قبل أن تقرأ سيرة الرّسول، وتفهم حقيقتها وجوهرها وواقعها بحياد تامّ، وتفرح لفرحها، وتبكي لحزنها، عليك في بداية الأمر أن تحدّد موقفك العلمي الاجتهاديّ من مجموعة أشياء أهمّها:
أوّلاً: هل هناك مُثل أخلاقيّة عُليا يُدرك عقلك الأوّليّ حسنها وقبحها بمعنى انبغاء وعدم انبغاء فعلها، أو يتّفق عقلاء المعمورة عموماً بما هم عقلاء على ذلك، بمعزل عن وجود الرّسول وعدم وجوده، وبمعزل عن اتّفاق الرّسول مع هذه المُثل المُدركة أو المتواضع عليها أم مخالفته إيّاها ولو في بعض الأحيان.
ثانياً: تحديد الطّريقة المنهجيّة السّليمة والبرهانيّة لإثبات ارتباط الشّخص الحقيقيّ بالغيب والسّماء، وأنّ هذا الارتباط هل يُمكن إثباته بصرف ادّعاء الشّخص أم لا، وكيفيّة علاج مشكلة الدّور الواضحة بين القرآن وإثبات سماويّة قناته الحصريّة.
ثالثاً: بيان الموقف من حقيقة الأصوات القرآنيّة الّتي رافقت مسيرة الحياة التّبليغيّة لقناتها، وكيفيّة انبثاقها من فم الرّسول، والأسباب البشريّة الّتي تدعو لذلك، والمحاولة والخطأ الّتي تكتنف جملة منها.
رابعاً: إثبات أنّ نسخة القرآن الواصلة هي محطّ عناية السّماء وأنّها هي من أرادت جعلها ـ بهذه الصّيغة ـ دستوراً دينيّاً دائميّاً لعموم العباد والبلاد حتّى نهاية الدّنيا، وتقديم براهين تنصّ على قيام شخص الرّسول بكتابتها ـ بهذه الصّيغة ـ بيده أو إشرافه الكتابي عليها بنفسه.
خامساً: مصادرك المعتبرة في استقاء هذه السّيرة والآليّات السّليمة للتحقّق من وقوعها، وأن لا طريق لاكتشاف تلك المرحلة غير الاعتماد على مصادر المسلمين المعتبرة والمتّفق عليها قرآناً وسنّة، والمدعّمة بواقع تحرّكات الرّسول وصحابته والأئمّة من ولده والمسلمين عموماً على الأرض.
ومن دون تحقيق الحال المنهجي الحياديّ السّليم في هذه الأمور وأضرابها فلا يُمكن أن يُقال بحقّك إنّك قد وقفت على سيرته بطريقة علميّة موضوعيّة اجتهاديّة تحقيقيّة محايدة، وإنّما أنت في حقيقة الأمر مجرّد عاطفيّ تأثّرت بفلم الرّسالة وزغردات طلع البدر علينا حتّى لو كانت أمامك أو خلفك عشرات الألقاب، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.