#يرى المرحوم السيّد محمود مجتهد السيستاني “1933ـ1994م” [شقيق المرجع الأعلى المعاصر] إنّ الأئمّة كانوا يتحدّثون بكلّ الّلغات ولا يحتاجون إلى مترجم أصلاً، وفي إطار التّدليل على ذلك ساق رواية رواها القطب الرّاوندي المتوفّى سنة: “573هـ” في كتابه “الخرائج والجّرائح” بدون ذكر سند لها عن ابن مسعود توضّح إنّ الإمام علي “ع” كان يتحدّث الفارسيّة وبلهجتها الأصفهانيّة أيضاً؛ حيث طلب منه السّائل الأصفهاني أن يزيده من علمه فقال له “ع” بالّلسان الأصفهاني: “اروت اين وس”، “أي اليوم حسبك هذا” كما في الرواية. [الخرائج والجّرائح: ج2، ص546ـ547].
#كما روى ابن شهر آشوب المتوفّى سنة “588هـ”: في كتابه “مناقب آل أبي طالب” من دون إسناد عن علي بن مهزيار القول: أرسلت إلى الإمام الهادي “ع” غلامي وكان صقلبيّاً، فرجع الغلام إليّ متعجّباً، فسألته ما لك يا بُني؟ فقال: وكيف لا اتعجّب؛ ما زال الهادي “ع” يكلّمني بالّلغة الصقلبيّة وكأنّه واحداً منّا، وإنّما أراد بهذا الكتمان عن القوم!! [مناقب آل أبي طالب: ج4، ص409].
#وفي مقام التعليق على هذه الرواية الّتي لا سند لها نلاحظ إنّ المرحوم الشّهيد محمد الصدر “1944ـ1999م” وكأنّه يفترضها واقعة حقيقيّة ـ ولعلّ ذلك مبنيّ على منهج الإطروحات لديه “رحمه الله” ـ ليبدأ بتوجيه ما يُنسب إلى الإمام “ع” من حديث بالّلغة الصقلبيّة فيقول: «لعلّك لاحظت معي إنّ الإمام استطاع بتكلّمه بتلك اللغة أن يحصل على فائدتين:
#أحداهما: التأثير على الغلام واكتساب اعجابه وتعجّبه من اطّلاع الإمام ومعرفته، إن لم يعتبرها معجزة من معاجزه.
#ثانيهما: إنّه بهذا الأسلوب أخفى مضمون الكلام عمّن لا يريد اطّلاعه عليه من عيون الدولة؛ فتراه يتكلم مع الغلام بلغته مع كونه عالماً بكونه يحسن الّلغة العربية» [تاريخ الغيبة الصغرى: ص159ـ160].
#أقول: هناك روايات جاءت في كتب أهل السنّة تتحدّث عن حديث النبيّ الأكرم “ص” ببعض المفردات الفارسيّة، كما توجد لدينا بعض الروايات الّتي تشير إلى حديث بعض الأئمّة بمفردة أو مفردتين فارسيّتين، وهذا الأمر معقول جدّاً بهذا المقدار المحدود نظراً لدخول الغلمان والجّواري في البيوت ودخول التّجار من أهل فارس في الأسواق وربّما وجود بعض الأصحاب من أهل فارس، ولكن أن نوظّف هذه النصوص في سبيل إثبات ميزة وكرامة لأهل البيت “ع” فهذا ما يعزّ إثباته بأمثال هذه النّصوص بالمرّة؛ #ولا أخفيكم: فأنا من دعاة تنقية ثقافتنا الشيعيّة المعاصرة من هذا الّلون من الرّوايات التي حتّى لو آمنا بمعقوليّتها الفلسفيّة والكلاميّة والعرفانيّة بالنسبة لشخص الإمام إلّا إنّها لا تمنح أئمّة أهل البيت “ع” فضلاً وعلماً ومكانة في نفوسنا بقدر ما تُسهم في تزييف وعينا والإسهام في اتّساع رقعة أصحاب الدّكاكين والتّجهيل فيما بيننا؛ فمكانتهم “ع” تتأتّى من خلال أخلاقهم وتواضعهم وطهارتهم ونجابتهم وعلمهم وتميّزهم على أقرانهم، فما هي الحاجة إلى التمسّك بمثل هذه الآليّات البدائيّة المنسجمة مع مجتمعات تلك المرحلة في سبيل إقناع إنفسنا وإقناع الآخرين بهم؟! فكّروا كثيراً وتأمّلوا يرحمكم الله.