#خلقت الظّروف الخانقة والمريرة الّتي مرّت بها بعض الأقليّات الشّيعيّة في القرون الثّلاثة الأولى فرصة مناسبة لتطبيق المرويّات النبويّة حول المهدي الغائب “ع” على الإمام الّذي يرونه مصداقاً لها وفقاً لظروفه ومعاناتهم، فسبّب هذا الأمر ظهور فرق شيعيّة بعد كلّ رحيل كلّ إمام من الأئمّة المتوسّطين والمتأخّرين “ع”، خصوصاً مع لحاظ الإضافات الّتي أضافها الوضّاعون لمرويّات المهدويّة بغية انسجامها مع مرشّحهم لهذا المقام الكبير، ومن يراجع كتب الفرق والحديث الشّيعيّة وغيرها يجدها حافلة بأمثال هذه الأمور.
#وفي سياق هذا الموضوع نلاحظ توقّف جملة من كبار الرّواة والفقهاء من أصحاب الكاظم “ع” عليه وعدّوه القائم الّذي وعدت به الرّوايات الّتي سمعوها من الأئمّة السابقين وبعض الوضّاعين أيضاً، وهي ظاهرة لا يمكن إرجاعها لأسباب ماليّة فقط كما هو شائع ومتداول في بعض الكتب الشّيعيّة، بل تعود بعض تجليّاتها إلى غموض وإبهام في نفس مرويّات الغيبة، وغموض حقيقي في أدلّة الإمامة الشّيعيّة ومصاديقها أيضاً، وكيف ما كان:
#فقد وقف إبراهيم بن صالح الأنماطي على الكاظم “ع” وعدّه المهدي الغائب المأمول، وكتب كتاب الغيبة الّذي جمع فيه المرويّات الّتي رواها أو سمعها عمّن عاصرهم من الأئمّة “ع” حول هذا الموضوع، لكن الّلافت في الأمر: إنّ محدّثي القرن الرّابع والخامس قد استخدموا نفس مرويّاته الّتي طبّقها الأنماطي على الإمام السّابع لتطبيقها على الإمام الثّاني عشر وفقاً للرؤية الإثني عشريّة الإماميّة المعروفة.
#كما وقف الفقيه المعروف علي بن الحسن الطّاطري على الكاظم وعدّه المهديّ الغائب المأمول أيضاً، وألّف كتباً كثيرة في الدّفاع عن مذهبه، وكان شديد العناد في واقفيّته صعب العصبيّة على من خالفه من الإماميّة كما ذكر الرّجاليّون.
#وللطّاطري تلميذ مخلص لم يتعلّم من غيره وهو الحسن بن محمد بن سماعة والفقه الشّيعي حافل بمرويّاته، وكان معمّراً توفّى بعد وفاة الحسن العسكري “ع” بثلاث سنوات، ومعانداً متعصّباً في مذهب الواقفة كما ينصّون، وروى عن إستاذه الطّاطري مرويّات الغيبة، وألّف كتاباً تحت هذا الاسم أيضاً.
#الّلافت: إنّ نفس الرّوايات الّتي رواها ابن سماعة في كتابه الغيبة مستشهداً بها على كون الغائب هو الإمام السّابع وهو الكاظم “ع”، قد طبّقها المحدّثون فيما بعد على الإمام الثّاني عشر وهو المهدي المنتظر “ع”، مع إنّ حقيقة وجود الكاظم “ع” بالنسبة للواقفة وغيرهم لا يشكّ فيها بشر، لكنّ حقيقة وجود ولد للعسكري “ع” لم تكن كذلك.
#ما وددت الإشارة إليه على عجالة هو: إنّ بحث المهدويّة بالقراءة الشّيعيّة الأثني عشريّة المعاصرة والمعروفة وبعرضها العريض ليس بحثاً واضحاً شفّافاً جليّاً متواتراً كما يحاول بعض البسطاء تصويره، بل يعاني من ضبابيّة شديدة جدّاً لا يمكن تفتيتها بحديث المنابر واتّهام من يثير ذلك بالتخوين والسذاجة والعمالة، بل يحتاج إلى فحص وتنقيب وجرأة، وضرورة تفعيل قانون المعذّرية والمنجّزيّة الأصولي بقوّة فيه، والله الهادي إلى سبيل الصّواب.