#لم يترك الإمام جعفر بن محمد الصّادق “ع” طريق زيارة جدّه الحسين بن عليّ “ع” من دون وضع ضوابط وقيود له، طالباً من الموالين له أن يلتزموا بها ويطبّقوا مفادها، لا أن يقصروا فهمهم على حرفيّتها وينحتوا ألف دليل وتبرير لتجاوزها؛ فقد عقد الحرّ العاملي باباً في كتابه الشهير “وسائل الشيعة” حمل عنواناً ملفتاً أتمنّى على جميع أصحاب المواكب الحسينيّة والخدمة أن يقرأوا ولو عنوانه فقط وهو: «باب كراهة حمل الزّاد الطيّب كالّلحم والحلواء في طريق زيارة الحسين “ع” واستحباب الاقتصار فيه على الخبز والّلبن ونحوه»، وقد نقل فيه العاملي روايات عن الصّادق “ع” تذمّ ذلك بشدّة ومنها قوله: «بلغني إنّ قوماً إذا زاروا الحسين بن عليّ حملوا معهم السُّفّر فيها الحلاوة… وأشباهها، لو زاروا قبور أحبّائهم ما حملوا ذلك». وفي بعضها أيضاً: «… تالله إنّ أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيباً حزيناً وتأتونه [ويقصد قبر الحسين] أنتم بالسُّفَر!! كلّا حتّى تأتوه شُعثاً غبراً» [كامل الزيارات: ج130].
#وقد قَبِل الفقهاء المعاصرون مضمون هذه الروايات وأفتوا على أساسها؛ وقرّروا: استحباب تنوّق الطّعام في كلّ سفر إلّا في سفر زيارة الحسين “ع” فيكره ذلك، ويقصدون من التنوّق أي: المبالغة في الجودة، بل رأوا ضرورة الاقتصار فيه على الخبز والّلبن كما هو نصّ الرواية عن الإمام بمعنى الأكل المتواضع. [العروة الوثقى: ج4، ص332]. #وهذا الأمر لا يقتصر على المسافر فقط لكي يقال بأنّه لا يحمل شيء البتّة بل يُعطى من قبل النّاذرين، بل مع حذف الخصوصيّة فيه ولحاظ التركيز على ضرورة أن يكون الزائر جائعاً شعثاً أغبراً نستكشف ما هو أكبر من ذلك كما لا يخفى.
#ولكنّي أقول: لتقرّ عين سيّدي ومولاي الصّادق “ع”؛ فإنّ الصمت المُطبق لفقهاء مدرسته تجاه إبلاغ هذا الحكم بشكل واضح وشفّاف لمقلّديهم أدّى ببسطاء النّاس إلى التكاثر والتفاخر في الطّعام في سفر زيارة جدّه الحسين “ع”، فصاروا يتفاخرون بأطول سفرة في العالم، وأطول شيش شاروما وكباب في الدنيا، ولو رأى الصّادق “ع” الكباب والكبّة والمعلاك والباجه والسمك المسكوف وأنواع الخضار والفواكه بل تلميع الأحذية وصبغها في هذا السفر لتألّم وحزن وتأوّه كثيراًً، ولو عرف هؤلاء الباذلون المُخلصون والأوفياء إنّ إمامهم الصّادق “ع” لا يرضى بذلك ويكرهه لنبذوه وتركوه، #لكنّه صمت يُسوّقُ على إنّه لمصلحة المذهب مع إنّه في حقيقة الأمر مفسدة المذهب ومصلحة الساكتين ليس إلّا، نتمنّى من شيعة عليّ والحسين أن يلتفتوا إلى مخاطر هذه الافراطات وآثارها المستقبليّة السلبيّة، والله من وراء القصد.