يقولون: “إن شيخاً عراقيّاً شهد جلسة من جلسات البرلمان الانجليزي، فرأى فيها خصاماً شديداً وتلاحيّاً عنيفاً بين نائبٍ من صفوف المعارضة وآخر من صفوف الحكومة، وبعد انتهاء الجلسة ذهب الشيخ المحترم إلى مطعمٍ قريبٍ فوجد النائبين الّذين تخاصما قبل ساعة يأكلان على مائدة واحدة وهما يتضاحكان ويتغامزان!!. فهال الشيخ ذلك وقال لدليله الانجليزي ما معناه: ويلك إنّها قشمرة، وأظنّ إن نوّابكم يتنازعون فيما بينهم ليخدعوكم، إنّهم يتعاركون كما يتعارك الّلصوص فيما بينهم لكي يسرقوا المُلا نصر الدين. فابتسم الانجليزي ابتسامة ذات مغزى ولم يردّ عليه!!”.
#ويرى الدكتور علي الوردي إنّ هذه الأمور طبيعيّة من الزاوية الاجتماعيّة، ولو شاء ذلك الدليل الانجليزيّ أن يردّ على الشيخ لقال له: (يا شيخ هذه هي الديموقراطيّة)؛ فقد كان الانجليز مثلنا قبل قرنين أو ثلاثة، ولكنّهم اعتادوا على هذه الديموقراطيّة بعد أن مرّت عليهم سلسلة من التجارب القاسية. [مهزلة العقل البشري، ص84].
#أقول: بعيداً عن الجانب السياسي الذي سيقت له هذه القصّة ذات الدلالات الواقعيّة، فإنّ لها واقعاً حوزويّاً كبيراً بين أغلب المراجع والمجتهدين والفضلاء؛ فتراهم يُظهرون أشدّ الخلاف أمام مقلّديهم وأتباعهم وربّما طلّابهم أيضاً، لكنّهم يتزاورون ويتراحمون ويتصاهرون ويتوادّون فيما بينهم دون أيّة كدورة، وعلى المقلّدين المساكين أن يتفهّموا هذه الخلافات ويموضعونها في سياق الديموقراطيّة على الطريقة الحوزويّة، ونحن حينما ننتقد بعض المناهج والأفكار فلا يعني لا سمح الله إنّنا بصدد المواجهة الشخصيّة مع أصحابها بالضرورة، بل نكنّ كلّ الود والاحترام والتقدير لكثير من أشخاصها وإن أظهر بعضهم خلاف ذلك، بل نحتفظ بعلاقات طيّبة مع بعضهم أو مع دوائرهم المقرّبة أيضاً، ومن الله نستمدّ التوفيق.