عصمة الإمام ودور هشام بن الحكم في بلورتها!!

#يُعدّ محمد ابن أبي عمير المتوفّى سنة: “217هـ” الفقيه الّذي أجمع الأصحاب القدماء والمتأخّرون والفقهاء والمحدّثون على تصحيح ما يصحّ عنه وعدّ مراسيله مسانيد، وهو من أصحاب الكاظم والرّضا والجّواد وقيل الصّادق أيضاً “ع”، ورغم سعة مرويّاته ووفرتها إلّا إنّه سأل هشام بن الحكم ـ قبل القطيعة الّتي حصلت بينهم ـ ذات يوم: «هل الإمام معصوم؟» أجابه هشام: «نعم». فأعاد عليه ابن ابي عمير السّؤال: «فما هي صفة العصمة فيه وبأيّ شيء تُعرف؟» فقال له هشام:
«إنّ جميع الّذنوب لها أربعة أوجه لا خامس لها، الحرص والحسد والغضب والشّهوة، فهذه منفيّة عنه؛ لا يجوز أن يكون حريصاً على هذه الدنيا وهي تحت خاتمه؛ لأنّه خازن المسلمين فعلى ماذا يحرص؟ ولا يجوز أن يكون حسوداً؛ لأنّ الإنسان إنّما يحسد من فوقه وليس فوقه أحد، فكيف يحسد من هو دونه؟ ولا يجوز أن يغضب لشي‏ءٍ من أمور الدنيا إلّا بأن يكون غضبه لله تعالى؛ فإنّ الله عزّ وجلّ قد فرض عليه إقامة الحدود، وأن لا تأخذه في الله لومة لائم ولا رأفة في دينه حتّى يقيم حدود اللّه عزّ وجلّ؛ ولا يجوز أن يتّبع الشهوات ويؤثر الدنيا على الآخرة؛ لأنّ الله عزّو جلّ حبّب إليه الآخرة كما حبّب إليه الدنيا، فهو ينظر إلى الآخرة كما ينظر إلى الدنيا؛ فهل رأيت أحداً يؤخّر وجهاً حسناً لوجه قبيح، وطعاماً طيّباً لطعام مرّ، وثوباً ليّناً لثوبٍ خشن، ونعمة دائمة باقية لدنيا زائلة فانية؟»
#وبعد أن سمع ابن أبي عمير هذه الإجابة علّق قائلاً: «ما سمعتُ ولا استفدتُ من هشام في طول صحبتي إيّاه شيئاً أحسن من هذا الكلام في صفة عصمة الإمام!!». [معاني الأخبار: 133].
#أقول: إنّ العصمة الّتي قرّرها هشام في برهانه ـ بغضّ الطّرف عن تماميّته وعن المُراد من مفردة الإمام فيه ـ تتحدّث عن العصمة الأخلاقيّة والسّلوكيّة وليس لها علاقة بعصمة الآراء وحقّانيّتها كما هو شائع ومعروف في صياغة الإمامة الشّيعيّة المتداولة، وكيف ما كان فالسّؤال الّذي يطرح نفسه بقوّة هو: إذا كانت عصمة الإمام بأيّ معنى من المعاني واضحة وجليّة بين الأصحاب، ومنتشرة ومبثوثة في أهل البيت الأطياب “ع”، فما بال ابن ابي عمير المتوفّى سنة: “217هـ” يسأل هشام بن الحكم عن أصل ثبوتها في الإمام، أ لم يكن الحريّ به السّؤال عن حدودها ومقدارها ومجالها إذا كانت ثابتة وراكزة ومعروفة؟!
#وفي عقيدتي: من الضّرورة بمكان دراسة أحوال هشام بن الحكم وتاريخه وأوّليّاته الفكريّة مفصّلاً، ورؤية تأثيراتها الأساسيّة على طبيعة القراءة الشّيعيّة للإمامة ودوره الأصلي في بناء مقولاتها، وأظنّ إنّ مراجعة بسيطة لكتب علم كلام المؤّسّسين للمذهب الشّيعي ستكشف بوضوح طبيعة البراهين الّتي قدّمها هشام بن الحكم لهذه النّظريّة، مع ملاحظة إنّ لهشام بن الحكم آراء كلاميّة خاصّة يختلف فيها عن الإمام أيضاً، كرأيه في إنّ الله جسم لا كالأجسام وإن حاول بعض متكلّمی الشّيعة ورجاليّهم جاهدين إلى نفي هذه النّسبة والتّضعيف المذهبي لمرويّاتها، وتفصيل ذلك في محلّه إنّ شاء الله تعالى.


تنطلق إجابات المركز من رؤية مقاصدية للدين، لا تجعله طلسماً مطلقاً لا يفهمه أحد من البشرية التي جاء من أجلها، ولا تميّعه بطريقةٍ تتجافى مع مبادئه وأطره وأهدافه... تضع مصادره بين أيديها مستلّةً فهماً عقلانياً ممنهجاً... لتثير بذلك دفائن العقول...