#تقع مدينة مهاباد الإيرانيّة في محافظة آذربيجان الغربيّة وبمحاذاة حدوديّة ملاصقة وقريبة من مراكز المحافظات الشّماليّة العراقيّة، والأغلبيّة السّاحقة من سكّانها هم من الأكراد السُنّة الشّوافع، وقد كانت هذه المدينة هي عاصمة دولة مهاباد الكرديّة الّتي أسّسها القاضي محمد كان “1893ـ1947م” بمشاركة العشائر ودعم البارزانيّين وعلى رأسهم زعيمهم ملّا مصطفى البارزاني ـ والد مسعود ـ في مطلع عام: “1946م”، لكن هذه الدّولة لم تستمرّ سوى أحد عشر شهراً لتسقط ويُعدم القاضي محمد ووزراء دولته في وسط المدينة.
#وبغية الإطلال على التّاريخ المجمل لهذه الثّورة والسّياقات الّتي كوّنتها وأفشلتها سأوجز الحديث في نقاط تتضمّن النّظر إلى واقعنا المعاصر ومشاكل الاستفتاء الأخير وما يمكن طرحه من تصوّرات لتخفيف حدّة المناوشات:
#الأولى: بعد احتلال بريطانيا والاتّحاد السّوفيتي لغرب إيران في آب “1941م” وإجبار رضا شاه البلهوي بتهمة الموالاة لألمانيا على الاستقالة والسّماح لأبنه محمد رضا باعتلاء عرش الحكم حصلت اختلالات أمنيّة كبيرة في المناطق الغربيّة الممتدّة من مهاباد ومروراً بسقز وانتهاءً بسنندج جرّاء حالة الفراغ الّتي سبّبتها قوى الاحتلال، وهو أمر لم يكن لحكومة طهران حينذاك قدرة السيطرة عليها.
#الثّانية: في أثناء استمرار الانفلاتات الأمنيّة ووصول الصّراع السوفيتي الأمريكي إلى أوجه حول الوضع الحالي والمستقبلي لإيران داخليّاً وأقليميّاً خصوصاً بعد نجاح إقامة دولة آذربيجان الماركسيّة، بادر القاضي محمد إلى إعلان دولة مهاباد الكرديّة، وشكر الاتّحاد السّوفيتي على مساندته المادّية والمعنويّة وهنّأ الآذربايجانيّين الّذين حقّقوا استقلاليّتهم وأشاد بالأخوّة فيما بينهم، ثمّ شُكّلت الحكومة ونظمت الإدارة والصّحافة والشّؤون العسكريّة.
#الثّالثة: يبدو إنّ الاتّحاد السوفيتي كان قد قدّم النّصيحة المكرّرة للقاضي محمد على أن لا يعجل في إعلان الدّولة وإنّ الظّروف الدّوليّة والدّاخليّة غير مناسبة لذلك؛ فإنّ إعلان الاستقلال قبل توفير المناخ الشّعبي الملائم في كوردستان وقبل تأمين الدّعم الدّولي يُعدّ مخاطرة غير محمودة النّتائج، لكنّه لم يستمع للنّصح وقام بحركة مبكّرة ومن دون ضمانات حولها داخليّاً وخارجيّاً، رغم إنّ الاتّحاد السوفيتي كان وراء دعم الحركات الانفصاليّة في آذربيجان وكوردستان بعد تمنّع طهران من منحهم رخص نفطيّة.
#الرّابعة: فشلت جميع المفاوضات الّتي تمّت بين ممثّلي حكومة طهران ومهاباد، وحدثت مناوشات عسكريّة في مطلع آيار مايو: “1945م” وتطوّرت إلى معارك واسعة شاركت فيها قوّات بارزان بقوّة وحزم وعاد الهدوء النّسبي دون حسم.
#الخامسة: رأت طهران إنّ الصّحيح في علاج إنهاء هذه الدّولة يبدأ بعد علاج المشاكل الدّاخليّة وبعد لحظة خروج قوّات الاحتلال السوفيتي والبريطاني والأمريكي في مطلع وأواسط عام: “1945م” وفق الاتّفاقيّة؛ بدأت طهران معركتها الفاصلة مع جمهوريّة آذربيجان فقضت عليها واسترجعت تبريز في كانون الأوّل: “1946م”، الأمر الّذي أثّر كثيراً على أجواء جمهوريّة مهاباد الوليدة ودبّت روح الانهزاميّة في صفوف بعض العشائر المساندة لها جرّاء فقدانها تسويق منتجاتها، فقرّرت حكومتها الانسحاب حقناً للدّماء ولم تحدث أيّ معركة كما كان متوقّعاً.
