لماذا زار الصّادق “ع” رأس الحسين “ع” ولم يزر بدنه؟!

2 نوفمبر 2017
1334
ميثاق العسر

#لم يحمل الموروث الرّوائي الشّيعي المروي ولا رواية واحدة عن الأئمّة “ع” ـ وأتمنّى التّركيز على قيد عن الائمّة ـ تنصّ على إنّ رأس الحسين “ع” عاد فدفن مع جسده الطّاهر في كربلاء مع إنّ هذا هو الرأي المعروف والسّائد بيننا، بل ادّعى ابن طاووس ابن القرن السّابع: إنّ عمل الطّائفة قائم على هذا الأساس!! […]


#لم يحمل الموروث الرّوائي الشّيعي المروي ولا رواية واحدة عن الأئمّة “ع” ـ وأتمنّى التّركيز على قيد عن الائمّة ـ تنصّ على إنّ رأس الحسين “ع” عاد فدفن مع جسده الطّاهر في كربلاء مع إنّ هذا هو الرأي المعروف والسّائد بيننا، بل ادّعى ابن طاووس ابن القرن السّابع: إنّ عمل الطّائفة قائم على هذا الأساس!! لكن هذا الموروث حمل روايات عدّة تنصّ على إنّ رأسه الشّريف “ع” قد دّفن في الغري أو ما يقرب منها؛ إذ عنون الكليني صاحب أهمّ كتاب روائيّ معتبر لدى الشّيعة الإثني عشريّة باباً في كتابه الكافي حمل عنوان: “باب موضع رأس الحسين “ع” ” انتخب فيه من الأصول الأربعمائة المعروفة روايتين تنصّان على هذا المضمون؛ كما أورد هذه الرّوايات ابن قولويه في كتابه المشهور “كامل الزّيارات” والّذي آل على نفسه أن لا ينقل إلّا من جهة الثّقات من أصحابنا، ولا يُخرج فيه حديثاً من أحاديثهم روي عن الشُذّاذ من الرّجال غير المعروفين بالرّواية، المشهورين بالحديث والعلم. [كامل الزّيارات: ص4]؛ كما نقل شيخ الطّائفة الطّوسي بعض هذه الرّوايات في كتابه التّهذيب [ج6، ص35]، وصرّح ابن طاووس بوجود روايات كثيرة مختلفة عمّا نسبه إلى عمل الطّائفة لكنّه ترك ذكرها رعاية للاختصار!! [الملهوف: ص195].
#ومع إغماض الطّرف عن بقيّة الآراء الموجودة في خصوص محلّ دفن رأس الحسين “ع” وعن حقّانيّة أيّ منها فهذا ما لا يهمّني فعلاً الخوض فيه، لكنّي أريد أن أسلّط الضّوء على الأسئلة المُقلقة الّتي تُراود أيّ باحث يقرأ الحقيقة بتجرّد وموضوعيّة وهو يتفحّص الموروث الرّوائي الشّيعي المتداول، ولكي أضع القارئ في السّياق الصّحيح عليّ أن أنقل بعض النّصوص الرّوائيّة الّتي ذكرها المحدّثون الشّيعة في باب موضع دفن رأس الحسين “ع” لأعلّق بعد ذلك عليها:
#الأولى: روى الكليني وابن قولويه بأسنادهما عن عمر بن طلحة القول: «قال لي أبو عبد الله [الصّادق] “ع” وهو بالحيرة: أ ما تريد ما وعدتك؟ قلت: بلى، يعني الذهاب إلى قبر أمير المؤمنين “صلوات الله عليه” قال: فركب وركب إسماعيل وركبت معهما، حتى إذا جاز الثوية وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض نزل ونزل إسماعيل ونزلت معهما، فصلّى وصلّى إسماعيل وصلّيت، فقال: لإسماعيل قم فسلّم على جدّك الحسين “ع”، فقلت: جعلت فداك أ ليس الحسين بكربلاء؟! فقال: نعم، ولكن لما حمل رأسه إلى الشّام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين “ع”» [الكافي: ج4، ص571؛ كامل الزّيارات: ص34].
#الثانية: روى الكليني وابن قولويّه أيضاً بأسنادهما عن أبان بن تغلب القول: «كنت مع أبي عبد الله “ع” فمرّ بظهر الكوفة فنزل وصلى ركعتين، ثمّ تقدّم قليلاً فصلّى ركعتين، ثمّ سار قليلاً فنزل فصلّى ركعتين، ثم قال: هذا موضع قبر أمير المؤمنين. قلت: جعلت فداك فما الموضعين الّلذين صليت فيهما؟ قال: موضع رأس الحسين “ع” وموضع منبر القائم “ع”».
