لماذا استتر الإمام؟!

#ثمّة مساجلات هامّة حول المهدويّة بالقراءة الشّيعيّة المتداولة ونظام السّفارة وجباية الأموال كان قد طرحها أبو زيد العلوي في كتابه “الإشهاد”، [وهو من أحفاد زيد الشّهيد “ع” والمعاصر لفترة ما يُصطلح عليه بالغيبة الصّغرى]، وهي نابعة من هاجس أقلق عموم المرتبطين بأهل البيت “ع” في تلك الفترة العصيبة، وبغية وضع القارئ الكريم في السّياق الطّبيعي لأبحاث المهدويّة وتطوّراتها وما آلت إليه أمورها لاحقاً أجد من المناسب أن أنقل تجلّياً بسيطاً من هذه المساجلات وأنقل بعد ذلك نقوض أبن قبة عليها، والّذي كان يُعدّ أبرز متكلّم شيعي في تلك الفترة.
#من الواضح إنّ الزّعيم إذا كان خائفاً وجلاً متخفياً في ظلّ الحكومات الدكتاتوريّة والاستبداديّة والقمعيّة فإنّ اتباعه وأنصاره ومحبّيه سيكونون أشدّ خوفاً ووجلاً منه؛ ويتّقون عن ذكر أخباره وعن الحديث في أمره؛ تجنّباً للمطاردة والملاحقة والقتل والاضطهاد، وانطلاقاً من هذا السّياق الواضح تساءل العلوي قائلاً: «لم استتر إمامكم عن مسترشده [أي سائله]؟! فإن قالوا: تقيةً على نفسه، قيل لهم: فالمسترشِد أيضاً يجوز له أن يكون في تقيّة من طلبه، لا سيما إذا كان المسترشِد يخاف ويرجو ولا يعلم ما يكون قبل كونه فهو في تقية، وإذا جازت التقيّة للإمام فهي للمأموم أجوّز»، وبعد هذا الإشكال ترقّى العلوي ليطرح إشكالاً محوريّاً أعمق فقال:
#ما بال الإمام في تقيّة من إرشادهم وليس هو في تقيّة من تناول أموالهم؟! والله يقول: “اتَّبعُوا من لا يسألكم أجراً…”، وقال: “إنّ كثيراً من الأحبار والرّهبان ليأكلون أموال النّاس بالباطل ويصُدّون عن سبيل الله”، فهذا ممّا يدلّ على أنّ أهل الباطل عَرض الدنيا يطلبون، والذين يتمسّكون بالكتاب لا يسألون الناس أجراً وهم مهتدون…». [كمال الدّين وتمام النّعمة، الصّدوق: ج1، ص111].
#وقد نصّ ابن قبة في إجابة هذه الاعتراضات بداية على إنّ الإمام لم يستتر عن مسترشده أصلاً؛ وإنّما خوفاً على نفسه من الظّالمين [!!]»، وأمّا التّقيّة للمأموم فلا شكّ في جوازها لمن يخاف على نفسه، ولكن أن لا يعتقد المأموم بإمامة إمامه تقيّة فهذا ما لا يجوز جزماً؛ وذلك لأنّ الأخبار قد قرعت سمعه وقطعت عذره [على حدّ تعبيره]، والخبر الصّحيح يقوم مقام العيان وليس على القلوب تقيّة ولا يعلم ما فيها إلّا الله حسب تعبيره. وأمّا سبب عدم تقية الإمام في أخذ أموال شيعته وتقيّته في إرشادهم فجوابه:
#إنّ الإمام ليس في تقيّة من إرشاد من يريد الإرشاد، وكيف يكون في تقيّة وقد بيّن لهم الحقّ وحثّهم عليه ودعاهم إليه، وعلّمهم الحلال والحرام حتّى شهروا بذلك وعرفوا به، كما إنّ الإمام لا يتناول أموال شيعته وإنّما يطالبهم بالخمس الّذي فرضه الله عزّ وجلّ ليضعه حيث أُمر أن يضعه، والّذي جاء بالخمس هو الرّسول، وقد نطق القرآن بذلك قال الله عز و جل: “واعلموا أنّما غنمتم من شيء فإنّ لله خمسه…”، وقال: “خذ من أموالهم صدقة…”؛ فإن كان في أخذ المال عيب أو طعن فهو على من ابتدأ به والله المستعان. [المصدر السّابق: ص112].
#أقول: ربّما كانت أجوبة ابن قبة الجّدليّة أعلاه قادرة على إقناع صنف من النّاس بمثل هذه التّبريرات لفترة زمنيّة محدّدة خصوصاً في الموضوع المالي كما سنتحدّث لاحقاً، لكنّها أخفقت بعد فترة وجيزة جدّاً وبدأ نفس السّفراء الّلاحقين يطرحون تبريرات أخرى لإقناع الاتباع بفلسفة الغيبة المُبهمة حتّى مرحلة انقطاع السّفارة وبداية مرحلة الحيرة الكبرى الّتي اختلط فيها الحابل بالنّابل، ولا زلنا نعيش انعكاستها وتجاذباتها حتّى الّلحظة…، وعليه فالصّحيح في قناعتي وأرجو التّركيز على هذه الأسطر: #إنّنا بحاجة ماسّة إلى فتح هذه الملفات على مصراعيها ومحاكمتها بنفس الأدوات الاجتهاديّة المعاصرة؛ وأيّ نتيجة توصّلنا إليها سنكون معذورين أمام الله تعالى بعدها وأمام عقولنا ووعينا؛ انسياقاً مع قانون المنجّزيّة والمعذّريّة الأصولي بمختلف صياغاته، ومن الله التّوفيق والمنّة.


تنطلق إجابات المركز من رؤية مقاصدية للدين، لا تجعله طلسماً مطلقاً لا يفهمه أحد من البشرية التي جاء من أجلها، ولا تميّعه بطريقةٍ تتجافى مع مبادئه وأطره وأهدافه... تضع مصادره بين أيديها مستلّةً فهماً عقلانياً ممنهجاً... لتثير بذلك دفائن العقول...