جابر الأنصاري وتوظيفاته الإثنا عشريّة الخطيرة!!

11 أكتوبر 2017
1851
ميثاق العسر

#لعلّي لا أبالغ إذا ما قلت: إنّ أكثر صحابيّ وظّفته الماكنة الكلاميّة والحديثيّة الشّيعيّة الإثني عشريّة في تمرير مقولاتها هو: جابر بن عبد الله الأنصاري؛ فقد سعت هذه الماكنة في الرّبع الأخير من القرن الثّالث الهجري فما بعد إلى توظيف هذا الصّحابي الجّليل في قمع وإجابة إشكالات الفرق الشّيعيّة المنشقة عن الإثني عشريّة من جانب، […]


#لعلّي لا أبالغ إذا ما قلت: إنّ أكثر صحابيّ وظّفته الماكنة الكلاميّة والحديثيّة الشّيعيّة الإثني عشريّة في تمرير مقولاتها هو: جابر بن عبد الله الأنصاري؛ فقد سعت هذه الماكنة في الرّبع الأخير من القرن الثّالث الهجري فما بعد إلى توظيف هذا الصّحابي الجّليل في قمع وإجابة إشكالات الفرق الشّيعيّة المنشقة عن الإثني عشريّة من جانب، وإقناع الجّمهور الشّيعي الإثني عشريّ من جانب آخر؛ إذ رويت روايات كثيرة عن هذا الصّحابي ترتبط بأسطورة حديث الّلوح وبسيناريوهات عديدة أيضاً… وحيث إنّي سأخصّص مقالات مستقلّة للحديث عن هذه الأسطورة مفصّلاً إن شاء الله فلن أدخل في بحثها في هذا المقال، وإنّما سأكتفي من باب المقدّمة إلى استعراض رواية واحدة أجعلها بعنوان عربون إلى المقالات القادمة المتعلّقة بهذا السّياق.
#في أيّام توزير الصّاحب بن عبّاد الطّالقاني “326ـ385هـ” في الدّولة البويهيّة وقعت في يد المرحوم الصّدوق قصيدتان للوزير الآنف الذّكر كان قد أنشأهما في مدح عليّ بن موسى الرّضا “ع”؛ فما كان من الصّدوق إلّا أن قام بكتابة كتابه الشّهير: «عيون أخبار الرّضا “ع”» وإرساله للوزير كهديّة؛ مبرّرا هذا الفعل بقوله: «لم أجد شيئا آثر عنده وأحسن موقعاً لديه من علوم أهل البيت “ع”؛ لتعلّقه بحبّهم واستمساكه بولايتهم واعتقاده بفرض طاعتهم وقوله بإمامتهم إكرامه لذريتهم “أدام الله عزه” وإحسانه إلى شيعتهم، قاضياً بذلك حقّ إنعامه عليّ ومتقرّباً به إليه لأياديه الزهر عندي، ومننه الغرّ لدي، ومتلافياً بذلك تفريطي الواقع في خدمة حضرته، راجياً به قبوله لعذري، وعفوه عن تقصيري وتحقيقه لرجائي فيه وأملي، والله تعالى ذكره يبسط بالعدل يده، ويعلي بالحق كلمته، ويديم‏ على الخير قدرته، يسهل المحان بكرمه و جوده، وابتدأت بذكر القصيدتين لأنهما سبب لتصنيفي هذا الكتاب و بالله التوفيق». [عيون أخبار الرّضا: ج1، ص3].
#وبعد أن عرفنا سبب تصنيف هذا الكتاب تعالوا معي لنقرأ أوّل رواية نقلها المصنّف تحت باب حمل عنوان: «النصوص على الرضا “ع” بالإمامة في جملة الأئمة الإثني عشر “ع”» لنرى ماذا نقل المرحوم الصّدوق إلى الوزير الصّاحب بن عبّاد لكي يقوّي إيمانه وعقيدته بأهل البيت “ع”؛ فقد أورد بإسناده المملوء مجاهيل عن مجهول اسمه أبي نضرة قوله: «لما احتضر أبو جعفر محمد بن علي الباقر “ع” عند الوفاة دعا بابنه الصادق “ع” ليعهد إليه عهداً فقال له أخوه زيد بن علي “ع”: لو امتثلت في تمثال الحسن والحسين “ع” لرجوت أن لا تكون أتيت منكراً؟ فقال [الباقر “ع”] له يا أبا الحسن [يعني زيد]: إنّ الأمانات ليست بالتمثال ولا العهود بالرسوم، وإنّما هي أمور سابقة عن حجج الله عزّ وجل.
#ثم دعا بجابر بن عبد الله [الأنصاري] فقال له: يا جابر حدّثنا بما عاينت من الصحيفة، فقال له جابر: نعم؛ يا أبا جعفر [!!] دخلت على مولاتي فاطمة بنت رسول الله “ص” لأهنئها بمولود الحسين “ع” فإذا بيديها صحيفة بيضاء من درّة، فقلت لها: يا سيدة النساء ما هذه الصحيفة التي أراها معك؟ قالت: فيها اسماء الأئمة من ولدي [!!] قلت لها: ناوليني لأنظر فيها، قالت يا جابر: لو لا النّهي لكنت أفعل [!!]، لكنه قد نهى أن يمسها إلا نبي أو وصي نبي أو أهل بيت نبي، ولكنه مأذون لك أن تنظر إلى باطنها من ظاهرها [!!] قال جابر فإذا:
