خرافة فرحة الزّهراء ودور الفقهاء في شرعنتها!! الحلقة الرّابعة عشر

#قبل أن نعرض لأسانيد الرّواية اليتيمة الواصلة لخرافة فرحة الزّهراء أو عيد بابا شجاع الدّين ونتفحّص مضامينها أيضاً، من المناسب أن نفكّك بعض الأخطاء العلميّة الحاصلة في محطّات حديثيّة إثني عشريّة مهمّة كبيرة بخصوص تاريخ مقتل الخليفة الثّاني عمر بن الخطّاب؛ نمارس ذلك لنوقف المتابع الجادّ على طريقة تصنيع الأخطاء وكيفيّة تمريرها وتركيزها للأسف الشّديد، ويأتي الأعلام الّلاحقون فيبادرون دون تمحيص وتدقيق إلى نقلها واعتمادها؛ انطلاقاً من حسن ظنّهم الزّائد عن حدّه ولا نقول غير ذلك.
#المحطّة الأولى: يُعدّ الّلبنانيّ المرحوم تقيّ الدّين إبراهيم الكفعمي الّلويزي المتوفّى سنة: “905هـ” الأخ الشّقيق للشّيخ شمس الدّين محمّد الجعبي، والّذي هو الجدّ المباشر للشّيخ البهائي المتوفّى سنة: “1030هـ”، وهو صاحب الكتاب المعروف بـ “المصباح” والّذي يُعدّ من مصادر الأدعية الّتي استقى منها شيخ المحدّثين الإثني عشريّة المجلسي جملة من ادعيته المنقولة في بحاره وزاد معاده.
#وحينما نعود إلى كتابه المصباح وإلى أعمال ومناسبات اليوم التّاسع من ربيع الأوّل تحديداً نراه يقرّر ما يلي: «روى فيه صاحب كتاب مسار الشّيعة: “أنّه من أنفق فيه شيئاً غُفر له، ويستحبّ فيه إطعام الأخوان وتطيّبهم، والتّوسعة في النّفقة، ولبس الجديد، والشّكر، والعيادة، وهو يوم نفي الهموم، وروي أنّه ليس فيه صوم”»، وبعد أن نقل هذا القول أفاد قائلاً: إنّ «جمهور الشّيعة يزعمون أنّ فيه قُتل عمر بن الخطاب».
لكنّ الكفعمي لم يرتض هذا القول ونصّ على عدم صحّته، وفي سياق البرهنة على ذلك بادر لنقل كلمات الفقيه المتنوّر ابن إدريس الحلّي القائلة: إنّ «من زعم أنّ عمر قتل فيه [أي اليوم التّاسع من ربيع الأوّل] فقد أخطأ بإجماع أهل التّواريخ والسّير، وكذلك قال المفيد “ره” في كتّاب التواريخ، وإنّما قتل عمر يوم الإثنين لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة»، ولم يكتف بذلك بل قرّر إنّ ذلك ما نصّ عليه: «صاحب الغرّة، وصاحب المعجم، وصاحب الطّبقات، وصاحب كتاب مسار الشيعة، وابن طاوس، بل الإجماع حاصل من الشّيعة والسُنّة على ذلك». [المصباح حجريّ: ص270؛ خطّي: ص524]. وقد اعتمد على هذا النّص شيخ المحدّثين الإثني عشريّة ونقله في كتابه البحار وزاد المعاد. [ج31، ص119؛ ص257].
#المحطّة الثانية: حينما نعود إلى مستدرك الوسائل لخاتمة المحدّثين الأثني عشريّة النوري المتوفّى سنة: “1320هـ” نراه ينقل الرّواية اليتيمة المشهورة لفرحة الزّهراء عن كتاب زوائد الفوائد ويصرّح بكونه لنجل ابن طاووس خلافاً لما هو موجود في طّبعته الحروفيّة كما نوّهنا لذلك سلفاً، ويردف ذلك: بالتّنويه إلى مجيء الرّواية في كتاب المحتضر للحسن بن سليمان أيضاً، ويعلّق بعدها لتعزيز مؤدّى هذه الرّواية قائلاً:
«قلت: قال الشّيخ المفيد في كتاب مسار الشّيعة: “وفي اليوم التّاسع منه [يعني ربيع الأوّل] يوم العيد الكبير، وله شرح كبير في هذا الموضوع، وعيّد فيه النبيّ “ص”، وأمر النّاس أن يعيّدوا فيه ويُتّخذ فيه المريس”. أنتهى. وفيه إشارة إلى اعتبار الخبر المذكور [ويعني به خبر نجل ابن طاووس والحسن بن سليمان]». [مستدرك الوسائل: ج2، ص522].
