#بعد أن أوضحنا في الحلقات السّابقة: عدم وجود طريق يُسوّغ الاستناد إليه لنسبة كتابي زوائد الفوائد والمحتضر ـ كما هو الرّائج في التّعبير عنهما ـ لأحد من مؤلّفيهما المفترضين، تضحى الحاجة حينئذ لتفحّص أسانيد رواياتهما وخصوصاً الرّواية محلّ البحث حشواً زائداً من الكلام، ولكن مع هذا نجد من المناسب ـ استيفاءً لطبيعة البحث ـ غضّ الطّرف عمّا توصّلنا إليه في هذا الخصوص، ونفترض: إنّ انتساب مجموع هذه الكتب إلى مؤلّفيها المفترضين جزميّ لا غبار عليه، ونبدأ بالاستفهام عن القيمة السّنديّة للرّواية محلّ البحث، والّتي هي الأساس اليتيم الواصل لما يُذكر من استحبابات في اليوم التّاسع من شهر ربيع الأوّل والّذي يُصطلح عليه في الأوساط الشّعبيّة بفرحة الزّهراء أو عيد بابا شجاع الدّين.
#لكن ما ينبغي تقريره بوضوح وشفّافيّة: إنّ سند هذه الرّواية في كتابي زوائد الفوائد والمحتضر يعاني من أزمات سنديّة عميقة جدّاً؛ وذلك لوجادته وإرساله ومجهوليّة جميع رجاله عند عموم الاتّجاهات الإثني عشريّة، ومن هنا لم يجد المؤمنون بصدور هذه الرّواية واعتباره بُدّاً من الّلجوء إلى طُرق أخرى لتمريرها واعتمادها؛ إذ وجدوا إنّ الطّريق السّندي مغلق أمامهم مهما حاولوا استحداث طرق جديدة، وتفصيل هذا الأمر يمكنه إيجازه في نقاط:
#الأوّلى: جاء في النّسخة الواصلة من كتاب زوائد الفوائد لصاحبها المتوفّى ما بعد سنة: “704هـ” إنّ مصنّفها قد عثر على الرّواية محلّ البحث بخطّ محمّد بن عليّ بن محمّد بن طيّ، وإنّ الأخير رواها عن راويين هما: ابن أبي العلاء الهمداني الواسطي ويحيى بن محمّد بن حويج البغدادي، وبدورهما عن: أحمد بن إسحاق القمّي الّذي يُعدّ من أصحاب العسكريّين “ع”، وهذا الأخير قد طبّق مضامينها استناداً إلى رواية سمعها من الهادي “ع”.
#الثّانية: جاء في النّسخة الواصلة من كتاب المحتضر لصاحبها المتوفّى ما بعد سنة: “802هـ”: إنّ مصنّفها قد نقل الرّواية محلّ البحث من خطّ الشّيخ الفاضل علي بن مظاهر الواسطي “رحمه الله”، بإسناد متصل عن راويين هما: محمّد بن العلاء الهمداني الواسطي ويحيى بن حويج البغداديّ، عن أحمد بن إسحاق القمّي أيضاً، وهذا الأخير قد طبّق مضامينها استناداً إلى رواية سمعها من الهادي “ع” أيضاً.
#الثّالثة: إنّ كلاً من صاحب كتاب زوائد الفوائد وصاحب كتاب المحتضر لم يسمعا هذه الرّواية من أحدٍ ونقلوها كرواية في كتبهم، وإنّما وجدها الأوّل بخطّ: محمّد بن عليّ بن محمّد بن طيّ، ووجدها الثّاني بخطّ: عليّ بن مظاهر الواسطي، وهذه الوجادات تشكّل عائقاً كبيرّاً أمام من يريد الاستناد إليها، خصوصاً وإنّ هذه الوجادات لم تقترن بإجازة من قبل أصحابها لواجدها لكي تصحّ روايتها أو العمل على أساسها ولا أقل بالنّسبة لمن وصلت إليه، وهذا من الواضحات عند أهل الفنّ، بل حتّى لو قبلنا بجواز الاستناد إلى الوجادة فإنّ ذلك إنّما يكون في الكتب معلومة الانتساب إلى أصحابها، لا من قبيل ما نحن فيه.
#الرّابعة: اختلفت كلمات المجلسي في ذكر الاسم الكامل للشّخص الّذي عثر صاحب كتاب زوائد الفوائد على الرّواية بخطّه؛ ففي البحار سمّاه: محمّد بن عليّ بن محمّد بن طيّ، وفي زاد المعاد حذف اسم محمّد وعزا الأمر إلى: عليّ بن محمّد بن طيّ. [بحار الأنوار: ج95، ص355؛ زاد المعاد، حجري: ص137؛ الخطي: ص204].
