كربلاء في ميثولوجيا الموروث الرّوائيّ!!

2 نوفمبر 2017
1262
ميثاق العسر

#روى المرحوم ابن قولويه في كتابه الشّهير كامل الزّيارات بإسناده عن عبد الله بن أبي يعفور قوله: «سمعت أبا عبد الله [الصّادق] “ع” يقول لرجل من مواليه: يا فلان أ تزور قبر أبي عبد الله الحسين بن علي “ع‏”؟ قال [هذا الرّجل]: نعم؛ إنّي أزوره بين ثلاث سنين أو سنتين مرة، فقال له [الصّادق “ع”] […]


#روى المرحوم ابن قولويه في كتابه الشّهير كامل الزّيارات بإسناده عن عبد الله بن أبي يعفور قوله: «سمعت أبا عبد الله [الصّادق] “ع” يقول لرجل من مواليه: يا فلان أ تزور قبر أبي عبد الله الحسين بن علي “ع‏”؟ قال [هذا الرّجل]: نعم؛ إنّي أزوره بين ثلاث سنين أو سنتين مرة، فقال له [الصّادق “ع”] وهو مصفر الوجه: أما والله الذي لا إله إلا هو لو زرته لكان أفضل لك مما أنت فيه، فقال له [الرّجل]: جعلت فداك أ كلّ هذا الفضل؟! فقال [الصّادق “ع”]: نعم؛ والله لو أنّي حدّثتكم بفضل زيارته وبفضل قبره لتركتم الحجّ رأساً وما حجّ منكم أحدٌ؛ ويحك أما تعلم أنّ الله اتّخذ كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يتّخذ مكّة حرماً؟!» [كامل الزّيارات: ص266].
#وحينما سمع أبن أبي يعفور هذا البيان المتعارض مع صريح القرآن والسُنّة من الإمام دخل على الخطّ مباشرة ليسجّل عليه إشكالاً عميقاً ودقيقاً في نفس الوقت؛ وقال للإمام ما مضمونه: إذا كانت زيارة قبر الحسين “ع” بهذه الأهمّيّة والمكانة الّتي تتحدّث عنها يا سيّدي ويا مولاي، بحيث إنّك تتحفّظ عن الحديث عن فضلها وكرامتها لئّلا يعرف موالوك بذلك ويتركوا حجّ بيته الحرام، بل وتقرّر إنّ الله قد اتّخذها حرماً آمناً مباركاً قبل أن يتّخذ مكّة حرماً… أقول إذا كان الأمر كذلك ـ والكلام لابن أبي يعفور ـ فلماذا: «قد فرض الله على النّاس حجّ البيت ولم يذكر زيارة قبر الحسين “ع”؟!» [المصدر السّابق نفسه].
#وهنا بدأ الإمام ـ كما نُسب إليه في الرّواية ـ في ذكر قاعدة عامّة يُلجأ إليها في أمثال هذه المواطن تقرّر إنّ هذه الأمور لا يُدركها عقلك القاصر؛ فإنّ الأمر «وإن كان كذلك؛ فإنّ هذا شي‏ء جعله الله هكذا [!!] أ ما سمعت قول أبي أمير المؤمنين “ع” حيث يقول: إنّ باطن القدم أحقّ بالمسح من ظاهر القدم ولكن الله فرض هذا على العباد؟! أوما علمت أنّ الموقف لو كان في الحرم كان أفضل لأجل الحرم، ولكن الله صنع ذلك في غير الحرم؟!» [كامل الزّيارات: ص267].
#أقول: ومع إغماض الطّرف عن قناعتي بأصل هذه الرّواية وما على شاكلتها إلّا إنّي أريد أن أبيّن إنّ الجّواب الّذي نُسب إلى الإمام “ع” على الاعتراض الّذي سجّله عبد الله بن أبي يعفور بحقّ ـ كما نُسب إليه ـ ليس له علاقة بأصل النّقض الّذي حمله الاعتراض، وهذا خير كاشف عن إنّ مثل هذا الاعتراض والجّواب هي أمور افتراضيّة لم تصدر لا من عبد الله بن يعفور ولا منه “ع” فضلاً عن أصل الرّواية؛ وذلك لأنّي إذا ما أردت أن أتلبّس بدور عبد الله بن أبي يعفور وأكمل المحاورة البحثيّة العلميّة كتلميذ صغير جدّاً جدّاً مع الإمام لقلت له: سيّدي ومولاي وإمامي ما تتفضّل به سليم مئة في المئة، ولكنّي لم أحكّم عقلي القاصر في شيء ورد ذكره في محكم القرآن وصحيح السُنّة لكي يُقال لي إنّ الأمور لا تُقاس على أساس عقلك وتوقّعاتك بل هي أعمق من ذلك بكثير، ولو كان الأمر كما قلت لكان المسح على باطن القدم أولى من ظاهرها…إلخ، وإنّما: اعترضت على أمرٍ لا أجد له ذكراً في محكم القرآن وصحيح السُنّة، بل أجده يخالف ما فيهما جهاراً نهاراً فكيف التّوفيق؟!
#ولا أدري: هل حصلت كربلاء على هذه الميزة قبل دفن الحسين “ع” فيها أم بعد ذلك، فإذا كانت قبلها فلماذا لم يشر القرآن والنّبي “ص” لأهمّيتها ويحثّ على زيارتها ويحدّد حدودها ويُلزم المسلمين بها، وإذا كانت بعدها فهل نحن ملزمون بالحجّ إليها أم الحجّ إلى من حثّ القرآن والنّبي نحوها؟!
#لأترك عشرات الأسئلة المُقلقة الّتي تقف أمام هذه الرّواية وأضرابها وأقول: إنّ أمثال هذه النّصوص ولدت لغايات وأهداف معيّنة، وما لم نذهب صوب تلك الغايات والأهداف لاكتشافها واقتناصها سنبقى نراوح مكاننا في البحث عن وجود إطلاق في هذه أو عموم في تلك، تاركين عقولنا جانباً تحت شمّاعة العواطف والمشاعر ومصلحة المذهب، والله من وراء القصد.


تنطلق إجابات المركز من رؤية مقاصدية للدين، لا تجعله طلسماً مطلقاً لا يفهمه أحد من البشرية التي جاء من أجلها، ولا تميّعه بطريقةٍ تتجافى مع مبادئه وأطره وأهدافه... تضع مصادره بين أيديها مستلّةً فهماً عقلانياً ممنهجاً... لتثير بذلك دفائن العقول...