#دخل محمد بن مسلم يوماً على الإمام جعفر بن محمّد الصّادق “ع” وهو في فسطاطه فرآه يكّلم أمرأة، فبقي بعيداً عنهما حتّى طلب الإمام منه الاقتراب، فخاطبه “ع” قائلاً: هذه أم اسماعيل، ويقصد زوجته فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن علي “ع” [كما هو الصّحيح]، كانت تحدّثني وتسألني عن هذا المكان وأقول لها هذا هو […]
#دخل محمد بن مسلم يوماً على الإمام جعفر بن محمّد الصّادق “ع” وهو في فسطاطه فرآه يكّلم أمرأة، فبقي بعيداً عنهما حتّى طلب الإمام منه الاقتراب، فخاطبه “ع” قائلاً: هذه أم اسماعيل، ويقصد زوجته فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن علي “ع” [كما هو الصّحيح]، كانت تحدّثني وتسألني عن هذا المكان وأقول لها هذا هو المكان الّذي أحبط الله فيه حجّك في العام الماضي!!… بدأ الإمام يسرد قصّة إحباط حجّ زوجته لمحمد بن مسلم، لنصغي إليه معاً بتروّ ودقّة وبتجرّد من الرؤية الكلاميّة والأصوليّة والمنبريّة…؛ لكي لا یُصاب بعضّ منّا بالذّهول والرّواية صحيحة السند جزماً:
#يقول الإمام: كنت أريد الإحرام وأنا بين مكّة والمدينة فطلبت من جارية لي أن تضع الماء في الخباء، فجلبت الجّارية الماء ووضعته، فلمّا رآها الإمام رغب فيها فحصل بينهم ما يحصل بين الرّجل والمرأة، وحينما أرادت الجّارية الخروج أمرها الإمام أن تغسل شعرها فقط وتمسحه مسحاً شديداً، وإذا ما أرادت الإحرام بعد ذلك فعليها الاكتفاء بغسل بدنها دون شعرها، طلب منها الإمام ذلك لأنّ خروجها وهي مبتلّة سيكون مكلفاً جدّاً؛ إذ ستراها أم إسماعيل وتشتعل غيرتها ولا شكّ إنّ الإمام لا يرغب بذلك ربّما مراعاة لمشاعرها، ففعلت ما أمرها الإمام به ودخلت بعد ذلك إلى خيمة مولاتها أم إسماعيل فذهبت تتناول شيئاً فمسّت مولاتها رأسها فإذا بها تحسّ بلزوجة الماء!! فغضبت واشتعلت الغيرة فيها وحلقت رأسها وضربتها، فقال لها الإمام: هذا هو المكان الّذي أحبط الله فيه حجّك. [تهذيب الأحكام: ج1، ص134].
#وقد نظر الفقهاء إلى هذه الرّواية من زاوية فقهيّة بحتة؛ فموضعوها في دائرة الرّوايات الّتي نصّت على عدم لزوم التّرتيب بين غسل الرأس والبدن في عموم الأغسال أو في غسل الإحرام بالخصوص، فتخلّص معظهم منها وأهملها وطرحها رغم إيمانهم بصحّة سندها بسبب إنّ هذه الرّواية رواها هشام بن سالم مرّة عن الإمام مباشرة وقد جاء فيها إنّ الإمام طلب من الجّارية أن تغسل بدنها قبل رأسها، ورواها هشام بن سالم مرّة أخرى بتوسّط محمد بن مسلم وقد جاء فيها إنّ الإمام طلب من الجّارية أن تغسل رأسها قبل بدنها، وهذا الوهم من راوي الرّاوية عن هشام كاف في طرحها وعدم الاعتماد عليها كما نصّ على ذلك بعضهم وإن كانت الرواية بالصيغة الّتي نقلناها لا مشكلة فيها وتتّفق مع المبنى العامّ لديهم في ترتيب الغسل.
#وسواء أ طلب الإمام من الجّارية أن تغسل بدنها أوّلاً ومن ثمّ رأسها أو أن تغسل رأسها ومن ثمّ بدنها… فهذه الزّاوية الفقهيّة لا تهمّني أصلاً؛ لأنّي احتمل جدّاً إنّ الإمام في مثل هذه الحادثة ليس في مقام البيان من هذه الجّهة أصلاً لكي يصحّ الاستناد إليها، بل هي قضيّة خاصّة تطلبّتها ظروف معيّنة رعاية لأمور أسريّة عائليّة بينه وبين زوجته، كما إنّ هذا الأمر لا ينفي وقوع هذه الحادثة بكلّ تفاصيلها كما نقلناها أعلاه، ولا ينفي أيضاً عدم إمكانيّة الاعتماد عليها من جهات أخرى في استخراج أحكام كلاميّة وأصوليّة وأسريّة ومجتمعيّة عدّة لا يسع ولا يناسب المقام لذكرها، ولكن ما يهمّني التّركيز عليه هو نقطة جديرة بالاهتمام أتمنّى من الباحثين الالتفات إليها وهي:
#إنّ الإمام مهما فرضنا عليه من قيود كلاميّة أو فلسفيّة أو عرفانيّة هو بشر يمارس حياته الطّبيعيّة في دائرة المشروع وأكرّر المشروع، وهناك أمور يمارسها كجزء من حياته الخاصّة الّتي قد ينقلها إلى خلّص أصحابه بمقتضى بشريّته واجتماعيّته، ومن غير المعقول نقل هذه الحياة الخاصّة إلى الملأ العامّ وتشريحها وتفكيكها وتحويلها إلى مقاسات شرعيّة صالحة لكلّ زمان ومكان، وكما نوّهت وكرّرت: في الرواية أعلاه تأمّلات كلاميّة وأصوليّة وفقهيّة وإجتماعيّة وأسريّة عدّة لا اعتقد إنّ المكان مناسب لذكرها، وأتركها لفطنة القارئ والله من وراء القصد.
#تأمّلات_كلاميّة_أصوليّة .