسفرت هذه المساجلات بانتصار الحقّ وحزبه حينذاك”.
ولم يقتصر حفيد المامقاني على هذا المنجز فقط، بل ترقّى ليقدّم لجدّه منجزاً آخر هو رجم بالغيب ليقول: “ولولا مواقف أمثال الشيخ الجدّ وشريك درسه وجهاده الشيخ محمّد جواد البلاغي والشيخ الجزائري وغيرهم… في الوقوف أمام #أعداء الشعائر الحسينية والمجالس العزائيّة لما وجدت في يومك هذا بقية باقية [!!!]”.
لكن دعونا نستوضح من حفيد المامقاني عن المنجز الذي قدّمه جدّه وزملاؤه في هذا الخصوص والذي دعاه لتسجيل النتيجة المتقدّمة، فنراه يجيب: “فهم (رحمهم الله) قد التزموا بها عملاً، ودافعوا بأقلامهم وأجسادهم… ، فقد قاوموا حملات التبشير بكلّ ما أوتوا من حول وقوّة، ونقد خصومهم ومحاربة أعداء أهل البيت (ع) بلا هوادة، والإشادة بذكرهم وإقامة شعائرهم، فحين ما أفتى بعض علوي الشامّ وتبعه علوي آخر من البصرة ـ وكم لاقت الشيعة من الشام والبصرة يا للأسف ـ بحرمة هذه الشعائر؛ بدعوى: تنزيه الطائفة منها، فكان أن قام هؤلاء الأشاوس أمام هذه الصرخات، واستقبلوا هذه الأراجيف بكلّ رحابة صدر من المغرضين ـ القاصرين منهم أو المقصرّين ـ وكان أن زمّر لها أعداء الدين وطبّل لها بعض المغرضين ، فكان دوره … [أي جدّه المامقاني] وتلك الثلّة الطاهرة واضحاً جليّاً صلباً عتيّاً، فبادر أوّلاً بتأليف أوّل كتاب ردّ عليهم وتبعه من تبعه، ولم يكتف بذلك بل شوهد هو ـ مع كبر سنه وضعف بدنه وما هو عليه ـ وأصحابه الميامين أمام الحشود الحسينيّة المتجمهرة للعزاء، وهم حُفاة #مطيّنة وجوههم [!!]، مفتوحة صدورهم، وهم يضربون عليها ويسبلون الدموع، وأمامهم الطبول وخلفهم الأعلام والمؤمنون، فكان منظراً مشجياً في يوم عاشوراء أبقى هذه الحركة المباركة إلى سنين متطاولة، وكان وليد ذلك تأسيس الهيئة النجفيّة (المشاهدة) في كربلاء المقدّسة والّتي بقيت إلى أيامك القريبة… وقد شاهدت المراسم الحسينيّة أمثال هذه العواصف الهوجاء، والصرخات الحمقاء، إلّا أنّها بقيت وستبقى ما دام اسم الحسين (ع) قد كلّل بالدم”. [تنقيح المقال، المقدّمة: ق1، ص401ـ402].
#أقول: كيف تريدون من السيّد علي السيستاني “الحفيد” أن يطرح موقفاً مناهضاً للتطبير وهو يستحضر هذا السياق المؤلم والحزين أمامه؟! كيف تريدون منه أن يطرح موقفاً موافقاً للتطبير وهو يرى إن الأكثريّة الشيعيّة المتنوّرة ضدّه؟! بين هذا وذاك لا شكّ بإنّه رجّح وسيرجّح الصمت على الكلام، نعم ربّما يختلف معه آخرون، ويرون منه ضرورة إبداء موقف حاسم حيال هذا الموضوع، خصوصاً وهو يعيش “أطال الله عمره” السنوات الأخيرة من حياته الكريمة.