#وبعد أن استعرضنا الكلام بالتّفصيل في هاتين المحطّتين يحقّ لنا أن نسأل هذا السّؤال: هل حقّاً إنّ زعيم الطّائفة الإثني عشريّة المفيد المتوفّى سنة: “413هـ” قد نصّ في كتابه مسار الشّيعة على هذه التّوصيفات الّتي نقلها الكفعمي والنّوري عنه ليوم التّاسع من ربيع الأوّل؟!
#يبدو إنّ الحقيقة ليست كذلك؛ لأنّنا حينما نرجع إلى النسخة المطبوعة من كتاب مسار الشيعة والمستندة على عدّة نسخ خطيّة يعود بعضها إلى تاريخ: “391هـ” فلا نجد لهذه السّطور المنسوبة إليه أثراً وذكراً، كما راجعنا بأنفسنا عدّة نسخ خطّيّة لهذه الكتاب أيضاً ولم نجدها أيضاً، ولكي نعزّز حقيقة عدم وجود هذا النّص في عموم نسخ كتاب المسار للمفيد أجد من المناسب ذكر شاهدين:
#الشّاهد الأوّل: ما أشار إليه الفقيه ابن إدريس الحُلّي المتوفّى سنة: “598هـ” هو المعتمد في نقل ما كتبه المفيد؛ حيث قال في السّرائر: «وقد يلتبس على بعض أصحابنا يوم قبض عمر بن الخطاب؛ فيظن أنّه يوم التّاسع من ربيع الأول، وهذا خطأ من قائله بإجماع أهل التاريخ والسير، وقد حقّق ذلك شيخنا المفيد، في كتابه كتاب التواريخ، وذهب إلى ما قلناه». [السّرائر: ج1، ص419]، وهذا يعني: إنّ ما نُسب إليه من الاستحبابات المفروضة في اليوم التّاسع من ربيع الأوّل لا صحّة لها؛ لأنّها ترتكز ـ كما هو جليّ من مفرداتها ـ على أساس فرضيّة رواية أحمد بن إسحاق الّتي هي الأساس الرّوائي الواصل للقائلين بكونه هو اليوم الّذي قُتل فيه عمر بن الخطّاب، فكيف يمكن أن يذكر المفيد ما يناقض كلامه في تاريخ وفاة عمر بن الخطّاب ويبادر ابن إدريس إلى نقله ويغفل عن غيره؟!
#إن قلت: إنّ ابن إدريس نصّ على كتاب التّواريخ للمفيد ولم يتحدّث عن كتابه مسار الشّيعة؛ فربّما كان للمفيد كتابان: أحدهما: التّواريخ، وثانيهما: مسار الشّيعة؛ فاطّلع ابن أدريس على الأوّل ولم يطّلع على الثّاني، ولعلّ شاهد ذلك: أنّ الكفعمي نقل عن مسار الشّيعة ما يؤيّد قول جمهور الإثني عشريّة في وقته، وفي نفس الوقت نقل عن ابن إدريس ما يناقض ذلك نقلاً عن كتاب التّواريخ للمفيد؟!
#أقول: لا يوجد للمفيد سوى كتاب واحد اسمه: “مسار الشّيعة في مختصر تواريخ الشّريعة”، وقد عبّر عنه النّجاشي بتاريخ الشّريعة، وعبّر عنه ابن شهر آشوب بالتّواريخ الشّرعيّة؛ لذا فما عناه ابن إدريس هو كتاب مسار الشّيعة لا غير.
الشّاهد الثّاني: ما ذكره التّلميذ المبرّز لشيخ المحدّثين الإثني عشريّة المجلسي والّذي يمكن عدّه عميد الببلوغرافيا الإنثي عشريّة في وقته بلا منازع أعني الأفندي المتوفّى سنة: “1130هـ” حيث قال: «وما نقله الكفعمي أوّلاً في فضل الإنفاق في هذا اليوم من مسار الشيعة مما لم نجده في النسخ التي رأيناها [من هذا الكتاب]، وهو أعرف به». [رياض العلماء: ج4، ص381].
#وبعد أن توضّح لنا بما لا مزيد عليه خلوّ كتاب نسخ كتاب مسار الشّيعة للمفيد من هذه السّطور الّتي نقلها الكفعمي والنّوري سنبدأ بإيضاح حقيقة المصدر الّذي اعتمد عليه الكفعمي والنّوري في هذه النّسبة والّذي عرف خطأً بمسار الشّيعة لكنّه ليس للمفيد، والّتي لم نجد من يُشير إليها ويفكّك هذا الّلغز المحيّر الّذي ضلّل كثيرين للأسف الشّديد. [يُتبع].
#ميثاق_العسر