#الخامسة: لا توجد أي معطيات حقيقيّة يمكن الاستناد إليها لبيان حال وأحوال بل وحتّى طبقة محمّد بن عليّ بن محمّد بن طيّ أو عليّ بن مظاهر الواسطي، وكلّ ما ذكر في الكلمات هو: احتمالات لا تستند إلى معطيات حسيّة ذكرها علماء الببلوغرافيا الإثني عشريّة الّذين وقعت هذه الرّواية بأيديهم في أيّام توظيفها الصّفوي، من خلال ادّعاء إنّ فلاناً من أحفاد الأوّل لتشابه لقبه معه، وإنّ فلاناً عينه لاشتراكه معه في بعض تفاصيل الاسم، وإنّ الثّاني متّحد مع علي بن الحسن بن مظاهر الحلّي تلميذ فخر المحقّقين وصاحب “المسائل المظاهرية”، وهي كما ترى، كما لا نمتلك طريقاً نتعرّف من خلاله على كيفيّة تمكّن هؤلاء من معرفة خطوط كاتبي الرّواية.
#السّادسة: نصّ الأفندي في كتابه الفارسي التّحفة الفيروزيّة على إنّه قد عثر على هذه الرّواية الشّريفة ـ حسب اصطلاحه ـ بخطّ ابن طيّ المجتهد الفقيه المتأخّر، والّذي عدّه من أحفاد ابن طيّ المتقدّم. [مصدر سابق: ج1، ص474]، وهذا الأمر يُقلقنا كثيراً ويشي باحتماليّة أن يكون المقصود من ابن طيّ في أصل الرّواية هو هذا لا غير، وإنّ الرّواية ادرجت في هذه النّسخ من الكتب لاحقاً.
#السّابعة: إنّ كلّا الرّاويين المباشرين للرّواية مجهولا الحال والأحوال في التّراث الإثني عشريّ فضلاً عن التّراث السُنّي، وقد أخطأ صاحب “مستدركات علم رجال الحديث” كثيراً حينما حسب إنّ محمّد بن أبي العلاء الوارد في الرّواية هو محمد بن العلاء بن كريب الهمداني؛ فمثل هذا الاحتمال لمن يعرف شخصيّة ومذهب أبي كريب ساقط من أساسه؛ فهو من شيوخ البخاري ومسلم والّذي يقول عنه الأوّل: “أستاذي ما رأيت أحفظ منه”؛ فهل يُعقل أن تُنسب له رواية التّعيّد والابتهاج والسّرور بمقتل عمر بن الخطّاب؟! الّلهم إلّا أن يُقال: إنّ واضعي الرّواية كان هدفهم تمرير هذه الرّواية على جماهيرهم من خلال روايتها عن طريق المشايخ الكبار من أهل السُنّة، والتّراث الإثنا عشريّ في ميدان الإمامة مملوء بذلك للأسف الشّديد.
#الثّامنة: ما قيل من رواية المحدّث نعمة الله الجزائريّ الشّوشتري المتوفّى حوالي سنة: “1112هـ” للّرواية في كتابه الأنوار النّعمانيّة نقلاً عن كتاب دلائل الإمامة وفي الفصل الخاصّ بأمير المؤمنين عليّ “ع” كلام غير دقيق وخاطئ؛ وذلك لأنّ ما هو موجود في كتابه هو روايتها عن «كتاب الشّيخ الإمام العالي أبي جعفر محمد بن جرير الطبري» ولم تتمّ الإشارة إلى كتاب دلائل الإمامة أصلاً [ج1، ص84]، كما إنّ النّسخ الواصلة من هذا الكتاب إلى مرحلة التّدوين الصّفويّ لا يتوافر فيها مثل هذا الفصل أصلاً، فاحتمال رؤية الجزائري لهذه الرّواية في كتاب مجهول آخر لمصنّف حمل نفس هذا العنوان أو احتمال اشتباهه وارد جدّاً، على إنّنا أوضحنا في دراسات سابقة: إنّ كتاب دلائل الإمامة بصيغته الواصلة إلى ابن طاووس من الموضوعات فضلاً عن صيغته الواصلة إلينا فراجع.
#التّاسعة: قيل إنّ الرّواية وردت في كتاب حمل عنوان: “مصباح الأنوار في فضائل إمام الأبرار” لمصنّف مجهول سمّوه الشّيخ إبراهيم بن هاشم، وقد نقل بعض الباحثين السّند الّذي أورد في النّسخة الموجودة من هذا الكتاب في مكتبة السّادة بيت الخرسان، لكنّنا نشكّك بعمق في واقعيّة هذا السّند بل ونحتمل جدّاً أن يكون حاله كحال كتاب دلائل الإمامة، على إنّ هذه الرّواية لو كانت متوافرة في نسخة هذا الكتاب الّتي كانت في يد شيخ المحدّثين الإثني عشريّة المجلسي وهو يكتب البحار ويعدّه من مصادره لبادر إلى نقلها منه لا أن يقتصر في نقلها على زوائد الفوائد والمحتضر.
#العاشرة: من المحتمل جدّاً أن تكون الرّواية قد تسرّبت من الواقع الشّيعي النّصيري العلوي في لبنان وسوريا إلى الواقع العلمي الشّيعي الإثني عشريّ؛ باعتبار ورودها في أهمّ مصادر التّراث النّصيري المعاصر للمفيد كما سنتحدّث لاحقاً، فليُتأمّل. [يُتبع].
#ميثاق_العسر