رجاليّة الخوئي بين الموضوعيّة والذّاتيّة!!

#روى الكشّي في رجاله خمس روايات بعضها صحيحة السند بالاتّفاق في ذمّ عبد الله بن سبأ؛ وهذا الأمر كافٍ للتصديق بوجوده وكونه حقيقة واقعيّة لا أسطورة كما يُشاع بغض النظر عن واقعيّة ما يُنسب إليه. لكن الغريب إنّ المرحوم الخوئي “1899ـ1992م” مع كونه يعتمد على كتاب الكشّي وينصّ على الأخذ بتوثيقاته وتحسيناته [المعجم: ج1، ص41]، إلّا إنّه أختار الرأي الذي يرى بأنّ عبد الله بن سبأ شخصيّة خرافيّة لا وجود لها، ليقرّر في معجمه بعد نقله تلك الروايات والّتي فيها الصّحيح:
«…وأمّا عبد الله بن سبأ فعلى فرض وجوده فهذه الروايات تدل على أنّه كفر وادّعى الألوهية في علي “ع” لا أنّه قائل بفرض إمامته “ع”، مضافاً إلى أنّ أسطورة عبد الله بن سبأ وقصص مشاغباته الهائلة موضوعة مختلقة اختلقها سيف بن عمر الوضّاع الكذّاب، ولا يسعنا المقام الإطالة في ذلك والتدليل عليه، وقد أغنانا العلّامة الجليل والباحث المحقّق السيد مرتضى العسكري في ما قدّم من دراسات عميقة دقيقة عن هذه القصص الخرافية…» [معجم رجال الحديث: ج11، ص207].
#وحينما نرجع إلى كتاب المرحوم العسكري نجده ينصّ بوضوح على عدم اعتماد العلماء على رجال الكشّي وتضعيفهم لهذا الكتاب [وليت الخوئي قرأ ذلك]، ويضيف أيضاً: إن «أمثال هذه الروايات سواء أصحّت وثبت أنّ الزنادقة دسّوها في أمثال كتب الكشي، أو أنّ الكشّي وهم في إيراد أمثال هذه الروايات الكاذبة في كتابه، على كلا التقديرين تثبت انتشار روايات غير صحيحة في أمثال كتاب رجال الكشي» [عبد الله بن سبأ: ج2، ص205].
#ولا ندري هل إنّ الخوئي يلتزم بهذا الكلام مع إنّ بعض الروايات التي رواها الكشّي صحيحة السند على مبانيه الرجاليّة ولا بدّ من الالتزام بالحدّ الأدنى من دلالاتها ـ وهو واقعيّة عبد الله بن سبأ ـ على أقلّ التقادير؟! أم إنّه بعّض في قبول هذه المباني تقيّة وانسياقاً مع المذهبيّة كما نوّهنا لذلك في ترجمته لعقيل بن أبي طالب؟!
#كل هذا يكشف عن إنّ الكبار مهما تمتّعوا بأعلى درجات الموضوعيّة والشفّافيّة في بحوثهم العلميّة لكنّهم يسقطون في فخّ الذّاتيّة والمذهبيّة في بعض الأحيان؛ الأمر الذي يوجب علينا أن لا نضع أقفالاً وأوصاداً على البحوث العلميّة بسبب صدورها من الكبار؛ فهكذا علّمونا ولا ينبغي التمرّد على سيرتهم، والله الهادي إلى سبيل الصواب.


تنطلق إجابات المركز من رؤية مقاصدية للدين، لا تجعله طلسماً مطلقاً لا يفهمه أحد من البشرية التي جاء من أجلها، ولا تميّعه بطريقةٍ تتجافى مع مبادئه وأطره وأهدافه... تضع مصادره بين أيديها مستلّةً فهماً عقلانياً ممنهجاً... لتثير بذلك دفائن العقول...