جهود روائيّة يكذّبها المنهج التّاريخيّ المختار!!

#يرى المرجع الدّيني المعاصر السّيّد محمد سعيد الحكيم “دام ظلّه” إنّ الأحاديث الّتي تضمّنت تعيين أشخاص الأئمّة الأثني عشر باسمائهم ونعوتهم ونحو ذلك كثيرةٌ… وفي سياق عرضه لهذه الأحاديث الكثيرة على حدّ وصفه طالعنا بالحديث الثّاني الّذي رواه الصدّوق في إكماله وعيونه بسنده الضّعيف ذي المجاهيل عندهم عن إسحاق بن عمّار عن الصّادق “ع” الّذي قال: يا إسحاق أ لا أبشّرك؟! فقال له إسحاق: بلى جعلني الله فداك يا ابن رسول الله، فأخبره الصّادق ع: بأنهّم “ع” وجدوا صحيفة بإملاء رسول الله “ص” وخط أمير المؤمنين “ع” تتضمن أسماء الأئمة الاثني عشر “ع” ومجمل حياتهم ووظائفهم وهو نفس حديث الّلوح المرويّ عن جابر بن عبد الله الأنصاري!!… وقال له في آخر الحديث: «يا إسحاق هذا دين الملائكة والرُسل فصنه عن غير أهله يصنك الله تعالى ويصلح بالك، ومن دان بهذا أمن من عقاب الله عزّ وجلّ». [عيون أخبار الرّضا: ج1، ص45؛ في رحاب العقيدة: ج3، 179].
#لكن الظّاهر: إنّ إسحاق بن عمّار لا يمكن أن يكون راوي هذا الحديث؛ وذلك لأنّه من الفطحيّة الّذين آمنوا بإمامة عبد الله بن جعفر الصّادق ولم يؤمنوا بإمامة موسى بن جعفر الكاظم “ع” إلّا بعد وفاة الأوّل، فإذا كان إسحاق بن عمّار قد سمع اسماء جميع الأئمّة من إمامه الصّادق “ع” فلماذا جحد وانحرف عن ذلك فور وفاته “ع” كما يقول هشام بن سالم ورفاقه؟! وهل يمكن للرّاوي أن يروي رواية تخالف معتقداته بهذا الشّكل الواضح والجلي وتجعله فاسقاً فاجراً جاحداً أمام نفسه وأمام الجّميع؟!
#وقد تقول: إنّ علماء الرّجال مختلفون فيما بينهم في تحديد هويّة إسحاق بن عمّار، فهل هو إسحاق بن عمّار السّاباطي الفطحي أو هو إسحاق بن عمّار الصّيرفي غير الفطحي الّذي هو من الثقات الأجلّاء على حدّ وصفهم… فكيف عرفت إنّ راوي هذه الرّواية هو الفطحي وليس غيره الثّقة الجّليل؟!
#والجّواب: لا أودّ أن أقحم القارئ في تفاصيل هذه البحوث الرّجاليّة لكنّي سأكتفي بنقل إجابة المرحوم الخوئي لهذا الإشكال حيث قال: «الصحيح أنّهما [أيّ إسحاق بن عمّار السّاباطي وإسحاق بن عمّار الصّيرفي] شخص واحد يُنسب تارة إلى بلده [فيكون ساباطيّاً] وأُخرى إلى شغله [فيكون صيرفيّاً]، [والّذي يدلّ على ذلك] إنّ النجاشي تعرّض للصيرفي ووثّقه ولم يتعرّض للساباطي، على العكس من الشيخ [الطّوسي] حيث إنّه تعرض في فهرسته للساباطي وقال: “له أصل يعتمد عليه وكان فطحياً”، ولم يتعرض للصيرفي… إذن فلو كانا شخصين لم يكن وجه لعدم تعرّض النجاشي للساباطي مع أنه متأخر عن الشيخ [الطّوسي] في التأليف وهو ناظر إليه، ولا لعدم تعرّض الشيخ [الطّوسي] للصيرفي في فهرسته مع تصريحه في رجاله… بأن له كتاباً…، فمن إهمال أحدهما لمن تعرّض له الآخر يُستكشف طبعاً أنهما رجل واحد ينسب تارة إلى شغله فيعبّر عنه بالصيرفي، وأُخرى إلى بلده فيوصف بالساباطي، وقد عرفت أنّه ثقة، وإن كان فطحي المذهب…» [موسوعة الخوئي: ج11، ص231].
#وعلى هذا الأساس: فكيف تعقّل المرجع الحكيم رواية راويها فطحيّ وهي تحمل مضموناً مناهضاً ومناقضاً ومفسّقاً ومضلّلاً لشخصه؟! كلّ هذا يكشف: عن إنّ المنهج الرّجالي الفقهي الشّيعي المتداول يتعاطى التّصحيح والتّضعيف بمعزل عن الحقائق التّاريخيّة الثّابتة والصّحيحة انسياقاً مع توجّهات نفس الرّواة واهتماماتهم الفكريّة وغيرها، #وإنّ قراءة النّصوص الرّوائيّة وفقاً للمنهج التّاريخي المختار يُظهر بوضوح: إنّ دعوى تواتر وضرورة ووضوح الإمامة الشّيعيّة بصيغتها وصورتها المتداولة في تلك الأزمنة بالنسبة لخُلّص أصحاب الإمام الصّادق “ع” دعوى يعوزها الدّليل الموضوعيّ بل الدّليل خلافها، وما يُتراءى من أدلّة لها هي في واقعها: عنايات كلاميّة بعديّة لاحقة كما أوضحنا وسنوضح لاحقاً… والله من وراء القصد.