علامات المؤمن العشر وزيارة الأربعين!!

15 نوفمبر 2017
2666
ميثاق العسر

#روى الطّوسي شيخ الطّائفة الإماميّة الإثني عشريّة المتوفّى سنة: “460هـ” في كتابيه تهذيب الأحكام ومصباح المتهجّد رواية عن الحسن بن عليّ العسكري “ع” دون أن يذكر رجال سندها تقرّر إنّ للمؤمن خمس علامات هي: «صلاة الخمسين [أو الإحدى والخمسين]، وزيارة الأربعين، والتّختّم في اليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم» [التّهذيب: ج6، ص52؛ مصباح […]


#روى الطّوسي شيخ الطّائفة الإماميّة الإثني عشريّة المتوفّى سنة: “460هـ” في كتابيه تهذيب الأحكام ومصباح المتهجّد رواية عن الحسن بن عليّ العسكري “ع” دون أن يذكر رجال سندها تقرّر إنّ للمؤمن خمس علامات هي: «صلاة الخمسين [أو الإحدى والخمسين]، وزيارة الأربعين، والتّختّم في اليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم» [التّهذيب: ج6، ص52؛ مصباح المتهجّد: ج2، ص788]، ومن الواضح عند محقّقي الفقهاء المعاصرين إنّ مثل هذه الرّواية لا تصلح لإثبات الاستحباب لزيارة الأربعين؛ لأنّ الاستحباب حكم شرعيّ كبقيّة الأحكام الشّرعيّة وإثباته يحتاج إلى دليل يشتمل على مواصفات سنديّة ودلاليّة خاصّة، وهي مفقودة في المقام لإرسال السّند كما يقولون، نعم زيارة الحسين “ع” في يوم العشرين من صفر مستحبّة عندهم باعتبارها داخلة في الدّليل العامّ النّاص على استحباب زيارته “ع” في كل يوم، وزيارته “ع” في هذا اليوم لا تختلف عن زيارته في بقيّة الأيّام الأخرى غير المخصوصة، وهذا من الواضحات كما أسلفنا.
#لكنّا اليوم سندخل إلى هذه الرّواية من زاوية أخرى، ونقرّر إنّ بعض هذه العلائم الّتي ذُكرت فيها لم يكن لها وجود في المراحل السّابقة لولادة أو ظهور هذه الرّواية بل ولم تكن سيرة الشّيعة قائمة على هذا الأساس أيضاً؛ فحينما نراجع الموسوعات الحديثيّة المختصّة بالعقيدة والفقه والزّيارات والّتي كتبت قبل القرن الخامس الهجري ـ وهو تاريخ ولادة أو ظهور هذه الرّواية ـ نراها فاقدة لها مع إصرارها على ذكر الغرائب أيضاً وحرصها على ذكر كلّ شاردة وواردة في هذا الخصوص؛ فلا يمكن لنا أن نذكر وجهاً لإهمالها غير فقدان الدّليل عليها فضلاً عن عدم وجودها وتداولها، وهذا من الواضحات كما أسلفنا أيضاً.
#ومع إغماض الطّرف عن جميع ما تقدّم سنبيّن خطل هذه الرّواية من خلال الاستعانة برواية أخرى مشابهة لها في التّصنيع أيضاً وردت في كتاب توفّي صاحبه في سنة: “334 أو 358هـ” حسب الظّاهر، أي قبل ولادة هذه الرّواية أو ظهورها في كتب المفيد وبعده الطّوسي بأكثر من نصف قرن على أقل تقدير، وأعني منه كتاب: “الهداية الكبرى” المنسوب للحسين بن حمدان الخصيبي، والّتي رواها بسنده عن جماعة كثيرين عن الإمام الحسن العسكري “ع” الّذي نُسبت له رواية علامات المؤمن الخمس في مطلع القرن الخامس حيث قال: «…إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى جدي رسول الله “ص”: إنّي خصصتك وعليّاً وحججي منه إلى يوم القيامة وشيعتكم بعشر خصال: [1] صلاة الخميس أو الخمسين إحدى وخمسين [على اختلاف النُسخ والنّقولات]، [2] وتعفير الجبين، [3] والتّختم باليمين، [4] والأذان والإقامة مثنى مثنى، [5] وحي على خير العمل، [6] والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين، [7] والقنوت في ثاني كل ركعتين، [8] وصلاة العصر والشمس بيضاء نقية، [9] وصلاة الفجر مغلسة، [10] وخضاب الرأس واللحية بالوسمة.
