لماذا لم يصل المحقّق العراقي للمرجعيّة؟!

يحدّثنا الأديب والقاصّ النجفيّ الشهير جعفر الخليلي (1904ـ1985م) عن “بعض” الأسباب الواقعيّة لعدم وصول بعض العلماء لمنصب المرجعيّة العليا، الخليلي الذي خبر بيوت المراجع ودخل وغاص في أوساطها وعرف أسرارها يقدّم لنا هذه المرّة تحليلاً واقعيّاً عن سبب عدم وصول الأغا ضياء الدين العراقي (1862ـ 1942م) إلى منصب المرجعيّة العامّة فيقول:
#إنّ للوصول] للمرجعيّة الكبرى مراسم وأساليب والتزامات خاصّة، إذا خرج عنها الروحاني بعدت عنه الزعامة والمرجعيّة على قدر ابتعاده عن الأخذ بتلك الاعتبارات والالتزامات؛ فالعرف والمفاهيم العامّة تتطلّب من المرشحّ للزعامة الدينيّة الكبرى أن لا يضحك مثلاً، وأن يكتفي بابتسامة خفيفة إذا اُقتِضى أن يضحك، وأن يبتعد عن التجديد في هيئته وحياته الخاصّة والعامّة، وأن يقصر اهتمامه وأكثر اهتمامه في الزهد والقناعة، وأن يقتصر على قدر الإمكان في الكلام، وأن يمشي مشية رتيبة موزونة ثقيلة، وإلّا كان كبعض الناس، وإذا صار كبعض الناس فلتت منه صفة العظمة التي يسبغها الناس على الزعماء الروحانيّين، وقد أدرك ناسنا في السنين الأخيرة عدداً غير قليل من هؤلاء الذين قصّر بهم مزاجهم ورقّة حاشيتهم وعدم التزامهم بتلك الطقوس عن بلوغ كرسيّ الزعامة، في حين تبوّأه من هم أقل درجة علميّة منهم.
#أجل]؛… كثيراً ما كان يُرى الشيخ ضياء [العراقي] وقد اقتعد أحدى قمم هذه التلول المحيطة بالنجف قبيل غروب الشمس أو بعيده وحوله بعض التلاميذ، وهو يستعرض الغادة والمارّين من الناس، ويستنشق الهواء، في الوقت الذي ينتظر الناس من الذي يُعدّ نفسه للمرجعيّة أن يكون في مثل هذه الساعة في الحرم الشريف أو الصحن أو المسجد، وقد #لفّ حنكه حول رقبته خاشعاً يُصلّي إلى الله… وكثيراً ما ترى الشيخ… العراقي وقد وقف يصّلي صلاة الصبح فوق دكّة الحمّام العمومي وليس بينه وبين شروق الشمس إلّا بضع دقائق، والناس ينتظرون من الّذين يتصدّون لأن يكونوا مراجع دين أن يكون قد انتهوا من صلاة الصبح عند الفجر، وفي المسجد أو في الحرم الشريف، لا في الحمّام أو البيت… هذا إضافة إلى مرحه وضحكاته الرنّانة، ومناقشاته الطويلة التي تجري في مجلسه، ومعاملته لتلاميذه وأصدقائه معاملة الندّ للندّ” [هكذا عرفتهم: ج1، ص197].
#أقول: لا تستغرب النقل أعلاه على الإطلاق، عش بواقعيّة، وأفهم الأمور بواقعيّة، وأترك عنك النفاق المقنّع والمشرعن الذي تراه وتسمعه من بعض المتصنّعين، وعلى أساس هذا التفريق ميّز البساطة الحقيقيّة من التصنّع الوهمي الذي تلحظه في “بعض” زوايا حوزاتنا العلميّة.