حريّة التّعبير في حوزة النّجف المعاصرة!!

#أقدم أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري ـ وهو شيخ القمّيين في وقتها ـ على تسفير وطرد مجموعة من الرّواة من قم نظراً لاتّهامه إيّاهم بنشر الغلو والأكاذيب والعقائد الفاسدة كما يقولون، ولا يهمّني فعلاً الكشف عن الأسباب الحقيقيّة والسّياقات الطّبيعيّة الّتي آلت إلى ذلك أو تقييمها أصلاً؛ فمثل هذا الأمر بحاجة إلى بحث مستأنف ربّما نخوض فيه في وقت آخر، ولكن لفت نظري عبارة للسيّد محمد رضا السيستاني “حفظه الله” طرحها في مجلس درسه الفقهي في النّجف الأشرف؛ حيث انبرى مدافعاً عن ممارسات الأشعري في القمع والتّسفير قائلاً:
«وأمّا القول بأنّ النّفي والإبعاد ممّا لا مبرّر له أصلاً حتّى بحقّ المغالين والكذّابين إذ لم يرد في الشّرع الحنيف ما يدلّ عليه، فهو مردود: بأنّه قد يكون من مقتضيات النّهي عن المنكر؛ فإنّ الّذين يبثّون الأكاذيب والعقائد الفاسدة بين النّاس ويزيّفون وعيهم إذا لم توجد طريقة أخرى لمنعهم من ذلك ووصل الأمر إلى النّفي والطّرد عن البلد يجوز ذلك، بل يتعيّن في حقّ من له القدرة عليه، وكان أحمد بن محمد بن عيسى كذلك… ولا غضاضة… في ما صنعه من ذلك أبداً»… وهكذا علّق أخيراً:
#وقد ابتلينا في زماننا ببعضهم ممّن كان يتبنّى بعض الآراء الفاسدة ويبثّها بين الطّلبة فأحدثت إرباكاً في الحوزة، فاضطرّ بعض المتنفّذين إلى التّسبيب في إخراجه من النّجف الأشرف وتسفيره إلى بلد آخر»[بحوث في شرح مناسك الحجّ: ج6، ص468]، وكأنّه يُشير إلى تسفير المسقطي من قبل المرحوم أبو الحسن الأصفهاني كما كتبنا في ذلك مقالات سابقة وربّما غيره.
#وبودّي أن أسجّل ملاحظتين عاجلتين:
#الأولى: النّص أعلاه يكشف لنا بوضوح انعدام حريّة التّعبير في حوزة النّجف الكريمة خلافاً لما يدّعيه بعضهم، ومن يريد أن يبقى في النّجف فعليه أن يلتزم بما تطرحه حوزة النّجف الرّسميّة ومن يريد إرباك الوضع فسوف يسفّر منها حتّى لو كان من المواطنين الأصليين أيضاً، وقد نسوا إنّ التّسفير والحكم بالتّضليل والتّفسيق كان نافعاً في تلك الأزمنة، أمّا الآن مع توافر وسائل الإعلام والتّواصل مع النّاس من داخل البيت فمثل هذا الأمر لن يجدي نفعاً بل يعطي نتائج عكسيّة.
#الثّانية: أنا لا أدري من الّذي جلب فلاناً وفلاناً إلى العراق وفتح لهم #كاك” حوزة النّجف على مصراعيه في سياق لعبة الأوراق والأوراق المضادّة ونتيجة ذلك تربية جيل حوزويّ ومنبريّ مغالٍ أكثر من الّذين سفّرهم الأشعري بعشرات المرّات، ولا أدري أيضاً من الّذي فتح أبواب أوقافه وعتباته وفضائيّاته ومؤسّساته ومراكزه ومساجده وحسينيّاته… لمثل هذا الّلون من الخطاب الّذي أقلّ ما يمكن أن يقال في حقّه إنّه لا يمثّل توجّهات مؤسّسي حوزة النّجف الكريمة، ونجد في الطّرف المقابل منعاً وتحريضاً وتقزيماً لعقلاء الخطاب العقلاني المتنوّر بمختلف صنوفهم؟!
#أسأل من الله تعالى أن يحفظ شيعة عليّ وأولاده “ع” بحفظه وصونه، وأن يقيّض لهم رجالاً يصنعون لهم مستقبلاً لا مجال فيه لمثل هذه المزايدات، فهو وليّ التّوفيق.