تأمّلات في روايات علم الأئمّة بجميع الّلغات!!

29 يناير 2017
1865
ميثاق العسر

#كنت قد نوّهت في مقال سابق إلى ضرورة تنقية ثقافتنا الشّيعيّة من الرّوايات الّتي تُسهم في تزييف وعي حاملها وإبعاده عن المعدن الحقيقي لأهل البيت “ع”، وأشرت صراحة إلى عدم تفاعلي مع روايات علم الإمام بجميع الّلغات وعدم حاجته إلى المترجمين واعتبار ذلك إعجازاً وكرامة وإثباتاً لإمامتهم، ونوّهت إلى إنّ أهل بيت الرّسالة والنبّوة “ع” […]


#كنت قد نوّهت في مقال سابق إلى ضرورة تنقية ثقافتنا الشّيعيّة من الرّوايات الّتي تُسهم في تزييف وعي حاملها وإبعاده عن المعدن الحقيقي لأهل البيت “ع”، وأشرت صراحة إلى عدم تفاعلي مع روايات علم الإمام بجميع الّلغات وعدم حاجته إلى المترجمين واعتبار ذلك إعجازاً وكرامة وإثباتاً لإمامتهم، ونوّهت إلى إنّ أهل بيت الرّسالة والنبّوة “ع” لم يكن نهجهم تعاطي هكذا أمور، وهذا الأمر لم يكن تشهّيّاً أو تبعيضاً أو مزاجيّة كما قد يحلو تسميته، بل هو نتاج رؤية اجتهاديّة انطلق منها في التّعامل مع أمثال هذه النّصوص الروائيّة كما أوضحت مبرهناً في المقال السّابق.
#لكن يبدو إنّ هذا الموضوع وقع على بعض الأخوة كالصاعقة؛ وكأنّ فضل وعلم وكرامة ومقام أهل البيت “ع” يتوقّف على إثبات علمهم بالّلغة السنسكريتيّة والانجليزيّة والفرنسيّة والألمانيّة والفارسيّة والهنديّة والكرديّة…إلخ من الّلغات بل وحتّى الصناعات الّتي لم تكن موجودة في زمانهم أيضاً، وما أن كتبنا ذلك الموضوع حتّى بدأوا يملؤون التّعليقات بروايات تتضمّن إثبات هذا المضمون حسب فهمهم، وكأن كاتب هذا السّطور لم يكن مطّلعاً أو متفحّصاً لجميعها، وهذا الأمر دعاني إلى ذكر جانب من منهجي العامّ في التّعامل مع النّصوص الروائيّة حتّى وإن كانت صحيحة، لأفتح من خلاله نافذة للباحثين عن الحقيقة لكي يذهبوا صوب تفحّص السّياقات التّاريخيّة الّتي ولّدت بعض النّصوص الروائيّة أو الظّروف الّتي نشأت فيها، بل وتفحّص الأسباب الّتي تكمن وراء توثيق رواتها، وضربنا مثلاً على ذلك ما تفرّد به أبو الصّلت من مرويّات، ودعونا إلى ضرورة دراسة الأسباب السايكلوجيّة الّتي جعلت الرجاليّين السُنّة في حيرة من أمره.
#وفي هذا اليوم وقع بيدي كتاب للشّيخ آصف محسني حمل عنوان: “معجم الأحاديث المعتبرة”، فوجدته متطابق تماماً مع ما ذكرته في خصوص روايات أبي الصّلت وإن لم اتّفق معه في خصوص بعض الاستظهارات التّفسيريّة الّتي احتملها، فأحببت أن أضعه بين أيديكم وأشارككم فيه؛ علّني بذلك أنبّه بعض السّادة الكرام إلى إنّ العلم والتّحقيق لا يحصل عليه الإنسان من خلال الزعيق والضجيج والصّراخ، بل يحتاج إلى تأمّل وصمت وصبر وشجاعة في نفس الوقت.
#عقد الشّيخ آصف محسني في الجّزء الثّاني من موسوعته عنوان: «علمهم “ع” بالّلغات»، ولم يذكر فيه سوى رواية واحدة فقط وفقط، وهي رواية أبي الصّلت الّتي ذكرناها في المقال السّابق ونوّهنا إلى المشاكل الّتي فيها، وهذا الأمر لا يثير غرابة لحدّ الآن، ولكن الّلافت هو تعليق آصف محسني على هذه الّرواية، دعوني أنقل لكم الرّواية وأردفها بعد ذلك بالتّعليق:
جاء في معجم الأحاديث المعتبرة: «عيون الأخبار: عن الهمداني عن علي عن أبيه عن الهروي، قال: كان الرّضا ع يكلّم النّاس بلغاتهم، وكان والله أفصح النّاس وأعلمهم بكلّ لسان ولغة، فقلت له يوماً: يابن رسول الله إنّي لأعجب من معرفتك بهذه الّلغات على اختلافها؟! فقال: يا أبا الصّلت، أنا حجّة الله على خلقه، وما كان ليتّخذ حجّة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم، أو ما بلغك قول أمير المؤمنين “ع”: أوتينا فصل الخطاب؟ فهل فصل الخطاب إلّا معرفة الّلغات؟!» .
وهنا علّق آصف محسني قائلاً:
#أقول: نسأل الهروي لِم تقسم على ما لا تعلم؟! أنت لم تكن عالماً بكلّ لغة ولسان بوجه، فمن أين علمت أنّ الرّضا “ع” أفصح بكلّ لسان ولغة؟! وهذا الرّاوي رغم توثيقه في علم الرّجال لا بدّ من الاحتياط في رواياته كما ذكرنا في بعض مقامات أخر من هذه الموسوعة…». [معجم الأحاديث المعتبرة: ج2، ص119].
#نسأل الله أن يقيّض لمذهب أهل البيت “ع” رجالاً يحرّكون الجّمود الحاصل في جميع مفاصل مقولاته، ونسأله تعالى أن يدفع عن شيعة آل محمد شرار السّذاجة المطعّمة بالجّهل إنّه سميع الدّعاء.


تنطلق إجابات المركز من رؤية مقاصدية للدين، لا تجعله طلسماً مطلقاً لا يفهمه أحد من البشرية التي جاء من أجلها، ولا تميّعه بطريقةٍ تتجافى مع مبادئه وأطره وأهدافه... تضع مصادره بين أيديها مستلّةً فهماً عقلانياً ممنهجاً... لتثير بذلك دفائن العقول...