سلطة المال والمرجعيّةّ بين العرفاء والفقهاء!!

#ثمّة اصطكاك منهجي وسلوكي قائم بين الفقهاء الإثني عشريّة والمتصوّفة والعرفاء منذ أيّام الدّولة الصّفويّة؛ وذلك لأنّ هذه الدّولة ما قامت وما نجحت إلّا عن طريق مفردات صوفيّة عرفانيّة فرضت نفسها بين الجنود والآمرين، لكن ما أن قامت هذه الدّولة حتّى تمكّن الفقهاء الإثنا عشريّة من ذبح المتصوّفة والعرفاء بقطنةٍ والتّربّع على العرش والسّيادة منذ تلك الأيّام وحتّى يومنا هذا؛ فلم يجد بعض المتصوّفة والعرفاء من سبيل إلّا السّعي الحثيث للجمع بين المنهجين وأنّى لهم ذلك، والقطيعة في المناهج والسّلوك عميقة جدّاً، ولا يمكن أن تُردم إلّا بالتّنازل عن المبادئ، وبالتّالي الانضواء تحت غير ما يدّعوه.
#وكيف كان؛ ذكرنا هذه المقدّمة لكي نتجاز من خلالها إلى صورة واقعيّة لتقييم أداء الفقهاء الإثني عشريّة في زمان أوج الدّولة الصّفويّة، صورة رسمها صدر الدّين الشّيرازي صاحب كتاب الحكمة المتعالية المعروف بالأسفار الأربعة والمعاصر لتلك المرحلة المتوفّى سنة: “1050هـ”؛ إذ سعى في معظم الأحيان إلى تسجيل تحفّظاته البالغة على أدائهم قائلاً: “لما تركوا الإخلاص والتّوكل على الله ألجاهم الله إلى أبواب السلاطين، وحوّل وجوههم عن طلب الحقّ واليقين، إلى خدمة الهوى وطاعة المجرمين وصحبة الفاسقين”.
#سننقل هذا النّص الطّويل باعتباره نافعاً جدّاً في أيّامنا، ونحن نشاهد جملة من الأساتذة المعمّمين بمختلف طبقاتهم على أبواب المرجعيّات الدّينيّة الكبيرة والصّغيرة لجمع الفتات من هنا وهناك، ونتمنّى عليهم أن يتقبّلوا هذا النّقد ويقارنوا الصّورة المنقولة فيه مع واقعهم وتصرّفاتهم، وكأن صدر الدّين الشّيرازي واقف هذه الأيّام في شارع الرّسول وهو يشاهد هذا المنظر المؤسف ويكتب كلماته، فلننصت معاً إلى تعابيره حيث قال:
#فإنّا نرى المدرّسين فى زماننا كأنّهم فى رقٍ دائمٍ ونحت حقٍّ لازم ومنّةٍ ثقيلة ممّن يتردّد إليه؛ فكأنّه يهدى تحفة لديه ويلقى حقّاً واجباً عليه، وبما لا يختلف إليه فى الأدوار ما لم يتكفّل برزقٍ له على الأدرار، ثمّ المدرّس المسكين والمولى الضّعيف الدّين لعجزه عن القيام بذلك من ماله لا يزال يتردّد إلى أبواب السّلاطين، ويقاس الذّل والشّدائد مقاساة الذّليل المهين، حتى يُكتب له بعد الابرام التمّام، على بعض وجوه السحت بمالٍ حرام، ثمّ يبقى فى مقاساة القسمة على الأصحاب، والتّوزيع على الطلاب، إن سوّى بينهم شقّه المبرَّزون، ونسبوه إلى الحمق والجهالة، والظلم والضّلالة، والقصور عن درك مصارف الفضل، والفتور عن القيام فى مقادير الحقوق بالعدل، وإن فاوت بينهم سلقه السفهاء بألسنة حدادٍ وثاروا عليه ثوران الأساود والآساد، فلا يزال فى مقامهم في الدّنيا وفى مظالم ما ياخذه ويفرّقه فى العقبى.
#والعجب أنّه مع البلاء كلّه، والدّاء جلّه، تُمنّى نفسه العثور، وتدلّيه بحبل الغرور، إنّ فيما يفعله مُريد وجه الله، ومذيع شرع رسول الله، وناشر علوم دين الله، والقائم بكفاية طلاب العلم من عباد الله، ولو لم يكن ضحكة للشيطان، وسخرة لأعوان السلطان، لعلم بأدنى تأمل: أنّ فساد الزّمان لا سبب له إلّا كثرة أمثال أولئك الفقهاء المُحدِثين فى هذه الآوان، الذين يأكلون ما يجدون من الحلال والحرام، ويفسدون عقايد العوام؛ باستجرائهم على المعاصى اقتداءً بهم، واقتفاءً لإثارهم، فنعوذ بالله من الغرور والعمى؛ فإنّه الدّاء الّذي ليس له دواء». [رسالة: الواردات القلبيّة المطبوعة ضمن الرّسائل التّسع: ص259].
#أسأل الله أن يُبعد الأساتذة من المشايخ والسّادة الكرام عن أبواب المرجعيّات الدّينيّة الّتي تمتهن إذلالهم، وأن يقيّض لهم رزقاً حلالاً دارّاً كي يتمكّنوا من خلاله التّفكير والكتابة والنّشر بمعزلٍ عن ضغوطات هذا المرجع أو ذاك، إنّه وليّ قدير.
#ميثاق_العسر.