#تعقيباً على ما أفاده التّلميذ المبرَّز لشيخ المحدّثين الإثني عشريّة المجلسي أعني الأفندي صاحب رياض العلماء المتوفّى سنة: “1130هـ” من ادّعاءات مذهبيّة لا دليل عليها حول إسلام أبي لؤلؤة وكونه من أكابر المسلمين…إلخ كما جاء ذلك في كتابه الفارسي المسمّى بـ “التّحفة الفيروزيّة”، يحسن بي أن أسجّل بعض الملاحظات العاجلة:
#الأولى: ما دامت كتب التّاريخ المعتبرة ـ سُنيّة كانت أو ذات ميول شيعيّة أو إثني عشريّة ـ تنصّ على عدم إسلام أبي لؤلؤة، وإنّه من سبايا الفتوحات، فما هي قيمة تصريح كتب الأساطير المولودة في القرون الّلاحقة بإسلامه وتشيّعه واندفاعه لهذه العمليّة عن قناعة مذهبيّة؟! وما هي المستندات المعتبرة الّتي اعتمد عليها الأفندي وأمثاله في افتراض كونه من أكابر المسلمين ومن أصحاب أمير المؤمنين عليّ “ع”؟!
#الثّانية: هل إنّ مبادرة غير المسلم إلى قتل طاغية ظالم ـ كما هي الفرضيّة الإثنا عشريّة في توصيف عمر بن الخطّاب ـ سيحوّل هذا القاتل إلى رمز مذهبي ينبغي أن يُحتفى به على طول التّاريخ المذهبي ويُصنع له مزار وهمي وزيارة خاصّة؟! وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يحتفي ويترحّم مشهور الإثني عشريّة المعاصرين بمن خلّصهم عمليّاً من رأس السّلطة في عراق ما قبل ألفين وثلاثة؟! ولماذا لا يترحّمون على المكتشفين من غير المسلمين ممّن قدّموا للبشريّة خدمات علميّة وإنسانيّة هائلة، ولماذا يصفونهم بالكفرة الّذين سيدخلون النّار من أوسع أبوابها؟!
#الثّالثة: سعت كتب الأساطير الإثني عشريّة الّلاحقة إلى افتراض إنّ عمل أبي لؤلؤة هو تجسيد طبيعي لدعوة فاطمة بنت محمّد “ع”؛ إذ تروي أساطيرهم إنّ أبا بكر وعمر «أهاناها وأسمعاها كلاماً غليظاً، وإنّ أبا بكر رقّ لها حيث لم يكن عمر حاضراً، فكتب لها بفدك كتاباً، فلما خرجت به وجدها عمر، فمدّ يده إليه ليأخذه مغالبة فمنعته، فدفع بيده في صدرها وأخذ الصحيفة فخرقها بعد أن تفل فيها فمحاها، وإنّها دعت عليه فقالت: بقر الله بطنك كما بقرت صحيفتي». [شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد: ج16، ص235]. ومن هنا كانت هذه النّصوص خير أرضيّة لولادة خبر أحمد بن إسحاق القمّي الطّويل المعروف والمشهور في التّأصيل العقائديّ والفقهي والشّعبي لعيد بابا شجاع الدّين، وإنّ فاطمة بنت محمّد “ع” قد فرحت في بقر بطن عمر وهي في عليائها، فجاءت تسمية هذا اليوم بـ: “فرحة الزّهراء”.
#الرّابعة: لا شكّ ولا شبهة ـ لمن يُراجع كتب الحديث والتّراجم ـ في سُنيّة أبي الزّناد؛ فهذا الذّهبي ينقل عن البخاري قوله: «أصحّ أحاديث أبي هريرة أبو الزناد عن الأعرج عنه». [ميزان الاعتدال: ج2، ص418]. نعم؛ عدّه الطّوسي في رجاله من أصحاب السجّاد “ع”، لكنّ هذا لا يعني شيعيّته بالمعنى الّذي كان متداولاً في أيّام الطّوسي؛ إذ لو كان الأمر كذلك لكان على الأفندي أن يجعل المنصور العبّاسي شيعيّاً أيضاً؛ وذلك لأنّ الطّوسي قد عدّه في قائمة أصحاب الصّادق “ع” أيضاً، مع إنّه لا يلتزم لا هو ولا غيره من الإثني عشريّة بذلك، وسنتحدّث في منشورات منفصلة عن تحفّظاتنا البالغة على طريقة عمل الطّوسي في تصنيف الأصحاب ومرتكزات توزيعهم وتصنيفهم فترقّب.
#الخامسة: الغريب إنّ الأفندي رغم إصراره في كتابه “رياض العلماء” على إنّ مقتل عمر بن الخطّاب كان قد وقع في اليوم التّاسع من ربيع الأوّل لا في أواخر ذي الحجّة كما هو مشهور السُنّة بل حتّى الإثني عشريّة، إلّا إنّه لم يذكر انتقاله إلى كاشان بعد ذلك وموته فيها وأحال تفاصيل الحديث في هذا الخصوص إلى كتابه المُسمّى بـ “لسان الواعظين” الّذي لم تصلنا نسخته للأسف الشّديد، لكنّه في رسالته الفارسيّة “التّحفة الفيروزيّة” ـ الّتي كتبها بناءً على طلب البلاط الصّفوي ـ نراه يدافع عن هذا القول ويتبنّاه وينسبه إلى علماء الشّيعة أيضاً رغم عدم وجود مصدر معتبر له على الإطلاق، وهو بذلك يخالف إجماع المؤرّخين السُنّة والشّيعة المتقدّمين أيضاً، ولا غرو في ذلك؛ فالرّجل يهدف إلى تصحيح وشرعنة الممارسات الموجودة في تلك البرهة الزّمنيّة، ولا خيار له غير ما ذكر.
#السّادسة: لا أدري ما هو سرّ الجنوح إلى مثل هذه المفردات المعيبة في توصيف الآخر وكأنّه نهج صفويّ لا زال حتّى اليوم سارياً متداولاً؛ ولماذا نعدّ من يذهب إلى عدم إسلام أبي لؤلؤة انسياقاً مع المعلومات التّاريخيّة المعتبرة هو من جنس القطط والكلاب والثّعالب وأبناء آوى؟! وهل يستحقّ التقرّب إلى السّلاطين ـ وحتّى المراجع ـ والسجود على أعتابهم والاستبشار بفتاتهم مثل هذا الهبوط العلمي والأخلاقي المؤسف مثلاً؟! حقّاً إنّنا أمام أزمة كبيرة ذبح فيها الدّين والأخلاق من الوريد إلى الوريد، فتأمّل. [يُتبع].
#ميثاق_العسر