#يقولون: إنّ الحسن المثنّى ولد في بيت فاطمة بنت رسول الله “ص” في المسجد، وبعد أن بلغ مبلغ الرّجال خطب من عمّه الحسين “ع” أحدى أبنتيه فاطمة وسكينة، فقال له الحسين “ع”: اختر أحبّهما إليك، فخجل الحسن المثنّى من عمّه ولم يُحر جواباً، فقال له الحسين “ع”: «قد اخترت لك ابنتي فاطمة؛ فهي أكبرهما سنّاً، […]
#يقولون: إنّ الحسن المثنّى ولد في بيت فاطمة بنت رسول الله “ص” في المسجد، وبعد أن بلغ مبلغ الرّجال خطب من عمّه الحسين “ع” أحدى أبنتيه فاطمة وسكينة، فقال له الحسين “ع”: اختر أحبّهما إليك، فخجل الحسن المثنّى من عمّه ولم يُحر جواباً، فقال له الحسين “ع”: «قد اخترت لك ابنتي فاطمة؛ فهي أكبرهما سنّاً، وأكثرهما شبهاً بأمّي فاطمة بنت رسول الله ص». [الأصيلي في أنساب الطّالبيّين: ص65].
#وبعد مدّة مديدة من زواجهم وإنجابها منه خيرة الأولاد الثّوار رحل الحسن المثنّى من هذه الدّنيا فتقدّم حفيد عثمان بن عفّان لخطبتها، وقد تعدّدت النّقولات في سرد حكايات هذه الخطوبة وكيفيّة حصولها كما نقلنا ذلك في مقالنا السّابق فلا نعيد، أمّا اليوم فسننقل الحكاية الّتي اعتمدها ابن الطّقطقي المتوفّى سنة: “709هـ” في كتابه الّذي ألّفه بناءً على طلب نجل الخواجة نصير الدّين الطّوسي، وهو من أهمّ الكتب الشّيعيّة المعتبرة في الأنساب، والحكاية جاءت بالنّحو التّالي:
#تقدّم عبد الله بن عمرو [وهو حفيد الخليفة الثّاني والثّالث] إلى خطبة فاطمة بنت الحسين الشّهيد “ع” بعد وفاة زوجها فرفضت ذلك؛ فاضطر الحفيد إلى توسيط الزّوج الثّالث لأمّ فاطمة بنت الحسين “ع” بغية قبولها بذلك؛ فقد قلنا في مقالات سابقة: إنّ أمّ فاطمة بنت الحسين الشّهيد هي أمّ إسحاق بنت طلحة [الصّحابي المقتول في معركة الجّمل]، وقد كانت في بداية الأمر زوجة الحسن بن عليّ “ع”، وبعد شهادته كانت للحسين بن عليّ “ع” فأولدها فاطمة، وبعد شهادة الحسين “ع” تزوّجها حفيد الخليفة الأوّل أبي بكر أعني به: عبد الله بن محمد بن عبد الرّحمن بن أبي بكر والمعروف بابن أبي عتيق… وفي سياق هذه الوساطة يُروى إنّ أمّ إسحاق ألحّت على ابنتها فاطمة في موضوع الزّواج حتّى حلفت بأنّها لا تبرح قائمة في الشّمس حتّى تأذن فاطمة في تزويج عبد الله بن عمرو [حفيد الخليفتين]؛ وبقيت أم إسحاق ساعتين في الشّمس فخرجت فاطمة فرأت قيام أمّها في الشّمس فأذنت في تزويجه وقبلت. [الأصيلي في أنساب الطّالبين: ص65ـ66].
#وهذا النّقل ـ بغضّ الطّرف عن طريقة الإلحاح الّتي اختارتها أمّ إسحاق ـ ينسجم تمام الانسجام مع ما نقله البخاري في صحيحه وبتبعه المفيد في إرشاده من بقاء فاطمة فترة سنة تندب زوجها، والطّريف في الأمر إنّ البخاري: أدرج خبر فعل فاطمة بنت الحسين الشّهيد “ع” على قبر زوجها في باب حمل عنوان: «ما يُكره من اتّخاذ المساجد على القبور»؛ حيث قال هناك: «ولمّا مات الحسن بن الحسن بن عليّ “رضي الله عنهم” ضربت امرأته القُبّة على قبره سنة، ثمّ رُفعت، فسمعوا صائحاً يقول: ألا هل وجدوا ما فقدوا، فأجابه الآخر: بل يئسوا فانقلبوا» [صحيح البخاري: ج2، ص88].
#أقول: بغضّ الطّرف عن طبيعة الحكايات المنقولة في كيفيّة المصير إلى هذا الزّواج فإنّ تمنّع فاطمة بنت الحسين الشّهيد “ع” عن الزواج من حفيد الخلفتين بناءً على هذا النّقل لا يعني إنّ لها موقفاً سلبيّاً وتحفّظاً من شخصه أو من عداوة أبيه المفترضة بالضّرورة، أو إنّها ملتزمة بالمواثيق والأيمان الّتي أعطتها لزوجها في هذا الخصوص حسب النّقل الآخر، بل يأتي هذا الأمر في سياق حزنها وجزعها على زوجها الأوّل، وربّما يكون من الوفاء اجتماعيّاً أن تُظهر المرأة الأرملة ممانعة من الارتباط بشخص آخر غير زوجها الأوّل حتّى يصبح الزّواج ضرورة اجتماعيّة ملحّة بالنّسبة لها خصوصاً مع ما نقل عن فاطمة من كونها ضربت قبّة على قبر زوجها سنة كاملة؛ فهذا الأمر لا ينسجم مع علاقات غراميّة في لحظة وفاته كما نقل ذلك صاحب نسب قريش والّذي عرضنا له في المقالة السّابقة.
#وما دمنا قد تعرّضنا بنحو الإيجاز لزيجات فاطمة بنت الحسين الشّهيد “ع” في سياق سلسلة آل الحسن “ع” الّتي بدأنا بها منذ فترة أجد من المناسب إيجاز القول في طبيعة الرّؤية الّتي ننطلق منها في تفسير أمثال هذه الزّيجات وأضرابها فأقول: من الواضح والمسلّم به تاريخيّاً: إنّ الرّسول وأهل بيته “ع” كانوا يتزوّجون مّمن يُصطلح عليهم بالمخالفين ويزوّجونهم أيضاً، ولا يوجد أيّ احتمال لفرضيّة بطلان جميع هذه الزّيجات بالمرّة، ومن هنا فنحن إمّا أن نلتزم بصحّة هذه الزّيجات على مضض ونبدأ بتوجيهها وليّ عنقها بمختلف الحيل والأساليب الّتي تُضحك الثّكلى كما هو المعروف والمتداول والمشهور في الكتب الشّيعيّة الإثني عشريّة المعاصرة في هذه الأيّام انسياقاً مع كذبة الحفاظ على مصلحة المذهب؛ وإمّا أن نلتزم بصحّة هذه الزّيجات بشكل طبيعي ونؤمن باحتماليّة كاشفيّتها عن اهتمام وتواشج عميق بين الأسر آنذاك، أو لا أقل إنّها تكشف كشفاً واضحاً عن عدم وجود هذه الصّورة الظّلاميّة المرسومة في أذهاننا عن بعض الأسر الملعونة في زيارتنا المتأخّرة، فإخلع نظّارتك المذهبيّة واختر ما تريد، وإلى الله تصير الأمور.