يبدو إن ظاهرة الابتزاز وتكميم الأفواه بالأموال الدينيّة ليست جديدة في المؤسّسة الدينيّة الشيعيّة، ولا تقتصر على عصر الغيبة فقط، بل تجلّت صورها في عصر الحضور أيضاً؛ فها هو يونس بن عبد الرحمن يحدّثنا عن كيفيّة تعرّضه لمثل هذه الحالة بعد رحيل الإمام موسى بن جعفر الكاظم “ع” في عام “183” من الهجرة في بغداد فيقول: «مات أبو الحسن الكاظم “ع” وليس من قوّامه ووكلائه أحدٌ إلّا وعنده المال الكثير، فكان ذلك سبب وقوفهم وجحودهم لموته؛ فكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار».
#ولمّا عرف يونس ذلك وتبيّن له الحقّ وعرف إنّ الإمام بعده هو ولده أبو الحسن الرضا “ع” تنجّز عليه الواجب الشرعي في ضرورة الدعوة إلى #مرجعيّته الدينيّة وإمامته، فتكلّم بالأمر ودعا النّاس إليه، فما كان على هؤلاء الوكلاء إلّا أن بعثوا إلى يونس وقالوا له: «ما الذي يدعوك إلى هذا يا يونس؟! إن كنت تريد مالاً فنحن نغنيك وضمنا له عشرة آلاف دينار!!».
#لكن يونس رفض مثل هذا العرض المغري وقال لهم: «لقد روينا عن الصادقين “ع” إنّهم قالوا: إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يُظهر علمه، فإن لم يفعل سُلب منه نور الإيمان، وما كُنت لأدع الجهاد في أمر الله سبحانه على كلّ حال». وحينما رأى هؤلاء الوكلاء إصرار يونس على هذا الأمر بدأوا بعمليّات التسقيط والنصب والعداوة له [رجال الكشّي: ص493].
#أقول: يبدو إن هذه الظواهر بدأت تأخذ صيغاً متطوّرة في زماننا الحاضر، ومساومات من لون آخر؛ فإذا توقّفت عن النقد العلمي فالباب مفتوح لك في مراكزي وحسينيّاتي وحوزاتي ومؤسّساتي…إلخ، وإذا تماديت في النقد العلمي فعليك أن تتبوأ مقعدك من البيت وسيحذف اسمك من الدّيون أيضاً ونجيّش الجيوش والعناصر الزحّافة ضدّك… هكذا بدأت الحياة وهكذا تنتهي انسياقاً مع منطق السلطة بمختلف حقولها، ولله في خلقه شؤون وشؤون.