روى الطّوسي بإسناده صحيحاً عند #بعضهم عن معمّر بن خلّاد إنّه قال: كنت جالساً عند الرّضا “ع” في آخر يوم من شعبان ولم يكن “ع” صائماً، فجيء له بالطّعام فقال “ع”: أدن [أي تفضّل] وكان ذلك بعد العصر، فقلت له: جعلت فداك صمت اليوم، فقال لي “ع”: ولم أنت صائم؟! فقلت له: جاء عن الصّادق “ع” في اليوم الذي يُشكّ فيه أنّه قال: «يوم وفّق الله له»، فقال له الرّضا “ع”: «أ ليس تدرون إنّما ذلك إذا كان لا يعلم أ هو من شعبان أم هو من شهر رمضان، فصامه الرّجل وكان من شهر رمضان كان يوماً وفّق الله له، فأمّا وليس [في السّماء] علّة ولا شبهة فلا»، فقلت له: أفطر الآن؟ فقال: لا…إلخ». [تهذيب الأحكام: ج4، ص166].
#وقد استظهر السيّد السيستاني وغيره أيضاً من هذه الرّواية ما يدعم مبنى المشهور في إنّ المكلّف مأمور بالصّوم والأفطار على أساس رؤية الهلال في بلده والبلدان المقاربة له جدّاً وليس له علاقة برؤية الهلال أو إمكانيّتها في البلدان البعيدة عن بلده… وبغضّ الطّرف عن تماميّة هذا الاستظهار وعدم تماميّته فهذا أمرٌ لا يعنيني في الوقت الحاضر، لكنّ ما يهمّني استظهاره من الرّواية ما يلي:
#الرّاكز في أذهاننا وفي ثقافتنا إنّ الإمام لا يدع مستحبّاً إلّا ومارسه ولا مكروهاً إلّا وتركهه، كما إنّ الرّاكز في أذهاننا انسياقاً مع الروايات الكثيرة استحباب صوم شعبان وضرورة وصله برمضان أيضاً بل هو من علامات #التّديّن عندنا، لكن لماذا لم يصم الرّضا “ع” هذا اليوم من شهر شعبان ولماذا استغرب على معمّر بن الخلّاد صيامه أصلاً؟! أ لم يحتمل “ع” إنّ معمّراً قد صام هذا اليوم انسياقاً مع الأخبار الّتي شاعت حول استحبابه والّتي روي بعضها عنه أيضاً خصوصاً وإنّ هذا اليوم لم يكن يوم شكّ بالنسبة له “ع” لكي يدخل ضمن عمومات بعض النّصوص النّاهية؟!
#ومهما اخترنا من أجوبة وتبريرات لهذه الأسئلة لكنّ ما تكشف عنه هذه الرّواية وأشباهها ممّا سنذكره أيضاً ولو بالالتزام هو: إنّ المرجعيّة العلميّة الرّاكزة والمعروفة والواضحة للّرواة في تلك الحقبة هي النّصوص الرّوائيّة الغفيرة المرويّة عن الصّادقين “ع” حصراً؛ بحيث إنّ الأصحاب كانوا يمتثلون لها وينشرونها ويطبّقونها من غير حاجة إلى الاستفسار من الأئمّة الّذين لحقوهم إلّا لغرض الإيضاح والشّرح، ومن هنا تضحى فكرة تعقّل ثبوت ولاية استصدار أحكام ولائيّة ماليّة فضلاً عن تشريعيّة للأئمّة المتأخّرين “ع” بحاجة إلى مزيد من التّأمّلات، وهذا ما سنعمّقه لاحقاً إن شاء الله تعالى.