#نستخدم كثيراً كنية أبي صالح ونحن نخاطب المهدي “ع” في أحاديثنا ومنابرنا وحتّى كتاباتنا سواء أ كان مقصودنا المولود المعروف أو الّذي سيولد لاحقاً أو أيّ قصد آخر، لكن يبدو إنّ هذه الكنية ليس لها عين ولا أثر في عموم الموروث الرّوائي الإثني عشري على الإطلاق، نعم؛ روى البرقي في المحاسن بسنده عن أبي بصير عن الصّادق “ع” القول: «إذا ضللت عن الطّريق فناد يا صالح أو يا أبا صالح أرشدونا إلى الطّريق يرحمكم الله»، وورد أيضاً: «إنّ البرّ موكّل به صالح، والبحر موكّل به حمزة» [المحاسن: ج2، ص362؛ الفقيه: ج2، 298].
#ومن الواضح إنّ صالحاً أو أبا صالح وحمزة الموجودين في هذه النّصوص ليس لهما علاقة بالمهدي “ع” المعروف ولم يحتمل ذلك أحد من المحدّثين أو شراح هذه النّصوص أصلاً، بل نصّ المرحوم ابن طاووس على أنّ صالحاً هو جنّي وظيفته المدد وإسعاف من ضلّ الطّريق انسياقاً مع حديثه عن مرويّات: إنّ الأرض لا تخلو من جانّ يدلّ على الطّريق عند الضّلالة. [الأمان من أخطار السّفر والأزمان: ص123].
وفي حدود المتابعة الّتي قام بها بعض المعاصرين فإنّ أوّل تطبيق لهذه الكنية على المهدي “ع” المعروف لدى الإثني عشريّة هو ما نقله المرحوم المجلسي في بحاره؛ حيث نقل قصّة عن المرحوم أبيه عن شخص يُسمى أمير إسحاق الاسترابادي خلاصتها: إنّه ضاع في طريق مكّة فنادى يا صالح يا أبا صالح أرشدني إلى الطّريق، فبدا له في منتهى البادية شبح، فلمّا اقترب فإذا هو شابّ حسن الوجه راكب على جمل ومعه قربة ماء، فسلّم عليه فردّ عليه السّلام وقال له: أنت عطشان؟ فسقاه من قربته ودلّه الطّريق… فلمّا غاب عنه عرف «أنّه القائم “ع” [!!]» [بحار الأنوار: ج52، 176].
#وفي عقيدتي إنّ هذا الّلون من الخدمة والمدد لمن ضلّ الطّريق ربّما كان مبرّراً في سالف الأزمان حيث انعدام أجهزة الملاحة المعاصرة [navigation]، أمّا اليوم ومع توافر هذه الأجهزة الدّقيقة جدّاً فينبغي علينا أن نفتح المجال التّجاري لترويجها والاستفادة منها، خصوصاً وإنّ هذه الأجهزة لا تستلزم افتتاح دكاكين دينيّة بضاعتها قصص وحكايات وأوهام نفسيّة لتزييف الوعي بمفردات يوم الظّهور وعصر الظّهور وقصص المشاهدات وأساطيرها… وبعبارة مختصرة: سواء أ كان أبو صالح الوارد في هذه النّصوص جنّياً أم غير ذلك فإنّ “الناڤيگيشن” قد حلّ مكانه، والله من وراء القصد.