حينما يخالف الإمام أوامر أبيه!!

#تصوّر لو إنّك أنت المعبّأ بالمقولات الشّيعيّة المتداولة عن الإمام والإمامة واشتراطاتها كنت جالساً في يوم من الأيّام بجنب زرارة بن أعين “الفقيه الكبير” والباقر “ع” يحدّثكما عن حادثة حدثت معه في أيّام إمامة أبيه السجّاد “ع”، فأخبركم ـ ومن هنا تبدأ الرّواية المعتبرة ـ بإنّه أراد أن يتزوّج ذات مرّة بأمرأة فكَرِه أبوه ذلك، فلم يكترث الباقر “ع” بكراهة أبيه وذهب وعقد عليها، وبعد مدّة زارها وأختلى بها فلم ير ما يعجبه فيها لسبب وآخر، فهمّ بالانصراف والخروج من المنزل قبل مسّها، فبادرت إلى إغلاق الباب لتضمن المهر كاملاً، وحينما رأى الباقر “ع” منها ذلك طلب منها أن لا تغلق الباب وتسمح له بالخروج وسيضمن لها المهر كاملاً كما تريد… فلمّا رجع وأخبر أباه السجّاد “ع” بتفاصيل ما جرى قال له أبوه: «إنّه ليس لها عليك إلّا نصف المهر… إنّك تزوّجتها في ساعة حارّة». [الكافي: ج5، ص336].
#سمعت الحادثة ـ وهي رواية معتبرة كما أسلفنا ـ وعيناك تجدحان شرراً، وودت لو إنّ الأرض ابتلعتك وكنت نسياً منسياً؛ فكيف يمكن للباقر “ع” أن يخالف ما يكرهه أبوه له بهذه الطّريقة، بل ويختلف مع أبيه في تشخيص إنّ إغلاق الباب واسدال السّتار هل يوجب تمام المهر أم نصفه، وما هو مرسوم في ذهنك: إنّ كلامهم جميعاً نور واحد لا يختلفون فيما بينهم في الأحكام والمواقف، وهو وساطة الفيض الإلهيّ ويعلم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة، وهو المعصوم من الأصلاب الشّامخة والأرحام المطهّرة والّذي له الولايّة التّكوينيّة والتّشريعيّة… إلى ما شاء الله من الأوصاف الافراطيّة المتعارفة.
#أمّا زرارة فقد هضم الموقف ولم يستغربه على الإطلاق؛ بل سجّله ونقله ورواه كما هو، وعرف إمّا: إنّ الباقر “ع” لم يكن يعرف الحكم الفقهيّ للمسألة الابتلائيّة الّتي مرّت به واضطرّ للاستفسار من إمامه وأبيه السّجاد “ع” حوله، وإمّا: إنّ له “ع” وجهة نظر فقهيّة أخرى تختلف عن أبيه “ع” في هذا الموضوع، كما وعى أيضاً: إنّ مخالفته لأبيه في موضوع زواجه لم تكن مبطلة للعقد، وهكذا نقل الحكم لابن أخيه عبد الله… وهكذا كابراً عن كابر دون اعتراض أو استغراب.
#وهكذا عدت مسرعاً إلى الزّمان الّذي تعيش فيه، وفكّرت بينك وبين نفسك كثيراً فكان أمامك مجموعة خيارات:
1ـ أن تحكم بأنّ النّهي الّذي خالفه الباقر “ع” هو نهي إرشاديّ فقط وإنّه من باب ترك الأولى كما احتمله بعض الفقهاء المعاصرين [!!].
2ـ أن تحكم بأنّ العمليّة كلّها كانت لأجل تعليمنا إنّ مخالفة رأي الأب ستحمل نتائج وخيمة كما احتمل آخرون [!!].
3ـ أن تحكم بأنّ قبول الباقر ع بدفع المهر كاملاً كان تقيّة؛ باعتبار إنّ إرخاء الستار وإغلاق الباب أمر مسلّم عند فقهاء العامّة في تلك الفترة [!!] كما ذهب أحدهم.
4ـ أن تحكم بأنّ اختلاف الأئمّة فيما بينهم في تشخيص بعض العناوين الاجتماعيّة أمر وارد كما ذهب بعضهم أيضاً.
#وكيف ما كان وما يكون؛ فما أردت إيصاله من خلال هذا المثال البسيط ذي السّند المعتبر والّذي لا يضرّ بورع وتقوى وإيمان وعفّة وطهارة ونجابة وعدالة الإمام على الإطلاق، كما لا يضرّ بمرجعيّته العلميّة أيضاً، أقول ما أردت إيصاله هو: الإيضاح للمتابعين جانباً من بشريّتهم “ع” والّتي سعى الغلاة ولا زالوا جاهدين إلى محوها منهم من خلال افتراضهم كائنات آليّة بجميع المستويات، والله الهادي إلى سبيل الصّواب.


تنطلق إجابات المركز من رؤية مقاصدية للدين، لا تجعله طلسماً مطلقاً لا يفهمه أحد من البشرية التي جاء من أجلها، ولا تميّعه بطريقةٍ تتجافى مع مبادئه وأطره وأهدافه... تضع مصادره بين أيديها مستلّةً فهماً عقلانياً ممنهجاً... لتثير بذلك دفائن العقول...