#يُحكى إنّ أحدهم كان جالساً عند بعض وزراء الدّولة البويهيّة في بغداد، فدخل الحاجب واستأذن منه لكي يدخل عليه الشّريف المرتضى؛ فلمّا دخل قام إليه وأكرمه وأجلسه معه في دسته، وأقبل يحدّثه حتّى فرغ من حكايته ومهمّاته، ثمّ قام فودّعه وخرج، ولم تكن إلّا ساعة حتّى دخل الحاجب مرّة ثانية يستأذن لأخيه الشّريف الرّضي وكان الوزير قد ابتدأ بكتابة رقعة فألقاها جانباً، وقام كالمندهش حتّى استقبله من دهليز الدّار، وأخذ بيده وأعظمه وأجلسه في دسته، ثمّ جلس بين يديه متواضعاً وأقبل عليه بجماعه، فلمّا خرج الرّضي خرج الوزير معه وشيّعه إلى الباب ثمّ رجع… وما أن خفّ المجلس قال له راوي الحكاية: أ تأذن لي يا وزير أن أسألك عن شيء؟
#أجابه الوزير: كأنك تريد أن تسألني عن سبب زيادتي في إعظام الرّضي على أخيه المرتضى مع إنّ الأخير أسنّ وأعلم؟! فقال له الرّاوي: نعم أيّد الله الوزير، فقال الوزير: قد أردنا ذات يوم أن نحفر نهراً وكان للشّريف المرتضى ضيعة على ذلك النّهر، فكان عليه أن يدفع ما يقرب من ستّة عشر درهماً، فأرسل لي عدّة رسائل يطلب منّي تخفيف ذلك المقدار عنه!!
#وأمّا أخوه الرّضي فقد بلغني ذات مرّة إنّه ولد له غلام فأرسلت له ألف درهم فردّها وقال: قد علم الوزير إنّي لا أقبل من أحد شيئاً، فرددت المبلغ وقلت له: إنّما أرسلته للقابلة، فردّه ثانية وقال: قد علم الوزير إنّه لا تُقبّل نساءنا غريبة، فرددته إليه وقلت: ليفرّقه الشّريف على طلّابه وتلامذته، فلمّا جاءه الطّبق وفيه النّقود وكان طلّابه حوله قال: ها هم الطلّاب حضور؛ فليأخذ كلّ واحد منهم ما يريد، فقام أحدهم وأخذ ديناراً فقرض من جانبه قطعة وأمسكها وردّ الدنيار إلى الطبق فسأله الشّريف عن سبب ذلك فقال: لقد احتجت ليلة إلى دهن السّراج ولم يكن الخازن حاضراً فاقترضت من فلان البقّال دهناً فأخذت هذه القطعة لأدفعها إليه عوض دهن، وقد كان طلبة العلم الملازمون للشّريف المرتضى في دار قد اتّخذها لهم سمّاها #دار_العلم وعيّن لهم جميع ما يحتاجون إليه، ولمّا سمع من الشّريف الرّضي هذه القصّة من الطالب أمر في الحال بأن يتّخذ للخُزانة مفاتيح بعدد الطلبة، ويدفع إلى كلّ واحد منهم مفتاحاً كي يأخذ ما يحتاج إليه ولا ينتظر الخازن ليعطيه ذلك، وردّ الطبق على هذه الصورة… فهل عرفت يا هذا سبب تعظيمي للشّريف الرّضي على الشّريف المرتضى؟! [عمدة الطّالب في أنساب آل أبي طالب: ص190].
#أقول: رغم إجلانا وتقديرنا لكلا السّيدين النجيبين الطّاهرين المرتضى والرّضي، وبغضّ النّظر عن واقعيّة تركيبة القصّة لكنّا ذكرناها للإشارة إلى وجود النّموذجين معاً في يومنا هذا وعلى جميع المستويات في دور العلم الحوزويّة المعاصرة وفي طبيعة علاقتها مع رجال السياسة وعالم الكميشنات وفرض الأتاوات؛ فقد كان الرضّي «عظيم النّفس، عالي الهمّة، أبيّ الطّبع لا يقبل لأحد منّة»، وربّما كان لأخيه المرتضى وجه مشروع في التماس التّخفيف كما قيل، نعم هكذا بدأت الحياة وهكذا تنتهي، والله المعين والمعاون.