#نقلنا فيما تقدّم: عموم السّيناريوهات المطروحة في ولادة المحدّث الصّدوق بدعاء الحجّة “ع” ودور ما يُصطلح عليه بالسّفير الثّالث فيها، وعرفنا أيضاً: إنّ مصدر جميع هذه السّيناريوهات شخص واحد مجهول لم تذكره كتب الرّجال والسيّرة بمدح أو بذمٍّ سوى ترحّم وترضّي نفس الصّدوق عليه وهو: محمد بن عليّ الأسود، وقد آن الآون لكي نطرح شيئاً من تأمّلاتنا النّهائيّة حول هذا الموضوع، آملين من المتابعين أن لا يصدّقوا بمقولة المشهورات والضّرورات دون أن يتفحّصوا أدلّتها وأسباب شهرتها وضرورتها:
#التّأمّل الأوّل: وفق السّيناريو الّذي رواه الصّدوق فإنّ الظّاهر من ترضّي وترحّم محمد بن عليّ الأسود على والد الصّدوق حين نقله الحادثة إلى الصّدوق إنّ هذا النّقل كان بعد وفاة وفاة والده، كما إنّ تكرارها الكثير حين رؤية الصّدوق أو أخيه في درس ابن الوليد أو غيره يؤكّد ذلك، وهذا يعني إنّ القصّة لم تكن مستفيضة ولا مشهورة في زمن حياة والد الصّدوق في عامّ: “329هـ” كما هو المعروف، ولو كانت مستفيضة ومشهورة فهل يُعقل أن لا يحدّث ابن بابِويه ولديه الصّدوق وأخيه الحسين بها خصوصاً وهم عاشوا فترة عشرين سنة أو قريب منها معه وفقاً للتّواريخ المعروفة، كما قد خصّ الوالد ولده الصّدوق برسالة فقهيّة معروفة.
#التّأمّل الثّاني: وفق السّيناريو الّذي ذكره النّجاشي فإنّ صيغة الدّعاء الّتي خرجت من السّفير أو الإمام حسب الفرض هي: «قد دعونا الله لك بذلك، وسترزق ولدين ذكرين خيّرين»؛ مع إنّهم متّفقون فيما بينهم على إنّ والد الصّدوق رُزق بثلاثة أولاد، وجميعهم خيّرون أيضاً، نعم يمكن حلّ هذه المشكلة بتكلّف وفقاً لصيغة الدّعاء الّتي رواها الطّوسي حيث جاءت عبارة: «ولدين فقيهين»، وبذلك يخرج الولد الأوسط من أبناء ابن بابِويه “الأب”؛ لأنّ الأوسط كما نصّ الطّوسي «مشتغل بالعبادة والزهد، لا يختلط بالناس ولا فقه له»، ولا ندري هل إنّ الولد الأوسط المشغول بالعبادة والزّهد قد ولد بعناية دعاء الإمام “ع” أم إنّه ولد وفقاً للأسباب الطّبيعيّة؟!
#التّأمّل الثّالث: وفق السّيناريو الّذي ذكره الطّوسي فنحن لا نعرف كيف قُدّر لوالد الصّدوق أن يمتلك جارية ديلميّة بعد هذا الدّعاء فوراً وينجب منها ثلاثة أبناء على التّوالي؛ فإذا كانت مشكلة عدم إنجاب والد الصّدوق ترتبط بمشكلة طبّيّة عائدة إلى زوجته الأولى فزواجه من أمرأة ثانية هو الّذي هيّأ أسبابه بالدّرجة الأولى وليس الدّعاء؛ فإنّ الدّعاء إنّما يكون له خصوصيّة وكرامة يُشار إليها وتُشتهر إذا ما استعصت الأسباب الطّبيعيّة بعد سنوات طويلة من عدم الإنجاب فيأتي الدّعاء ليتجاوز جميع ذلك فيتحدّث النّاس حينها عن كرامة وخصوصيّة حصلت بتوسّط الدّعاء، أمّا إذا كان سبب هذا الأمر هو مشاكل صحّيّة عند الزّوجة الأولى فالإنجاب من جارية ديلميّة لا مشاكل صحّيّة عندها سيكون أمراً طبيعيّاً لا حاجة للتّفاخر بكونه كرامة وخصوصيّة وفّرها دعاء السّفير أو الإمام؛ فكأنّ السّفير أو الإمام مارسا دور الطّبيب بالنّسبة له، وقالا له: زوجتك الأولى لا تنجب، وعليك أن تتزوّج من أمرأة ثانية.
#التّأمّل الرّابع: نحن نتعقّل جدّاً أن يطلب والد الصّدوق الدّعاء لطلب الولد؛ خصوصاً إذا كان قد مرّ على زواجه مدّة طويلة مثلاً؛ فإنّ مثل هذا الأمر يحصل ويتداول بشكل طبيعي فيطلب الإنسان الدّعاء من الصّالحين والمؤمنين باعتبار نقائهم وصفاء نيّتهم وقربهم من الله تعالى أن تُقضى حوائجه وتُسهّل أموره فتجري الأمور كما يريد، ولكن أن توظّف هذه الفقرة في سبيل إثبات قضيّة عقديّة كبرى كالمهدويّة بصيغتها الشّيعيّة، استغلالاً لمشاعر النّاس وعواطفها فهذا ما لا يمكن استساغته كبديل عن البحث العلمي الجّاد الّذي أقرّته شريعة العقل والسّماء في أمثال هذه المواضيع الكبيرة.