#الثّالثة: روى الطّوسي بأسناده عن مبارك الخبّاز قوله: «قال لي أبو عبد الله “ع”: أسرجوا البغل والحمار في وقت ما قَدِم وهو في الحيرة، قال: فركب وركبت حتى دخل الجرف ثمّ نزل فصلّى ركعتين، ثمّ تقدّم قليلاً آخر فصلّى ركعتين، ثمّ تقدّم قليلاً آخر فصلّى ركعتين، ثمّ ركب ورجع، فقلت له: جعلت فداك ما الأولتين والثانيتين والثالثتين؟! قال: الركعتين الأولتين موضع قبر أمير المؤمنين “ع”؛ والركعتين الثانيتين موضع رأس الحسين “ع”؛ والركعتين الثالثتين موضع منبر القائم “ع”». [تهذيب الأحكام: ج6، 34].
ومن حقّي أن أطرح بعض التّساؤلات:
#أوّلاً: أنا لا أدري لماذا زار الصّادق “ع” رأس الحسين “ع” في ظهر الكوفة وصلّى ركعتين فيه ولم يذهب صوب كربلاء الّتي تبعد بضعة فراسخ ليكمل زيارة بدن الحسين “ع” مع إنّ المرويّ عنه “ع” الحثّ الشّديد جدّاً على زيارة الحسين “ع” حتّى في أحلك الظّروف… فهل كان يقصد من زيارة الحسين “ع” زيارة رأسه أم زيارة بدنه أمّ إنّ الغرض يتحقّق بأيّ منهما؟!
#وثانياً: روى ابن قولويه في كامل الزّيارات بأسناده عن يونس بن رفيع عن الصّادق “ع” القول: «إنّ عند رأس الحسين بن علي “ع” لتربة حمراء فيها شفاء من كل داء إلا السّام…إلخ» [ص279]، ولا أدري هل إنّ مقصود الصّادق “ع” من رأس الحسين “ع” أي المكان الّذي زاره في الغري كما نقلنا ذلك عن نفس ابن قولويه آنفاً أم مقصوده رأس الحسين “ع” الّذي تعتقد الطّائفة الشّيعيّة ـ كما يدّعي ابن طاووس ـ بدفنه في كربلاء مع جسد الحسين “ع”؟!
#وثالثاً: نصّ صاحب العروة على إنّ الأولى الصّلاة عند جهة الرأس من قبور الأئمّة، وقد أفاد المرحوم الخوئي في بيان سبب ذلك قائلاً: «للرّوايات مستفيضة باستحباب الصّلاة عند رأس الحسين “ع”» [شرح العروة الوثقى: ج13، ص206]، ، والغريب إنّ بعض هذه الرّوايات جاءت عن الصّادق “ع”، وهذا هو المعروف والشّائع والمتداول بيننا في هذه الأيّام، فهل إنّ مقصود هذه الرّوايات رأس القبر أم رأسه الشّريف؟!
#ورابعاً: أنا لا أدري أيضاً لماذا يُغفل فقهاء الشّيعة هذه النّصوص الرّوائيّة الواضحة والصّريحة ـ بغضّ الطّرف عن قناعتي الشّخصيّة فيها ـ ويتجاوزنها ولا يعيرون لها أيّ أهميّة في قبال الرأي التّاريخي الّذي لا تسنده ولا رواية واحدة النّاص على إنّ الرأس الشّريف إلحق بالبدن، لكن حينما يأتون إلى أبحاث عقديّة ومفصليّة مهمّة جدّاً يقدّمون الرّوايات الضّعيفة والمفبركة ويتجاوزون البحث التّاريخي المؤكّد والحتمي الّذي يكذّبها، مع إنّ حكم الأمثال فيما يجوز ولا يجوز واحد؟!
#هناك المزيد من الأسئلة الّتي تكتنف هذا الموضوع تركتها خشية الإطالة، لكنّي أردت من خلال هذه الإثارة أن أفتح للقرّاء الكرام كوّة صغيرة لعلّهم يخرجون من دهليز الواضحات المشهورات القطعيّات الضّروريّات الّذي أدخلتهم تربيتهم المذهبيّة فيه؛ فالعقائد الّتي تُرسم بالقوّة ستتهدّم بالقوّة أيضاً، لكن قوّة العلم والوعي والمعرفة تختلف عن قوّة التّسقيط والقمع والتضليل والانحراف، وعلى الله الاستناد والاعتماد.


تنطلق إجابات المركز من رؤية مقاصدية للدين، لا تجعله طلسماً مطلقاً لا يفهمه أحد من البشرية التي جاء من أجلها، ولا تميّعه بطريقةٍ تتجافى مع مبادئه وأطره وأهدافه... تضع مصادره بين أيديها مستلّةً فهماً عقلانياً ممنهجاً... لتثير بذلك دفائن العقول...