#السّادسة: سعى ملا مصطفى البارزاني “1903ـ1979م” والّذي أقام في مهاباد بعد فشل ثورته في العراق أن يُقنع القاضي محمد بالانسحاب باتّجاه العراق لكنه رفض؛ فألقي القبض على القاضي محمد من قبل القوّات الحكوميّة فأعدم هو وأخوه وابن عمّه شنقاً حتّى الموت في ساحة المدينة وأعدم أعضاء الحكومة بعد ذلك، وأغلقت المطبعة الكرديّة وحظرت الّلغة وأحرقت جميع الكتب الكرديّة، وفرّ البارزاني ورفاقه والّذين لم يكونوا موضع ترحيب في مهاباد بأيّ شكل من الأشكال إلى الاتّحاد السوفيتي بعد قتال ومعارك كرّ وفر؛ فقطعوا مسافة تربو على ثلاثمائة كيلو جبليّة في خلال خمسة عشر يوماً عابرين نهر آراس وصولاً إلى الاتّحاد السوفيتي، علماً إنّ البارزاني حاز على رتبة مارشال في دولة مهاباد في بداية تأسيسها. [تاريخ الأكراد الحديث؛ جمهوريّة مهاباد؛ الثّورة الكرديّة].
#السّابعة: لقد سعى مسعود البارزاني ـ نجل ملّا مصطفى والمولود في مدينة مهاباد في سنة تأسيسها ـ أن يستفيد من التّجربة السّابقة الّتي حصلت في مسقط رأسه وكأنّ نصيحة الاتّحاد السوفيتي في تلك الأيّام ترنّ في أذنه؛ فأقدم على استفتاء شعبي على الاستقلال سعى من خلاله لتوفير مناخٍ شعبيّ داخليّ؛ لينتقل بعد ذلك من خلال فرض الأمر الواقع على كسب الدّعم الدّولي، لكنّ الدّعم الدّولي لم ولن يحصل في هذا الوقت، وهو يعرف هذا الأمر جيّداً ويراهن على كسب المكاسب أكثر وأكثر حّتى حلول المرحلة القادمة.
#الثّامنة: ينبغي عدم التّلويح بالخيار العسكري في هذه المرحلة والاقتصار على العقوبات الاقتصاديّة الّتي ستنهك الوضع الدّاخلي في كوردستان وتسبّب تفكّكاً وإعادة نظر كبيرة بالنّسبة للأحزاب الدّاعمة للاستفتاء والمصطفّة مع دعاته، وهذا الأمر يمنحهم مبرّراً لإعادة النّظر في قناعاتهم والّتي ترتبط بمصالحهم بطبيعة الحال.
#التّاسعة: ينبغي عدم التّلويح بورقة الحشد الشّعبي وضبط إيقاعهم؛ لأنّ دخولهم على الخطّ في هذه المرحلة يعني منح القوى العالميّة والعربيّة مبرّراً للوقوف إلى جنب الأكراد في خياراتهم تحت ذريعة الإرهاب وإحداث محرقة لا أوّل لها ولا آخر؛ كما إنّ الدّول الأقليميّة قادرة على إدارة المعركة بحنكتها ومنافذها وجيوشها من داخل حدودها ولا حاجة لإقحام الفصائل المسلّحة في هذه المسألة من داخل الأراضي العراقيّة؛ وإحداث شرخ مجتمعي كبير بين الكُرد والعرب الشّيعة بالذّات.
#العاشرة: إنّ بقاء مسعود ورفاق دربه في دفّة الحكم في كردستان يعني المصير إلى مزيد من الأزمات الّتي لن تنتهي؛ وتاريخ هؤلاء واضح وجلي في الدّفاع عن قضيّتهم بمختلف الأساليب والطُرق وصناعة الأزمات تلو الأزمات، لذا ينبغي الضّغط على الأحزاب الأساسيّة في كوردستان من أجل إقالته وإبعاده عن السّلطة وإلّا يصار إلى خيار المحاكمة تحت ذريعة خرق الدّستور وعدم الانصياع لقرارات المحكمة الاتّحاديّة.
#وأخيراً: نتمنّى الابتعاد عن لغة التأزيم والاحتقان؛ فالأكراد كغيرهم من القوميات فيهم الصّالح وفيهم الطّالح، ولا ينبغي ظلم الصّالحين بجريرة الطّالحين، نعم ينبغي إلفات نظرهم ولكن بالّتي هي أحسن، ولا نتمنّى أن تُراق قطرة دم واحدة من الطّرفين من أجل مصالح هذا الشّخص وهذا الزّعيم… نسأل الله أن يحفظ العراق وأهله من شرّ الأشرار وكيد الفجّار.