[1] أبو القاسم محمد بن عبد الله المصطفى أمه آمنة.
[2] أبو الحسن علي بن أبي طالب المرتضى أمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.
[3] أبو محمد الحسن بن علي البرّ.
[4] أبو عبد الله الحسين بن التقي، أمّهما فاطمة بنت محمد.
[5] أبو محمد علي بن الحسين العدل، أمه شهربانو بنت يزدجرد.
[6] أبو جعفر محمد بن علي الباقر، أمّه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب “ع”.
[7] أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق، وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.
[8] أبو إبراهيم موسى بن جعفر، أمّه جارية اسمها حميدة المصفاة.
[9] أبو الحسن علي بن موسى الرضا، أمّه جارية اسمها نجمة.
[10] أبو جعفر محمد بن علي الزكي، أمّه جارية اسمها خيزران.
[11] أبو الحسن علي بن محمد بن الأمين، أمّه جارية اسمها سوسن.
[12] أبو محمد الحسن بن علي الرفيق، أمّه جارية اسمها سمانة وتُكنّى أم الحسن.
[13] أبو القاسم محمد بن الحسن، هو حجة الله القائم، أمّه جارية اسمها نرجس “صلوات الله عليهم أجمعين”» [عيون أخبار الرضا ع: ج1، ص40].
#أقول: أنا لا أريد أن أدخل في التّناقضات الرّهيبة في مضمون هذه الأسطورة ورجال سندها، وسأؤجّل الحديث عنها إلى حين استعراض نصوصها بصيغها وأسانيدها المختلفة في عموم المصادر الحديثيّة الشّيعيّة لنرى المفارقات الّلافتة فيها، ولكنّي سأكتفي من باب العربون ببعض التّعليقات العاجلة:
#الأوّل: ليس لديّ شكّ بأنّ هذه الأسطورة نحتت في سياق المنافحة مع الزّيديّة الّذين كان لهم مشاكسات علميّة دقيقة مع المؤمنين بالإمامة الإثني عشريّة المعروفة في مرحلة ما يُصطلح عليه بالغيبة الصّغرى؛ فأريد من خلال هذه النّصوص قطع الطّريق أمامهم بدعوى إنّ الإمامة إلهيّة وبالنّص فقط، وزيد خارج عن هذا التّنصيص.
#وثانياً: أجمع المؤرّخون وعلماء التّراجم والسّير سُنّة وشيعة على إنّ جابر بن عبد الله الأنصاري قد توفّي قبل سنة ثمانين من الهجرة، وعليه: فكيف قُدّر للباقر “ع” أن يدعوه للحضور إلى مجلس احتضاره بعد أكثر من أربع وثلاثين سنة من وفاته؛ حيث كانت وفاة الباقر ع في سنة: “114هـ”؟!
#وثالثاً: الغريب والّلافت إنّ المرحوم الصّدوق حينما رأى في ذيل الرّواية اسم المهدي المحرّم إذاعته في تلك المرحلة ـ كما ورد في بعض النّصوص وطبّقه السّفراء تطبيقاً خاطئاً ـ سجّل ملاحظته فوراً وقال: «لقد ورد في هذه الرّواية ذكر اسم المهدي “ع”، والّذي أذهب إليه النّهي عن تسميته»، وهذا يعني إنّه ينهى الوزير الصّاحب بن عبّاد ومن يقرأ كتابه أن يشغّل عقله لمعرفة اسمه وتفاصيل ولادته وغيبته، لكنّه صمت وكأن على رأسه الطّير حينما رأى عدم معقوليّة حضور جابر بن عبد الله الأنصاري في جلسة الاحتضار الحاصلة بعد وفاة الأخير بما يزيد عن أربع وثلاثين سنة، والأتعس من ذلك كلّه إنّنا نجد رجاليّاً معاصراً كالمامقاني يسعى جاهداً من أجل إطالة عمر جابر بطريقة خرافيّة لكي يصحّح هذه الرّواية وأضرابها!!
#وفي الخاتمة: فهل عرفتم كيف أقنع المرحوم الصّدوق الوزير الصّاحب بن عبّاد البويهي بمحبّة أهل البيت “ع”؟! وهل عرفتم كيف تحوّل هذا الكتاب إلى مصدر الأساطير والتّخريفات عندنا؟! تابعونا لتعرفوا المزيد.


تنطلق إجابات المركز من رؤية مقاصدية للدين، لا تجعله طلسماً مطلقاً لا يفهمه أحد من البشرية التي جاء من أجلها، ولا تميّعه بطريقةٍ تتجافى مع مبادئه وأطره وأهدافه... تضع مصادره بين أيديها مستلّةً فهماً عقلانياً ممنهجاً... لتثير بذلك دفائن العقول...