تزويج البنت القاصر في المجتمعات غير المتعلّمة!!

#من الأخطاء الرّاكزة الّتي يكرّرها حتّى بعض المتديّنين الطّامحين لتعديل قانون الأحوال الشّخصيّة وإحلال فتاوى مشهور فقهاء ومراجع الشّيعة المعاصرين محلّه هي: إنّهم يتصوّرون إنّنا إذا ربطنا زواج الرّضيعة أو الصّبيّة أو القاصرة برضا أبيها أو جدّها فقد حُلّت المشكلة وعاشت هذه البنت مع زوجها حياة سعيدة حتّى بعد بلوغها سنّ الرّشد ومن ثمّ اليأس؛ ويقولون في تبرير ذلك: وهل هناك من هو أحرص على مصلحة القاصرة أكثر من أبيها وجدّها؟!
#لكنّ تعميم هذا التّبرير خطأ فاحش وساذج؛ وذلك لأنّ منح المسوّغ القانوني للآباء والأجداد لتزويج بناتهم وحفيداتهم مبكرّاً في المجتمعات غير المتعلّمة أو الغارقة في العشائريّة أو المذهبيّة يعني القضاء على مستقبل البنت واستقرارها وسعادتها ونحره من الوريد إلى الوريد؛ فالأب والجدّ والقاضي والمجتمع والعرف غير المتعلّم أو الغارق في العشائريّة والمذهبيّة يقدّر المصلحة وفقاً لما يراه ويعتقد به انسياقاً مع تربيته المتوارثة بآفاتها وسلبيّاتها وذكوريّتها، بينما يتطلّع عقلاء وحكماء الفقه القانونيّ إلى سلب هذا الحقّ منهم ودفعه سنوات إلى الأمام بأمل أن تتّضح الرّؤية عند البنت نفسها؛ فإنّ البنت إذا وصلت إلى مرحلة عمريّة معيّنة ومستوى علميّ بسيط فقد تكون قادرة ـ ولو بنسبة بسيطة جدّاً ـ على تشخيص ما يلائمها وينسجم معها في مشروع حياتها المستقبلي، وحينذاك تتوافق وتتلاءم نظرتها مع نظرة أبيها وجدّها وبعد الكسر والانكسار تُقدّم النّظرة الرّاجحة منهما إن شاء الله، أمّا تزويج البنت في مرحلة مبكّرة خصوصاً في المجتمعات غير المتعلّمة فهو إعضال وقمع مبكّر لا ينبغي الرّكون إليه انسياقاً مع توصيات روائيّة خُلقت لزمانٍ غير زماننا، وكم رأينا وشاهدنا وسمعنا ندم نساءٍ تشكو بعد مرور فترة قصيرة أو طويلة من زواجها بأنّها لم تكن راغبة أو واعية لخيارات أبيها في تزويجها المبكّر وقبل إكمال دراستها في عمر لم تكن تعرف فيه الهرّ من البرّ، ظانّاً إنّ ذلك من مصلحتها وفراراً من مسؤوليّة أخطائها الاجتماعيّة، وماذا ينفع ندمها بعد خراب البصرة وتوليد قطار من الأولاد والبنات؟!
#نتمنّى من بعض المدافعين عن هذا القانون أن يتلبّسوا بلباس المرأة المتزوّجة مبكّراً في المجتمعات غير المتعلّمة ويفكّروا في مخاطر هذا القانون، وأن ينزعوا صفة الذّكوريّة والعشائريّة والمصلحيّة في الدّفاع عن فتاوى مراجع تقليدهم على حساب الحياة السّعيدة لبنات العوائل البسيطة والمسحوقة في مجتمعنا العراقي؛ والله وليّ التّوفيق.