#توافقت الشّيعة الإثنا عشريّة على الاحتفال والابتهاج بموت الخليفة الثّاني عمر بن الخطّاب منذ قرون طويلة، ويبدو لي إنّ هذه الطّقوس والممارسات كانت تُقام في السّادس والعشرين من ذي الحجّة الحرام انسياقاً مع ما هو معروف ومشهور بين السُنّة ومعظم الإثني عشريّة على إنّ طعنه كان في هذا اليوم، لكن هناك قولاً آخر في داخل الأوساط الأخيرة كان يرى إنّ وفاته في يوم التّاسع من ربيع الأوّل، ويمكن تلمّس ذلك بوضوح في نصوص عبد الجليل القزويني صاحب كتاب نقض الفضائح بالّلغة الفارسيّة والمتوفّى في حدود: “560هـ”؛ حيث يُشير إلى رواج قول إنّ مقتل عمر بن الخطّاب كان في يوم التّاسع من ربيع الأوّل. [ص353].
#وحينما نعود إلى أقدم نصّ فقهيّ إثني عشريّ تحدّث عن هذا الموضوع في حدود متابعتنا نجد عودته إلى القرن السّادس الهجريّ وهو ما كتبه ابن إدريس الحُلّي المتوفّى سنة: “598هـ”؛ فبعد أن ذهب إلى استحباب صوم يوم السّادس والعشرين والتّاسع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام باعتبارهما يومي طعن ومقتل عمر بن الخطّاب، نعى بشدّة الالتباس الّذي حصل لبعض الأصحاب حسب تعبيره؛ حيث يتصوّرون إنّ مقتله كان في اليوم التّاسع من شهر ربيع الأوّل، وعدّ هذا خطأ من قائله بإجماع أهل التّاريخ والسير حسب تعبيره، وأشار إلى تحقيق ذلك من قبل المفيد في كتابه التواريخ واختيار ما قاله من كون الطعن في اليوم الثّالث والعشرين والقبض في اليوم التّاسع والعشرين. [السرائر: ج2، ص418ـ419].
#وحينما نتقدّم خطوات لاحقة وإلى القرن السّابع الهجري تحديداً حيث مرحلة ابن طاووس “الأب” ـ الّتي حوّلت المسار الإثني عشريّ نحو التّخريف والأساطير وعدم العقلانيّة أكثر وأكثر ـ نعثر على نصوص وإشارات خطيرة؛ فقد قال ابن طاووس “الأب” في كتابه الشّهير إقبال الأعمال: «فصل فيما نذكره من حال اليوم التّاسع من ربيع الأول: إعلم أنّ هذا اليوم وجدنا فيه رواية عظيمة الشّأن، ووجدنا جماعة من العجم والإخوان يعظّمون السّرور فيه، ويذكرون أنّه يوم هلاك بعض من كان يهوّن باللّه جلّ جلاله ورسوله “ص” ويعاديه [ويعني عمر بن الخطّاب]، ولم أجد فيما تصفّحت من الكتب إلى الآن موافقة أعتمد عليها للرواية الّتي رويناها عن ابن بابويه “تغمده اللّه بالرضوان”، فإنّ أراد أحد تعظيمه مطلقاً لسرّ يكون في مطاويه غير الوجه الّذي ظهر فيه احتياطاً للرواية فكذا عادة ذوي الرّعاية». [إقبال الأعمال: ج3، ص114].
#ولكن حيث إنّ ابن طاووس “الأب” يرى إنّ مقتل عمر بن الخطّاب في يوم السّادس والعشرين من ذي الحجّة حيث نصّ في مكان سابق قائلاً: «وفي السّادس والعشرين من ذي الحجّة قُتل عدوّ لأهل بيت النبوة “ع”». [الإقبال: ج2، ص378]، أقول حيث إنّه يرى ذلك فلا محيص له حينذاك من ممارسة التأويل للرّواية الّتي يدّعي رواية الصّدوق لها عن الصّادق “ع” فقال: «أقول: وإن كان يمكن أن يكون تأويل ما رواه أبو جعفر ابن بابويه [الصّدوق] في أنّ قتل من ذكر [أي عمر بن الخطّاب] كان يوم تاسع ربيع الأوّل، لعلّ معناه أنّ السبب الّذي اقتضى عزم القاتل على قتل من قتل كان ذلك السبب يوم تاسع ربيع الأوّل، فيكون اليوم الّذي فيه سبب القتل أصل القتل، ويمكن أن يُسمّى مجازاً بالقتل، ويمكن أن تأوّل بتأويل آخر، وهو أن يكون توجّه القاتل من بلده إلى البلد الّذي وقع القتل فيه يوم تاسع ربيع الأوّل، أو يوم وصول القاتل إلى المدينة الّتي وقع فيها القتل كان يوم تاسع ربيع الأوّل». [ج3، ص114].
#وبعد أن طرح تأويلاته التّعسفيّة الّتي لا تصحّ بحال من الأحوال لمن آمن بصحّة تلك الرّواية على فرض وجودها، عطف الحديث إلى مناقشة تأويل آخر أكثر تعسّفيّة للخبر رأى: إنّ المقصود في رواية الصّدوق إنّ خبر مقتل عمر بن الخطّاب كان قد وصل إلى قم في يوم التّاسع من ربيع!!، فأفاد ابن طاووس في مناقشة هذا التأويل ناصّاً على عدم صحّته؛ وذلك «لأنّ الحديث الّذي رواه ابن بابويه [الصّدوق] عن الصادق “ع” ضمن أنّ القتل كان في يوم تاسع ربيع الأوّل، فكيف يصحّ تأويل أنّه يوم بلغ الخبر إليهم؟!» [المصدر السابق، نفس المعطيات].
#سنتابع في الحلقة القادمة التّطوّرات التّاريخيّة والرّوائيّة لهذا الحدث، ومن هو المسؤول عن نقل الاحتفال والابتهاج في هذا اليوم وآدابه من ذي الحجّة إلى ربيع الأوّل، ومن هو المسؤول عن توليد نصوص روائيّة داعمة لذلك، ومن هو الّذي يتحمل مسؤوليّة نسبة كلام مكذوب إلى المفيد أيضاً، فترقّب وتابع.
#ميثاق_العسر