#أشرت فيما مضى إلى عدم ثبوت رواية أحدٍ من أولاد زرارة السّبعة عن الأئمّة الّذين تلوا الصّادق “ع” سوى رومي الّذي نصّ النّجاشي على روايته ولم تُثبت المجاميع الرّوائيّة ذلك، وقد جعلت من هذا الأمر شاهداً على إثبات حيرة أبيهم الفقيه الكبير زرارة بن أعين وجهله باسم الإمام الّذي يلي الصّادق “ع”؛ خلافاً لجميع المحاولات التّأويليّة الّتي طرحها المرحوم الصّدوق ومن تبعه في سبيل تمييع هذه الحيرة أو إنكارها في أيّام الجدل والمنافحة مع الفرق الشّيعيّة الدّاخليّة في ذلك الوقت والّتي ولدت كثيراً ممّا اصطلحنا عليه بأدلّة ما بعد الوقوع.
#ولمّا عاد بعض الأخوة المتابعين إلى الموسوعات الحديثيّة وكتب الرّجال المختصّة أيضاً وجدوا حقّانيّة ودقّة ما نقول؛ حيث خلت هذه الموسوعات والكتب من أيّ رواية لأولاد زرارة السّبعة رويت ولو بشكل غير مباشر عن الكاظم “ع” أو عن من تلاه من الأئمّة “ع” سوى دعوى رواية أحدهم ولم تثبت كما أشرنا آنفاً، مع إنّ أسرة آل أعين عموماً وبيت زرارة خصوصاً من الأُسر العلمائيّة المعروفة الّتي قلّ أن تجد رجلاً منهم إلّا وقد روى الحديث كما قرّر المختصّون، وهذا ما يعزّز بشدّة ما أشرنا إليه من شكوك موضوعيّة في وضوح الإمامة الشّيعيّة بمعناها التّداولي في تلك الّلحظة التأسيسيّة.
#لكن بعض الأخوة الكرام سعى جاهداً لإثبات خطأ هذا الكلام، مدّعياً إنّنا لم نلتفت إلى نّص ادّعى نسبته إلى أبي غالب الزّراري المتوفّى سنة: “368هـ” يقرّر فيه رواية رومي وعبيد وعبد الله أولاد زرارة عن الكاظم “ع” [!!]، وأحال متابعيه ـ وبعض متابعيه سيء الخُلق؛ لم ولن يذق طعم العلم يوماً في حياته ـ إلى كتاب: [تاريخ آل زرارة، ص15]، وبهذا حاول التّشكيك في موضوعيّتنا وأمانتنا العلميّة في النّقل ولو بشكل غير مباشر.
#وفي مقام الإجابة على هذا الاعتراض أجد من الّلازم تسجيل بعض الملاحظات:
#الأولى: إنّ كتاب “تاريخ آل زرارة” ليس لأبي غالب الزّراري المتوفّى سنة: “368هـ” كما توهّم الكاتب، بل هو للسيّد محمد علي الموحّد الأبطحي الأصفهاني المتوفّى قبل سنوات في مدينة قم الإيرانيّة، ولو رجع إلى السّطر الثّالث من نفس الصّفحة الّتي نقل منها هذا الكلام لوجد إنّ الكاتب يحيل إلى أبي غالب الزرّاري ورسالته المشهورة، ولعلّ الّذي سبّب هذا التّوهم هو: برنامج “مكتبة أهل البيت الكمبيوتريّة” وبتبعه المكتبات الشّيعيّة الإلكترونيّة؛ حيث نُسب الكتاب فيها إلى أبي غالب الزرّاري كما هو موثّق في الصّور المرفقة، لذا نتمنّى من الأخوة تصحيح هذه النسبة لما يترتّب عليها من نتائج غير محمودة، وعلى الباحثين أن يدقّقوا أكثر في إرجاعتهم في أمثال هذه المواضيع الدّقيقة.
#الثّانية: لم يذكر أبو غالب الزّراري في رسالته الصّغيرة المعروفة حول آل أعين رواية أحد من أولاد زرارة عن الكاظم “ع” على الإطلاق، وكلّ ما ذكره هو النّص التّالي: «ولقي عبيد بن زرارة وغيره من بني أعين أبا الحسن موسى بن جعفر [الكاظم] “ع”». [ص: 114]، ومن الواضح إنّ الّلُقيا أعمّ من الرّواية، ونحن لا نضايق من وقوعها، وكيف لا يمكن فرض ذلك وعبيد رسول أبيه زرارة إلى المدينة لتفحّص الحال، لكن ثبوت رواية عبيد عن الكاظم “ع” أمر متعذّر وفقاً للمعطيات الرّوائيّة والرّجاليّة المعاصرة.
#الثّالثة: لعلّ الّذي أوهم المرحوم الأبطحي بذلك هو عبارة الزّراري الآنفة الّذكر؛ حيث علّق الأوّل عليها في مؤلفه الآخر الّذي حاول شرح رسالة الزّراري فيه إنّه استند إلى هذه العبارة لعدّ عبيد أو عبيد الله أو عبد الله ـ على اختلاف النّسخ ـ من أصحاب الكاظم “ع” [ص8]، وهذا الكلام كما ترى واضح البطلان؛ إذ لا العبارة تساعد عليه ولا تصريح عموم الرّجاليين النّافية لروايتهم وصحبتهم للكاظم “ع” أيضاً؛ ولعلّ هذا الأمر من سهو قلمه الشّريف، وسنعود إلى طرح معايير الصّحبة والرّواية في القادم من المقالات.
#وأخيراً: سنعود إلى سدّ جميع الثّغرات المترائية في حيرة زرارة وعدم ثبوت رواية عموم أولاده عن الأئمّة من بعد الصّادق “ع” في القادم من المقالات إن شاء الله؛ لنثبت لكم دعوانا الّتي كرّرناها مراراً وهي: إنّ الإمامة بصيغتها الشّيعيّة المتداولة وعرضها العريض لم تكن واضحة وجليّة في أوساط ممثّلي الاتّجاه الرّسمي من أصحاب الأئمّة المتقدّمين والمتأخّرين “ع”، والله من وراء القصد.