#فخالفنا من أخذ حقنا وحزبه الضالون، فجعلوا: [1] صلاة التّراويح في شهر رمضان عوضاً من صلاة الخميس أو الخمسين إحدى وخمسين [على اختلاف النُسخ والنّقولات] في كل يوم وليلة، [2] وكُتّف أيديهم على صدورهم في الصلاة عوضاً من تعفير الجبين، [3] والتّختم باليسار عوضاً عن التّختم باليمين، [4] والإقامة فرادى خلافاً على مثنى، [5] والصلاة خير من النوم خلافاً على حيّ على خير العمل، [6] والإخفات في بسم الله الرحمن الرحيم في السورتين خلافاً على الجهر، [7] وآمين بعد ولا الضالين عوضاً عن القنوت، [8] وصلاة العصر والشّمس صفراء كشحم البقر الأصفر خلافاً على بيضاء نقية، [9] وصلاة الفجر عند تماحق النجوم خلافاً على صلاتها مغلسة، [10] وهجر الخضاب والنهي عنه خلافاً على الأمر به واستعماله» [الهداية الكبرى: ص345؛ ص مدينة المعاجز: ج7، ص674؛ مستدرك الوسائل: ج4، ص176،394].
#ومن حقّك أن تسأل: لماذا أغفل العسكري “ع” في هذه الرّواية ذكر زيارة الأربعين كعلامة من علامات المؤمنين في تلك الأوقات مع إنّ الرّواية ذكرت جميع العلامات وأسباب كونها علامة للمؤمنين بالخصوص أيضاً، فهل كان ذلك لعدم رواجها أو لعدم وجودها أصلاً أو إنّها ليست علامة أصلاً؛ لأنّ المخالفين لا تعنيهم زيارة الحسين “ع” في الأربعين أو الخمسين؟!
#وقد تسأل وتقول: إنّ الحسين بن حمدان الخصيبي مصنّف هذا الكتاب من المغالين والمؤسّسين للفرقة النّصيريّة والّذين نصّ أمثال النّجاشي على فساد مذهبه، فكيف جاز لك الاستشهاد بكلامه؟!
#والجّواب: أنا لا أريد أن أوثّق الرّجل ولا أريد الإيمان بكلامه أيضاً؛ فأنا لا أؤمن بصحّة هاتين الرّوايتين من الأساس، سواء الّتي نقلها المفيد والطّوسي أو الّتي نقلها الخصيبي، لكنّي ذكرت ذلك من باب المحاججة وإلزام القوم بما ألزموا به أنفسهم، خصوصاً وإنّ خاتمة المحدّثين المرحوم النّوري ينصّ على إنّ «كتاب الهداية والمنسوب إليه [يعني الحسين بن حمدان] في غاية المتانة والإتقان، لم نر فيه ما ينافي المذهب، وقد نقل عنه وعن كتابه هذا الإجلاء من المحدّثين، كالشيخ ابي محمد هارون بن موسى التلعكبري [وهو الّذي روى عنه الطّوسي رواية زيارة الأربعين عن صفوان بن مهران ومن شيوخه في الإجازة أيضاً!!]، والشيخ حسن بن سليمان الحلي في منتخب البصائر ورسالة الرجعة، والمولى المجلسي وصاحب العوالم وغيرهم» [نفس الرّحمن: ص566]؛ فإذا كان الأمر كذلك فلماذا غابت زيارة الأربعين كعلامة عن رواية وردت في هذه الباب تتحدّث عن علامات المؤمنين بالخصوص من دون أن تذكرها أصلاً ومن نفس الإمام أيضاً، فتأمّل!!


تنطلق إجابات المركز من رؤية مقاصدية للدين، لا تجعله طلسماً مطلقاً لا يفهمه أحد من البشرية التي جاء من أجلها، ولا تميّعه بطريقةٍ تتجافى مع مبادئه وأطره وأهدافه... تضع مصادره بين أيديها مستلّةً فهماً عقلانياً ممنهجاً... لتثير بذلك دفائن العقول...