#روى المرحوم محمد حسين الطّهراني عن المرحوم علي القاضي إنّه قال: «جئت يوماً إلى زيارة الحسين “ع” من النّجف إلى كربلاء، وقد ذهبت إلى زيارة السيّد مرتضى الكشميري في محلّ سكنه في المدرسة الواقعة في سوق ما بين الحرمين، وكانت حجرته في المدرسة تقع في نهاية درج مرتفع، وحينما وصلنا إلى بابها ـ وكان الكشميري متقدّماً عليّ ـ وجدناه مقفلاً، فنظر إليّ الكشميري وقال: يُقال إنّ كلّ من يذكر اسم أم موسى على القفل يفتح له الباب، وأنا أمّي ليست أقلّ من أمّ موسى، ثمّ وضع يده على القفل وقال: يا فاطمة، ففُتح ودخلنا[!!]» [الشّمس السّاطعة، الطّهراني: ص171].
#أقول: قبل أيّام أمر سماحة السيّد علي السّيستاني “حفظه الله” أن تُسمّى المدرسة الّتي بُنيت ظاهراً لغرض تدريس وتهيئة المبلّغين إلى غرب المعمورة باسم صاحب الكرامة [!!] أعلاه؛ وقد برّر صهره ـ وهو حفيد صاحب الكرامة وسميّه والمشرف العامّ عليها أيضاًـ هذه التّسميّة بأنّ سماحة المرجع الأعلى «يرى ضرورة إحياء ذكر العلماء السابقين؛ رعايةً لحقّهم وتشجيعاً للشباب على اقتفاء آثارهم، والاقتداء بهم في التّضحية بالغالي والنفيس من أجل خدمة شريعة سيد المرسلين، والقيام بدور الهداية الذي هو مهمّة الأنبياء والأوصياء، والتي ندب إليها الأئمة “ع” شيعتهم أيام غيبتهم…» [!!].
#لكن إذا رجعنا إلى كتب التّراجم المعاصرة نلحظها خالية من ذكر أيّ كتاب للكشميري الجّد بحيث يمكن للطّلاب الاستفادة منها ومطالعتها وإن عدّوا اسماء كتب خطّيّة له لم [ولن] تر النّور لحدّ الآن، بل برّر ذلك بعضهم قائلاً: «وكان من شدّة تقواه يخشى أن يطّلع النّاس على تآليفه…»، ونقل بعد ذلك شيئاً من كراماته وأخباراته بالغيب بإذن الله [!!]، كما نصّ صاحب معارف الرّجال في ترجمته قائلاً: «… المعروف إنّ معلوماته العلميّة دون حافظته، وسمعت إنّه حضر درس الأستاذ الحاج ميرزا حسين الخليلي في النّجف يسيراً بعنوان الاختبار حيث يرى في نفسه من أهل الاستنباط والخبرة، وحدّثني جماعة ومنهم الأستاذ الخليلي: إنّ المترجم له سريع الحافظة، متعبّداً زاهداً وما أشبه ذلك ولم يذكر أنّه في درجة الاجتهاد وأنّ له ملكة الاستنباط…حجّ مكةّ ثلاث مرّات بدعوة من أهل الثّروة رغبة في صحبته وتقديراً لشأنه، وكان إمام جماعة في الرّواق بالحائر الحسينيّ الأقدس يرغب كثير من أهل كربلاء في الائتمام به في الصّلاة… ولم أسمع أنّ له تأليفاً أو تصنيفاً سوى بعض الحواشي على رسائل، وكان يحسن الّلغة الهنديّة والأوردو…». [معارف الرّجال: ج2، ص409]. ونصّ الأغا برزك الطّهراني بعد أن ذكر موطنه وولادته ومديحه: «…كان قليل المعاشرة والكلام، في غاية الورع والتّقوى، وكان في جهاد نفسه، ولشغله بنفسه منع عن التّصنيف والتّأليف» [مصفّى المقال: ص458].
#وسؤالي لسماحة السيّد السّيستاني “حفظه الله”: إذا كان هذا حال المرحوم مرتضى الكشميري في كتب التّراجم وهناك شكوك في اجتهاده فضلاً عن فقاهته فضلاً عن عدم وجود تصنيف له أصلاً فكيف تريدون من طلّاب الحوزة الوافدين من غرب المعمورة إلى النّجف أن يقتفوا أثره مثلاً؟! هل تريدون ذلك من خلال استحضارهم للأساطير والخرافات أو الكرامات المنقولة عنه بتوسّط ما يُصطلح عليهم بالعرفاء وبذلك نفتح باب الدّجل على مصراعيه في بلاد الغرب الّتي تحتاج إلى مرشدين من نوع آخر؟! أم إنّ سماحتكم تريدون من الطّلاب أن يقتفوا آثار العرفاء في منهجهم المعرفي وقد أبرزتم بوضوح تحفّظكم الشّديد على هذا المنهج في استفتاء سابق نُشر لكم بالّلغة الفارسيّة؟! أم تريدونهم أن يهتمّوا بتزكية نفوسهم ويتركوا التأليف والكتابة مثلاً؟!
#وفي عقيدتي: إنّ تسمية المدرسة باسم المرحوم مرتضى الكشميري لم تكن موفّقة على الإطلاق خصوصاً مع هذا التّبرير الّذي نقله الكشميري الحفيد عن عمّه المرجع رغم تشكيكي بدقّة هذا النّقل أو مبرّراته على أقلّ تقدير، وكم كنت أطمح أن أقرأ اسم عالم مغمور آخر يعيش الماضي والحاضر الحوزويّ على تراثه وأخلاقيّاته وسيرته ومنهجه، لكن يبدو إنّ المستقبل الحوزويّ لبعضهم يلعب دوراً في هذا المجال، وأخيراً: أتمنّى من المعنيّين في حوزتنا الكريمة بمختلف صنوفهم ومراتبهم ومستوياتهم ورتبهم أن يمرّروا ما يُريدون بوضوح وجلاء؛ فإكساء بعض الرّغبات عناوين شرعيّة وأخلاقيّة ومذهبيّة ربّما كان سائغاً في العقود المتقدّمة، لكن بعد دخول العولمة والتّكنولوجيا البيوت من أوسع أبوابها أصبحت مثل هذه الشّماعات تُعطي نتائج سلبيّة غير محمودة ليس على عموم النّاس فقط بل على داخل الوسط الحوزويّ أيضاً، والله من وراء القصد.